فصل: تفسير الآية رقم (48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (48):

{ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)}
{ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} كأن أصله صبوا فوق رأسه الحميم، ثم قيل: صبوا فوق رأسه عذابًا هو الحميم للمبالغة بجعل العذاب عين الحميم، وهو مترتب عليه ولجعله مصبوبًا كالمحسوس ثم أضيف العذاب إلى الحميم للتخفيف، وزيد {مِنْ} للدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع فهناك إما تمثيل أو استعارة تصريحية أو مكنية أو تخييلية.

.تفسير الآية رقم (49):

{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)}
{ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} أي ويقال: أو قولوا له ذلك استهزاءً وتقريعًا على ما كان يزعمه.
أخرج عبد الرزاق وغيره عن قتادة قال: لما نزلت {خُذُوهُ فاعتلوه إلى سُوء الجحيم} [الدخان: 47] قال أبو جهل: ما بين جبليها رجل أعز ولا أكرم مني، فقال الله تعالى: {ذُقْ} إلخ.
وأخرج الأموي في مغازيه عن عكرمة أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء لقد علمت أنني أمنع أهل بطحاء وأنا العزيز الكريم فقتله الله تعالى يوم بدر وأذله وعيره بكلمته {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} وروي أن اللعين قال يومًا: يا معشر قريش أخبروني ما أسمي فذكرت له ثلاثة أسماء عمر والجلاس. وأبو الحكم فقال: ما أصبتم أسمي إلا أخبركم به؟ قالوا: بلى قال: اسمي العزيز الكريم فنزلت {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم} [الدخان: 43] الآيات، وهذا ونحوه لا يدل أيضًا على تخصيص حكم الآية به فكل أثيم يدعي دعواه كذلك يوم القيامة، وقيل: المعنى ذق إنك أنت العزيز في قومك الكريم عليهم فما أغنى ذلك عنك ولم يفدك شيئًا، والذوق مستعار للإدارك.
وقرأ الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما على المنبر. والكسائي {إِنَّكَ} بفتح الهمزة على معنى لأنك.

.تفسير الآية رقم (50):

{إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)}
{إِنَّ هَذَا} أي العذاب أو الأمر الذي أنتم فيه {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكون وتمارون فيه، وهذا ابتداء كلام منه عز وجل أو من مقول القول والجمع باعتبار المعنى لما سمعت أن المراد جنس الأثيم.

.تفسير الآية رقم (51):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)}
{إِنَّ المتقين فِي مَقَامٍ} في موضع قيام، والمراد بالقيام الثبات والملازمة كما في قوله تعالى: {مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75] ويكنى به عن الإقامة لأن المقيم ملازم لمكانه، وهو مراد من قال: في مقام أي موضع إقامة.
وقرأ عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما. وزيد بن علي. وأبو جعفر. وشيبة. والأعرج. والحسن. وقتادة. ونافع. وابن عامر {مَّقَامِ} بضم الميم ومعناه موضع إقامة، وعلى ما قررنا ترجع القراءتان إلى معنى واحد.
{أَمِينٌ} يأمن صاحبه مما يكره فهو صفة من الأمن وهو عدم الخوف عما هو من شأنه، ووصف المقام به باعتبار أمن من آمن به فهو إسناد مجازي كما في نهر جار، وظاهر كلام الزمخشري أن ذلك استعارة من الأمانة كأن المكان مؤتمن وضع عنده ما يحفظه من المكاره ففيه استعارة مكنية وتخييلية، وقال ابن عطية: فعيل عنى مفعول أي مأمون فيه وليس بذاك، وجوز أن يكون للنسبة أي ذي أمن.

.تفسير الآية رقم (52):

{فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52)}
{فِى جنات وَعُيُونٍ} بدل من {مَّقَامِ} [الدخان: 51] بإعادة الجار أو الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور، وظرفية العيون للمجاورة، والظاهر أنه بدل اشتمال لا كل وبعض، وفي ذلك دلالة على نزاهة مكانهم واشتماله على ما يستلذ من المآكل والمشارب.

