فصل: سورة النجم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.سورة النجم:

وتسمى أيضا سورة النجم بدون واو.
وهي مكية على الإطلاق وفي الإتقان استثنى منها: {الذين يجتنبون} إلى: {اتقى} وقيل: {أفرأيت الذي تولى} الآيات التسع ومن الغريب حكاية الطبرسي عن الحسن أنه مدنية ولا أرى صحة ذلك عنه أصلا.
وآيها اثنتان وستون آية في الكوفي وإحدى وستون في غيره.
وهي كما أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود أول سورة أعلن النبي صلى الله وسلم بقراءتها فقرأها في الحرم والمشركون يسمعون.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عنه قال: أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم فسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسجد الناس كلهم إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافرا وهو أمية بن خلف وفي البحر أنه عليه الصلاة والسلام سجد وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس غير أبي لهب فإنه رفع حفنة من تراب وقال: يكفي هذا فيحتمل أنه وأمية فعلا كذلك.
وهي شديدة المناسبة لما قبلها فإن الطور ختمت بقوله تعالى: {إدبار النجوم} وافتتحت هذه بقوله سبحانه: {والنجم} وأيضا في مفتتحها ما يؤكد رد الكفرة فيما نسبوه إليه صلى الله عليه وسلم من التقول والشعر والكهانة والجنون وذكر أبو حيان أن سبب نزولها قول المشركين: إن محمدا عليه الصلاة والسلام يختلق القرآن وذكر الجلال السيوطي في وجه مناسبتها أن الطور فيها ذكر ذرية المؤمنين وأنهم تبع لآبائهم وهذه فيها ذكر ذرية اليهود في قوله تعالى: {هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم} الآية فقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبري وأبو نعيم في المعرفة والواحدي عن ثابت بن الحرث الأنصاري قال: كانت اليهود إذا هلك لهم صبي صغير قالوا هو صديق فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: «كذبت ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمها إلا أنه شقي أو سعيد» فأنزل الله تعالى عند ذلك: {وهو أعلم بكم} الآية كلها وأنه تعالى لما قال هناك في المؤمنين: {ألحقنا بهم ذريتهم} إلخ قال سبحانه هنا في الكفار أو في الكبار: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} خلاف ما دخل في المؤمنين الصغار ثم قال: وهذا وجه بديع في المناسبة من وادي التضاد وفي صحة كون قوله تعالى: {هو أعلم بكم} الآية نزل لما ذكر نظر عندي وكون قوله تعالى: {ألحقنا بهم ذريتهم} في الصغار لم يتفق عليه المفسرون كما سمعت غير بعيد نعم من تأمل ظهر له وجوه من المناسبات غير ما ذكر فتأمل.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)}
بسْم الله الرحمن الرحيم {والنجم إِذَا هوى} أقسم سبحانه بجنس النجم المعروف على ما روى عن الحسن ومعمر بن المثنى، ومنه قوله:
فباتت تعد النجم في مستحيرة ** سريع بأيدي الآكلين جمودها

ومعنى {هوى} غرب، وقيل: طلع يقال هوى يهوى كرمى يرمي هويًا بالفتح في السقوط والغروب لمشابهته له؛ وهويًا بالضم للعلو، والطلوع، وقيل: الهوى بالفتح للإصعار والهوى بالضم للانحدار؛ وقيل: الهوى بالفتح والضم السقوط ويقال أهوى عنى هوى، وفرق بعض اللغويين بينهما بأن هوى إذا انقض لغير صيد، وأهوى إذا انقض له، وقال الحسن. وأبو حمزة الثمالي: أقسم سبحانه بالنجوم إذا انتثرت في القيامة، وعن ابن عباس في رواية أقسم عز وجل بالنجوم إذا انقضت في إثر الشياطين، وقيل: المراد بالنجم معين فقال مجاهد. وسفيان: هو الثريا فإن النجم صار علمًا بالغلبة لها، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا طلع النجم صباحًا ارتفعت العاهة» وقول العرب: طلع النجم عشاءًا فابتغى الراعي كساء، طلع النجم غدية فابتغي الراعي كسية وفسر هويها بسقوطها مع الفجر، وقيل: هو الشعري المرادة بقوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ} [النجم: 49] والكهان يتكلمون على المغيبات عند طلوعها، وقيل: الزهرة وكانت تعبد، وقال ابن عباس. ومجاهد. والفراء. ومنذر بن سعيد: {الطارق النجم} المقدار النازل من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، {وَإِذَا هوى} عنى إذا نزل عليه مع ملك الوحي جبريل عليه والسلام، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: هو النبي صلى الله عليه وسلم وهويه نزوله من السماء ليلة المعراج، وجوز على هذا أن يراد بهويه صعوده وعروجه عليه الصلاة والسلام إلى منقطع الأين، وقيل: هو الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقيل: العلماء على إرادة الجنس، والمراد بهويهم قيل: عروجهم في معارج التوفيق إلى حضائر التحقيق، وقيل: غوصهم في بحار الأفكار لاستخراج درر الأسرار، وأظهر الأقوال القول بأن المراد بالنجم جنس النجم المعروف فإن أصله اسم جنس لكل كوكب، وعلى القول بالتعيين فالأظهر القول بأنه الثريا، ووراء هذين القولين القول بأن المراد به المقدار النازل من القرآن، وفي الإقسام بذلك على نزاهته عليه الصلاة والسلام عن شائبة الضلال والغواية من البراعة البديعة وحسن الموقع ما لا غاية وراءه، أما على الأولين فلأن النجم شأنه أن يهتدي به الساري إلى مسالك الدنيا كأنه قيل: {والنجم} الذي تهتدي به السابلة إلى سواء السبيل.

