فصل: تفسير الآية رقم (9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (9):

{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)}
{يَوْمَ تَمُورُ السماء مَوْرًا} منصوب على الظرفية وناصبه {وَاقِعٍ} أو {دَافِعٍ} أو معنى النفي وإيهام أنه لا ينتفي دفعه في غير ذلك اليوم بناءًا على اعتبار المفهوم لا ضير فيه لعدم مخالفته للواقع لأنه تعالى أمهلهم في الدنيا وما أهملهم، ومنع مكي أن يعمل فيه {وَاقِعٍ} ولم يذكر دليل المنع ولا دليل له فيما يظهر، ومعنى {تَمُورُ} تضطرب كما قال ابن عباس أن ترتج وهي في مكانها، وفي رواية عنه تشقق، وقال مجاهد: تدور، وأصل المور التردد في المجيء والذهاب، وقيل: التحرك في تموج، وقيل: الجريان السريع، ويقال للجري مطلقًا وأنشدوا للأعشى:
كأن مشيتها من بيت جارتها ** مور السحابة لا ريث ولا عجل

.تفسير الآية رقم (10):

{وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)}
{وَتَسِيرُ الجبال سَيْرًا} عن وجه الأرض فتكون هباءًا منبثًا، والإتيان بالمصدرين للإيذان بغرابتهما وخروجهما عن الحدود المعهودة أي مورًا عجيبًا وسيرًا بديعًا لا يدرك كنههما.

.تفسير الآية رقم (11):

{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)}
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ} أي إذا وقع ذلك أو إذا كان الأمر كما ذكر فويل يوم إذ يقع ذلك {لّلْمُكَذّبِينَ}.

.تفسير الآية رقم (12):

{الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)}
{الذين هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} أي في اندفاع عجيب في الأباطيل والأكاذيب يلهون، وأصل الخوف المشي في الماء ثم تجوز فيه عن الشروع في كل شيء وغلب في الخوض في الباطل كالإحضار عام في كل شيء ثم غلب استعماله في الإحضار للعذاب.

.تفسير الآية رقم (13):

{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)}
{يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} أي يدفعون دفعًا عنيفًا شديدًا بأن تغل أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم فيدفعون إلى النار ويطرحون فيها، وقرأ زيد بن علي. والسلمي. وأبو رجاء {يَدَّعُونَ} بسكون الدار وفتح العين من الدعاء فيكون {دَعًّا} حالًا أي ينادون إليها مدعوعين و{يَوْمٍ} إما بدل من {يوم تَمُورُ} [الطور: 9] أو ظرف لقول مقدر محكي به قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (14):

{هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)}
{هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} أي فيقال لهم ذلك {يَوْمٍ} إلخ، ومعنى التكذيب بها تكذيبهم بالوحي الناطق بها، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (15):

{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)}
{أَفَسِحْرٌ هذا} توبيخ وتقريع لهم حيث كانوا يسمونه سحرًا كأنه قيل: كنتم تقولون للوحي الذي أنذركم بهذا سحرًا أفهذا المصدق له سحر أيضًا وتقديم الخبر لأنه المقصود بالإنكار والمدار للتوبيخ.
{أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} أي أم أنتم عمي عن المخبر به كما كنتم في الدنيا عميًا عن الخبر والفاء مؤذنة بما ذكر وذلك لأنها لما كانت تقتضي معطوفًا عليه يصح ترتب الجملة أعني سحر هذا عليه وكانت هذه جملة واردة تقريعًا مثل {هذه النار} [الطور: 14] إلخ لم يكن بد من تقدير ذلك على وجه يصح الترتب ويكون مدلولًا عليه من السياق فقدّر كنتم تقولون إلى آخره، ودل عليه قوله تعالى: {فِى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} [الطور: 14] وقوله سبحانه: {هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} [الطور: 12] وفي الكشف إن هذا نظير ما تستدل بحجة فيقول الخصم: هذا باطل فتأتى بحجة أوضح من الأول مسكتة وتقول: أفباطل هذا؟ا تعيره بالإلزام بأن مقالته الأولى كانت باطلة، وفي مثله جاز أن يقدر القول على معنى أفتقول باطل هذا وأن لا يقدر لابتنائه على كلام الخصم وهذا أبلغ، و{أَمْ} كما هو الظاهر منقطعة، وفي البحر لما قيل لهم: هذه النار وقفوا على الجهتين اللتين يمكن منهما دخول الشك في أنها النار وهي إما أن يكون ثمّ سحر يلبس ذات المرأى، وإما أن يكون في ناظر الناظر اختلال، والظاهر أنه جعل {أَمْ} معادلة والأول أبعد مغزى.

