فصل: تفسير الآية رقم (20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (20):

{وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20)}
{وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ} أي التجأت إليه تعالى وتوكلت عليه جل شأنه {أَن تَرْجُمُونِ} من أن ترجموني أي تؤذوني ضربًا أو شتمًا أو أن تقتلوني، وروى هذا عن قتادة وجماعة قيل. لما قال: {أن لا تعلوا على الله} [الدخان: 19] توعدوه بالقتل فقال ذلك، وفي البحر أن هذا كان قبل أن يخبره عز وجل بعجزهم عن رجمه بقوله سبحانه: فلا يصلون إليكما والجملة عطف على الجملة المستأنفة، وقرأ أبو عمرو. والإخوان عت بإدغام الذال في التاء.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21)}
{وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ فاعتزلون} فكونوا عزل مني لا علي ولا لي ولا تتعرضوا لي بسوء فليس ذلك جزاء من يدعوكم إلى ما فيه فلا حكم، وقيل: المعنى وإن لم تؤمنوا لي فلا موالاة بيني وبين من لا يؤمن فتنحوا واقطعوا أسباب الوصلة عني، ففي الكلام حذف الجواب وإقامة المسبب عنه مقامه والأول أوفق بالمقام، والاعتزال عليه عبارة عن الترك وإن لم تكن مفارقة بالأبدان.

.تفسير الآية رقم (22):

{فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22)}
{فَدَعَا رَبَّهُ} بعد أن أصروا على تكذيبه عليه السلام {إِنَّ هَؤُلاَء قَوْمٌ مُّكْرَمُونَ} أي بأن هؤلاء إلخ فهو بتقدير الباء صلة الدعاء كمايقال دعا بهذا الدعاء، وفيه اختصار كأنه قيل: أن هؤلاء قوم مجرمون تناهى أمرهم في الكفر وأنت أعلم بهم فافعل بهم ما يستحقونه قيل كان دعاؤه عليه السلام اللهم عجل لهم ما يستحقون باجرامهم، وقيل: قوله: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظالمين} إلى قوله: {فَلاَ يُؤْمِنُواْ حتى يَرَوُاْ العذاب الاليم} [يونس: 85-88] وإنما ذكر الله سبحانه السبب الذي استوجبوا به الهلاك ليعلم منه دعاؤه والإجابة معًا وأن دعاءه كان على يأس من إيمانهم وهذا من بليغ اختصارات الكتاب المعجز.
وقرأ ابن أبي إسحق. وعيسى. والحسن في رواية. وزيد بن علي بكسر همزة أن وخرج على إضمار القول أي قائلًا أن هؤلاء إلخ.

.تفسير الآية رقم (23):

{فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)}
{فَأَسْرِ بِعِبَادِى} وهم بنو إسرائيل وم آمن به من القبط {لَيْلًا} بقطع من الليل، والكلام باضمار القول أما بعد الفاء أي فقال أسر إلخ فالفاء للتعقيب والترتيب والقول معطوف على ماقبله أو قبلها كأنه قيل قال: أو فقال أن كان الأمر كما تقول: فاسر إلخ، فالفاء واقعة في جواب شرط مقدر وهو وجوابه مقول القول المقدر مع الفاء أو بدونها على أنه استئناف والاضمار الأول لقلة التقدير مع أن تقدير أن لا يناسب إذ لا شك فيه تحقيقًا ولا تنزيلًا وجعلها عنى إذا تكلف على تكلف وأبو حيان لا يجيز حذف الشرط وإبقاؤ جوابه في مثل هذا الموضع وقد شنع على الزمخشري في تجويزه، وقرأ نافه. وابن كثير. {فَأَسْرِ} بوصل الهمزة من سرى.
{إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} يتبعكم فرعون وجنوده إذا علموا بخروجكم فالجملة مستأنفة لتعليل الأمر بالسرى ليلًا ليتأخر العلم به فلا يدركون والتأكيد لتقدم ما يلوح بالخبر.

.تفسير الآية رقم (24):

{وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)}
{واترك البحر رَهْوًا} أي ساكنًا كما قال ابن عباس يقال رها البحر يرهو رهوًا سكن ويقال: جاءت الخيل رهوًا أي ساكنة، قال الشاعر:
والخيل تمزع رهوًا في أعنتها ** كالطير ينجو من الشؤبوب ذي البرد

ويقال افعل ذلك رهوًا أي ساكنًا على هينة وأنشد غير واحد للقطامي في نعت الركاب:
يمشين رهوًا فلا الإعجاز خاذلة ** ولا الصدور على الاعجاز تتكل