.تفسير الآية رقم (53):

{يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53)}
{يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} خبر ثان أو حال من الضمير في الجار والمجرور أو استئناف، والسندس قال ثعلب: الرقيق من الديباج والواحدة سندسة، والاستبرق غليظه، وقال الليث: هو ضرب من البزيون يتخذ من المرعز، ولم يختلف أهل اللغة في أنهما معربان كذا ذكره بعضهم.
وفي الكشاف الاستبرق ما غلظ من الديباج وهو تعريب استبر، قال الخفاجي: ومعنى استبر في لغة الفرس الغليظ مطلقًا ثم خص بغليظ الديباج وعرب، وقيل: إنه عربي من البراقة، وأيد بقراءته بوصل الهمزة وهو كما ترى.
وذكر بعضهم أن السندس أصله سندي ومعناه منسوب إلى السند المكان المعروف لأن السندس كان يجلب منه فأبدلت ياء النسبة سينًا، وقد مر الكلام في ذلك فتذكر، ثم إن وقوع المعرب في القرآن العظيم لا ينافي كونه عربيًا مبينًا. ونقل صاحب الكشف عن جار الله أنه قال: الكلام المنظوم مركب من الحروف المبسوطة في أي ليان كان تركي أو فارسي أو عربي ثم لا يدل على أن العربي أعجمي فكذا هاهنا، ثم قال صاحب الكشف: يريد أن كون استبر أعجميًا لا يلزمه أن يكون استبرق كذلك. وقرأ ابن محيصن {وَإِسْتَبْرَقٍ} فعلًا ماضيًا كما في البحر، والجملة حينئذٍ قيل معترضة، وقيل: حال من {سُندُسٍ} والمعنى يلبسون من سندس وقد برق لصقالته ومزيد حسنه {متقابلين} في مجالسهم ليستأنس بعضهم ببعض.

.تفسير الآية رقم (54):

{كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)}
{كذلك} أي الأمر كذلك فالكاف في محل رفع على الخبرية لمبتدأ محذوف، والمراد تقرير ما مر وتحقيقه. ونقل عن جار الله أنه قال: والمعنى فيه أنه لم يستوف الوصف وأنه ثابة ما لا يحيط به الوصف فكأنه قيل: الأمر نحو ذلك وما أشبهه.
وأراد على ما قال المدقق أن الكاف مقحم للمبالغة وذلك مطرد في عرفي العرب والعجم، وجوز أن يكون في محل نصب على معنى أثبناهم مثل ذلك، وقوله تعالى: {وزوجناهم} على هذا عطف على الفعل المقدر وعلى ما قبل على {يَلْبِسُونَ} [الدخان: 53] والمراد على ما قال غير واحد وقرناهم {بِحُورٍ عِينٍ} وفسر بذلك قيل لأن الجنة ليس فيها تكليف فلا عقد ولا تزويج بالمعنى المشهور، وقيل: لمكان الباء، وزوجه المرأة عنى أنكحه إياها متعد بنفسه، وفيه بحث فإن الأخفش جوز الباء فيه فيقال: زوجته بامرأة فتزوج بها، وأزدشنوءة يعدونه بالباء أيضًا، وفي القاموس زوجته امرأة وتزوجت امرأة وبها أو هي قليلة، ويعلم مما ذكر أن قول بعض الفقهاء زوجته بها خطأ لا وجه له، ويجوز أن يقال: إن ذلك التفسير لأن الحور العين في الجنة ملك يمين كالسراري في الدنيا فلا يحتاج الأمر إلى العقد عليهن، على أنه يمكن أن يكون في الجنة عقد وإن لم يكن فيها تكليف.
وقد أخرج ابن جرير. وغيره عن مجاهد أنه قال: زوجناهم أنكحناهم. ومن الناس من قال بالتكليف فيها عنى الأمر والنهي لكن لا يجدون في الفعل والترك كلفة، نعم المشهور أن لا تكليف فيها، وبعض ما حرم في الدنيا كنكاح امرأة الغير ونكاح المحارم لا يفعلونه لعدم خطوره لهم ببال أصلًا، والحور جمع حوراء وهي البيضاء كما روي عن ابن عباس. والضحاك. وغيرهما، وقيل: الشديدة سواد العين وبياضها، وقيل: الحوراء ذات الحور وهو سواد المقلة كلها كما في الظباء فلا يكون في الإنسان إلا مجازًا. وأخرج ابن المنذر. وغيره عن مجاهد أن الحوراء التي يحار فيها الطرف. والعين جمع عيناء وهي عظيمة العينين وأكثر الأخبار تدل على أنهن لسن نساء الدنيا، أخرج ابن أبي حاتم. والطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خلق الحور العين من زعفران» وأخرج ابن مردويه. والخطيب عن أنس بن مالك مرفوعًا نحوه، وأخرج ابن المبارك عن زيد بن أسلم قال: إن الله تعالى لم يخلق الحور العين من تراب إنما خلقهن من مسك وكافور وزعفران.
وأخرج ابن مردويه. والديلمي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حور العين خلقهن من تسبيح الملائكة عليهم السلام».
وهذا إن صح لا يعارض ما قبله إذ لابد عليه من أن يقال بتجسد المعاني فيجوز تجسد التسبيح وجعله جزأً مما خلقن منه، وقيل: المراد بهن هنا نساء الدنيا وهن في الجنة حور عين بالمعنى الذي سمعت بل هن أجمل من الحور العين أعني النساء المخلوقات في الجنة من زعفران أو غيره ويعطي الرجل هناك ما كان له في الدنيا من الزوجات، وقد يضم إلى ذلك ما شاء الله تعالى من نساء متن ولم يتزوجن، ومن تزوجت بأكثر من واحد فهي لآخر أزواجها أو لأولهم إن لم يكن طلقها في الدنيا أو تخير فتختار من كان أحسنهم خلقًا معها أقوال صحح جمع منها الأول، وتعطى زوجة كافر دخلت الجنة لمن شاء الله تعالى. وقد ورد أن آسية امرأة فرعون تكون زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم.
وقرأ عكرمة {بِحُورٍ عِينٍ} بازضافة وهي على معنى من أي بالحور من العين، وفي قراءة عبد الله {الطرف عِينٌ} والعياسء البيضاء تعلوها حمرة.

