فصل: تفسير الآية رقم (271):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (271):

{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)}
{إِن تُبْدُواْ الصدقات} أي تظهروا إعطاءها، قال الكلبي: لما نزلت {وَمَا أَنفَقْتُم مّن نَّفَقَةٍ} [البقرة: 270] الآية قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدقة السر أفضل أم صدقة العلانية؟ فنزلت، فالجملة نوع تفصيل ما أجمل في الشرطية وبيان له ولذلك ترك العطف بينهما، والمراد من الصدقات على ما ذهب إليه جمهور المفسرين صدقات التطوع، وقيل: الصدقات المفروضة، وقيل: العموم {فَنِعِمَّا هِىَ} الفاء جواب للشرط، ونعم فعل ماض، وما كما قال ابن جني: نكرة تامة منصوبة على أنها تمييز وهي مبتدأ عائد للصدقات على حذف مضاف أي إبداؤها أو لا حذف، والجملة خبر عن {هي}، والرابط العموم، وقرأ ابن كثير وورش وحفص بكسر النون والعين للاتباع وهي لغة هذيل قيل: ويحتمل أنه سكن ثم كسر لالتقاء الساكنين، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون وكسر العين على الأصل كعلم، وقرأ أبو عمرو وقالون وأبو بكر بكسر النون وإخفاء حركة العين، وروي عنه: الإسكان أيضًا واختاره أبو عبيدة وحكاه لغة، والجمهور على اختيار الاختلاس على الإسكان حتى جعله بعضهم من وهم الرواة، وممن أنكره المبرد والزجاج والفارسي لأن فيه جمعا بين ساكنين على غيره حده {وَإِن تُخْفُوهَا} أي تسروها والضمير المنصوب إما للصدقات مطلقًا وإما إليها لفظًا لا معنى بناءًا على أن المراد بالصدقات المبداة المفروضة وبالمخفاة المتطوع بها فيكون من باب عندي درهم ونصفه أي نصف درهم آخر، وفي جمع الإبداء والإخفاء من أنواع البديع الطباق اللفظي كما أن في قوله تعالى: {أَنتُمُ الفقراء} الطباق المعنوي لأنه لا يؤتي الصدقات إلا الأغنياء قيل: ولعل التصريح بإيتائها الفقراء مع أنه لابد منه في الإبداء أيضًا لما أن الإخفاء مظنة الالتباس والاشتباه فإن الغني را يدعي الفقر ويقدم على قبول الصدقة سرًا ولا يفعل ذلك عند الناس، وتخصيص الفقراء بالذكر اهتمامًا بشأنهم، وقيل: إن المبداة لما كانت الزكاة لم يذكر فيها الفقراء لأن مصرفها غير مخصوص بهم، والمخفاة لما كانت التطوع بين أن مصارفها الفقراء فقط وليس بشيء لأنه بعد تسليم أن المبداة زكاة والمخفاة تطوع لا نسلم أن مصارف الثانية الفقراء فقط ودون إثبات ذلك الموت الأحمر وكأنه لهذا فسر بعضهم الفقراء بالمصارف.
{فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} أي فالإخفاء {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الإبداء، وخير لكم من جملة الخيور، والأول هو الذي دلت عليه الآثار، والأحاديث في أفضلية ازخفاء أكثر من أن تحصى. أخرج الإمام أحمد عن أبي أمامة أن أبا ذر قال: يا رسول الله أيّ الصدقة أفضل؟ قال:
«صدقة سر إلى فقير أو جهد من مقل ثم قرأ الآية»، وأخرج الطبراني مرفوعًا «إن صدقة السر تطفئ غضب الرب» وأخرج البخاري «سبعة يظلمهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله إلى أن قال ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» والأكثرون على أن هذه الأفضلية فيما إذا كان كل من صدقتي السر والعلانية تطوعًا ممن لم يعرف ال وإلا فإبداء الفرض لغيره أفضل لنفي التهمة وكذا الإظهار أفضل لمن يقتدى به وأمن نفسه، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «صدقة السر في التطوع تفضل على علانيتها سبعين ضعفًا وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمس وعشرين ضعفًا» وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها.