والظاهر أنه مصدر في الأصل يؤول باسم الفاعل، وجوز أن يكون عنى الساكن حقيقة وعن مجاهد رهوًا أي منفرجًا مفتوحًا قال أبو عبيدة رها الرجل يرهو رهوًا فتح بين رجليه، وعن بعض العرب أنه رأى جملًا فالجأ أي ذا سنامين فقال: سبحان الله تعالى رهو بين سنامين قالوا: أراد فرجة واسعة، والظاهر أيضًا أنه مصدر مؤول أو فيه مضاف مقدر أي ذا فرجة قال قتادة: أراد موسى عليه السلام بعد أن جاوز البحر هو ومن معه أن يضربه بعصاه حتى يلتئم كما ضربه أولًا فانفلق لئلا يتبعه فرعون وجنوده فأمر بأن يتركه رهوًا أي مفتوحًا منفرجًا أو ساكنًا على هيئته قارًا على حاله من انتصاب الماء وكون الطريق يبسًا ولا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئًا ليدخله القبط فإذا حصلوا فيه أطبقه الله تعالى عليهم، وذلك قوله تعالى: {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} فهو تعليل للأمر بتركه رهوًا، وقيل: رهوًا سهلًا، وقيل: يابسًا، وقيل: جددًا، وقيل: غير ذلك والكل بيان لحاصل المعنى، وزعم الراغب أن الصحيح أن الرهو السعة من الطريق ثم قال: ومنه الرهاء المفازة المستوية ويقال لكل جوبة مستوية يجتمع فيها الماء رهو ومنه قيل: لا شفعة في رهو. والحق أن ما ذكره من جملة إطلاقاته وأما أنه الصحيح فلا وقرئ {أَنَّهُمْ} بالفتح أي لأنهم.

.تفسير الآية رقم (25):

{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25)}
{كَمْ تَرَكُواْ} أي كثيرًا تركوا صر {مّن جنات وَعُيُونٍ}.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26)}
{وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} حسن شريف في بابه، وأريد بذلك كما روى عن قتادة المواضع الحسان من المجالس والمساكن وغيرها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس وابن مردويه عن جابر أنه أريد به المنابر وروى ذلك عن مجاهد وابن جبير أيضًا، وقيل: السرر في الحجال والأول أولى، وقرأ ابن هرمز. وقتادة. وابن السميقن. ونافع في رواية خارجة {مَّقَامِ} بضم الميم.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)}
{وَنَعْمَةٍ} أي تنعم، قال الراغب: النعمة بالفتح التنعم وبناؤها بناء المرة من الفعل كالضربة والشتمة والنعمة بالكسر الحالة الحسنة وبناؤها بناء التي يكون عليها الإنسان كالجلسة والركبة وتقال للجنس الصادق بالقليل والكثير واختير هاهنا تفسير النعمة بالشيء المنعم به لأنه أنسب للترك وهي كثيرًا ما تكون بهذا المعنى.
وقرأ أبو رجاء {وَنَعْمَةٍ} بالنصب وخرج بالعطف على {كَمْ} [الدخان: 25]، وقيل: هي معطوفة على محل ما قبلها كأنه قيل: كم تركوا جنات وعيونًا وزروعًا ومقامًا كريمًا ونعمة {كَانُواْ فِيهَا فاكهين} طيبي الأنفس وأصحاب فاكهة ففاكه كلابن وتامر، وقال القشيري: لاهين، وقرأ الحسن. وأبو رجاء {فَكِهِينَ} بغير ألف والفكه يستعمل كثيرًا في المستخف المستهزئ فالمعنى مستخفين بشكر النعمة التي كانوا فيها.
وقال الجوهري؛ فكه الرجل بالكسر فهو فكه إذا كان مزاحًا والفكه أيضًا الأشر.

.تفسير الآية رقم (28):

{كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28)}
{كذلك} قال الزجاج: المعنى الأمر كذلك، والمراد التأكيد والتقرير فيوقف على ذلك فالكاف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف أو الجار والمجرور كذلك، وقيل: الكاف في موضع نصب أي نفعل فعلًا كذلك لمن نريد إهلاكه، وقول الكلبي: أي كذلك أفعل بمن عصاني ظاهرًا فيما ذكر، وقال الزمخشري: الكاف منصوبة على معنى مثل ذلك الإخراج أي المفهوم مما تقدم أخرجناهم منها {وأورثناها قَوْمًا ءاخَرِينَ} عطف على {تركوا} [الدخان: 25] والجملة معترضة فيما عدا القول الأخير وعلى أخرجناهم فيه، وقيل: الكاف منصوبة على معنى تركوا تركًا مثل ذلك فالعطف على {تَرَكُواْ} بدون اعتراض وهو كما ترى، والمراد بالقوم الآخرين بنو إسرائيل وهم مغايرون للقبط جنسًا ودينًا. ويفسر ذلك قوله تعالى في سورة الشعراء (59) {كَذَلِكَ وأورثناها بَنِى إسراءيل} وهو ظاهر في أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون وملكوها وبه قال الحسن.
وقيل: المراد بهم غير بني إسرائيل ممن ملك مصر بعد هلاك القبط وإليه ذهب قتادة قال: لم يرد في مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر ولا أنهم ملكوها قط وأول ما في سورة الشعراء بأنه من باب {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فاطر: 11] وقولك: عندي درهم ونصفه فليس المراد خصوص ما تركوه بل نوعه وما يشبهه، والإيراث الإعطاء. وقيل: المراد من إيراثها إياهم تمكينهم من التصرف فيها ولا يتوقف ذلك على رجوعهم إلى مصر كما كانوا فيها أولًا، وأخذ جمع بقول الحسن وقالوا لا اعتبار بالتواريخ وكذا الكتب التي بيد اليهود اليوم لما أن الكذب فيها كثير وحسبنا كتاب الله تعالى وهو سبحانه أصدق القائلين وكتابه جل وعلا مأمون من تحريف المحرفين.