.تفسير الآية رقم (16):

{اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)}
{سَوَاء عَلَيْكُمْ} أي الأمران سواء عليكم في عدم النفع إذ كل لا يدفع العذاب ولا يخففه فسواء خبر مبتدأ محذوف وصح الإخبار به عن المثنى لأنه مصدر في الأصل، وجوز كونه مبتدأ محذوف الخبر وليس بذاك، وقوله تعالى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} تعليل للاستواء فإن الجزاء حيث كان متحتم الوقوع لسبق الوعيد به وقضائه سبحانه إياه قتضى عدله كان الصبر ودمه مستويين في عدم النفع.

.تفسير الآية رقم (17):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17)}
{إِنَّ المتقين فِي جنات وَنَعِيمٍ} شروع في ذكر حال المؤمنين بعد ذكر حال الكافرين كما هو عادة القرآن الجليل في «الترهيب والترغيب»، وجوز أن يكون من جملة المقول للكفار إذ ذاك زيادة في غمهم وتنكيدهم والأول أظهر، والتنوين في الموضعين للتعظيم أي في جنات عظيمة ونعيم عظيم، وجوز أن يكون للنوعية أي نوع من الجنات، ونوع من النعيم مخصوصين بهم وكونه عوضًا عن المضاف إليه أي جناتهم ونعيمهم ليس بالقوى كما لا يخفى.

.تفسير الآية رقم (18):

{فَاكِهِينَ بما آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)}
{فاكهين} متلذذين {ا ءاتاهم رَبُّهُمْ} من الإحسان، وقرئ فكهين بلا ألف، ونصبه في القراءتين على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور أعني {في جنات} [الطور: 17] الواقع خبرًا لأن، وقرأ خالد فاكهون بالرفع على أنه الخبر، وفي جنات متعلق به لكنه قدم عليه للاهتمام، ومن أجاز تعدد الخبر أجاز أن يكون خبرًا بعد خبر {ووقاهم رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم} عطف على {فِي جنات} [الطور: 17] على تقدير كونه خبرًا كأنه قيل: استقروا {فِي جنات} {ووقاهم رَبُّهُمْ} إلخ، أو على {ءاتاهم} إن جعلت {مَا} مصدرية أي فاكهين بإيتائهم ربهم ووقايتهم عذاب الجحيم، ولم يجوز كثير عطفه عليه إن جعلت موصولة إذ يكون التقدير فاكهين بالذي وقاهم ربهم فلا يكون راجع إلى الموصول، وجوزه بعض بتقدير الراجع أي وقاهم به على أن الباء للملابسة، وفي الكشف لم يحمل على حذف الراجع لكثرة الحذف ولو درج لصًا، والفعل من المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل وهو مسموع عند بعضهم، ولا يخفى أنه وجه سديد أيضًا، والمعنى عليه أسد لأن الفكاهة تلذذ يشتغل به صاحبه والتلذذ بالايتاء يحتمل التجدد باعتبار تعدد المؤتى إما بالوقاية أي على تقدير المصدرية فلا، وأقول لعله هو المنساق إلى الذهن، وجوز أن يكون حالًا بتقدير قد أو بدونه إما من المستكن في الخبر أو في الحال. وإما من فاعل آتى. أو من مفعوله. أو منهما، وإظهار الرب في موقع الإضمار مضافًا إلى ضميرهم للتشريف والتعليل. وقرأ أبو حيوة {وقاهم} بتشديد القاف.

