فصل: تفسير الآية رقم (42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (42):

{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)}
{وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى} أي إن انتهاء الخلق ورجوعهم إليه تعالى لا إلى غيره سبحانه استقلالًا ولا اشتراكًا، والمراد بذلك رجوعهم إليه سبحانه يوم القيامة حين يحشرون ولهذا قال غير واحد: أي إلى حساب ربك أو إلى ثوابه تعالى من الجنة وعبقابه من النار الانتهاء، وقيل: المعنى أنه عز وجل منتهى الأفكار فلا تزال الأفكار تسير في بيداء حقائق الأشياء وماهياتها والإحاطة بما فيها حتى إذا وجهت إلى حرم ذات الله عز وجل وحقائق صفاته سبحانه وقفت وحرنت وانتهى سيرها، وأيد بما أخرجه البغوي عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الآية: «لا فكرة في الرب» وأخرجه أبو الشيخ في العظمة عن سفيان الثوري، وروى عنه عليه الصلاة والسلام: «إذا ذكر الرب فانتهوا» وأخرج ابن ماجه عن ابن عباس قال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يتفكرون في الله فقال: تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لن تقدروه» وأخرج أبو الشيخ عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فتهلكوا».
واستدل بذلك من قال باستحالة معرفته عز وجل بالكنه، والبحث في ذلك طويل، وأكثر الأدلة النقلية على عدم الوقوع، وقرأ أبو السماء، وإن بالكسر هنا وفيما بعد على أن الجمل منقطعة عما قبلها فلا تكون مما في الصحف.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)}
{إلى رَبّكَ المنتهى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى} خلق فعلي الضحك والبكاء، وقال الزمخشري: خلق قوتي الضحك والبكاء، وفيه دسيسة اعتزال، وقال الطيبي: المراد خلق السرور والحزن أو ما يسر ويحزن من الأعمال الصالحة والطالحة، ولذا قرن بقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (44):

{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)}
{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} وعليه فهو مجاز ولا يخفى أن الحقيقة أيضًا تناسب الإماتة والإحياء لاسيما والموت يعقبه البكاء غالبًا والاحياء عند الولاد الضحك وما أحسن قوله:
ولدتك أمك يا ابن آدم باكيا ** والناس حولك يضحكون سرورًا

فاجهد لنفسك أن تكون إذا بكوا ** في يوم موتك ضاحكًا مسرورًا

وقال مجاهد. والكلبي: {أَضْحَكَ} أهل الجنة {وأبكى} أهل النار، وقيل: {أَضْحَكَ} الأرض بالنبات {وأبكى} السماء بالمطر، وتقديم الضمير وتكرير الإسناد للحصر أي أنه تعالى فعل ذلك لا غيره سبحانه، وكذا في أنه {هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} فلا يقدر على الإماتة والإحياء غير عز وجل، والقاتل إنما ينقض البنية الإنسانية ويفرق أجزاءها والموت الحاصل بذلك فعل الله تعالى على سبيل العادة في مثله فلا إشكال في الحصر.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45)}
{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والانثى} من نوع الإنسان وغيره من أنواع الحيوانات ولم يذكر الضمير على طرز ما تقدم لأنه لا يتوهم نسبة خلق الزوجين إلى غيره عز وجل.

.تفسير الآية رقم (46):

{مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)}
{مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى} أي تدفق في الرحم يقال: أمنى الرجل ومنى عنى، وقال الأخفش: أي تقدر يقال منى لك الماني أي قدر لك المقدر، ومنه المنا الذي يوزن به فيما قيل، والمنية وهي الأجل المقدر للحيوان.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47)}
{وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الاخرى} أي الإحياء بعد الإماتة وفاءًا بوعده جل شأنه، وفي البحر لما كانت هذه النشأة ينكرها الكفار بولغ بقوله تعالى كأنه تعالى أوجب ذلك على نفسه، وفي الكشاف قال سبحانه: {عَلَيْهِ} لأنها واجبة في الحكمة ليجازي على الإحسان والإساءة وفيه مع كونه على طريق الاعتزال نظر، وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو النشاءة بالمد وهي أيضًا مصدر نشأة الثلاثي.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)}
{وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى} وأعطى القنية وهو ما يبقى ويدوم من الأموال ببقاء نفسه أو أصله كالرياض والحيوان والبناء، وإفراد ذلك بالذكر مع دخوله في قوله تعالى: {أغنى} لأن القنية أنفس الأموال وأشرفها، وفي البحر يقال: قنيت المال أي كسبته ويعدي أيضًا بالهمزة والتضعيف فيقال: أقناه الله تعالى مالًا وقناه الله تعالى مالًا، وقال الشاعر:
كم من غني أصاب الدهر ثرواته ** ومن فقير يقني بعد إقلال

