فصل: سورة الذاريات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.سورة الذاريات:

مكية كما روي عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهما ولم يحك في ذلك خلاف.
وهي ستون آية بالاتفاق كما في كتاب العدد.
ومناسبتها لسورة ق لما ختمت بذكر البعث واشتملت على ذكر الجزاء والجنة والنار وغير ذلك افتتحت هذه بالإقسام على أن ما وعدوا من ذلك لصادق وأن الجزاء لواقع وأنه قد ذكر هناك إهلاك كثير من القرون على وجه الإجمال وذكر هنا إهلاك بعضهم على سبيل التفصيل إلى غير ذلك مما يظهر للمتأمل.

.تفسير الآية رقم (1):

{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1)}
بسْم الله الرحمن الرحيم {والذريات ذَرْوًا} أي الرياح التي تذروا التراب وغيره من ذرا المعتل عنى فرق وبدد ما رفعه عن مكانه.

.تفسير الآية رقم (2):

{فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2)}
{فالحاملات وِقْرًا} أي حملًا وهي السحب الحاملة للمطر.

.تفسير الآية رقم (3):

{فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3)}
{فالجاريات يُسْرًا} أي جريًا سهلًا إلى حيث سيرت وهي السفن.

.تفسير الآية رقم (4):

{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)}
{فالمقسمات أَمْرًا} هي الملائكة الذين يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به، وتفسير كل بما به قد صح روايته من طرق عن علي كرم الله تعالى وجهه، وفي بعض الروايات أن ابن الكواء سأله عن ذلك وهو رضي الله تعالى عنه يخطب على المنبر فأجاب بما ذكر، وفي بعض الأخبار ما يدل على أنه تفسير مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرج البزار. والدارقطني في الافراد. وابن مردويه. وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال: جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال: أخبرني عن {والذريات ذَرْوًا} قال: هي الرياح، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن {فالحاملات وِقْرًا} قال: هي السحاب ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن {أَمْرِنَا يُسْرًا} قال: هي السفن ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن {لَكَ أمْرًا} قال: هي الملائكة ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته ثم أمر به فضرب مائة وجعل في بيت فلما برأ دعاه فضربه مائة أخرى وحمله على قتل وكتب إلى أبي موسى الأشعري امنع الناس من مجالسته فلم يزالوا كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف له بالايمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئًا فكتب إلى عمر رضي الله تعالى عنه ما أخاله إلا قد صدق فخلى بينه وبين مجالسة الناس.
ويدل هذا أن الرجل لم يكن سليم القلب وأن سؤاله لم يكن طلبًا للعلم وإلا لم يصنع به عمر رضي الله تعالى عنه ما صنع.
وفي رواية عن ابن عباس أن الحاملات هي السفن الموقرة بالناس وأمتعتهم، وقيل: هي الحوامل من جميع الحيوانات، وقيل: الجاريات السحب تجري وتسير إلى حيث شاء الله عز وجل، وقيل: هي الكواكب التي تجري في منازلها وكلها لها حركة وإن اختلفت سرعة وبطأ كما بين في موضعه، وقيل: هي الكواكب السبعة الشهيرة وتسمى السيارة، وقيل: {الذاريات} النساء الولود فإنهن يذرين الأولاد كأنه شبه تتابع الأولاد بما يتطاير من الرياح، وباقي المتعاطفات على ما سمعت أولًا، وقيل: {الذاريات} هي الأسباب التي تذري الخلائق على تشبيه الأسباب المعدة للبروز من العدم بالرياح المفرقة للحبوب ونحوها، وقيل: الحاملات الرياح الحاملة للسحاب، وقيل: هي الأسباب الحاملة لمسبباتها مجازًا، وقيل: الجاريات الرياح تجري في مهابها، وقيل: المقسمات السحب يقسم الله تعالى بها أرزاق العباد، وقيل: هي الكواكب السبعة السيارة وقول باطل لا يقول به إلا من زعم أنها مدبرة لعالم الكون والفساد، وفي صحيح البخاري عن قتادة:«خلق الله تعالى هذه النجوم لثلاث جعلها زينة للسماء. ورجومًا للشياطين. وعلامات يهتدي بها فمن تأوّل فيها بغير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا يعلم» وزاد رزين «وما لا علم له به وما عجز عن علمه الأنبياء والملائكة» وعن الربيع مثله وزاذ «والله ما جعل الله تعالى في نجم حياة أحد ولا رزقه ولا موته وإنما يفترون على الله تعالى الكذب ويتعللون بالنجوم» ذكره صاحب جامع الأصول، وقد مر الكلام في إبطال ما قاله المنجمون مفصلًا فتذكر، ولعله سيأتي إن شاء الله تعالى شيء من ذلك، وجوز أن يراد بالجميع الرياح فإنها كما تذر وما تذروه تثير السحاب وتحمله، وتجري في الجوّ جريًا سهلًا وتقسم الأمطار بتصريف السحاب في الأقطار والمعول عليه ما روى عن عمر رضي الله تعالى عنه سامعًا له من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله باب مدينة العلم كرم الله تعالى وجهه على المنبر وإليه كما نقل عن الزجاج ذهب جميع المفسرين أي المعتبرين، وقول الإمام بعد نقله له عن الأمير: الأقرب أن تحمل هذه الصفات الأربع على الرياح جسارة عظيمة على ما لا يسلم له، وجهل منه بما رواه ابن المسيب من الخبر الدال على أن ذلك تفسير النبي صلى الله عليه وسلم فأين منه الإمام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
وقول صاحب الكشف: إنه شديد الطباق للمقام ولذا آثره الإمام لا أسله له أيضًا إذا صح الحديث ثم إذا حملت هذه الصفات على أمور مختلفة متغايرة بالذات كما في المعول عليه فالفاء للترتيب في الأقسام ذكرًا ورتبة باعتبار تفاوت مراتبها في الدلالة على كمال قدرته عز وجل، وهذا التفاوت إما على الترقي أو التنزل لما في كل منها من الصفات التي تجعلها أعلى من وجه وأدنى من آخر إذا نظر لها ذو نظر صحيح، وقيل: الترتيب بالنظر إلى الأقرب فالأقرب منا، وإن حملت على واحد وهو الرياح فهي لترتيب الأفعال والصفات إذ الريح تذر الأبخرة إلى الجو أولًا حتى تنعقد سحابًا فتحمله ثانيًا وتجري به ثالثًا ناشرة وسائقة له إلى حيث أمرها الله تعالى ثم تقسم أمطاره، وقيل: إذا حملت الذاريات والحاملات على النساء، فالظاهر أنها للتفاوت في الدلالة على كمال القدرة فتدبر.
ونصب {والذريات ذَرْوًا} على أنه مفعول مطلق، {ووقرًا} على أنه مفعول به، وجوز الإمام أن يكون من باب ضربته سوطًا، و{أَمْرِنَا يُسْرًا} على أنه صفة مصدر محذوف بتقدير مضاف أي جريًا ذا يسر، أو على أنه حال أي ميسرة كما نقل عن سيبويه، و{أمْرًا} على أنه مفعوله به وهو واحد الأمور، وقد أريد به الجمع ولم يعبر به لأن الفرد أنسب برؤوس الآي مع ظهور الأمر، وقيل: على أنه حال أي مأمورة، والمفعول به محذوف أو الوصف منزل منزلة اللازم أي تفعل التقسيم مأمورة، وقرأ أبو عمرو.
وحمزة {والذريات ذَرْوًا} بادغام التاء في الذال، وقرئ {وِقْرًا} بفتح الواو على أنه مصدر وقره إذا حمله كما أفاده كلام الزمخشري وناهيك به إمامًا في اللغة، وعلى هذا هو منصوب على أنه مفعول به أيضًا على تسمية المحمول بالمصدر أو على أنه مفعول مطلق لحاملات من معناها كأنه قيل: فالحاملات حملًا. وقوله تعالى شأنه:

.تفسير الآيات (5- 6):

{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)}
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لصادق وَإِنَّ الدين لَوَاقِعٌ} جواب للقسم، و{مَا} موصولة والعائد محذوف أي إن الذي توعدونه، أو توعدون به، ويحتمل أن تكون مصدرية أي إن وعدكم، أو وعيدكم إذ توعدون يحتمل أن يكون مضارع وعد، وأن يكون مضارع أوعد، ولعل الثاني أنسب لقوله تعالى: {فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] ولأن المقصود التخويف والتهويل، وعن مجاهد أن الآية في الكفار وهو يؤيد الوعيد ومعنى صدقه تحقق وقوعه، وفي الكشاف وعد صادق كعيشة راضية و{الدين} الجزاء ووقوعه حصوله، والأكثرون على أن الموعود هو البعث، وفي تخصيص المذكورات بالإقسام بها رمز إلى شهادتها بتحقق الجملة المقسم عليها من حيث أنها أمور بديعة فمن قدر عليها فهو قادر على تحقيق البعث الموعود.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)}
{والسماء ذَاتِ الحبك} أي الطرق جمع حبيكة كطريقة، أو حباك كمثال ومثل، ويقال: حبك الماء للتكسر الجاري فيه إذ مرت عليه الريح، وعليه قول زهير يصف غديرًا:
مكلل بأصول النجم تنسجه ** ريح خريق لضاحي مائه حبك

