فصل: تفسير الآية رقم (26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (26):

{فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)}
{فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ} أي ذهب إليهم على خفية من ضيفه، نقل أبو عبيدة أنه لا يقال: راغ إلا إذا ذهب على خفية، وقال: يقال روغ اللقمة إذا غمسها في السمن حتى تروى، قال ابن المنير: وهو من هذا المعنى لأنها تذهب مغموسة في السمن حتى تخفى، ومن مقلوب الروغ غور الأرض والجرح لخفائه وسائر مقلوباته قريبة من هذا المعنى، وقال الراغب: الروغ الميل على سبيل الاحتيال، ومنه راغ الثعلب، وراغ فلان إلى فلان مال نحوه لأمر يريده منه بالاحتيال، ويعلم منه أن لاعتبار قيد الخفية وجهًا وهو أمر يقتضيه المقام أيضًا لأن من يذهب إلى أهله لتدارك الطعام يذهب كذلك غالبًا، وتشعر الفاء بأنه عليه السلام بادر بالذهاب ولم يمهل وقد ذكروا أن من أدب المضيف أن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف حذرًا من أن يمنعه الضيف، أو يصير منتظرًا {فَجَاء بِعِجْلٍ} هو ولد البقرة كأنه سمي بذلك لتصور عجلته التي تعدم منه إذا صار ثورًا {سَمِينٍ} ممتلئ الجسد بالشحم واللحم يقال: سمن كسمع سمانة بالفتح وسمنًا كعنب فهو سامن وسمين، وكحسن السمين خلقة كذا في القاموس، وفي البحر يقال: سمن سمنًا فهو سمين شذوذًا في المصدر، واسم الفاعل. والقياس سمن وسمن، وقالوا: سامن إذا حدث له السمن انتهى، والفاء فصيحة أفصحت عن جمل قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليها، وإيذانًا بكمال سرعة المجيء بالطعام أي فذبح عجلًا فحنذه فجاء به، وقال بعضهم إنه كان معدًا عنده حنيذًا قبل مجيئهم لمن يرد عليه من الضيوف فلا حاجة إلى تقدير ما ذكر، والمشهور اليوم أن الذبح للضيف إذا ورد أبلغ في إكرامه من الإتيان بما هيئ من الطعام قبل وروده، وكان كما روي عن قتادة عامة ماله عليه السلام البقر ولو كان عنده أطيب لحمًا منها لأكرمهم به.

.تفسير الآية رقم (27):

{فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)}
{فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} بأن وضعه لديهم، وفيه دليل على أن من إكرام الضيف أن يقدم له أكثر مما يأكل وأن لا يوضع الطعام وضع ويدعى الضيف إليه {قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ}، قيل: عرض للأكل فإن في ذلك تأنيسًا للضيف، وقيل: إنكار لعدم تعرضهم للأكل، وفي بعض الآثار أنهم قالوا: إنا لا نأكل إلا ما أدينا ثمنه فقال عليه السلام: إني لا أبيحه لكم إلا بثمن قالوا: وما هو؟ قال: أن تسموا الله تعالى عند الابتداء وتحمدوه عز وجل عند الفراغ فقال بعضهم لبعض: بحق اتخذه الله تعالى خليلًا.

.تفسير الآية رقم (28):

{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)}
{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} فأضمر في نفسه منهم خوفًا لما رأى عليه الصلاة والسلام إعراضهم عن طعامه وظن أن ذلك لشر يريدونه فإن أكل الضيف أمنة؛ ودليل على انبساط نفسه وللطعام حرمة وذمام والامتناع منه وحشة موجبة لظن الشر. وعن ابن عباس أنه عليه السلام وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب فخاف {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} إنا رسل الله تعالى، عن يحيى بن شداد مسح جبريل عليه السلام العجل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه فعرفهم وأمن منهم، وعلى ما روي عن الخبر أن هذا لمجرد تأمينه عليه السلام، وقيل: مع تحقيق أنهم ملائكة وعلمهم بما أضمر في نفسه إما باطلاع الله تعالى إياهم عليه، أو إطلاع ملائكته الكرام الكاتبين عليه وإخبارهم به، أو بظهور أمارته في وجهه الشريف فاستدلوا بذلك على الباطن {وَبَشَّرُوهُ} وفي سورة الصافات {وبشرناه} أي بواسطتهم {بغلام} هو عند الجمهور إسحاق بن سارة وهو الحق للتنصيص على أنه المبشر به في سورة هود، والقصة واحدة، وقال مجاهد: إسماعيل ابن هاجر كما رواه عنه ابن جرير وغيره ولا يكاد يصح {عَلِيمٌ} عند بلوغه واستوائه، وفيه تبشير بحياته وكانت البشارة بذكر لأنه أسر للنفس وأبهج، ووصفه بالعلم لأنها الصفة التي يختص بها الإنسان الكامل لا الصورة والجميلة والقوة ونحوهما، وهذا عند غير الأكثرين من أهل هذا الزمان فإن العلم عندهم لاسيما العلم الشرعي رذيلة لا تعادلها رذيلة والجهل فضيلة لا توازنها فضيلة، وفي صيغة المبالغة مع حذف المعمول ما لا يخفى مما يوجب السرور، وعن الحسن {عَلِيمٌ} نبي ووقعت البشارة بعد التأنيس، وفي ذلك إشارة إلى أن درء المفسدة أهم من جلب المصلحة، وذكر بعضهم أن علمه عليه السلام بأنهم ملائكة من حيث بشروه بغيب.

