فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (18):

{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)}
{وبالاسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي هم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم يداومون على الاستغفار في الأسحار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم ولم يتفرغوا فيه للعبادة، وفي بناء الفعل على الضمير إشعار بأنهم الأحقاء بأن يوصفوا بالاستغفار كأنهم المختصون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه.
وفي الآية من الإشارة إلى مزيد خشيتهم وعدم اغترارهم بعبادتهم ما لا يخفى، وحمل الاستغفار على حقيقته المشهورة هو الظاهر وبه قال الحسن.
أخرج عنه ابن جرير. وغيره أنه قال: صلوا فلما كان السحر استغفروا، وقيل: المراد طلبهم المغفرة بالصلاة، وعليه ما أخرج ابن المنذر. وجماعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: {يَسْتَغْفِرُونَ} يصلون، وأخرج ابن مردويه عنه ذلك مرفوعًا ولا أراه يصح، وأخرج أيضًا عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن آخر الليل في التهجد أحب إليّ من أوله لأن الله تعالى يقول: {وبالاسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}» وهو محتمل لذلك التفسير والظاهر.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)}
{وَفِى أموالهم حَقٌّ} أي نصيب وافر يستوجبونه على أنفسهم تقربًا إلى الله عز وجل وإشفاقًا على الناس فهو غير الزكاة كما قال ابن عباس. ومجاهد. وغيرهما.
{لَّلسَّائِلِ} الطالب منهم {والمحروم} وهو المتعفف الذي يحسبه الجاهل غنيًا فيحرم الصدقة من أكثر الناس.
أخرج ابن جرير. وابن حبان. وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان والأكلة والأكلتان قيل: فمن المسكين؟ قال: الذي ليس له ما يغنيه ولا يعلم مكانه فيتصدق عليه فذلك المحروم» وفسره ابن عباس بالمحارف الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه ولا يسأل الناس، وقيل: هو الذي يبعد منه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله الحرمان، وقال زيد بن أسلم: هو الذي اجتيحت ثمرته، وقيل: من ماتت ماشيته، وقيل: من ليس له سهم في الإسلام، وقيل: الذي لا ينمو له مال، وقيل: غير ذلك قال في البحر: وكل ذلك على سبيل التمثيل ويجمع الأقوال أنه الذي لا مال له لحرمان أصابه وأنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول وقال منذر بن سعيد هذا الحق هو الزكاة المفروضة، وتعقب بأن السورة مكية وفرض الزكاة بالمدينة، وقيل: أصل فريضة الزكاة كان كة والذي كان بالمدينة القدر المعروف اليوم، وعن ابن عمر أن رجلًا سأله عن هذا الحق فقال الزكاة وسوى ذلك حقوق فعمم، والجمهور على الأول.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)}
{وَفِى الأرض ءايات} دلائل من أنواع المعادن. والنباتات. والحيوانات، أو وجوه دلالات من الدحو وارتفاع بعضها عن الماء، واختلاف أجزائها في الكيفيات والخواص، فالدليل على الأول ما في الأرض من الموجودات والظرفية حقيقية والجمع على ظاهره، وعلى الثاني الدليل نفس الأرض، والجمعية باعتبار وجوه الدلالة وأحوالها، والظرفية من ظرفية الصفة في الموصوف والدلالة على وجود الصانع جل شأنه وعلمه وقدرته وإرادته ووحدته وفرط رحمته عز وجل: {لّلْمُوقِنِينَ} للموحدين الذين سلكوا الطريق السوي البرهاني الموصل إلى المعرفة فهم نظارون بعيون باصرة وأفهام نافذة، وقرأ قتادة آية بالإفراد.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)}
{وَفِى أَنفُسِكُمْ} أي في ذواتكم آيات إذ ليس في العالم شيء إلا وفي ذات الإنسان له نظير يدل مثل دلالته على ما انفرد به من الهيآت النافعة والمناظرة البهية والتركيبات العجيبة والتمكن من الأفعال البديعة واستنباط الصنائع المختلفة واستجماع الكمالات المتنوعة، وآيات الأنفس أكثر من أن تحصى، وقيل: أريد بذلك اختلاف الألسنة والصور والألوان والطبائع، ورواه عطاء عن ابن عباس، وقيل: سبيل الطعام وسبيل الشراب والحق أن لا حصر {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} أي ألا تنظرون فلا تبصرون بعين البصيرة، وهو تعنيف على ترك النظر في الآيات الأرضية والنفسية، وقيل: في الأخير.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)}
{وَفِى السماء رِزْقُكُمْ} أي تقديره وتعيينه، أو أسباب رزقكم من النيرين والكواكب والمطالع والمغارب التي تختلف بها الفصول التي هي مبادئ الرزق إلى غير ذلك، فالكلام على تقدير مضاف أو التجوز بجعل وجود الأسباب فيها كوجود المسبب، وذهب غير واحد إلى أن السماء السحاب وهي سماء لغة، والمراد بالرزق المطر فإنه سبب الأقوات وروى تفسيره بذلك مرفوعًا وقرأ ابن محيصن أرزاقكم على الجمع.
{وَمَا تُوعَدُونَ} عطف على رزقكم أي والذي توعدونه من خير وشر كما روي عن مجاهد، وفي رواية أخرى عنه وعن الضحاك ما توعدون الجنة والنار وهو ظاهر في أن النار في السماء وفيه خلاف، وقال بعضهم: هو الجنة وهي على ظهر السماء السابعة تحت العرش، وقيل: أمر الساعة، وقيل: الثواب والعقاب فإنهما مقدران معينان فيها، وقيل: إنه مستأنف خبره.