{وَيُكَفّرُ عَنكُم مّن سَيّئَاتِكُمْ} أي والله يكفر أو الإخفاء، والإسناد مجازي، و{مِنْ} تبعيضية لأن الصدقات لا يكفر بها جميع السيئات، وقيل: مزيدة على رأي الأخفش، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية ابن عياش ويعقوب نكفر بالنون مرفوعًا على أنه جملة مبتدأة أو اسمية معطوفة على ما بعد الفاء أي ونحن نكفر، وقيل: لا حاجة إلى تقدير المبتدأ، والفعل نفسه معطوف على محل ما بعد الفاء لأنه وحده مرفوع لأن الفاء الرابطة مانعة من جزمه لئلا يتعدد الرابط، وقرأ حمزة والكسائي نكفر بالنون مجزومًا بالعطف على محل الفاء مع ما بعدها لأنه جواب الشرط قاله غير واحد، واستشكله البدر الدماميني بأنه صريح في أن الفاء، وما دخلت عليه في محل جزم، وقد تقرر أن الجملة لا تكون ذات محل من الإعراب إلا إذا كانت واقعة موقع المفرد وليس هذا من محال المفرد حتى تكون الجملة واقعة ذات محل من الإعراب وذلك لأن جواب الشرط إنما يكون جملة ولا يصح أن يكون مفردًا فالموضع للجملة بالأصالة وادعى أن جزم الفعل ليس بالعطف على محل الجملة وإنما هو لكونه مضارعًا وقع صدر جملة معطوفة على جملة جواب الشرط الجازم وهي لو صدرت ضارع كان مجزومًا فأعطيت الجملة المعطوفة حكم الجملة المعطوف عليها وهو جزم صدرها إذا كان فعلًا مضارعًا ويمكن دفعه بالعناية فتدبر، وقرئ وتكفر بالتاء مرفوعًا ومجزومًا على حسب ما علمت والفعل للصدقات {والله بما تَعْمَلُونَ} في صدقاتكم من الإبداء والإخفاء {خَبِيرٌ} عالم لا يخفى عليه شيء فيجازيكم على ذلك كله، ففي الجملة ترغيب في الإعلان والإسرار وإن اختلفا في الأفضلية، ويجوز أن يكون الكلام مساقًا للترغيب في الثاني لقربه ولكون الخبرة بالإبداء ليس فيها كثير مدح.

.تفسير الآية رقم (272):

{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)}
{لَّيْسَ عَلَيْكَ} أي لا يجب عليك أيها الرسول أن تجعل هؤلاء المأمورين بتلك المحاسن المنهيين عن هاتيك الرذائل مهديين إلى الائتمار والانتهاء إن أنت إلا بشير ونذير ما عليه إلا البلاغ المبين {هُدَاهُمْ ولكن الله يَهْدِى} بهدايته الخاصة الموصلة إلى المطلوب قطعًا {مَن يَشَآء} هدايته منهم، والجملة معترضة جيء بها على طريق تلوين الخطاب وتوجيهه إلى سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم مع الالتفات إلى الغيبة فيما بين الخطابات المتعلقة بأولئك المكلفين مبالغة في حملهم على الامتثال، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن وأبو على الجبائي، وهو مبني على رجوع ضمير {هَدَاهُمُ} إلى المخاطبين في تلك الآيات السابقة، والذي يستدعيه سبب النزول رجوعه إلى الكفار، فقد أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن لا نتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية» وأخرج ابن جرير عنه قال: كان أناس من الأنصار لهم أنسباء وقرابة وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم ويريدونهم أن يسلموا فنزلت. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا إلا على أهل دينكم» فأنزل الله تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} أي ليس عليك هدى من خالفك حتى تمنعهم الصدقة لأجل دخولهم في الإسلام وحينئذ لا التفات، وإنما هناك تلوين الخطاب فقط، والآية حث على الصدقة أيضًا ولكن بوجه آخر والارتباط على التقديرين ظاهر، وجعلها مرتبطة بقوله سبحانه: {يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء} [البقرة: 269] إشارة إلى قسم آخر من الناس لم يؤتها ليس بشيء.
