فصل: تفسير الآية رقم (9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (9):

{يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)}
{يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أي يصرف عن الايمان بما كلفوا الايمان به لدلالة الكلام السابق عليه، وقال الحسن. وقتادة: عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال غير واحد: عن القرآن، والكلام السابق مشعر بكل من صرف الصرف الذي لا أشد منه وأعظم؛ ووجه المبالغة من إسناد الفعل إلى من وصف به فلولا غرض المبالغة لكان من توضيح الواضح فكأنه أثبت للمصروف صرف آخر حيث قيل: {يُصْرَفْ عَنْهُ} المصروف فجاءت المبالغة من المضاعفة ثم الإطلاق في المقام الخطابي له مدخل في تقوية أمر المضاعفة وكذلك الإبهام الذي في الموصول، وهو قريب من قوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 87] وقيل: المراد {يُصْرَفْ عَنْهُ} في الوجود الخارجي من {صَرَفَ عَنْهُ} في علم الله تعالى وقضائه سبحانه، وتعقب بأنه ليس فيه كثير فائدة لأن كل ما هو كائن معلوم أنه ثابت في سابق علمه تعالى الأزلي وليس فيه المبالغة السابقة، وأجيب عن الأول بأن فيه الإشارة إلى أن الحجة البالغة لله عز وجل في صرفه وكفى بذلك فائدة وهو مبني أن العلم تابع للمعلوم فافهمه، وحكى الزهراوي أنه يجوز أن يكون الضمير {لِمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 5] أو للدين أقسم سبحانه بالذاريات على أن وقوع أمر القيامة حق ثم أقسم بالسماء على أنهم في {قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} في وقوعه، فمنهم شاك، ومنهم جاحد ثم قال جل وعلا: {يُؤْفَكُ} عن الإقرار بأمر القيامة من هو المأفوك، وذكر ذلك الزمخشري ولم يعزه، وادعى صاحب الكشف أنه أوجه لتلاؤم الكلام، وقيل: يجوز أن يكون الضمير لقول مختلف وعن للتعليل كما في قوله تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ} [هود: 53]
ينهون عن أكل وعن شرب ** مثل المها يرتعن في خصب

أي يصرف بسبب ذلك القول المختلف من أراد الإسلام، وقال الزمخشري: حقيقته يصدر إفكهم عن القول المختلف، وهذا محتمل لبقاء عن على أصلها من المجاوزة واعتبار التضمين، وفيه ارتكاب خلاف الظاهر من غير داع مع ذهاب تلك المبالغة، وجوز ابن عطية رجوع الضمير إلى القول إلا أنه قال: المعنى يصرف عن ذلك القول المختلف بتوفيق الله تعالى للإسلام من غلبت سعادته، وتعقبه بأن فيه مخالفة للعرف فإن عرف الاستعمال في الإفك الصرف من خير إلى شر فلذلك لا تجده إلا في المذمومين، ثم إن ذلك على كون الخطاب في أنكم للكفار وهو الذي ذهب إليه ابن زيد وغيره واستظهر أبو حيان كونه عامًا للمسلم والكافر، واستظهر العموم فيما سبق أيضًا، والقول المخلف حينئذ قول المسلمين بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، وقول الكفار بنقيض ذلك، وقرأ ابن جبير. وقتادة {مَنْ أُفِكَ} مبنيًا للفاعل أي من أفك الناس عنه وهم قريش، وقرأ زيد بن علي يأفك عنه من أفك أي يصرف الناس عنه من هو أفاك كذاب، وقرئ يؤفن عنه من أفن بالنون فيهما أي يحرمه من حرم من أفن الضرع إذا أنهكه حلبًا.