.تفسير الآية رقم (2):

{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)}
{مَا ضَلَّ صاحبكم} أي ما عدل عن طريق الحق الذي هو مسلك الآخرة فهو استعارة وتمثيل لكونه عليه الصلاة والسلام على الصواب في أقواله وأفعاله {وَمَا غوى} أي وما اعتقد باطلًا قط لأن الغي الجهل مع اعتقاد فاسد وهو خلاف الرشد فيكون عطف هذا على {مَا ضَلَّ} من عطف الخاص على العام اعتناءًا بالاعتقاد، وإشارة إلى أنه المدار.
وأما على الثالث فلأنه تنويه بشأن القرآن وتنبيه على مناط اهتدائه عليه الصلاة والسلام ومدار رشاده كأنه قيل: وما أنزل عليك من القرآن الذي هو علم في الهداية إلى مناهج الدين ومسالك الحق واليقين {مَا ضَلَّ} عنها محمد صلى الله عليه وسلم {وَمَا غوى} فهو من باب.
وثناياك أنها إغريض

والخطاب لقريش وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان المصاحبة لهم للإيذان بوقوفهم على تفاصيل أحواله الشريفة وإحاطتهم خبرًا ببراءته صلى الله عليه وسلم مما نفى عنه بالكلية وباتصافه عليه الصلاة والسلام بغاية الهدى والرشاد فإن طول صحبتهم له عليه الصلاة والسلام ومشاهدتهم لمحاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتمًا ففي ذلك تأكيد لإقامة الحجة عليهم، واختلف في متعلق إذا قال بعضهم: فاوضت جار الله في قوله تعالى: {والنجم إِذَا هوى} [النجم: 1] فقال: العامل فيه ما تعلق به الواو فقلت: كيف يعمل فعل الحال في المستقبل؟ا وهذا لأن معناه أقسم الآن لا أقسم بعد هذا، فرجع وقال: العامل فيه مصدر محذوف، والتقدير وهوى النجم إذا هوى فعرضته على بعض المشايخ فلم يستحسن قوله الثاني، والوجه تعلقه بأقسم وهو قد انسلخ عنه معنى الاستقبال وصار للوقت المجرد ونحوه آتيك إذا احمر البسر أي وقت احمراره، وقال عبد القاهر: إخبار الله تعالى بالمتوقع يقام مقام الإخبار بالواقع إذ لا خلف فيه فيجري المستقبل مجرى المحقق الماضي، وقيل: إنه متعلق بعامل هو حال من النجم، وأورد عليه أن الزمان لا يكون خبرًا ولا حالًا عن جثة كما هنا، وأن {إِذَا} للمستقبل فكيف يكون حالًا إلا أن تكون حالًا مقدرة أو تجرد {إِذَا} لمطلق الوقت كما يقال بصحية الحالية إذا أفادت معنى معتدًا به، فمجيء الزمان خبرًا أو حالًا عن جثة ليس ممنوعًا على الإطلاق كما ذكره النحاة، أو المجم لتغيره طلوعًا وغروبًا أشبه الحدث، والإنصاف أن جعله حالًا كتعلقه صدر محذوف ليس بالوجه، وإنما الوجه، على ما قيل ما سمعت من تعلقه بأقسم منسلخًا عنه معنى الاستقبال وهو الذي اختاره في «المغنى» وتخصيص القسم بوقت الهوى ظاهر على الأخير من الأقوال الثلاثة، وأما على الأولين فقيل: لأن النجم لا يهتدي به الساري عند كونه في وسط السماء ولايعلم المشرق من المغرب ولا الشمال من الجنوب، وإنما يهتدي به عند هبوطه، أو صعوده مع ما فيه من كمال المناسبة لما سيحكى من التدلي والدنو، وقيل: لدلالته على حدوثه الدال على الصانع وعظيم قدرته عز وجل كما قال الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأكمل السلام {لا أُحِبُّ الافلين} [الأنعام: 76] وسيأتي إن شاء الله تعالى آخر الكتاب تمام الكلام في تحقيق إعراب مثل هذا التركيب فلا تغفل.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)}
{وَمَا يَنطِقُ} أي النبي صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره في قوله سبحانه: {صاحبكم} [النجم: 2] والنطق مضمن معنى الصدور فلذا عدى بعن في قوله تعالى: {عَنِ الهوى} وقيل: هي عنى الباء وليس بذاك أي ما يصدر نطقه فيما آتاكم به من جهته عز وجل كالقرآن، أو من القرآن عن هوى نفسه ورأيه أصلًا فإن المراد استمرار النفي كما مر مرارًا في نظائره.