.تفسير الآية رقم (23):

{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)}
{فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ} على أن ضمير {أَنَّهُ} {لَّمًّا} وعلى ما تقدم، فإما له أو للرزق، أو لله تعالى، أو للنبي صلى الله عليه وسلم، أو للقرآن، أو للدين في {إِنَّ الدّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات: 6] أو لليوم المذكور في {أَيَّانَ يَوْمُ الدين} [الذاريات: 12] أو لجميع المذكور {أَمَّا مَا}، واستظهر أبو حيان الأخير منها وهو مروى عن ابن جريج أي أن جميع ما ذكرناه من أول السورة إلى هنا لحق {لَحَقٌّ مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} أي مثل نطقكم كما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي أن لا تشكوا في حقية ذلك وهذا كقول الناس: إن هذا لحق كما أنك ترى وتسمع، ونصب {مَثَلُ} على الحالية من المستكن في {لَحَقُّ} وهو لا يتعرف بالإضافة لتوغله في التنكير، أو على الوصف لمصدر محذوف أي إنه حق حقًا مثل نطقكم، وقيل: إنه مبني على الفتح فقال المازني: لتركبه مع {مَا} حتى صارا شيئًا واحدًا نحو ويحما وأنشدوا لبناء الاسم معها قول الشاعر:
أثور ما أصيدكم أم ثورين ** أم هذه الجماء ذات القرنين

وقال غيره: لإضافته إلى غير متمكن وهو {مَا} إن كانت نكرة موصوفة عنى شيء، أو موصولة عنى الذي و{إِنَّكُمْ} إلخ خبر مبتدأ محذوف أي هو {إِنَّكُمْ} إلخ، والجملة صفة، أو صلة، أو هو أن بما في حيزها إن جعلت {مَا} زائدة، وهو نص الخليل ومحله على البناء الرفع على أنه صفة {لَحَقُّ} أو خبر ثان ويؤيده قراءة حمزة. والكسائي. وأبي بكر. والحسن. وابن أبي إسحاق. والأعمش بخلاف عن ثلاثتهم {مَثَلُ} بالرفع، وفي البحر أن الكوفيين يجعلون مثلًا ظرفًا فينصبونه على الظرفية ويجيزون زيد مثلك بالنصب، وعليه يجوز أن يكون في قراءة الجمهور منصوبًا على الظرفية واستدلالهم، والرد عليهم مذكور في النحو وفي الآية من تأكيد حقية المذكور ما لا يخفى، وأخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن الحسن أنه قال فيها: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله قومًا أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا» وعن الأصمعي أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود فقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني أصمع قال: من أين أقبلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن قال: اتل علي فتلوت {والذريات} [الذاريات: 1] فلما بلغت {وَفِى السماء رِزْقُكُمْ} [الذاريات: 22] قال: حسبك فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق فالتفت فإذا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلم علي واستقرأ السورة فلما بلغت الآية صاح وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت {فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ} فصاح وقال: يا سبحان الله من ذا أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى ألجأوه إلى اليمين قالها ثلاثًا وخرجت معها نفسه.