.تفسير الآية رقم (10):

{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)}
{قُتِلَ الخرصون} أي الكذابون من أصحاب القول المختلف، وأصل الخرص الظن والتخمين ثم تجوز به عن الكذب لأنه في الغالب يكون منشأ له، وقال الراغب: حقيقة ذلك أن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال له: خرص سواء كان مطابقًا للشيء أو مخالفًا له من حيث أن صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولاسماع بل اعتمد فيه على الظن والتخمين كفعل خارص الثمرة في خرصه، وكل من قال قولًا على هذا النحو قد يسمى كاذبًا وإن كان قوله مطابقًا للمقول المخبر به كما في قوله تعالى: {إِذَا جَاءكَ المنافقون} [المنافقون: 1] الآية انتهى.
وفيه بحث وحقيقة القتل معروفة، والمراد بقتل الدعاء عليهم مع قطع النظر عن المعنى الحقيقي.
وعن ابن عباس تفسيره باللعن قال ابن الأنباري: وإنما كان القتل عنى اللعن هنا لأن من لعنه الله تعالى نزلة المقتول الهالك، وقرئ قتل الخراصين أي قتل الله الخراصين.

.تفسير الآية رقم (11):

{الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11)}
{الذين هُمْ فِي غَمْرَةٍ} في جهل عظيم يغمرهم ويشملهم شمول الماء الغامر لما فيه {ساهون} غافلون عما أمروا به، فالمراد بالسهو مطلق الغفلة.

.تفسير الآية رقم (12):

{يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12)}
{يُسْئَلُونَ} أي بطريق الاستعجال استهزاءًا {أَيَّانَ يَوْمُ الدين} معمول ليسألون على أنه جار مجرى يقولون لما فيه من معنى القول، أو لقول مصدر أي فيقولون متى وقوع يوم الجزاء وقدر الوقوع ليكون السؤال عن الحدث كما هو المعروف في {أَيَّانَ} ولا ضير في جعل الزمان زمانيًا فإن اليوم لما جعل موعودًا ومنتظرًا في نحو قوله تعالى: {فارتقب يَوْمَ تَأْتِى السماء} [الدخان: 10] صار ملحقًا بالزمانيات وكذلك كل يوم له شأن مثل يوم العيد. والنيروز وهذا جار في عرفي العرب والعجم على أنه يجوز عند الأشاعرة أن يكون للزمان زمان على ما فصل في مكانه، وقرئ {أَيَّانَ} بكسر الهمزة وهي لغة.

.تفسير الآية رقم (13):

{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)}
{يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} أي يحرقون، وأصل الفتن إذابة الجوهر ليظهر غشه ثم استعمل في الإحراق والتعذيب ونحو ذلك، و{يَوْمٍ} نصب على الظرفية لمحذوف دل عليه وقوع الكلام جوابًا للسؤال مضاف للجملة الاسمية بعده أي يقع يوم الدين يوم هم على النار إلخ، وقال الزجاج: ظرف لمحذوف وقع خبرًا لمبتدأ كذلك أي هو واقع، أو كائن يوم إلخ، وجوز أن يكون هو نفسه خبر مبتدأ محذوف، والفتحة فتحة بناء لإضافته إلى غير، وهي الجملة الاسمية فإن الجمل بحسب الأصل كذلك على كلام فيه بين البصريين والكوفيين مفصل في «شرحالتسهيل أي هو يوم هم إلخ، والضمير قيل: راجع إلى وقت الوقوع فيكون هذا الكلام قائمًا مقام الجواب على نحو سيقولون لله في جواب {مَن رَّبُّ السموات والأرض} [الرعد: 16] لأن تقدير السؤال في أي وقت يقع، وجوابه الأصلي في يوم كذا، وإذا قلت: وقت يوم كذا كان قائمًا مقامه، ويجوز أن يكون الضمير لليوم والكلام جواب بحسب المعنى، فالتقدير يوم الجزاء يوم تعذيب الكفار ويؤيد كونه مرفوع المحل خبرًا لمبتدأ محذوف قراءة ابن أبي عبلة. والزعفراني {يوم هم} بالرفع، وزعم بعض النحاة أن يوم بدل من {يَوْمِ الدين} وفتحته على قراءة الجمهور فتحة بناء، و{يَوْمٍ} وما في حيزه من جملة كلام السائلين قالوه استهزاءًا، وحكى على المعنى، ولو حكى على اللفظ لقيل: يوم نحن على النار نفتن، وهو في غاية البعد كما لا يخفى، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (14):