.تفسير الآية رقم (19):

{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19)}
{دَانِيَةٌ كُلُواْ واشربوا هَنِيئًَا} أي يقال لهم {كُلُواْ واشربوا} أكلا وشربا هنيئًا، أو طعامًا وشرابًا هنيئًا، فالكلام بتقدير القول، و{هَنِيئًَا} نصب على المصدرية لأنه صفة مصدر. أو على أنه مفعول به، وأيًا مّا كان فقد تنازعه الفعلان، والهنيء كل ما لا يلحق فيه مشقة ولا يعقب وخامة {ا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي بسببه أو قابلته والباء عليهما متعلق بكلوا واشربوا على التنازع، وجوز الزمخشري كونها زائدة وما بعدها فاعل هنيئًا كما في قول كثير:
هنيئًا مريئًا غير داء مخامر ** لعزة من أعراضنا ما استحلت

فإن ما فيه فاعل هنيئًا على أنه صفة في الأصل عنى المصدر المحذوف فعله وجوبًا لكثرة الاستعمال كأنه قيل: هنؤ لعزة المستحل من أعراضنا، وحينئذ كما يجوز أن يجعل ما هنا فاعلًا على زيادة الباء على معنى هنأكم ما كنتم تعملون يجوز أن يجعل الفاعل مضمرًا راجعًا إلى الأكل أو الشرب المدلول عليه بفعله، وفيه أن الزيادة في الفاعل لم تثبت سماعًا في السعة في غير فاعل {كفى} [النساء: 6] على خلاف ولا هي قياسية في مثل هذا ومع ذلك يحتاج الكلام إلى تقدير مضاف أي جزاء ما كنتم إلخ، وفيه نوع تكلف.

.تفسير الآية رقم (20):