.تفسير الآية رقم (55):

{يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ (55)}
{يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فاكهة} يطلبون ويأمرون بإحضار ما يشتهون من الفواكه ولا يتخصص شيء منها كان ولا زمان {ءَامنينع} من الضرر أي ضرر كان، وهو حال من ضمير {مَّا يَدَّعُونَ} وكونه حالًا من الضمير في قوله سبحانه: {فِي جنات} [الدخان: 52] بعيد، وأبعد منه جعل {يَدَّعُونَ} حينئذٍ صفة الحور والنون فيه ضمير النسوة ومنه يفعلن لما فيه من ارتكاب خلاف الظاهر مع عدم المناسبة للسياق.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (56):

{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)}
{لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الاولى} جملة مستأنفة أو حالية وكأنه أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة فوضع الموتة الأولى موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها، ونظيره قول القائل لمن يستسقيه: لا أسقيك إلا الجمر وقد علم أن الجمر لا يسقى، ومثله قوله عز وجل: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ النساء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] فالاستثناء متصل والدخول فرضي للمبالغة، وضمير {فِيهَا} للجنات، وقيل: هو متصل والمؤمن عند موته لمعاينة ما يعطاه في الجنة كأنه فيها فكأنه ذاق الموتة الأولى في الجنة، وقيل: متصل وضمير {فِيهَا} للآخرة والموت أول أحوالها، ولا يخفى ما فيه من التفكيك مع ارتكاب التجوز، وقيل: الاستثناء منقطع والضمير للجنات أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا، والأصل اتصال الاستثناء، وقال الطبري: إلا عنى بعد، والجمهور لم يثبتوا هذا المعنى لها، وقال ابن عطية: ذهب قوم إلى أن إلا عنى سوى وضعفه الطبري.
وقال أبو حيان: ليس تضعيفه بصحيح بل يصح المعنى بسوى ويتسق. وفائدة الوصف تذكير حال الدنيا.
والداعي لما سمعت من الأوجه دفع سؤال يورد هاهنا من أن الموتة الأولى مما مضى لهم في الدنيا وما هو كذلك لا يمكن أن يذوقوه في الجنة فكيف استثنيت؟ وقيل: إن السئال مبني على أن الاستثناء من النفي إثبات فيثبت للمستثني الحكم المنفي عن المستثنى منه ومحال أن يثبت للموتة الأولى الماضية الذوق في الجنة، وأما على قول من جعله تكلمًا بالباقي بعد الثنيا، والمعنى لا يذوقون سوى الموتة الأولى من الموت فلا إشكال فتأمل. وقرأ عبيد بن عمير {لا} مبنيًا للمفعول، وقرأ عبد الله {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا يَعْقُوبَ الموت} وجاء في الحديث النوم لأنه أخو الموت، أخرج البزار. والطبراني في الأوسط. وابن مردويه. والبيهقي في البعث بسند صحيح عن جابر بن عبد الله قال: «قيل يا رسول الله أينام أهل الجنة؟ قال: لا النون أخو الموت وأهل الجنة لا يموتون ولا ينامون».
{ووقاهم عَذَابَ الجحيم} وقرأ أبو حيوة {ووقاهم} مشدد القاف على المبالغة في التكثير في الوقاية لأن التفعيل لزيادة المعنى لا للتعدية لأن الفعل متعد قبله.