فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (3):

{وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)}
{وَكَذَّبُواْ} النبي صلى الله عليه وسلم وا أظهره الله تعالى على يده من الآيات {واتبعوا أَهْوَاءهُمْ} التي زينها الشيطان لهم، وقيل: {كَذَّبُواْ} الآية التي هي انشقاق القمر {واتبعوا أَهْوَاءهُمْ} وقالوا سحر القمر أو سحرت أعيننا والقمر بحاله، والعطف على الجزاء السابق وصيغة الماضي للدلالة على التحقق، وقيل: العطف على {اقتربت} [القمر: 1] والجملة الشرطية اعتراض لبيان عادتهم إذا شاهدوا الآيات، وقوله تعالى: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} استئناف مسوق للرد على الكفار في تكذيبهم ببيان أنه لا فائدة لهم فيه ولا يمنع علو شأنه صلى الله عليه وسلم، أو لإقناطهم عما علقوا به أمانيهم الفارغة من عدم استقرار أمره عليه الصلاة والسلام حسا قالوا: {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} [القمر: 2] ببيان ثبوته ورسوخه أي وكل أمر من الأمور منته إلى غاية يستقر عليها لا محالة ومن جملتها أمر النبي صلى الله عليه وسلم فسيصير إلى غاية يتبين عندها حقيته وعلو شأنه، وللإشارة إلى ظهور هذه الغاية لأمره عليه الصلاة والسلام لم يصرح بالمستقر عليه، وفي الكشاف أي كل أمر لابد أن يصير إلى غاية يستقر عليها وأن أمره صلى الله عليه وسلم سيصير إلى غاية يتبين عندها أنه حق أو باطل وسيظهر له عاقبتهم أو وكل أمر من أمره عليه الصلاة والسلام، وأمرهم مستقر أي سيثبت ويستقر على حالة نصرة أو خذلان في الدنيا أو سعادة وشقاوة في الآخرة، قال في الكشف: والكلام على الأول تذييل جار مجرى المثل وعلى الثاني تذييل غير مستقل، وقرأ شيبة {مُّسْتَقِرٌّ} بفتح القاف ورويت عن نافع، وزعم أبو حاتم أنها لا وجه لها وخرجت على أن مستقرًا مصدر عنى استقرار، وحمله على كل أمر بتقدير مضاف أي ذو مستقر ولو لم يقدر وقصد المبالغة صح، وجوز كونه اسم زمان أو مكان بتقدير مضاف أيضًا أي ذو زمان استقرار، أو ذو موضع استقرار، وتعقب بأن كون كل أمر لابد له من زمان أو مكان أمر معلوم لا فائدة في الأخبار به، وأجيب بأن فيه إثبات الاستقرار له بطريق الكناية وهي أبلغ من التصريح.
وقرأ زيد بن علي {مُّسْتَقِرٌّ} بكسر القاف والجر، وخرج على أنه صفة أمر وأن كل معطوف على {الساعة} [القمر: 1] أي اقتربت الساعة؛ واقترب كل أمر يستقر ويتبين حاله أي بقربها، قال في الكشف: وفيه شمة من التجريد وتهويل عظيم حيث جعل في اقترابها اقتراب كل أمر يكون له قرار وتبين حال مما له وقع، وقوله تعالى: {وانشق القمر} على هذا إما على تقدير قد وينصره القراءة بها، وإما منزل منزلة الإعراض لكونه مؤكدًا لقرب الساعة، وقوله سبحانه: {وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً} [القمر: 2] إلخ مستطرد عند ذكر انشقاق القمر.
واعترض ذلك أبو حيان بأنه بعيد لكثرة الفواصل بين المعطوف والمعطوف عليه وجعل الكلام عليه نظير أكلت خبزًا، وضربت خالدًا، وإن يجيء زيد أكرمه، ورحل إلى بني فلان، ولحمًا بعطف لحمًا على خبزًا ثم قال بل لا يوجد مثله في كلام العرب، وتعقب بأنه ليس بشيء لأنه إذا دل على العطف الدليل لا يعد ذلك مانعًا منه على أن بين الآية والمثال فرقًا لا يخفى، وقال صاحب اللوامح إن {مُّسْتَقِرٌّ} خبر كل، والجر للجوار، واعترضه أبو حيان أيضًا بأنه ليس بجيد لأن الجر على الجوار في غاية الشذوذ في مثله إذ لم يعهد في خبر المبتدأ، وإنما عهد في الصفة على اختلاف النحاة في وجوده، واستظهر كون كل مبتدأ وخبره مقدر كآت، أو معمول به ونحوه مما يشعر به الكلام أو مذكور بعد وهو قوله تعالى: {حِكْمَةٌ بالغة} [القمر: 5] وقد اعترض بينهما بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (4):