.تفسير الآية رقم (4):

{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}
{إِنْ هُوَ} أي ما الذي ينطق به من ذلك أو القرآن وكل ذلك مفهوم من السياق {إِلاَّ وَحْىٌ} من الله عز وجل: {يُوحَى} يوحيه سبحانه إليه، والجملة صفة مؤكدة لوحي رافعة لاحتمال المجاز مفيدة للاستمرار التجددي، وقيل: ضمير {يَنطِقُ} للقرآن فالآية كقوله تعالى: {هذا كتابنا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق} [الجاثية: 29] وهو خلاف الظاهر، وقيل: المراد ما يصدر نطقه عليه الصلاة والسلام مطلقًا عن هوى وهو عائد لما ينطق به مطلقًا أيضًا.
واحتج بالآية على هذا التفسير من لم ير الاجتهاد له عليه الصلاة والسلام كأبي علي الجبائي. وابنه أبي هاشم، ووجه الاحتجاج أن الله تعالى أخبر بأن جميع ما ينطق به وحي وما كان عن اجتهاد ليس بوحي فليس مما ينطق، وأجيب بأن الله تعالى إذا سوغ له عليه الصلاة والسلام الاجتهاد كان الاجتهاد وما يسند إليه وحيًا لا نطقًا عن الهوى، وحاصله منع كبر القياس، واعترض عليه بأنه يلزم أن تكون الأحكام التي تستنبطها المجتهدون بالقياس وحيًا، وأجيب بأن النبي عليه الصلاة والسلام أوحى إليه أن يجتهد بخلاف غيره من المجتهدين، وقال القاضي البيضاوي: إنه حينئذ بالوحي لا وحي، وتعقبه صاحب الكشف بأنه غير قادح لأنه نزلة أن يقول الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: متى ما ظننت بكذا فهو حكمي أي كل ما ألقيته في قلبك فهو مرادي فيكون وحيًا حقيقة، والظاهر أن الآية واردة في أمر التنزيل بخصوصه وإن كان مثله الأحاديث القدسية والاستدلال بها على أنه عليه الصلاة والسلام غير متعبد بالوحي محوج لارتكاب خلاف الظاهر وتكلف في دفع نظر البيضاوي عليه الرحمة كما لا يخفى على المنصف، ولا يبعد عندي أن يحمل قوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} على العموم بأن من يرى الاجتهاد له عليه الصلاة والسلام كالإمام أحمد. وأبي يوسف عليهما الرحمة لا يقول بأن ما ينطق به صلى الله عليه وسلم مما أدى إليه اجتهاده صادر عن هوى النفس وشهوتها حاشا حضرة الرسالة عن ذلك وإنما يقول هو واسطة بين ذلك وبين الوحي ويجعل الضمير في قوله سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ} للقرآن على أن الكلام جواب سؤال مقدر كأنه قيل: إذا كان شأنه عليه الصلاة والسلام أنه ما ينطق عن الهوى فما هذا القرآن الذي جاء به وخالف فيه ما عليه قومه واستمال به قلوب كثير من الناس وكثرت فيه الأقاويل؟ فقيل: ما هو إلا وحي يوحيه الله عز وجل إليه صلى الله عليه وسلم فتأمل، وفي الكشف أن في قوله تعالى: {مَا يَنطِقُ} مضارعًا مع قوله سبحانه: {مَا ضَلَّ} {وَمَا غوى} ما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام حيث لم يكن له سابقة غواية وضلال منذ تميز وقبل تحنكه واستنبائه لم يكن له نطق عن الهوى كيف وقد تحنك ونبئ، وفيه حث لهم على أن يشاهدوا منطقه الحكيم.

.تفسير الآية رقم (5):

{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)}
{عِلْمِهِ} الضمير للرسول والمفعول الثاني محذوف أي القرآن، أو الوحي، وجوز أبو حيان كون الضمير للقرآن، وأن المفعول الأول محذوف أي علمه الرسول عليه الصلاة والسلام {شَدِيدُ القوى} هو جبريل عليه السلام كما قال ابن عباس. وقتادة. والربيع، فإنه الواسطة في إبداء الخوارق وناهيك دليلًا على شدة قوته أنه قلع قرئ قوم لوط من الماء الأسود الذي تحت الثرى وحملها على جناحه ورفعها إلى السماء ثم قلبها، وصاح بثمود صيحة فأصبحوا جاثمين وكان هبوطه على الأنبياء عليهم السلام وصعوده في أسرع من رجعة الطرف، فهو لعمري أسرع من حركة ضياء الشمس على ما قرروه في الحكمة الجديدة.