فصل: تفسير الآية رقم (10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (10):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}
{قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ} أي ما يوحى إلي من القرآن، وقيل: الضمير للرسول، وفيه أن الظاهرة لو كان المعنى عليه كنت {مِنْ عِندِ الله} لا سحرًا ولا مفتري كما تزعمون {وَكَفَرْتُمْ بِهِ} الواو للحال والجملة حال بتقدير قد على المشهور من الضمير في الخبر وسطت بين أجزاء الشرط اهتمامًا بالتسجيل عليهم بالكفر أو للعطف على {كَانَ} كما في قوله تعالى: {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} [فصلت: 52] وكذا الواو في قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسراءيل} إلا أنها تعطفه اعطف عليه على جملة ما قبله، فالجمل المذكورات بعد الواوات ليست متعاطفة على نسق واحد بل مجموع {شَهِدَ} {قُلْ أَرَءيْتُمْ} معطوف على مجموع {كَانَ} وما معه، مثله في المفردات {هُوَ الاول والاخر والظاهر والباطن} [الحديد: 3] والمعنى أن اجتمع كونه من عند الله تعالى مع كفركم واجتمع شهادة الشاده فإيمانه مع استكباركم عن الايمان، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في جواب الشرط وفي مفعولي {أَرَءيْتُمْ} وضمير {بِهِ} عائد على ما عاد عليه اسم كان وهو ما يوحي من القرآن أو الرسول، وعن الشعبي أنه للرسول، ولعله يقول في ضمير {كَانَ} أيضًا كذلك وكذا في ضمير {على مِثْلِهِ} لئلا يلزم التفكيك. وأنت تعلم أن الظاهر رجوع الضمائر كلها للقرآن، وتنوين {شَاهِدٌ} للتفخيم، وكذا وصفه بالجار والمجرور أي وشهد شاهد عظيم الشأن من بني إسرائيل الواقفين على شؤن الله تعالى وأسرار الوحي بما أوتوا من التوراة على مثل القرآن من المعاني المنطوية في التوراة من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك فإنها في الحقيقة عين ما فيه كما يعرب عنه قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الاولين} [الشعراء: 196] على وجه، وكذا قوله سبحانه: {إِنَّ هذا لَفِى الصحف الاولى} [الأعلى: 18] والمثلية باعتبا رتأديتها بعبارات أخرى أو على مثل ما ذكر من كونه من عند الله تعالى والمثلية لما ذكر، وقيل: على مثل شهادته أي لنفسه بأنه من عند الله تعالى كأنه لإعجازه يشهد لنفسه بذلك، وقيل مثل كناية عن القرآن نفسه للمبالغة، وعلى تقدير كون الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم فسر المثل وسى عليه السلام.
والفاء في قوله تعالى: {فَئَامَنَ} أي بالقرآن للسببية فيكون إيمانه مترتبًا على شهادته له طابقته للوحي، ويجوز أن تكون تفصيلية فيكون إيمانه به هو الشهادة له، والمعنى على تقدير أن يراد فآمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ظاهر بأدنى التفاوت، وقوله تعالى: {واستكبرتم} أي عن الايمان معطوف على ما أشرنا إلليه {شَهِدَ شَاهِدٌ} وجوز كونه معطوفًا على {مِن} لأنه قسيمه ويجعل الكل معطوفًا على الشرط، ولا تكرار في {استكبرتم} لأن الاستكبار بعد الشهادة والكفر قبلها، وقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} أي الموسومين بهذا الوصف، استئناف بياني في مقام التعليل للاستكبار عن الايمان، ووصفهم بالظلم للاشعار بعلة الحكم فتشعر هذه الجملة بأن كفرهم به لضلالهم المسبب عن ظلمهم وهو دليل جواب الشرط ولذا حذف ومفعولًا {أَرَءيْتُمْ} محذوفان أيضًا لدلالة المعنى عليهما، والتقدير أرأيتم حالكم إن كان كذا فقد ظلمتم ألستم ظالمين، فالمفعول الأول حالكم والثاني ألستم ظالمين، والجواب فقد ظلمتم، وقال ابن عطية: في {أَرَءيْتُمْ} يحتمل أن تكون منبهة فهي لفظ موضوع للسؤال لا تقتضي مفعولًا، ويحتمل أن تكون جملة {إِن كَانَ} إلخ سادة مسد مفعوليها، وهو خلاف ما قرره محققو النحاة في ذلك.