وحبك الشعر لآثار تثنيه وتكسره، وتفسيرها بذلك مروي عن مقاتل. والكلبي. والضحاك، والمراد بها إما الطرق المحسوسة التي تسير فيها الكواكب، أو المعقولة التي تدرك بالبصيرة وهي ما تدل على وحدة الصانع وقدرته وعلمه وحكمته جل شأنه إذا تأملها الناظر، وقال ابن عباس. وقتادة. وعكرمة. ومجاهد. والربيع: ذات الخلق المستوى الجيد، وفي رواية أخرى عن مجاهد المتقنة البنيان، وقيل: ذات الصفاقة وهي أقوال متقاربة وكأن الحبك عليها من قولهم: حبكت الشيء أحكمته وأحسنت عمله وحبكت العقدة أوثقتها، وفرس محبوك المعاقم وهي المفاصل أي محكمها، وفي الكشف أصل الحباكة الصفاقة وجودة الأثر، وعن الحسن حبكها نجومها، والظاهر أن إطلاق الحبك على النجوم مجاز لأنها تزين السماء كما يزين الثوب الموشى حبكه وطرائق وشيه فكأنه قيل: ذات النجوم التي هي كالحبك أي الطرائق في التزيين، واستظهر في السماء أنه جنس أريد به جميع السموات وكون كل واحدة منها ذات حبك عنى مستوية الخلق جيدته، أو متقنة البنيان أو صفيقة، أو ذات طرق معقولة ظاهر، وأما كون كل منها كذلك عنى ذات طرق محسوسة فباعتبار أن الكواكب في أي سماء كانت تسير مسامتة لسائر السموات، فممراتها باعتبار المسامتة طرق، وعنى ذات النجوم فباعتبار أن النجوم في أي سماء كانت تشاهد في سائر السموات بناءًا على أن السموات شفاقة لا يحجب كل منها إدراك ما وراءه، وأخرج ابن منيع عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: هي السماء السابعة، وعن عبد الله بن عمرو مثله فتدبر ولا تغفل.
وقرأ ابن عباس. والحسن بخلاف عنه. وأبو مالك الغفاري. وأبو حيوة. وابن أبي عبلة. وأبو السماء. ونعيم عن أبي عمرو الحبك بإسكان الباء على زنة القفل، وعكرمة بفتحها جمع حبكة مثل طرفة وطرف وبرقة وبرق، وأبو مالك الغفاري. والحسن بخلاف عنه أيضًا بكسر الحاء والباء كالإبل وهو على ما ذكر الخفاجي اسم مفرد ورد على هذا الوزن شذوذًا وليس جمعًا، وأبو مالك. والحسن. وأبو حيوة أيضًا بكسر الحاء وإسكان الباء كالسلك وهو تخفيف فعل مكسور الفاء والعين وهو اسم مفرد لا جمع لأن فعللًا ليس من أبنية الجموع قاله في البحر وابن عباس. وأبو مالك أيضًا بفتحهما كالجبل قال أبو الفضل الرازي فهو جمع حبكة مثل عقبة وعقب، والحسن أيضًا بكسر الحاء وفتح الباء كالنعم، وأبو مالك أيضًا بكسر الحاء وضم الباء وذكرها ابن عطية عن الحسن أيضًا ثم قال: هي قراءة شاذة غير متوجهة وكأن بعد أن كسر الحاء توهم قراءة الجمهور فضم التاء وهذا من تداخل اللغات وليس في كلام العرب هذا البناء أي لأن فيه الانتقال من خفة إلى ثقل على عكس ضرب مبنيًا للمفعول، وقال صاحب اللوامح: هو عديم النظير في العربية في أبنيتها وأوزانها ولا أدري ما وراءه انتهى. وعلى التداخل تأول النحاة هذه القراءة، وقال أبو حيان: الأحسن عندي أن يكون ذلك مما أتبع فيه حركة الحاء لحركة تاء {ذَاتُ} في الكسر ولم يعتد بالام الساكنة لأن الساكن حاجز غير حصين.

.تفسير الآية رقم (8):

{إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8)}
{إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} أي متخالف متناقض في أمر الله عز وجل حيث تقولون: إنه جل شأنه خالق السموات والأرض وتقولون بصحة عبادة الأصنام معه سبحانه، وفي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فتقولون: تارة إنه مجنون، وأخرى إنه ساحر ولا يكون الساحر إلا عاقلًا، وفي أمر الحشر فتقولون: تارة لا حشر ولا حياة بعد الموت أصلًا، وتزعمون أخرى أن أصنامكم شفعاؤكم عند الله تعالى يوم القيامة إلى غير ذلك من الأقوال المتخالفة فيما كلفوا بالايمان به، واقتصر بعضهم على كون القول المختلف في أمره صلى الله عليه وسلم، والجملة جواب القسم ولعل النكتة في ذلك القسم تشبيه أقوالهم في اختلافها وتنافي أغراضها بطرائق السموات في تباعدها واختلاف هيآتها، أو الإشارة إلى أنها ليست مستوية جيدة، أو ليست قوية محكمة، أو ليس فيها ما يزينها بل فيها ما يشينها من التناقض.