.تفسير الآية رقم (29):

{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)}
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض} مجاز عن عدم الاكتراب بهلاكهم والاعتداد بوجودهم، وهو استعارة تمثيلية تخييلية شبه حال موتهم لشدته وعظمته بحال من تبكي عليه السماء والأجرام العظام وأثبت له ذلك والنفي تابع للإثبات في التجوز كما حقق في موضعه، وقيل: هي استعارة مكنية تخييلية بأن شبه السماء والأرض بالإنسان وأسند إليهما البكاء أو تمثيلية بأن شبه حالهما في عدم تغير حالهما وبقائهما على ما كانا عليه بحال من لم يبك، وليس بشيء كما لا يخفى على من راجع كلامهم، وقد كثر في التعظيم لمهلك الشخص بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح ونحو ذلك، قال يزيد بن مفرغ:
الريح يبكي شجوه ** والبرق يلمع في غمامه

وقال النابغة:
بكى حارث الجولان من فقد ربه ** وحوران منه خاشع متضائل

أراد بهما مكانين معروفين، وقال جرير:
لما أتى بخبر الزبير تواضعت ** سور المدينة والجبال الخشع

وقال الفرزدق يرثي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز:
الشمس طالعة ليست بكاسفة ** تبكي عليك نجوم الليل والقمرا

يتعجب من طلوع الشمس وكان من حقها أن لا تطلع أو تطلع كاسفة، والنجوم تروى منصوبة ومرفوعة فالنصب على المغالبة أي تغلب الشمس النجوم في البكاء نحو باكيته فبكيته، قال جار الله: كان رضي الله تعالى عنه يتهجد بالليل فتبكيه النجوم ويعدل بالنهار فتبكيه الشمس والشمس غالبة في البكار لأن العدل أفضل من صلاة الليل، والجوهري جعلها منصوبة بكاسفة أي لا تكسف ضوء النجوم لكثرة بكائها وكأنه جعل خفاء النجوم تحت ضوء الشمس كسفًا لها مجازًا، وفيه أن الكسف بالمعنى المذكور غير واضح وتخلل تبكي غير مستفصح وفي حواشي الصحاح الشمس كاسفة ليست بطالعة.
وفيها أن نجوم الليل ظرف أي طول الدهر كأنه من باب آتيك الشمس والقمر أي وقتهما كأنه قيل: تبكي ما يطلع النجوم والقمر، وفيه أن مثل هذا الظرف مسموع لا يثبت إلا بثبت فكيف يعدل إليه مع المعنى الواضح، وقيل: التقدير تبكي بكاء النجوم فحذف المضاف. وفيه أنه مما لا يكاد يفهم، والرفع واضح والقمر منصوب على أنه مفعول معه وهذا استطراد دعانا إليه شهرة البيت مع كثرة الخبط فيه.
وأخرج الترمذي. وجماعة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد إلا وله في السماء بابان باب يصعد مه علمه وباب ينزل منه رزقه فالمؤمن إذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا هذه الآية: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض}» وذكر أنهم لم يكونوا يعملون على وجه الأرض عملًا صالحًا فتفقدهم فتبكي عليهم، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان والحاكم وصححه وغيرهما عن ابن عباس قال؛ «إن الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحًا ثم قرأ الآية» وأخرج ابن المنذر. وغيره عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء ثم تلا {فَمَا بَكَتْ} إلخ وجعلوا كل ذلك من باب التمثيل.
ومن أثبت كالصوفية للأجرام السماوية والأرضية وسائر الجمادات شعورًا لائقًا بحالها لم يحتج إلى اعتبار التمثيل وأثبت بكاء حقيقيًا لها حسا تقتضيه ذاتها ويليق بها أو أوله بالحزن أو نحوه وأثبته لها حسب ذلك أيضًا.
وأخرج ابن جرير. وابن المنذر عن عطاء بكاء السماء حمرة أطرافها. وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن نحوه، وأخرج عن سفيان الثوري قال: كان يقال هذه الحمرة التي تكون في السماء بكاء السماء على المؤمن؛ ولعمري ينبغي لمن لم يضحك من ذلك أن يبكي على عقله، وأنا لا أعتقد أن من ذكر من الأجلة كانوا يعتقدونه، وقيل: إن الآية على تقدير مضاف أي فما بكت عليهم سكان السماء وهم الملائكة وسكان الأرض وهم المؤمنون بل كانوا بهلاكهم مسرورين.
وروى هذا عن الحسن والأحسن ما تقدم {وَمَا كَانُواْ} لما جاء وقت هلاكهم {مُّنظَرِينَ} ممهلين إلى وقت آخر أو إلى يوم القيامة بل عجل لهم في الدنيا.