{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)}
{مُتَّكِئِينَ} نصب على الحال قال أبو البقاء: من الضمير في {كُلُواْ} [الطور: 19] أو في {وقاهم} [الطور: 18] أو في {مَا ءاتاهم} أو في {فاكهين} أو في الظرف يعني {في جنات} [الطور: 17]، واستظهر أبو حيان الأخير {على سُرُرٍ} جمع سرير معروف، ويجمع على أسرّة وهو من السرور إذ كان لأولى النعمة، وتسمية سرير الميت به للتفاؤل بالسرور الذي يلحق الميت برجوعه إلى جوار الله تعالى وخلاصه من سجن الدنيا، وقرأ أبو السمال سرر بفتح الراء وهي لغة لكلب في المضعف فرارًا من توالي ضمتين مع التضعيف.
{مَصْفُوفَةٌ} مجعولة على صف وخط مستو {وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ} أي قرناهم بهن قاله الراغب ثم قال: ولم يجئ في القرآن زوجناهم حورًا كما يقال زوجته امرأة تنبيهًا على أن ذلك لا يكون على حسن المتعارف فيما بيننا من المناكحة، وقال الفراء: تزوجت بامرأة لغة أزد شنوءة، والمشهور أن التزوج متعد إلى مفعول واحد بنفسه والتزويج متعد بنفسه إلى مفعولين، وقيل: فيما هنا أن الباء لتضمين الفعل معنى القران أو الإلصاق، واعترض بأنه يقتضي معنى التزويج بالعقد وهو لا يناسب المقام إذ العقد لا يكون في الجنة لأنها ليست دار تكليف أو أنها للسببية والتزويج ليس عنى الانكاح بل عنى تصييرهم زوجين زوجين أي صيرناهم كذلك بسبب حور عين، وقرأ عكرمة بحور عين على إضافة الموصوف إلى صفته بالتأويل المشهور، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (21):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بما كَسَبَ رَهِينٌ (21)}
{والذين ءامَنُواْ} إلخ كلام مستأنف مسوق لبيان حال طائفة من أهل الجنة إثر بيان حال الكل وهم الذي شاركتهم ذريتهم في الايمان، والموصول مبتدأ خبره ألحقنا بهم، وقوله تعالى: {واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم} عطف على آمنوا، وقيل اعتراض للتعليل، وقوله تعالى: {بإيمان} متعلق بالاتباع أي أتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجملة قاصر عن رتبة إيمان الآباء إما بنفسه بناءًا على تفاوت مراتب نفس الايمان، وإما باعتبار عدم انضمام أعمال مثل أعمال الآباء إليه، واعتبار هذا القيد للإيذان بثبوت الحكم في الايمان الكامل أصالة لا إلحاقًا قيل: هو حال من الذرية، وقيل: من الضمير وتنوينه للتعظيم، وقيل: منهما وتنوينه للتنكير والمعول عليه ما قدمنا {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ} في الدرجة. أخرج سعيد بن منصور. وهناد. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والحاكم. والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: «إن الله تعالى ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقرّ بِهِم عينه ثم قرأ الآية» وأخرجه البزار. وابن مردويه عنه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية ابن مردويه. والطبراني عنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال له: إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به» وقرأ ابن عباس الآية، وظاهر الأخبار أن المراد بإلحاقهم بهم إسكانهم معهم لا مجرد رفعهم إليهم واتصالهم بهم أحيانًا ولو للزيارة. وثبوت ذلك على العموم لا يبعد من فضل الله عز وجل، وما قيل: لعله مخصوص ببعض دون بعض تحجير لإحسانه الواسع جل شأنه، وقد يستأنس للتخصيص بما روى عن ابن عباس إن الذين آمنوا المهاجرون والأنصار، والذرية التابعون لكن لا أظن صحته {وَمَا ألتناهم} أي وما نقنصا الآباء بهذا الإلحاق {مّنْ عَمَلِهِم} أي من ثواب عملهم {مِن شَيْء} أي شيئًا بأن أعطينا بعض مثوباتهم أبناءهم فتنقص مثوباتهم وتنحط درجتهم وإنما رفعناهم إلى منزلتهم حض التفضل والإحسان، وقال ابن زيد الضمير عائد على الأبناء أي وما نقصنا الأبناء الملحقين من جزاء عملهم الحسن والقبيح شيئًا بل فعلنا ذلك بهم بعد مجازاتهم بأعمالهم كملًا وليس بشيء وإن قال أبو حيان يحسن هذا الاحتمال قوله تعالى: {كُلُّ امرئ بما كَسَبَ رَهَينٌ} وإلى الأول ذهب ابن عباس. وابن جبير. والجمهور. والآية على ما ذهب إليه المعظم في الكبار من الذرية، وقال منذر بن سعيد: هي في الصغار.
وروى عن الحبر.