{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)}
{ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} بتقدير قول وقع حالًا من ضمير {يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] أي مقولًا لهم {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} أي عذابكم المعدّ لكم، وقد يسمى مايحصل عنه العذاب كالكفر فتنة، وجوز أن يكون منه ما هنا كأنه قيل: ذوقوا كفركم أي جزاء كفركم أو يجعل الكفر نفس العذاب مجازًا وهو كما ترى {هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} جملة من مبتدأ وخبر داخلة تحت القول المضمر أي هذا العذاب الذي كنتم تستعجلون به بطريق الاستهزاء وجوز أن يكون هذا بدلًا من {فِتْنَتَكُمْ} بتأويل العذاب، وفيه بعد.

.تفسير الآية رقم (15):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15)}
{إِنَّ المتقين فِي جنات وَعُيُونٍ} لا يبلغ كنهها ولا يقادر قدرها.

.تفسير الآيات (16- 17):

{آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)}
{ءاخِذِينَ مَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} أي قابلين لكل ما أعطاهم عز وجل راضين به على معنى إن كل ما آتاهم حسن مرضي يتلقى بحسن القبول، والعموم مأخوذ من شيوع ما وإطلاقه في معرف المدح وإظهار مَنِّهِ تعالى عليهم، واعتبار الرضا لأن الأخذ قبول عن قصد، ونصب {ءاخِذِينَ} على الحال من الضمير في الظرف {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ} في الدنيا {مُحْسِنِينَ} أي لأعمالهم الصالحة آتين بها على ما ينبغي فلذلك استحقوا ما استحقوا من الفوز العظيم، وفسر إحسانهم بقوله تعالى: {كَانُواْ قَلِيلًا مّن اليل مَا يَهْجَعُونَ} إلخ على أن الجملة في محل رفع بدل من قوله تعالى: {كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات: 16] حصل بها تفيسره، أو أنها جملة لا محل لها من الإعراب مفسرة كسائر الجمل التفسيرية، وأخرج الفريابي. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية: {ءاخِذِينَ مَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} من الفرائض {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات: 16] أي كانوا قبل تنزل الفرائض يعملون، ولا أظن صحة نسبته لذلك الحبر، ولا يكاد تجعل جملة {كَانُواْ} إلخ عليه تفسيرًا إذا صح ما نقل عنه في تفسيرها، وسيأتي إن شاء الله تعالى. والهجوع النوم، وقيده الراغب بقوله: ليلًا، وغيره بالقليل، و{مَا} إما مزيدة فقليلًا معمول الفعل صفة لمصدر محذوف أي هجوعًا قليلًا و{مِّنَ اليل} صفة، أو لغو متعلق بيهجعون و{مِنْ} للابتداء، وجملة {يَهْجَعُونَ} خبر كان أو {قَلِيلًا} صفة لظرف محذوف أي زمانًا قليلًا و{مِّنَ اليل} صفة على نحو قليل من المال عندي وإما موصولة عائدها محذوف أي زمانًا قليلًا و{مِّنَ اليل} صفة على نحو قليل من المال عندي وإما موصولة عائدها محذوف فهي فاعل {قَلِيلًا} وهو خبر كان و{مِّنَ اليل} حال من الموصول مقدم كأنه قيل: كانوا قد قل المقدار الذي يهجعون فيه كائنًا ذلك المقدار {مِّنَ اليل} وإما مصدرية فالمصدر فاعل {قَلِيلًا} وهو خبر كان أيضًا، و{مِّنَ اليل} بيان لا متعلق بما بعده لأن معمول المصدر لا يتقدم، أو حال من المصدر، و{مِنْ} للابتداء كذا في الكشف فهما من الكشاف، وذهب بعضهم إلى أن {مِنْ} على زيادة ما عنى في كما في قوله تعالى: {ياأيها الذين ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ للصلاة} [الجمعة: 9] واعترض بن المنير احتمال مصدريتها بأن لا يجوز في {مِّنَ اليل} كونه صفة، أو بيانًا للقليل لأنه فيه واقع على الهجوع ولا صلة المصدر لتقدمه، وأجيب بأنه بيان للزمان المبهم؛ وحكى الطيبي أنه إما منصوب على التبيين أو متعلق بفعل يفسره {يَهْجَعُونَ} وجوز أن يكون {مَا يَهْجَعُونَ} على ذلك الاحتمال بدلًا من اسم كان فكأنه قيل: كان هجوعهم قللًا وهو بعيد، وجوز في {مَا} أن تكون نافية، و{قَلِيلًا} منصوب بيهجعون والمعنى كانوا لا يهجعون من الليل قليلًا ويحيونه كله ورواه ابن أبي شيبة.
وأبو نصر عن مجاهد، ورده الزمخشري بأن {مَا} النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها لأن لها صدر الكلام وليس فيها التصرف الذي في أخواتها كلا فإنها قد تكون كجزء مما دخلت عليه نحو عوتب بلا جرم ولم. ولن لاختصاصهما بالفعل كالجزء منه، وأنت تعلم أن منع العمل هو مذهب البصريين، وفي «شرح الهادي» أن بعض النحاة أجازه مطلقًا، وبعضهم أجازه في الظرف خاصة للتوسع فيه، واستدل عليه بقوله:
ونحن عن فضلك ما استغنينا