وقدر الزمخشري الجواب ألستم ظالمين بغير فاء. ورده أبو حيان بأن الجملة الاستفهامية إذا وقعت جوابًا للشرط لزمها الفاء فإن كانت الأداة الهمزة تقدمت على الفاء وإلا تأخرت، ولعله تقدير معنى لا تقدير إعراب، وقدره بعضهم أفتؤمنون لدلالة {فَئَامَنَ} وقدره الحسن فمن أضل منكم لقوله تعالى: {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 52] وقوله سبحانه: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} وقيل: التقدير فمن المحقق منا ومنكم ومن المبطل؟ وقيل: تهلكون، وقيل: هو {قُلْ أَرَءيْتُمْ} أي فقد آمن محمد صلى الله عليه وسلم به أو الشاهد واستكبرتم أنتم عن الايمان، وأكثرها كما ترى.
والشاهد عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه عند الجمهور. وابن عباس. والحسن. ومجاهد. وقتادة. وابن سيرين. والضحاك. وعكرمة في رواية ابن سعد. وابن عساكر عنه. وفي الكشف في جعله شاهدًا والسورة مكية بحث ولهذا استثنيت هذه الآية، وتحقيقه أنه نزل ما سيكون منزلة الواقع ولهذا عطف {شَهِدَ} وما بعده على قوله تعالى: {كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ} ليعلم أنه مثله في التحقيق فيكون على أسلوب قوله سبحانه: {كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين} [الحجر: 90] أي أنذر قريشًا مثل ما أنزلناه على يهود بني قريظة وقد أنزل عليهم بعد سبع سنين من نزول الآية، ومصب الإلزام في قوله تعالى: {فَئَامَنَ} كأنه قيل: أخبروني إن يؤمن به عالم من بني إسرائيل أي عالم لما تحقق عنده أنه مثل التوراة ألستم تكونون أضل الناس، ففي الدلالة على أنه مثل التوراة يجب الايمان به شهد ذلك الشاهد أو لم يشهد لأن تلك الشهادة يعقبها الايمان من غير مهلة فلو لم يؤمن لم يكن عالمًا بما في التوراة؛ وهذا يصلح جوابًا مستقلًا من غير نظر إلى الأول فافهم، وقول من قال: الشاهد عبد الله على هذا بيان للواقع وأنه كان ممن شهد وآمن لا أن المراد بلفظ الآية عبد الله خصوصًا، وعلى الوجهين لابد من تأويل من قول سعد، وقد تقدم في حديث الشيخين وغيرهما وفيه نزل: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ} بأن المراد في شأنه الذي سيحدث على الأول أو فيه وفيمن هو على حاله كأنه قيل: هو النازلين فيه لأنه كان من الشاهدين انتهى.