{وَمَا تُنفِقُواْ} في وجوه البر {مّنْ خَيْرٍ} أي مال {فَلاِنفُسِكُمْ} أي فهو لأنفسكم لا ينتفع به في الآخرة غيركم {فَلا تَيَمَّمُواْ الخبيث} ولا تبطلوه بالمنّ والأذى ورئاء الناس، أو فلا تمنعوه عن الفقراء كيف كانوا فإن نفعكم به ديني ونفع الكافر منهم دنيوي، و{مَا} شرطية جازمة لتنفقوا منتصبة به على المفعولية و{مِنْ} تبعيضية متعلقة حذوف وقع صفة لاسم الشرط مبينة ومخصصة له {وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ الله} استثناء من أعم العلل وأعم الأحوال أي ما تنفقون بسبب من الأسباب إلا لهذا السبب، أو في حال من الأحوال إلا في هذه الحال، والجملة إما حال أو معطوفة على ما قبلها على معنى: وما تنفقوا من خير فإنما يكون لكم لا عليكم إذا كان حالكم أن لا تنفقوا إلا لأجل طلب وجه الله تعالى، أو إلا طالبين وجهه سبحانه لا مؤذين ولا مانين ولا مرائين ولا متيممين الخبيث، أو على معنى ليست نفقتكم إلا لكذا أو حال كذا فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث أو تمنعونها فقراء المشركين من أهل الكتاب وغيرهم، وقيل: إنه نفي عنى النهي أي لا تنفقوا إلا كذا وإقحام الوجه للتعظيم ودفع الشركة لأنك إذا قلت فعلته لوجه زيد كان أجل من قولك: فعلته له لأن وجه الشيء أشرف ما فيه ثم كثر حتى عبر به عن الشرف مطلقًا، وأيضًا قول القائل: فعلت هذا الفعل لفلان يحتمل الشركة وأنه قد فعله له ولغيره ومتى قال: فعلته لوجهه انقطع عرق الشركة عرفًا، وجعله كثير من الخلق عنى الذات وبعضهم حمله هنا على الرضا وجعل الآية على حد: {ابتغاء مرضاة الله} [البقرة: 265] تعالى، والسلف بعد أن نزهوا فوضوا كعادتهم في المتشابه.
{وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} أي تعطون جزاءه وافرًا وافيًا كما تشعر به صيغة التفعيل في الآخرة حسا تضمنته الآيات من قبل وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والمراد نفي أن يكون لهم عذر في مخالفة الأمر المشار إليه في الإنفاق، فالجملة تأكيد للشرطية السابقة وليس بتأكيد صرف وإلا لفصلت ولكنها تضمنت ذلك من كون سياقها للاستدلال على قبح ترك ذلك الأمر فكأنه قيل: كيف يمنّ أو يقصر فيما يرجع إليه نفعه أو كيف يفعل ذلك فيما له عوض وزيادة، وهي بهذا الاعتبار أمر مستقل، وقيل: إن المعنى يوفر عليكم خلفه في الدنيا ولا ينقص به من مالكم شيء استجابة لقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل لمنفق خلفًا ولممسك تلفًا» والتوفية إكمال الشيء وإنما حسن معها إليكم لتضمنها معنى التأدية وإسنادها إلى {مَا} مجازي وحقيقته ما سمعت، والآية بناءًا على سبب النزول دليل على جواز دفع الصدقة للكافر وهو في غير الواجبة أمر مقرر، وأما الواجبة التي للإمام أخذها كالزكاة فلا يجوز، وأما غيرها كصدقة الفطر والنذر والكفارة ففيه اختلاف، والإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يجوزه، وظاهر قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] يؤيده إذ الأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركًا. {وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} أي لا تنقصون شيئًا مما وعدتم، والجملة حال من ضمير {إِلَيْكُمْ} والعامل {يوفَّ}.