نعم يرد على ذلك أن فيه كما في الانتصاف خلللًا من حيث المعنى فإن طلب قيام الليل غير مستثنى منه جزء للهجوع وإن قل غير ثابت في الشرع ولا معهود اللهم إلا أن يدعي أن من ذهب إلى ذلك يقول: بأنه كان ثابتًا في الشرع، فقد أخرج ابن أبي شيبة. وابن المنذر عن عطاء أنه قال في الآية: كان ذلك إذا أمروا بقيام الليل كله فكان أبو ذكر يعتمد على العصار فمكثوا شهرين ثم نزلت الرخصة {فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] وقال الضحاك: {كَانُواْ قَلِيلًا} في عددهم، وتم الكلام عند {قَلِيلًا} ثم ابتدأ {مّن اليل مَا يَهْجَعُونَ} على أن {مَا} نافية؛ وفهي ما تقدم مع زيادة تفكيك للكلام، ولعل أظهر الأوجه زيادة {مَا} ونصب {قَلِيلًا} على الظرفية، و{مِّنَ اليل} صفة قيل: وفي الكلام مبالغات لفظ الهجوع بناءًا على أنه القليل من النوم، وقوله تعالى: {قَلِيلًا} و{مِّنَ اليل} لأن الليل وقت السبات والراحة وزيادة {مَا} لأنها تؤكد مضمون الجملة فتؤكد القلة وتحققها باعتبار كونها قيدًا فيها.
والغرض من الآية أنهم يكابدون العبادة في أوقات الراحة وسكون النفس ولا يستريحون من مشاق النهار إلا قليلًا، قال الحسن: كابدوا قيام الليل لا ينامون منه إلا قليلًا، وعن عبد الله بن رواحة هجعوا قليلًا ثم قاموا، وفسر أنس بن مالك الآية كما رواه جماعة عنه وصححه «الحاكم» فقال: كانوا يصلون بين المغرب والعشاء وهي لا تدل على الاقتصار على ذلك.