وتعقب قوله: إنه نزل ما سيكون منزلة الواقع بأنه لا حاجة إلى ذلك التنزيل على تقدير مكيتها، وكون الشاهد ابن سلام المكان العطف على الشرط الذي يصير به الماضي مستقبلًا وحينئذ لا ضير في شهادة الشاهد بعد نزولها، ومع هذا فالظاهر من الأخبار أن النزول كان في المدينة وأنه بعد شهادة ابن سلام. أخرج أبو يعلى. والطبراني والحاكم بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أروني اثني عشر رجلًا منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله يحبط الله تعالى عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه فسكتوا فما أجابه منهم أحد ثم رد عليهم عليه الصلاة والسلام فلم يجبه أحد فثلث فلم يجبه أحد فقال: أبيتم فوالله لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا المقفى آمنتم أو كذبتم ثم انصرف صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى كدنا أن نخرج فإذا رجل من خلفه فقال: كما أنت يا محمد فأقبل فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: والله ما نعلم فينا رجلًا أعلم بكتاب الله تعالى ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدك قال: فإني أشهد بالله أنه النبي الذي تجدونه في التوراة والإنجيل فقالوا: كذبت ثم ردوا عليه وقالوا شرًا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وابن سلام فأنزل الله تعالى: {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسراءيل} الآية، وروى حديث شهادته وإيمانه على وجه آخر، ولا يظهر لي الجمع بينه وبين ما ذكر، وهو أيضًا ظاهر في كون النزول بعد الشهادة. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: جاء ميمون بن يامين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رأس اليهود بالمدينة فأسلم وقال: يا رسول الله ابعث إليهم يعني اليهود فاجعل بينك وبينهم حكمًا من أنفسهم فإنهم سيرضوني فبعث عليه الصلاة والسلام إليهم وأدخله الداخل فأتوه فخاطبوه مليًا فقال لهم: اختاروا رجلًا من أنفسكم يكون حكمًا بيني وبينكم قالوا: فإنا قد رضينا يمون بن يامين فأخرجه إليهم فقال لهم ميمون: لنشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه على الحق فأبوا أن يصدقوه فأنزل الله تعالى فيه {قُلْ أَرَءيْتُمْ} الآية، وهو ظاهر في مدنية الآية وأن نزولها قبل شهادة الشاهد لكنه ظاهر في أن الشاهد غير عبد الله بن سلام، وكونه كان يسمى بذلك قبل لم أره، ولا يظهر لي وجه التعبير به دون المشهود إن كان، والذي رأيته في الاستيعاب في ترجمة عبد الله ابن سلام بن الحرث الإسرائيلي الأنصاري يكنى أبا يوسف وكان اسمه في الجاهلية الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله والله تعالى أعلم.
ومن كذب اليهود وجهلهم بالتاريخ ما يعتقدونه في عبد الله بن أنه صلى الله عليه وسلم حين سافر إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله تعالى عنها اجتمع بأحبار اليهود وقص عليهم أحلامه فعلموا أنه صابح دولة فأصحبوه عليه السلام سلام وبقي معه مدة فتعلم منه علم الشرائع والأمم السالفة وأفرطوا في الكذب إلى أن نسبوا القرآن المعجز إلى تأليف عبد الله بن سلام وعبد الله هذا مما ليس له إقامة كة ولا تردد إليها، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم إلا في المدينة وأسلم إذ قدمها عليه الصلاة والسلام أو قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بعامين على ما حكاه في البحر عن الشعبي، فما أكذب اليهود وأبهتهم لعنهم الله تعالى، وناهيك من طائفة ما ذم في القرآن طائفة مثلها.
وأخرج سعيد بن منصور. وابن جرير. وابن المنذر عن مسروق أن الشاهد هو موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، وقد تقدم أنه كان يدعي مكية الآية وينكر نزولها في ابن سلام ويقول: إنما كانت خصومة خاصم بها محمد صلى الله عليه وسلم، وكأنه على هذا لا يحتاج إلى القول بأنها نزلت بخصوص شاهد، وأيد عدم إرادة الخصوص بأن {شَاهِدٌ} في الآية نكرة والنكرة في سياق الشرط تعم، وأنا أقول: بكون التنوين في {شَاهِدٌ} للتعظيم ودنية الآية ونزولها في ابن سلام، والخطابات فيها مطلقًا لكفار مكة، ورا يظن على بعض الروايات أنها لليهود وليس كذلك، وهم المعنيون أيضًا بالذين كفروا في قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (11):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)}
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} إلى آخره، وهو حكاية لبعض آخر من أقاويلهم الباطلة في حق القرآن العظيم والمؤمنين به. وفيه تحقيق لاستكبارهم أي وقال كفار مكة: {لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} أي لأجلهم وفي شأنهم فاللام للتعليل كما سمعت في {قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقّ} [الأحقاف: 7].