.تفسير الآية رقم (273):

{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)}
{لِلْفُقَرَاء} متعلق حذوف ينساق إليه الكلام ولهذا حذف أي اعمدوا للفقراء أو اجعلوا ما تنفقونه للفقراء أو صدقاتكم للفقراء، والجملة استئناف مبني على السؤال، وجوز أن يكون الجار متعلقًا بقوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ} [البقرة: 272] وقوله سبحانه: {وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272] اعتراض أي وما تنفقوا للفقراء. {الذين أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ الله} أي حبسهم الجهاد أو العمل في مرضاة الله تعالى يوف إليكم ولا يخفى بعده {لاَ يَسْتَطِيعُونَ} لاشتغالهم بذلك {ضَرْبًا فِي الأرض} أي مشيًا فيها وذهابًا للتكسب والتجارة وهم أهل الصفة رضي الله تعالى عنهم، قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وكانوا نحوًا من ثلثمائة ويزيدون وينقصون من فقراء المهاجرين يسكنون سقيفة المسجد يستغرقون أوقاتهم بالتعلم والجهاد وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن سعيد بن جبير هم قوم أصابتهم الجراحات في سبيل الله تعالى فصاروا زمنى فجعل لهم في أموال المسلمين حقًا؛ ولعل المقصود في الروايتين بيان بعض أفراد هذا المفهوم ودخوله فيه إذ ذاك دخولًا أوليًا لا الحصر إذ هذا الحكم باق يوم الدين {يَحْسَبُهُمُ} أي يظنهم {الجاهل} الذي لا خبرة له بحالهم. {أَغْنِيَاء مِنَ التعفف} أي من أجل تعففهم على المسألة فمن للتعليل وأتى بها لفقد شرط من شروط النصب وهو اتحاد الفاعل، وقيل: لابتداء الغاية والمعنى إن حسبان الجاهل غناهم نشأ من تعففهم، والتعفف ترك الشيء والاعراض عنه مع القدرة على تعاطيه، ومفعوله محذوف اختصارًا كما أشرنا إليه، وحال هذه الجملة كحال سابقتها {تَعْرِفُهُم بسيماهم} أي تعرف فقرهم واضطرارهم بالعلامة الظاهرة عليهم كالتخشع والجهد ورثاثة الحال.
أخرج أبو نعيم عن فضالة بن عبيد قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى بالناس تخر رجال من قيامهم في صلاتهم لما بهم من الخصاصة وهم أهل الصفة حتى يقول الأعراب إن هؤلاء مجانين». وأخرج هو أيضًا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «كان من أهل الصفة سبعون رجلًا ليس لواحد منهم رداء» والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل من له حظ من الخطاب مبالغة في بيان وضوح فقرهم، ووزن سيما عفلا لأنها من الوسم عنى السمة نقلت الفاء إلى موضع العين وقلبت ياءًا لوقوعها بعد كسرة.
{لاَ يَسْئَلُونَ الناس إِلْحَافًا} أي إلحاحًا وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه من قولهم لحفني من فضل لحافه أي أعطاني من فضل ما عنده، وقيل: سمي الإلحاح بذلك لأنه يغطي القلب كما يغطي اللحاف من تحته ونصبه على المصدر فإنه كنوع من السؤال أو على الحال أي ملحفين، والمعنى أنهم لا يسألون أصلًا وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وإليه ذهب الفراء والزجاج وأكثر أرباب المعاني وعليه يكون النفي متوجهًا لأمرين على حد قول الأعشى:
لا يغمز الساق من أين ومن وصب ** ولا يغص على شرسوفة الصغر

واعترض بأن هذا إنما يحسن إذا كان القيد لازمًا للمقيد أو كاللازم حتى يلزم من نفيه نفيه بطريق برهاني وماهنا ليس كذلك إذ الإلحاف ليس لازمًا للسؤال ولا كلازمه، وأجيب بأن هذا مسلم إن لم يكن في الكلام ما يقتضيه وهو كذلك هنا لأن التعفف حتى يظنوا أغنياء يقتضي عدم السؤال رأسًا، وأيضًا {تَعْرِفُهُم بسيماهم} مؤيد لذلك إذ لو سألوا لعرفوا بالسؤال واستغنى عن العرفان بالسيما وقيل: المراد إنهم لا يسألون وإن سألوا عن ضرورة لم يلحوا، ومن الناس من جعل المنصوب مفعولًا مطلقًا للنفي أي يتركون السؤال إلحاحًا أي ملحين في الترك وهو كما ترى {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} فيجازيكم به وهو ترغيب في الإنفاق لاسيما على هؤلاء، أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف، واقرءوا إن شئتم {لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى...}» وتقديم الظرف مراعاة للفواصل أو إيماءًا للمبالغة.