فصل: تفسير الآية رقم (26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (26):

{قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)}
{قُلِ الله يُحْيِيكُمْ} ابتداءً {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء آجالكم على ما دل عليه الحجج لا الدهر كما تزعمون {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ القيامة} أي فيه وجوز كون الفعل مضمنًا معنى مبعوثين أو منتهين ونحوه ومعنى في أظهر أي يجمعكم في يوم القيامة {لاَ رَيْبَ فِيهِ} أي في جمعكم فإن من قدر على البدء قدر على الإعادة والحكمة اقتضت الجمع للجزاء لا محالة في ذلك اليوم والوعد الصدق بالآيات دل على قرعها، وحاصله أن البعث أمر ممكن أخبر به الصادق وتقتضيه الحكمة وكل ما هو كذلك لا محالة واقع والإتيان بالآباء حيث كان منافيًا للحكمة التشريعية امتنع إيقاعه {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} استدراك من قوله تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} وهو من تمام الكلام المأمور به أو كلام مسوق من جهته تعالى تحقيقًا للحق وتنبيهًا على أن ارتيابهم لجهلهم وقصورهم في النظر والتفكر لا لأن فيه شائبة ريب ما.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)}
{وَللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض} بيان للاختصاص المطلق والتصرف الكلي فيهما وفيما بينهما بالله عز وجل إثر بيان تصرفه تعالى بالإحياء والإماتة والبعث والجمع للمجازاة فهو تعميم للقدرة بعد تخصيص.
{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المبطلون} قال الزمخشري: العامل في {يَوْمٍ تَقُومُ} يخسر ويومئذٍ بدل من يوم تقوم وحكاه ابن عطية عن جماعة، وتقديم الظرف على الفعل للحصر لأن كل خسران عند الخسران في ذلك اليوم كلا خسران، وفيه أيضًا رعاية الفواصل على ما قيل، وتعقب حديث الإبدال بأن التنوين في {يَوْمَئِذٍ} عوض عن الجملة المضاف إليها، والظاهر أنها تقدر بقرينة ما قبل {تَقُومُ الساعة} فيقال ويوم تقوم الساعة يوم إذ تقوم الساعة يخسر المبطلون فيكون تأكيدًا لا بدلًا إذ لا وجه له، ولذا قيل: إنه بالتأكيد أشبه، وقول أبي حيان: إن كان بدلًا توكيديًا وهو قليل جاز وإلا فلا لا يسمن ولا يغني؛ وتكلف بعضهم فزعم أن اليوم الثاني عنى الوقت الذي هو جزء من يوم قيام الساعة فهو بدل بعض معه عائد مقدر ولما كان فيه ظهور خسرانهم كان هو المقصود بالنسبة، وقالت فرقة: العامل في {يَوْمٍ تَقُومُ} ما يدل عليه الملك قالوا: وذلك أن يوم القيامة أمر ثالث ليس بالسماء ولا بالأرض لتبدلهما فكأنه قيل: ولله ملك السموات والأرض والملك يوم تقوم الساعة، و{يَوْمَئِذٍ} منصوب بيخسر والجملة استئناف وإن كان لها تعلق بما قبلها من جهة تنوين العوض، وقيل: يجوز أن يكون عطفًا على ظرف معمول لملك المذكور كأنه قيل: لله ملك السموات والأرض اليوم ويوم تقوم الساعة وهو كما ترى، و{المبطلون} الداخلون في الباطل، ولعل المراد به أعظم أنواعه وهو الكفر.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
{وترى كُلَّ أُمَّةٍ} من الأمم المجموعة {جَاثِيَةً} باركة على الركب مستوفزة وهي هيئة المذنب الخائف المنتظر لما يكره، وعن ابن عباس جاثية مجتمعة، وعن قتادة جماعات من الجثوة مثلثة الجيم وهي الجماعة تجتمع على جثي أي تراب مجتمع، وعن مؤرج السدوسي جاثية خاضعة بلغة قريش، والخطاب في {تَرَى} لمن يصح منه الرؤية أو لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام وهي بصرية، و{جَاثِيَةً} حال وجوز أن تكون صفة ولو كانت علمية كانت مفعولًا ثانيًا، وقرئ {جاذية} بالذال والجذو أشد استيفازًا من الجثو لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه، وجوز أن يكون الجاذي عنى الجاثي أبدلت ثاؤه ذالًا فإن الثاء والذال متقارضان كما قيل شحاث وشحاذ {جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كتابها} إلى صحيفة أعمالها التي كتبتها الحفظة لتحاسب، وأفرد على إرادة الجنس وإلا فلكل واحد من كل أمة صحيفة فيها أعماله، وقيل: المراد كتاب نبيها تدعى إليه لينظر هل عملت به أولًا وحكي ذلك عن يحيى بن سلام إلا أنه حمل كل أمة على كل أمة كافرة والظاهر العموم، وقيل: المراد بذلك اللوح المحفوظ أي تدعى إلى ما سبق لها فيه، وقرأ يعقوب {كُلٌّ} بالنصب وخرج على أنه بدل من كل الأول، وجملة {تدعى} صفة، وإبدال الأمة المدعوة إلى كتابها من الأمة الجاثية حسن وجاء ذلك من الوصف، ويقال مثل ذلك فيما إذا كان الجملة حالًا، وإذا كانت الرؤية علمية وجملة {تدعى} مفعولًا ثانيًا فالظاهر أنه تأكيد، وجعله تأكيدًا مع كون الجملة صفة فيه تخلل التأكيد بين الوصفين وهو كما في الكشف غير مستحسن {اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} مقول قول مقدر هو حال أو خبر بعد خبر.
وفي الكلام مضاف مقدر أي جزاء ما كنتم إلخ أو هو من المجاز.

