فصل: تفسير الآية رقم (38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (38):

{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)}
{وَفِى موسى} عطف على {وَتَرَكْنَا فِيهَا} [الذاريات: 37] بتقدير عامل له أي وجعلنا في موسى، والجملة معطوفة على الجملة، أو هو عطف على {فِيهَا} بتغليب معنى عامل الآية، أو سلوك طريق المشاكلة في عطفه على الأوجه التي ذكرها النحاة في نحو:
علفتها تبنًا وماءًا باردًا

لا يصح تسليط الترك عنى الإبقاء على قوله سبحانه. {وَفِى موسى} فقول أبي حيان. لا حاجة إلى إضمار {تَّرَكْنَا} [الذاريات: 37] لأنه قد أمكن العامل في المجرور تركنا الأول فيه بحث، وقيل: {فِى موسى} خبر لمبتدأ محذوف أي {وَفِى موسى} آية، وجوز ابن عطية. وغيره أن يكون معطوفًا على قوله تعالى: {وَفِى الأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} [الذاريات: 20] اعتراض لتسليته عليه الصلاة والسلام على ما مر، وتعقبه في البحر بأنه بعيد جدًا ينزه القرآن الكريم عن مثله {إِذْ أرسلناه} قيل: بدل من {موسى}، وقيل: هو منصوب بآية، وقيل: حذوف أي كائنة وقت إرسالنا، وقيل: بتركنا.
{إلى فِرْعَوْنَ بسلطان مُّبِينٍ} هو ما ظهر على يديه من المعجزات الباهرة، والسلطان يطلق على ذلك مع شموله للواحد والمتعدد لأنه في الأصل مصدر.

.تفسير الآية رقم (39):

{فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)}
{فتولى بِرُكْنِهِ} فأعرض عن الإيمان وسى عليه السلام على أن ركنه جانب بدنه وعطفه، والتولي به كناية عن الإعراض، والباء للتعدية لأن معناه ثني عطفه، أو للملابسة، وقال قتادة: تولى بقومه على أن الركن عنى القوم لأنه يركن إليهم ويتقوى بهم، والباء للمصاحبة أو الملابسة وكونها للسببية غير وجيه، وقيل: تولى بقوته وسلطانه، والركن يستعار للقوة كما قال الراغب وقرئ بركنه بضم الكاف اتباعًا للراء {وَقَالَ ساحر} أي هو ساحر {أَوْ مَجْنُونٌ} كان اللعين جعل ما ظهر على يديه عليه السلام من الخوارق العجيبة منسوبة إلى الجن وتردد في أنه حصل باختياره فيكون سحرًا، أو بغير اختياره فيكون جنونًا، وهذا مبني على زعمه الفاسد وإلا فالسحر ليس من الجن كما بين في محله فأو للشك، وقيل: للإبهام، وقال أبو عبيدة: هي عنى الواو لأن اللعين قال الأمرين قال: {إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} [الشعراء: 34] وقال: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27] وأنت تعلم أن اللعين يتلون تلون الحرباء فلا ضرورة تدعو إلى جعلها عنى الواو.

.تفسير الآية رقم (40):

{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)}
{فأخذناه وَجُنُودَهُ فنبذناهم} طرحناهم غير معتدّين بهم {فِي اليم} في البحر، والمراد فأغرقناهم فيه، وفي الكلام من الدلالة على غاية عظم شأن القدرة الربانية ونهاية قمأة فرعون وقومه ما لا يخفى {وَهُوَ مُلِيمٌ} أي آت بما يلام عليه من الكفر والطغيان فالأفعال هنا للإتيان بما يقتضي معنى ثلاثية كأغرب إذا أتى أمرًا غريبًا، وقيل: الصيغة للنسب، أو الإسناد للسبب وهو كما ترى وكون الملام عليه هنا الكفر والطغيان هو الذي يقتضيه حال فرعون وهو مما يختلف باعتبار من وصف به فلا يتوهم أنه كيف وصف اللعين بما وصف به ذو النون عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (41):

{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)}
{وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا} على طرز ما تقدم {عَلَيْهِمُ الريح العقيم} الشديد التي لا تلقح شيئًا كما أخرجه جماعة عن ابن عباس وصححه الحاكم، وفي لفظ هي ريح لا بركة فيها ولا منفعة ولا ينزل منها غيث ولا يلقح بها شجر كأنه شبه عدم تضمن المنفعة بعقم المرأة فعيل عى فاعل من اللازم وكون هذا المعنى لا يصح هنا مكابرة، وقال بعضهم وهو حسن: سميت عقيمًا لأنها أهلكتهم وقطعت دابرهم على أن هناك استعارة تبعية شبه إهلاكهم وقطع دابرهم بعقم النساء وعدم حملهن لما فيه من إذهاب النسل ثم أطلق المشبه به على المشبه واشتق منه العقيم، وفعيل قيل: عنى فاعل أو مفعول، وهذه الريح كانت الدبور لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» وأخرج الفريابي. وابن المنذر عن علي كرم الله تعالى وجهه أنها النكباء، وأخرج ابن جرير وجماعة عن ابن المسيب أنها الجنوب، وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أنها الصبا، والمعول عليه ما ذكرنا أولًا، ولعل الخبر عن الأمير كرم الله تعالى وجهه غير صحيح.