أي يقني المال، وعن ابن عباس {أغنى} مول، و{أقنى} أرضى. وهو بهذا المعنى مجاز من القنية قتل الراغب: وتحقيق ذلك أنه جعل له قنية من الرضا والطاعة وذلك أعظم القنائن، ولله تعالى در من قال:
هل هي إلا مدة وتنقضي ** ما يغلب الأيام إلا من رضى

وعن ابن زيد. والأخفش {أقنى} أفقر، ووجه بأنهما جعلا الهمزة فيه للسلب والإزالة كما في أشكى، وقيل: إنهما جعلا {أقنى} عنى جعل له الرضا والصبر قنية كناية عن ذلك ليظهر فيه الطباق كما في {هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم: 44] و{أَضْحَكَ وأبكى} [النجم: 43] وفسره بأفقر أيضًا الحضرمي إلا أنه كما أخرج عنه ابن جرير. وأبو اليخ قال: {أغنى} نفسه سبحانه و{أفقر} الخلائق إليه عز وجل، والظاهر على تقدير اعتبار المفعول في جميع الأفعال المتقدمة أن يكون من المحدثات الصالحة لتعلق الفعل، وعندي أن {وَمَا أُغْنِى} سبحانه نفسه كأوجد جل شأنه نفسه لا يخلو عن سماجة وإيهام محذور، وإنما لم يذكر مفعول لأن القصد إلى الفعل نفسه.

.تفسير الآية رقم (49):

{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)}
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} هي {الشعرى} العبور بفتح العين المهملة والباء الموحدة والراء المهملة بعد الواو، وتقال: {الشعرى} أيضًا على الغميصاء بغين معجمة مضمومة وميم مفتوحة بعدها ياء مثناة تحتية وصاد مهملة ومد، والأولى: في الجوزاء، وإنما قيل لها العبور لأنها عبرت المجرة فلقيت سهيلًا ولأنها تراه إذا طلع كأنها ستعبر وتسمى أيضًا كلب الجبار لأنها تتبع الجوزاء المسماة بالجبار كما يتبع الكلب الصائد أو الصيد، والثانية: في ذراع الأسد المبسوط، وإنما قيل لها الغميصاء لأنها بكت من فراق سهيل فغمصت عينها، والغمص ما سال من الرمص وهو وسخ أبيض يجتمع في الموق، وذلك من زعم العرب أنهما أختا سهيل، وفي القاموس من أحاديثهم أن الشعري العبور قطعت المجرة فسميت عبورًا وبكت الأخرى على أثرها حتى غمصت ويقال لها الغموس أيضًا، وقيل: زعموا أن سهيلًا و{الشعري} كانا زوجين فانحدر سهيل وصار يمانيًا فاتبعه الشعري فعبرت المجرة فسميت العبور وأقامت الغميصاء وسميت بذلك لأنها دون الأولى ضياءًا، وكل ذلك من تخيلاتهم الكاذبة التي لا حقيقة لها، والمتبادر عند الإطلاق وعدم الوصف العبور لأنها أكبر جرمًا وأكثر ضياءًا وهي التي عبدت من دون الله سبحانه في الجاهلية.
قال السدي: عبتدها حمير. وخزاعة، وقال غيره: أول من عبدها أبو كبشة رجل من خزاعة، أو هو سيدهم واسمه وخز بن غالب وكان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: ابن أبي كبشة شبهوه به لمخالفته قومه في عبادة الأصنام، وذكر بعضهم أنه أحد أجداده عليه الصلاة والسلام من قبل أمه وأنهم كانوا يزعمون أن كل صفة في المرء تسري إليه من أحد أصوله فيقولون نزع إليه عرق كذا، وعرق الخال نزاع، وقيل: هو كنية وهب بن عبد مناف جده صلى الله عليه وسلم من قبل أمه، وقولهم له عليه الصلاة والسلام ذلك على ما يقتضيه ظاهر القاموس لأنه صلى الله عليه وسلم في الشبه الخلقي دون المخالفة، وقيل: كنية زوج حليمة السعدية مرضعته عليه الصلاة والسلام، وقيل: كنية عم ولدها ولكونها عبدت من دونه عز وجل خصت بالذكر ليكون ذلك تجهيلًا لهم بجعل المربوب ربا، ولمزيد الاعتناء بذلك جيء بالجملة على ما نطق به النظم الجليل.