.تفسير الآية رقم (29):

{فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)}
{فَأَقْبَلَتِ امرأته} سارّة لما سمعت بشارتهم إلى بيتها وكانت في زاوية تنظر إليهم، وفي التفسير الكبير إنها كانت في خدمتهم فلما تكلموا مع زوجها بولادتها استحيت وأعرضت عنهم فذكر الله تعالى ذلك بلفظ الإقبال على الأهل دون الإدبار على الملائكة، وهو إن صح مثله عن نقل وأثر لا يأباه الخطاب الآتي لأنه يقتضي الإقبال دون الإدبار إذ يكفي لصحته أن يكون سمع منها وإن كانت مدبرة، نعم في الكلام عليه استعارة ضدية ولا قرينة هاهنا تصححها، وقيل: أقبلت عنى أخذت كما تقول أخذ يشتمني {فِى صَرَّةٍ} في صيحة من الصرير قاله ابن عباس، وقال قتادة. وعكرمة: صرتها رنتها، وقيل: قولها أوه، وقيل: يا ويلتي، وقيل: في شدة، وقيل: الصرة الجماعة المنضم بعضهم إلى بعض كأنهم صروا أي جمعوا في وعاء وإلى هذا ذهب ابن بحر قال: أي أقبلت في صرة من نسوة تبادرن نظرًا إلى الملائكة عليهم السلام، والجار والمجرور في موضع الحال، أو المفعول به إن فسر {أقبلت} بأخذت قيل: إن {بهذا فِى} عليه زائدة كما في قوله:
يجرح في عراقيبها نصلي

والتقدير أخذت صيحة، وقيل: بل الجار والمجرور في موضع الخبر لأن الفعل حينئذٍ من أفعال المقاربة {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} قال مجاهد: ضربت بيدها على جبهتها وقالت: يا ويلتاه، وقيل: إنها وجدت حرارة الدم فلطمت وجهها من الحياء، وقيل: إنها لطمته تعجبًا وهو فعل النساء إذا تعجبن من شيء {وَقَالَتْ عَجُوزٌ} أي أنا عجوز {عَقِيمٍ} عاقر فكيف ألد، وعقيم فعيل قيل: عنى فاعل أو مفعول وأصل معنى العقم اليبس.

.تفسير الآية رقم (30):

{قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)}
{قَالُواْ كَذَلِكِ} أي مثل ذلك القول الكريم الذي أخبرنا به {قَالَ رَبُّكِ} وإنما نحن معبرون نخبرك به عنه عز وجل لا أنا نقوله من تلقاء أنفسنا، وروي أن جبريل عليه السلام قال لها: انظري إلى سقف بيتك فنظرت فإذا جذوعه مورقة مثمرة {إِنَّهُ هُوَ الحكيم العليم} فيكون قوله عز وجل حقًا وفعله سبحانه متقنًا لا محالة، وهذه المفاوضة لم تكن مع سارة فقط بل كانت مع إبراهيم أيضًا حسا تقدم في سورة الحجر، وإنما لم يذكر هاهنا اكتفاءًا بما ذكر هناك كما أنه لم يذكر هناك سارة اكتفاءًا بما ذكر هاهنا وفي سورة هود.

.تفسير الآية رقم (31):

{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31)}
{قَالَ} أي إبراهيم عليه السلام لما علم أنهم ملائكة أرسلوا لأمر {فَمَا خَطْبُكُمْ} أي شأنكم الخطير الذي لأجله أرسلتم سوى البشارة {أَيُّهَا المرسلون}.