.تفسير الآية رقم (42):

{مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)}
{مَا تَذَرُ مِن شَيْء} ما تدع شيئًا {أَتَتْ عَلَيْهِ} جرت عليه {إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم} الشيء البالي من عظم، أو نبات، أو غير ذلك من رمّ الشيء بلي، ويقال للبالي: رمام كغراب، وأرم أيضًا لكن قال الراغب: يختص الرم بالفتات من الخشب والتبن، والرمة بالكسر تختص بالعظم البالي، والرمة بالضم بالحبل البالي، وفسره السدي هنا بالتراب، وقتادة بالهشيم، وقطرب بالرماد، وفسره ابن عيسى بالمنسحق الذي لا يرم أي لا يصلح كأنه جعل الهمزة في أرم للسلب، والجملة بعد {إِلا} حالية، والشيء هنا عام مخصوص أي من شيء أراد الله تعالى تدميره وإهلاكه من ناس. أو ديار. أو شجر. أو غير ذلك، روي أن الريح كانت تمر بالناس فيهم الرجل من عاد فتنتزعه من بينهم وتهلكه.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43)}
{وَفِى ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ} أخرج البيهقي في سننه عن قتادة أنه ثلاثة أيام وإليه ذهب الفراء. وجماعة قال: تفسيره قوله تعالى: {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثلاثة أَيَّامٍ} [هود: 56] واستشكل بأن هذا التمتع مؤخر عن العتو لقوله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ} إلخ، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (44):

{فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44)}
{فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} يدل على أن العتو مؤخر، وأجيب بأن هذا مرتب على تمام القصة كأنه قيل: وجعلنا في زمان قولنا ذلك لثمود آية أو وفي زمان قولنا ذلك لثمود آية، ثم أخذ في بيان كونه آية فقيل. {فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} أي فاستكبروا عن الامتثال به إلى الآخر، فالفاء للتفصيل قال في الكشف. وهو الظاهر من هذا المساق، وكذلك قوله تعالى: {فتولى بِرُكْنِهِ} [الذاريات: 39] مرتب على القصة زمان إرسال موسى عليه السلام بالسلطان، وإن كان هناك لا مانع من الترتب على الإرسال وذلك لأنه جيء بالظرف مجيء الفضلة حيث جعل فيه الآية، والقصة من توليهم إلا هلاكهم انتهى، وقال الحسن: هذا أي القول لهم {تمتعوا حتى حين} [الذاريات: 43] كان حين بعث إليهم صالح أمروا بالإيمان بما جاء به، والتمتع إلى أن تأتي آجالهم ثم عتوا بعد ذلك قال في البحر، ولذلك جاء العطف بالفاء المقتضية تأخر العتو عما أمروا به فهو مطابق لفظًا ووجودًا واختاره الإمام فقال. قال بعض المفسرين: المراد بالحين الأيام الثلاثة التي أمهلوها بعد عقر الناقة وهو ضعيف لأن ترتب فعتوا بالفاء دليل على أن العتو كان بعد القول المذكور، فالظاهر أنه ما قدر الله تعالى من الآجال فما من أحد إلا وهو ممهل مدة الأجل كأنه يقول له. تمتع إلى آخر أجلك فإن أحسنت فقد حصل لك التمتع في الدارين وإلا فمالك في الآخرة من نصيب انتهى، وما تقدم أبعد مغزى {فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة} أي أهلكتهم، روي أن صالحًا عليه السلام وعدهم الهلاك بعد ثلاثة أيام، وقال لهم: تصبح وجوهك غدًا مصفرة. وبعد غد محمرة. واليوم الثالث مسودة ثم يصبحكم العذاب، ولما رأوا الآيات التي بينها عليه السلام عمدوا إلى قتله فنجاه الله تعالى فذهب إلى أرض فلسطين ولما كان ضحوة اليوم الرابع تحنطوا وتكفنوا بالأنطاع فأتتهم الصاعقة وهي نار من السماء، وقيل: صيحة منها فهلكوا، وقرأ عمر. وعثمان رضي الله تعالى عنهما. والكسائي الصعقة وهي المرة من الصعق عنى الصاعقة أيضًا، أو الصيحة {وَهُمْ يَنظُرُونَ} إليها ويعاينونها ويحتاج إلى تنزيل المسموع منزلة المبصر على القول بأن الصاعقة الصيحة وأن المراد ينظرون إليها، وقال مجاهد: {يُنظَرُونَ} عنى ينتظرون أي وهم ينتظرون الأخذ والعذاب في تلك الأيام الثلاثة التي رأوا فيها علاماته وانتظار العذاب أشد من العذاب.