.تفسير الآية رقم (29):

{هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)}
{هذا كتابنا} إلى آخره من تمام ما يقال حينئذٍ، والإشارة إلى الكتاب التي تدعي إليه الأمة المقول لها ذلك، وهو إذا كان صحيفة الأعمال فإضافته إلى ضميره جل شأنه لأدنى ملابسة على التجوز في النسبة الإضافية فإنه تعالى الذي أمر الكتبة أن يكتبوا فيه أعمالهم، وإن كان الكتاب المنزل على نبي تلك الأمة أو اللوح المحفوظ فأمر الإضافة ظاهر، وضمير العظمة على سائر الأوجه لتفخيم شأن الكتاب، وجوز أن يكون الضمير للكتبة والإضافة فيه حقيقية قيل: ويأباه {نَسْتَنسِخُ} إلا أن يجعل عنى ننسخ ونكتب وستعلم إن شاء الله تعالى ما فيه، واوظهر عندي حمل الكتاب في الموضعين على صحيفة الأعمال واسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبر، وقوله سبحانه: {يَنطِقُ عَلَيْكُم} أي يشهد عليكم {بالحق} من غير زيادة ولا نقص خبر آخر أو حال أو مستأنف، و{بالحق} حال من فاعل {يَنطِقُ} وقوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ} إلى آخره تعليل لنطقه عليهم بأعمالهم من غير إخلال بشيء منها أي إنا كنا فيما قبل نستنسخ الملائكة أي نجعلها تنسخ وتكتب {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا من الأعمال حسنة كانت أو سيئة، وحقيقة النسخ كتابة من أصل ينظر فيه فكان أفعال العباد هي الأصل على ما في البحر، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إن الله تعالى خلق النون وهي الدواة وخلق القلم فقال: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول بر أو فاجر ورزق مقسوم حلال أو حرام ثم الزم كل شيء من ذلك بيانه دخوله في الدنيا متى ومقامه فيها كم وخروجه منها كيف ثم جعل على العباد حفظه وعلى الكتاب خزانًا فالحفظة يستنسخون كل يوم من الخوان عمل ذلك اليوم فإذا فني الرزق وانقطع الأمر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم فتقول الخزنة ما نجد لصاحبكم عندنا شيئًا فترجع فيجدونه قد مات ثم قال ابن عباس ألستم قومًا عربًا تسمعون الحفظة يقولون إن كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وهل يكون الاستسناخ إلا من أصل؟ وفي رواية ابن المنذر. وابن أبي حاتم عنه رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن الآية فذكر نحو ما سمعت ثم قال: هل يستنسخ الشيء إلا من كتاب، وكون الاستنساخ من اللوح قد رواه جماعة عنه، وما ذكرناه يصحح أن يكون هذا القول من الملائكة بدون تأويل {نَسْتَنسِخُ} بننسخ كما لا يخفى، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (30):

{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30)}
وقوله تعالى: {فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} إلى آخره تفصيل للمجمل المفهوم من قوله تعالى: {يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق} [الجاثية: 29] أو يجزون من الوعد والوعيد، والمراد بالرحمة الجنة مجازًا والظرفية على ظاهرها، وقيل: المراد بالرحمة ما يشمل الجنة وغيرها والأول أظهر {ذلك} الذي ذكر من الإدخال في رحمته تعالى: {هُوَ الفوز المبين} الظاهر كونه فوزًا لا فوز وراءه.