.تفسير الآية رقم (32):

{قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32)}
{قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} يعنون قوم لوط عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (33):

{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33)}
{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ} أي بعد قلب قراهم عاليها سافلها حسا فصل في سائر السور الكريمة {حِجَارَةً مّن طِينٍ} أي طين متحجر وهو السجيل؛ وفي تقييد كونها من طين رفع توهم كونها بردًا فإن بعض الناس يسمى البرد حجارة.

.تفسير الآية رقم (34):

{مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)}
{مُّسَوَّمَةً} معلمة من السومة وهي العلامة على كل واحدة منها اسم من يهلك بها؛ وقيل: أعلمت بأنها من حجارة العذاب، وقيل: بعلامة تدل على أنها ليست من حجارة الدنيا، وقيل: مسومة مرسلة من أسمت الإبل في المرعى، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10] {عِندَ رَبّكَ} أي في محل ظهور قدرته سبحانه وعظمته عز وجل، والمراد إنها معلمة في أول خلقها، وقيل: المعنى إنها في علم الله تعالى معدّة {لِلْمُسْرِفِينَ} المجاوزين الحد في الفجور، وأل عند الإمام للعهد أي لهؤلاء المسرفين، ووضع الظاهر موضع الضمير ذمًّا لهم بالإسراف بعد ذمّهم بالإجرام، وإشارة إلى علة الحكم، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (35):

{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35)}
{فَأَخْرَجْنَا} إلى آخره حكاية من جهته تعالى لما جرى على قوم لوط عليه السلام بطريق الإجمال بعد حكاية ما جرى بين الملائكة وبين إبراهيم عليه السلام من الكلام، والفاء فصيحة مفصحة عن جمل قد حذفت ثقة بذكرها في موضع آخر كأنه قيل: فقاموا منه وجاءوا لوطًا فجرى بينهم وبينه ما جرى فباشروا ما أمروا به فأخرجنا بقولنا: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} [هود: 81] إلخ {مَن كَانَ فِيهَا} أي في قرى قوم لوط وإضمارها بغير ذكر لشهرتها.
{مِنَ المؤمنين} ممن آمن بلوط عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (36):

{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)}
{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ} أي غير أهل بيت للبيان بقوله تعالى: {مِنَ المسلمين} فالكلام بتقدير مضاف، وجوز أن يراد بالبيت نفسه الجماعة مجازًا، والمراد بهم كما أخرج ابن المنذر. وابن أبي حاتم عن مجاهد لوط وابنتاه، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال: كانوا ثلاثة عشر، واستدل بالآية على اتحاد الإيمان والإسلام للاستثناء المعنوي فإن المعنى فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فلم يكن المخرج إلا أهل بيت واحد وإلا لم يستقم الكلام، وأنت تعلم أن هذا يدل على أنهما صادقان على الأمر الواحد لا ينفك أحدهما عن الآخر كالناطق والإنسان إما على الاتحاد في المفهوم وهو المختلف فيه عند أهل الأصول والحديث فلا، فالاستدلال بها على اتحادهما فيه ضعيف، نعم تدل على أنهما صفتا مدح من أوجه عديدة استحقاق الإخراج واختلاف الوصفين وجعل كل مستقلًا بأن يجعل سبب النجاة وما في قوله تعالى: {مَن كَانَ} [الذاريات: 35] أولًا، و{غَيْرَ بَيْتٍ} ثانيًا من الدلالة على المبالغة فإن صاحبهما محفوظ {مَن كَانَ} وأين كان إلى غير ذلك، ومعنى الوجدان منسوبًا إليه تعالى العلم على ما قاله الراغب، وذهب بعض الأجلة إلى أنه لا يقال: ما وجدت كذا إلا بعد الفحص والتفتيش، وجعل عليه معنى الآية فأخرج ملائكتنا {مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المؤمنين} فما وجد ملائكتنا فيها {غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين} أو في الكلام ضرب آخر من المجاز فلا تغفل.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)}
{وَتَرَكْنَا فِيهَا} أي في القرى {ءايَةً} علامة دالة على ما أصابهم من العذاب، قال ابن جريج: هي أحجار كثيرة منضودة، وقيل: تلك الأحجار التي أهلكوا بها، وقيل: ماء منتن قال الشهاب: كأنه بحيرة طبرية، وجوز أبو حيان كون ضمير {فِيهَا} عائدًا على الإهلاكة التي أهلكوها فإنها من أعاجيب الإهلاك بجعل أعالي القرية أسافل، وإمطار الحجارة، والظاهر هو الأول {لّلَّذِينَ يَخَافُونَ العذاب الاليم} أي من شأنهم أن يخافوه لسلامة فطرتهم ورقة قلوبهم دون من عداهم من ذوي القلوب القاسية فإنهم لا يعتدون بها ولا يعدونها آية.