.تفسير الآية رقم (45):

{فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45)}
{فَمَا استطاعوا مِن قِيَامٍ} كقوله تعالى: {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين} [الأعراف: 87] وقيل: هو من قولهم: ما يقوم فلان بكذا إذا عجز عن دفعه، وروي ذلك عن قتادة فهو معنى مجازي، أو كناية شاعت حتى التحقت بالحقيقة {وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ} بغيرهم كما لم يتمنعوا بأنفسهم.

.تفسير الآية رقم (46):

{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46)}
{وَقَوْمَ نُوحٍ} أي وأهلكنا قوم، فإن ما قبله يدل عليه، أو واذكر، وقيل: عطف على الضمير في {فَأَخَذَتْهُمُ} [الذاريات: 44]، وقيل: في {فنبذناهم} [الذاريات: 40] لأن معنى كل فأهلكناهم هو كما ترى وجوز أن يكون عطفًا على محل {وَفِى عَادٍ} [الذاريات: 41] أو {وَفِى ثَمُودَ} [الذاريات: 43] وأيد بقراءة عبد الله. وأبي عمرو. وحمزة. والكسائي. وقوم بالجر، وقرأ عبد الوارث. ومحبوب. والأصمعي عن أبي عمرو. وأبو السمال. وابن مقسم. وقوم بالرفع والظاهر أنه على الابتداء، والخبر محذوف أي أهلكناهم {مِن قَبْلُ} أي من قبل هؤلاء المهلكين {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فاسقين} خارجين عن الحدود فيما كانوا فيه من الكفر والمعاصي.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)}
{والسماء} أي وبنينا السماء {بنيناها} أي بقوة قاله ابن عباس. ومجاهد. وقتادة، ومثله الآد وليس جمع {الله يَدُ} وجوزه الإمام وإن صحت التورية به {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أي لقادرون من الوسع عنى الطاقة، فالجملة تذييل إثباتًا لسعة قدرته عز وجل كل شيء فضلًا عن السماء، وفيه رمز إلى التعريض الذي في قوله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق: 38]، وعن الحسن {لَمُوسِعُونَ} الرزق بالمطر وكأنه أخذه من أن المساق مساق الامتنان بذلك على العباد لا إظهار القدرة فكأنه أشير في قوله تعالى: {والسماء بنيناها بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47] إلى ما تقدم من قوله سبحانه: {وَفِى السماء رِزْقُكُمْ} [الذاريات: 22] على بعض الأقوال فناسب أن يتمم بقوله تعالى: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47] مبالغة في المنّ ولا يحتاج أن يفسر الأيد بالأنعام على هذا القول لأنه يتم المقصود دونه، واليد عنى النعمة لا الإنعام، وقيل: أي لموسعوها بحيث أن الأرض وما يحيط بها من الماء والهواء بالنسبة إليها كحلقة في فلاة، وقيل: أي لجاعلون لمكانية، بينها وبين الأرض سعة، والمراد السعة المكانية، وفيه على القولين تتميم أيضًا.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48)}
{والأرض} أي وفرشنا الأرض {فرشناها} أي مهدناها وبسطناها لتستقروا عليها ولا ينافي ذلك شبهها للكرة على ما يزعمه فلاسفة العصر {فَنِعْمَ الماهدون} أي نحن، وقرأ أبو السمال. ومجاهد. وابن مقسم برفع السماء ورفع الأرض على أنهما مبتدآن وما بعدهما خبر لهما.

.تفسير الآية رقم (49):

{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)}
{وَمِن كُلّ شَيْء} أي من كل جنس من الحيوان {خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} نوعين ذكرًا وأنثى قاله ابن زيد. وغيره وقال مجاهد: هذا إشارة إلى المتضادات والمتقابلات كالليل. والنهار. والشقوة. والسعادة. والهدى. والضلال. والسماء. والأرض والسواد. والبياض. والصحة. والمرض. إلى غير ذلك، ورجحه الطبري بأنه أدل على القدرة، وقيل: أريد بالجنس المنطقي، وأقل ما يكون تحته نوعان فخلق سبحانه من الجوهر مثلًا المادي والمجرد، ومن المادي النامي والجامد، ومن النامي المدرك والنبات، ومن الدرك الصامت والناطق وهو كما ترى {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي فعلنا ذلك كله كي تتذكروا فتعرفوا أنه عز وجل الرب القادر الذي لا يعجزه شيء فتعملوا قتضاه ولا تعبدوا ما سواه، وقيل: خلقنا ذلك كي تتذكروا فتعلموا أن التعدد من خواص الممكنات وأن الواجب بالذات سبحانه لا يقبل التعدد والانقسام، وقيل: المراد التذكر بجميع ما ذكر لأمر الحشر والنشر لأن من قدر على إيجاد ذلك فهو قادر على إعادة الأموات يوم القيامة وله وجه، وقرأ أبيّ تتذكرون بتاءين وتخفيف الذال.