.تفسير الآية رقم (31):

{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)}
{وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءاياتي تتلى عَلَيْكُمْ} أي فيقال لهم بطريق التقريع والتوبيخ: ألم تكن تأتيكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم فجواب أما القول المقدر، وحذف اكتفاءً بالمقصود وهو المقول وحذفه كثير مقيس حتى قيل هو البحر حدث عنه، وحذف المعطوف عليه لقرينة الفاء العاطفة وأن تلاوة الآيات تستلزم إتيان الرسل معنى، وهذا على ما ذهب إليه الزمخشري والجمهور على أن الهمزة مقدمة من تأخير لصدارتها والفاء على نية التقدير، والتقدير فيقال لهم: ألم تكن إلخ فليس هناك سوى حذف القول، وفي الكشف لو حمل على أن المحذوف فيوبخون لدلالة ما بعده عليه، وفائدة هذا الأسلوب مع أن الأصل فيدخلهم في عذابهم الدلالة على أن المؤمنين يدخلون الجنة والكافرون بعد في الموقف معذبون بالتوبيخ لكان وجهًا {فاستكبرتم} عن الإيمان بها {وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} قومًا عادتهم الإجرام.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ سْتَيْقِنِينَ (32)}
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله} أي وما وعده سبحانه من الأمور الآتية أو وعده تعالى بذلك {حَقّ} أي كائن هو أو متعلقه لا محالة ففي الكلام تجوز إما في الطرف أو في النسبة.
وقرأ الأعرج. وعمرو بن قائد {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ} بفتح الهمزة على لغة سليم {والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} برفع {الساعة} في قراءة الجمهور على العطف على محل إن واسمها على ما ذهب إليه أبو علي وتبعه الزمخشري، ومن زعم أن لاسم إن موضعًا جوز العطف عليه هنا، وزعم أبو حيان أن الصحيح أنه لا يجوز كلا الوجهين وعليه فجملة {الساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} عطف على الجملة السابقة، وقرأ حمزة {والساعة} بالنصب عطفًا على اسم أن وروي ذلك عن الأعمش. وأبي عمرو. وأبي حيوة. وعيسى. والعبسي. والمفضل، وذكر أمر الساعة وإنها لا ريب في وقوعها مع أنها من جملة ما وعد الله تعالى اعتناءً بأمر البعث المقصود بالمقام {قُلْتُمْ} لغاية عتوكم: {مَّا نَدْرِى مَا الساعة} أي أي شيء هي استغرابًا لها جدًا كما يؤذن به جمع {مَّا نَدْرِى} مع الاستفهام.
{إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا} استشكل ذلك لما أنه استثناء مفرغ وقد قالوا: لا يجوم تفريغ العامل إلى المفعول المطلق المؤكد فلا يقال: ما ضربت إلا ضربًا لأنه نزلة ما ضربت إلا ضربت، وقال الرضي: إن الاستثناء المفرغ يجب أن يستثنى من متعدد مقدر معرب بإعراب المستثنى مستغرق لذلك الجنس حتى يدخل فيه المستثنى بيقين ثم يخرج بالاستثناء وليس مصدر نظن محتملًا مع الظن غيره حتى يخرج الظن منه، وكذا يقال في ما ضربت إلا ضربًا ونحوه وهذا مراد من قال: إنه من قبيل استثناء الشيء من نفسه، واختلفوا في حله فقيل: إن معنى ما نظن ما نفعل الظن كما في نحو قيم وقعد وحينئذٍ يصح الاستثناء ويتغاير مورد النفي والإيجاب من حيث التقدير والتجوز في الاستثناء من العام المقدر وجعل {نَّظُنُّ} في معنى الفعل لا نفعل الظن كأنه قيل: ما نفعل فعلًا إلا الظن، وكذا يقال في أمثاله ومنها قوله الأعشى:
وحل به الشيب أثقاله ** وما اغتره الشيب إلا اغترار