وقيل: هي لام المشافهة والتبليغ والتفتوا في قولهم: {لَّوْ كَانَ} أي ما جاء به صلى الله عليه وسلم من القرآن، وقيل: الايمان {خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} ولولاه لقالوا: سبقتمونا بالخطاب أو لما سمعوا أن جماعة آمنوا لو كان خيرًا ما سبقنا إليه أولئك الذين بلغنا إيمانهم.
وتعقب بأن هذا ليس من مواطن الالتفات، وكونهم قصدوا تحقير المؤمنين بالغيبة لا وجه له، وكون المشافهين طائفة من المؤمنين والمخبر عنهم طائفة أخرى خلاف الظاهر، فالأولى كونها للتعليل وقالوا ذلك لما رأوا أن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ضعفاء كعمار. وصهيب. وبلال. وكانوا يزعمون أن الخير الديني يتبع الخير الدنيوي وأنه لا يتأهل للأول إلا من كان له القدح المعلى من الثاني، ولذا قالوا: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وخطؤهم في ذلك مما لا يخفى.
وأخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال: كانت لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمة أسلمت قبله يقاله لها زنيرة فكان رضي الله تعالى عنه عنه يضربها على إسلامها وكان كفار قريش يقولون: لو كان خيرًا ما سبقتنا إليه زنيرة فأنزل الله تعالى في شأنها {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} الآية، ولعلهم لم يريدوا زنيرة بخصوصها بل من شابهها أيضًا. وفي الآية تغليب المذكر على المؤنث، وقال أبو المتوكل: أسلم أبو ذر ثم أسلمت غفار فقالت قريش ذلك، وقال الكلبي. والزجاج. قال ذلك بنو عامر بن صعصعة. وغطفان. وأسد. وأشجع لما أسلم. أسلم. وجهينة. ومزينة. وغفار. وقال الثعلبي: هي مقالة اليهود حين أسلم ابن سلام وأصحابه منهم، ويلزم عليه القول بأن الآية مدنية وعدها في المستثنيات أو كون {قَالَ} فيها كنادي في قوله تعالى: {ونادى أصحاب الاعراف} [الأعراف: 48] وهذا كما ترى والمعول عليه ما تقدم {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ} أي بالقرآن، وقيل: بالرسول صلى الله عليه وسلم، و{إِذْ} على ما اختاره جار الله ظرف لمقدر دل عليه السابق واللاحق أي وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم واستكبارهم، وقوله تعالى: {فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي يتحقق منهم هذا القول والطعن حينًا فحينًا كما يؤذن بذلك صيغة المضارع مسبب عن العناد والاستكبار، وإذا جاز مثل حينئذ الآن أي كان ذلك حينئذ واسمع الآن بدليل قرينة الحال فهذا أجوز، والإشارة ءلى القرآن العظيم، وقولهم: ذلك فيه كقولهم: {أساطير الاولين} [الأنعام: 25] ولم يجوز أن يكون {فَسَيَقُولُونَ} عاملًا في الظرف لتدافع دلالتي المضي والاستقبال، وإنما لم يجعله من قبيل {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الاغلال} [غافر: 70، 71] نظمًا للمستقبل في سلك المقطوع كما اختاره ابن الحاجب في الأمالي لأن المعنى هاهنا كما في الكشف على أن عدم الهداية محقق واقع لا أنه سيقع البتة، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} بعدما بين استكبارهم وعنادهم كيف ينص على أنهم مجادلون معرضون عن القرآن وتدبره غير مهتدين ببشائره ونذره.
وقال بعضهم: الظرف معمول لسيقولون والفاء لا تمنع عن عمل ما بعدها فيما قبلها كما ذكره الرضي، والتسبب المشعرة به عن كفرهم، و{سَيَقُولُونَ} عنى قالوا، والعدول إليه للإشعار بالاستمرار. وتعقب بأن ذلك مع السين بعيد، وقيل: إذ تعليلية للقول. وتعقب بأنه معلل كما آذنت به الفاء، وقدر بعضهم العامل المحذوف قالوا ما قالوا، ورجحه على التقدير السابق وليس براجح عليه كما لا يخفى على راجح.