.تفسير الآية رقم (24):

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)}
{هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم} فيه تفخيم لشأن الحديث وتنبيه على أنه ليس مما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير طريق الوحي قاله غير واحد، وفي الكشف فيه رمز إلى أنه لما فرغ من إثبات الجزاء لفظًا القسم ومعنى بما في المقسم به من التلويح إلى القدرة البالغة مدمجًا فيه صدق المبلغ، وقضى الوطر من تفصيله مهد لإثبات النبوة وأن هذا الآتي الصادق حقيق بالاتباع لما معه من المعجزات الباهرة فقال سبحانه: {هَلُ أَتَاكَ} إلخ، وضمن فيه تسليته عليه الصلاة والسلام بتكذيب قومه فله بسائر آبائه وإخوانه من الأنبياء عليهم السلام أسوة حسنة هذا إذا لم يجعل قوله تعالى: {وَفِى موسى} [الذاريات: 38] عطفًا على قوله سبحانه: {وَفِى الأرض ءايات} [الذاريات: 20] وأما على ذلك التقدير فوجهه أن يكون قصة الخليل. ولوط عليهما السلام معترضة للتسلي بإبعاد مكذبيه وأنه مرحوم منجي مكرم بالاصطفاء مثل أبيه إبراهيم صلوات الله تعالى وسلامه عليه وعليهم والترجيح مع الأول انتهى وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بقوله سبحانه: {وَفِى موسى} [الذاريات: 38]، و{الضيف} في الأصل مصدر عنى الميل ولذلك يطلق على الواحد والمتعدد، قيل: كانوا اثني عشر ملكًا، وقيل: ثلاثة. جبرائيل. وميكائيل. وإسرافيل عليهم السلام وسموا ضيفًا لأنهم كانوا في صورة الضيف ولأن إبراهيم عليه السلام حسبهم كذلك، فالتسمية على مقتضى الظاهر والحسبان، وبدأ بقصة إبراهيم وإن كانت متأخرة عن قصة عاد لأنها أقوى في غرض التسلية {مِنَ المكرمين} أي عند الله عز وجل كما قال الحسن فهو كقوله تعالى في الملائكة عليهم السلام: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] أو عند إبراهيم عليه السلام إذ خدمهم بنفسه وزوجته وعجل لهم القرى ورفع مجالسهم كما في بعض الآثار، وقرأ عكرمة {المكرمين} بالتشديد.

.تفسير الآية رقم (25):

{إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)}
{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ} ظرف للحديث لأنه صفة في الأصل، أو للضيف، أو {لمكرمين} إن أريد إكرام إبراهيم لأن إكرام الله تعالى إياهم لا يتقيد، أو منصوب بإضمار اذكر {عَلَيْهِ فَقَالُواْ سلاما} أي نسلم عليك سلامًا، وأوجب في البحر حذف الفعل لأن المصدر سادّ مسدّه فهو من المصادر التي يجب حذف أفعالها، وقال ابن عطية: يتجه أن يعمل في {سَلاَمًا} قالوا: على أن يجعل في معنى قولًا ويكون المعنى حينئذٍ أنهم قالوا: تحية وقولًا معناه {سلام} ونسب إلى مجاهد وليس بذاك.
{قَالَ سلام} أي عليكم سلام عدل به إلى الرفع بالابتداء لقصد الثبات حتى يكون تحيته أحسن من تحيتهم أخذًا زيد الأدب والإكرام، وقيل: {سلام} خبر مبتدأ محذوف أي أمري {سلام} وقرئا مرفوعين، وقرئ سلامًا قال سلما بكسر السين وإسكان اللام والنصب، والسلم السلام، وقرأ ابن وثاب. والنخعي. وابن جبير. وطلحة سلامًا قال سلم بالكسر والإسكان والرفع، وجعله في البحر على معنى نحن أو أنتم سلم {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} أنكرهم عليه السلام للسلام الذي هو علم الإسلام، أو لأنهم عليهم السلام ليسوا ممن عهدهم من الناس، أو لأن أوضاعهم وأشكالهم خلاف ما عليه الناس، و{قَوْمٌ} خبر مبتدأ محذوف والأكثر على أن التقدير أنتم قوم منكرون وأنه عليه السلام قاله لهم للتعرف كقولك لمن لقيته: أنا لا أعرفك تريد عرف لي نفسك وصفها، وذهب بعض المحققين إلى أن الذي يظهر أن التقدير هؤلاء {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} وأنه عليه السلام قاله في نفسه، أو لمن كان معه من أتباعه وغلمانه من غير أن يشعرهم بذلك فإنه الأنسب بحاله عليه السلام لأن في خطاب الضيف بنحو ذلك إيحاشًا مّا، وطلبه به أن يعرفوه حالهم لعله لا يزيل ذلك. وأيضًا لو كان مراده ذلك لكشفوا أحوالهم عند القول المذكور ولم يتصد عليه السلام لمقدمات الضيافة.