ومن العرب من كان يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم ويزعمون أنها تقطع السماء عرضًا وسائر النجوم تقطعها طولًا ويتكلمون على المغيبات عند طلوعها ففي قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ} إشارة إلى نفي تأثيرها.

.تفسير الآية رقم (50):

{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)}
{الشعرى وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الاولى} أي القدماء لأنهم أولى الأمم هلاكًا بعد قوم نوح كما قاله ابن زيد والجمهور، وقال الطبري: وصفت بالأولى لأن في القبائل {عَادًا} أخرى وهي قبيلة كانت كة مع العماليق وهم بنو لقيم بن هزال، وقال المبرد: عاد الأخرى هي ثمود، وقيل: الجبارون، وقيل: عاد الأولى ولد عاد بن إرم بن عوف بن سام بن نوح، وعاد الأخرى من ولد عاد الأولى، وفي الكشاف {الاولى} قوم هود والأخرى إرم، والله تعالى أعلم.
وجوز أن يراد بالأولى المتقدمون الأشراف؛ وقرأ قوم عاد الولي بحذف الهمزة ونقل ضمها إلى اللام قبلها، وقرأ نافع. وأبو عمرو عادًا لولي بإدغام التنوين في اللام المنقول إليها حركة الهمزة المحذوفة، وعاب هذه القراءة المازني. والمبرد، وقالت العرب: في الابتداء بعد النقل الحمر، ولحمر فهذه القراءة جاءت على لحمر فلا عيب فيها، وأتى قالون بعد ضمة اللام بهمزة ساكنة في موضع الواو كما في قوله:
أحب الموقدين إلى موسى

وكما قرأ بعضهم {على سؤقه} [الفتح: 29] وفيه شذوذ، وفي حرف أبيّ عاد غير مصروف للعلمية والتأنيث ومن صرفه فباعتبار الحي، أو عامله معاملة هند لكونه ثلاثيًا ساكن الوسط.

.تفسير الآية رقم (51):

{وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51)}
{وَثَمُودَاْ} عطف على {عَادًا} [النجم: 50] ولا يجوز أن يكون مفعولًا لأبقى في قوله تعالى: {فَمَا أبقى} لأن ما النافية لها صدر الكلام والفاء على ما قيل: مانعة أيضًا فلا يتقدم معمول مابعدها، وقيل: هو معمول لأهلك مقدر ولا حاجة إليه، وقرأ عاصم. وحمزة. ثمود بلا تنوين ويقفان بغير ألف. والباقون بالتنوين ويقفون بالألف، والظاهر أن متعلق {أبقى} يرجع إلى عاد وثمود معًا أي فما أبقى عليهم، أي أخذهم بذنوبهم، وقيل: أي ما أبقى منهم أحدًا، والمراد ما أبقى من كفارهم.

.تفسير الآية رقم (52):

{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52)}
{وَقَوْمَ نُوحٍ} عطف على {عَادًا} أيضًا {مِن قَبْلُ} أي من قبل إهلاك عاد وذثمود، وصرح بالقبلية لأن نوحًا عليه الصلاة والسلام آدم الثاني وقومه أول الطاغين والهالكين.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى} أي من الفريقين حيث كانوا يؤذونه ويضربونه حتى لا يكاد يتحرك وكان الرجل منهم يأخذ بيد ابنه يتمشى به إليه يحذره منه ويقول: يا بني إن أبي مشى بي إلى هذا وأنا مثلك يومئذ فإياك أن تصدقه فيموت الكبير على الكفر وينشأ الصغير على وصية أبيه ولم يتأثروا من دعائه وقد دعاهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، وقيل: ضمير {أَنَّهُمْ} يعود على جميع من تقدم عاد، وثمود وقوم نوح أي كانوا أظلم من قريش وأطغى منهم، وفيه من التسلية للنبي عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى، و{هُمْ} يجوز أن يكون تأكيدًا للضمير المنصوب ويجوز أن يكون فصلًا لأنه واقع بين معرفة وأفعل التفضيل، وحذف المفضول مع الواقع خبرًا لكان لأنه جار مجرى خبر المبتدأ وحذفه فصيح فيه فكذلك في خبر كان.