والضحاك أنهما قالا: إن الله تعالى يلحق الأبناء الصغار وإن لم يبلغوا زمن الايمان بآبائهم المؤمنين، وجعل بإيمان عليه متعلقًا بألحقنا أي ألحقنا بسبب إيمان الآباء بهم ذريتهم الصغار الذين ماتوا ولم يبلغوا التكليف فهم في الجنة مع آبائهم قيل: وكأن من يقول بذلك يفسر {واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم} اتوا ودرجوا على أثرهم قبل أن يبلغوا الحلم، وجوز أن يتعلق بإيمان بابتعتم على معنى اتبعوهم بهذا الوصف بأن حكم لهم به تبعًا لآبائهم فكانوا مؤمنين حكمًا لصغرهم وإيمان آبائهم، والصغير يحكم بإيمانه تبعًا لأحد أبويه المؤمن والكل كما ترى، وقيل: الموصول معطوف على {حور} [الطور: 20]، والمعنى قرناهم بالحور وبالذين آمنوا أي بالرفقاء والجلساء منهم فيتمتعون تارة لاعبة الحور؛ وأخرى ؤانسة الإخوان المؤمنين، وقوله تعالى: {واتبعتهم} عطف على {زوجناهم} [الطور: 20]، وقوله سبحانه: بإيمان متعلق بما بعده أي بسبب إيمان عظيم رفيع المحل، وهو إيمان الآباء ألحقنا بدرجاتهم ذريتهم وإن كانوا لا يستأهلونها تفضلًا عليهم وعلى آبائهم ليتم سرورهم ويكمل نعيمهم، أو بسبب إيمان داني المنزلة وهو إيمان الذرية كأنه قيل: بشيء من الإيمان لا يؤهلهم لدرجة الآباء ألحقناهم بهم، وصنيع الزمخشري ظاهر في اختيار العطف على حور فقد ذكره وجهًا أول، وتعقبه أبو حيان بأنه لا يتخيل ذلك أحد غير هذا الرجل، وهو تخيل أعجمي مخالف لفهم العربي القح كابن عباس. وغيره، وقيل عليه: إنه تعصب منه، والإنصاف أن المتبادر الاستئناف، وإن أحسن الأوجه في الآية وأوفقه للمقام ما تقدم.
وقرأ أبو عمرو {وأتبعناهم} بقطع الهمزة وفتحها، وإسكان التاء، ونون بعد العين وألف بعدها أي جعلناهم تابعين لهم في الإيمان، وقرأ أيضًا ذرياتهم جمعًا نصبًا، وابن عامر كذلك رفعًا، وقرأ ذرياتهم بكسر الذال {واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم} بتاء الفاعل، ونصب ذريتهم على المفعولية، وقرأ الحسن. وابن كثير ألتناهم بكسر اللام من ألت يألت كعلم يعلم، وعلى قراءة الجمهور من باب ضرب يضرب، وابن هرمز آلتناهم بالمد من آلت يؤلت، وابن مسعود. وأبيّ لتناهم من لات يليت وهي قراءة طلحة. والأعمش، ورويت عن شبل. وابن كثير، وعن طلحة. والأعمش، ورويت عن شبل. وابن كثير، وعن طلحة. والأعمش أيضًا لتناهم بفتح اللام، قال سهل: لا يجوز فتح اللام من غير ألف بحال وأنكر أيضًا آلتناهم بالمد، وقال: لا يروى عن أحد ولا يدل عليه تفسير ولا عربية وليس كما قال بل نقل أهل اللغة آلت بالمد كما قرأ هرمز، وقرئ وما ولتناهم من ولت يلت، ومعنى الكل واحد، وجاء ألت عنى غلظ يروى أن رجلًا قام إلى عمر رضي الله تعالى عنه فوعظه فقال: لا تألت على أمير المؤمنين أي لا تغلظ عليه {كُلُّ امرئ بما كَسَبَ} أي بكسبه وعمله {رَهَينٌ} أي مرهون عند الله كأن الكسب نزلة الدين ونفس العبد نزلة الرهن ولا ينفك الرهن ما لم يؤدّ الدين فإن كان العمل صالحًا فقد أدى لأن العمل الصالح يقبله ربه سبحانه ويصعد إليه عز وجل وإن كان غير ذلك فلا أداء فلا خلاص إذ لا يصعد إليه سبحانه غير الطيب، ولذا قال جل وعلا: {كُلُّ نَفْسٍ بما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أصحاب اليمين} [المدثر: 38، 39] فإن المراد كل نفس رهن بكسبها عند الله تعالى غير مفكوك إلا أصحاب اليمين فإنهم فكوا عنه رقابهم بما أطابوه من كسبهم.
ووجه الاتصال على هذا أنه سبحانه لما ذكر حال المتقين وأنه عز وجل وفر عليهم ما أعده لهم من الثواب والتفضل عقب بذلك الكلام ليدل على أنهم فكوا رقابهم وخلصوها وغيرهم بقي معذبًا لأنه لم يفك رقبته، وكان موضعه من حيث الظاهر أن يكون عقيب قوله تعالى: {هُوَ البر الرحيم} [الطور: 28] ليكون كلامًا راجعًا إلى حال الفريقين المدعوين. والمتقين وإنما جعل متخللًا بين أجزية المتقين عقيب ذكر توفير ما أعدّ لهم، قال في الكشف: ليدل على أن الخلاص من بعض أجزيتهم أيضًا ويلزم أن عدم الخلاص جزاء المقابلين من طريق الإيماء وموقعه موقع الاعتراض تحقيقًا لتوفير ما عدد لأنه إنما يكون بعد الخلاص، وفيه إيماء إلى أن إلحاق الأبناء إنما كان تفضلًا على الآباء لا على الأبناء ابتداءًا لأن التفضل فرع الفك وهؤلاء هم الذين فكوا فاستحقوا التفضل، وجعله استئنافًا بيانيًا لهذا المعنى كما فعل الطيبي بعيد، وقيل: {رَهَينٌ} فعيل عنى الفاعل والمعنى كل امرئ بما كسب راهن أي دائم ثابت، وفي «الإرشاد» أنه أنسب بالمقام فإن الدوام يقتضي عدم المفارقة بين المرء وعمله، ومن ضرورته أن لا ينقص من ثواب الآباء شيء، فالجملة تعليل لما قبلها، وأنت تعلم أن فعيلًا عنى المفعول أسرع تبادرًا إلى الذهن فاعتباره أولى ووجه الاتصال عليه أوفق وألطف كما لا يخفى.