وارتضاه صاحب الكشف، وقيل: ما نظن بتأويل ما نعتقد ويكون {ظَنّا} مفعولًا به أي ما نعتقد شيئًا إلا ظنًا، وارتضاه أبو حيان. وتعقب بأن ظاهر حالهم أنهم مترددون لا معتقدون. وأجيب بأن الاعتقاد المنفي لا ينافي ظاهر حالهم بل يقررها على أتم وجه، وقيل المستثنى ظن أمر الساعة والمستثنى منه مطلق الظن كأنه قيل لا ظن ولا تردد لنا إلا ظن أمر الساعة والتردد فيه فالكلام لنفي ظنهم فيما سوى ذلك مبالغة، وقال الرضي: إن ما ضربت إلا ضربًا يحتمل التعدد من حيث توهم المخاطب إذ را تقول ضربت وقد فعلت غير الضرب مما يجري مجراه من مقدماته كالتهديد فتدفع ذلك وتقول ضربت ضربًا فهو نظير جاء زيد زيد فلما كان ضربت محتملًا للضرب وغيره من حيث التوهم صار كالمتعدد الشامل للضرب وغيره، وحاصله أن لاضرب لما احتمل قبل التأكيد والاستثناء فعلًا آخر حمل على العموم بقرينة الاستثناء فيكون المعنى ما فعلت شيئًا إلا ضربًا، وهكذا {مَا نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا} وهذا كالمتحد مع ما ذكرناه أولًا.
ورد بأن الاستثناء يقتضي الشمول المحقق ولا يكفي فيه الاحتمال المحقق فضلًا عن المتوهم.
وتعقب بأنه ليس بشيء لأنه إذا تجرد الفعل لمعنى عام صار الشمول محققًا على أن عدم كفاية الشمول الفرضي غير مسلم كما يعرفه من يتتبع موارده، وذهب ابن يعيش. وأبو البقاء إلى أنه على القلب والتقديم والتأخير والأصل ءن نحن إلا نظن ظنًا وحكى ذلك عن المبرد، وقد حمل عليه ما حكاه أبو عمرو بن العلاء. وسيبويه من قول العرب: ليس الطيب إلا المسك بالرفع فقال: الأصل ليس إلا الطيب المسك ليكون اسم ليس ضمير الشأن وما بعد إلا مبتدأ وخبرًا في موضع الخبر لها، ورده الرضي وقال: إنه تكلف لما فيه من التعقيد المخل بالفصاحة.
والمثال المحكي وارد على لغة بني تميم فإنهم عاملوا ليس معاملة ما فاهملوها لانتقاض النفي بإلا، وقيل {ظَنّا} مفعول مطلق لفعل محذوف والمستثنى محذوف والتقدير إن نظن إلا أنكم تظنون ظنًا.
وحكي عن المبرد أيضًا وفيه حذف إن واسمها وخبرها وإبقاء المصدر وذلك لا يجوز، وفيه أيضًا من التعقيد المخل بالفصاحة ما فيه، ولا أظن صحة حكايته عن المبرد لغاية برودته، وجوز صاحب التقريب أن يكون المراد إن نظن إلا ظنًا ضعيفًا فهو مصدر مبين للنوع حذفت صفته كما صرح به في البحر لا مؤكد، وهذا يوافق ما ذكره الإمام السكاكي في بحث أن التنكير قد يكون للتحقير. وتعقب بأن قوله تعالى: {وَمَا نَحْنُ سْتَيْقِنِينَ} يأباه فإن مقابل الاستيقان مطلق الظن لا الضعيف منه، وقد صرح غير واحد بأن هذه الجملة كالتأكيد لما قبلها والمراد بها استمرار النفي وتأكيده، قيل: والمعنى وما نحن ستيقنين إمكان الساعة أي لا نتيقن إمكانها أصلًا فضلًا عن تحقق وقوعها المدلول عليه بقوله تعالى: {إِنَّ وعْدَ الله حَقٌّ والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} فقولهم ذلك رد لهذا، ولعل المثبتين لأنفسهم الظن من غير إيقان بأمر الساعة غير القائلين {ما هي إلا حياتنا الدنيا} [الجاثية: 24] فإن ذلك ظاهر في أنهم منكرون للبعث جازمون بنفي الساعة فيكون الكفرة صنفين صنف جازمون بنفيها كأئمتهم وصنف مترددون متحيرون فيها فإذا سمعوا ما يؤثر عن آبائهم أنكروها وإذا سمعوا الآيات المتلوة تقهقر إنكارهم فترددوا.
ويحتمل اتحاد قائل ذاك وقائل هذا إلا أن كل قول في وقت وحال فهو مضطرب مختلف الحالات تارة يجزم بالنفي فيقول: {ما هي إلا حياتنا الدنيا} [الجاثية: 24] وأخرى يظن فيقول إن نظن إلا ظنًا، وقيل: الجزم هناك بنفي وقوعها والظن من غير إيقان هنا جرد إمكانها فهم مترددون بإمكانها الذاتي جازمون بعدم وقوعها بالفعل فتأمل.