{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)}
{وَلَقَدْ جَاءهُمْ} في القرآن {مّنَ الانباء} أي أخبار القرون الخالية، أو أخبار الآخرة، والجار والمجرور في موضع الحال من ما في قوله عز وجل: {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} قدم عليه رعاية للفاصلة وتتويقًا إليه و{مِنْ} للتبعيض، أو للتبيين بناءًا على المختار من جواز تقديمه على المبين، قال الرضى: إنما جاز تقديم {مِنْ} المبينة على المبهم في نحو عندي من المال ما يكفي لأنه في الأصل صفة لمقدر أي شيء من المال، والمذكور عطف بيان للمبين المقدر قبلها ليحصل البيان بعد الإبهام أي بالله لقد جاءهم كائنًا من الأنباء ما فيه ازدجار لهم ومنع عما هم فيه من القبائح، أو موضع ازدجار ومنع، وهي أنباء التعذيب، أو أنباء الوعيد، وأصل {مُزْدَجَرٌ} مزتجر بالتاء موضع الدال وتاء الافتعال تقلب دالًا مع الدال والذال والراء للتناسب، وقرئ مزجر بقلبها زايًا وإدغام الزاي فيها، وقرأ زيد بن علي مزجر اسم فاعل من أزجر أي صار ذا زجر كأعشب صار ذا عشب.

.تفسير الآية رقم (5):

{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)}
{حِكْمَةٌ بالغة} أي واصلة غاية الإحكام لا خلل فيها، ورفع {حِكْمَةٌ} على أنها بدل كل، أو اشتمال من {مَا}، وقيل: من {مُزْدَجَرٌ} [القمر: 4] أو خبر مبتدأ محذوف أي هي، أو هذه على أن الإشارة لما يشعر به الكلام من إرسال الرسل وإيضاح الدليل والإنذار لمن مضى، أو إلى ما في الأنباء، أو إلى الساعة المقتربة، والآية الدالة عليها كما قاله الإمام وتقدم آنفًا احتمال كونها خبرًا عن كل في قراءة زيد، وقرأ اليماني {حِكْمَةٌ بالغة} بالنصب حالًا من {مَا} فإنها موصولة أو نكرة موصوفة، ويجوز مجيء الحال منها مع تأخرها أو هو بتقدير أعني.
{فَمَا تُغْنِى النذر} نفي للإغناء أو استفهام إنكاري والفاء لترتيب عدم الإغناء على مجيء الحكمة البالغة مع كونه مظنة للإغناء وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار، و{مَا} على الوجه الثاني في محل نصب على أنها مفعول مطلق أي فأي إغناء تغني النذر، وجوز أن تكون في محل رفع على الابتداء، والجملة بعدها خبر، والعائد مقدر أي فما تغنيه النذر وهو جمع نذير عنى المنذر، وجوز أن يكون جمع نذير عنى الإنذار، وتعقب بأن حق المصدر أن لا يثنى ولا يجمع وأن يكون مصدرًا كالإنذار، وتعقب بأنه يأباه تأنيث الفعل المسند إليه وكونه باعتبار أنه عنى النذارة لا يخفى حاله.

.تفسير الآية رقم (6):

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)}
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} الفاء للسببية والمسبب التولي أو الأمر به والسبب عدم الإغناء أو العلم به، والمراد بالتولي إما عدم القتال، فالآية منسوخة، وإما ترك الجدال للجلاد فهي محكمة، والظاهر الأول {يَوْمَ يَدْعُو الداع} ظرف ليخرجون أو مفعول به لأذكر مقدرًا، وقيل: لانتظر، وجوز أن يكون ظرفًا لتغني، أو لمستقر وما بينهما اعتراض، أو ظرفًا ليقول الكافر أو لتول أي تول عن الشفاعة لهم يوم القيامة، أو هو معمول له بتقدير إلى، وعليه قول الحسن فتول عنهم إلى يوم.
والمراد استمرار التولي والكل كما ترى، والداعي إسرافيل عليه السلام، وقيل: جبرائيل عليه السلام، وقيل: ملك غيرهما موكل بذلك، وجوز أن يكون الدعاء للإعادة في ذلك اليوم كالأمر في {كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] على القول بأنه تمثيل، فالداعي حينئذٍ هو الله عز وجل، وحذفت الواو من {يَدُعُّ} لفظًا لالتقاء الساكنين ورسمًا اتباعًا للفظ، والياء من {الداع} تخفيفًا، وإجراءًا لال مجرى التنوين لأنها تعاقبه، والشيء يحمل على ضده كما يحمل على نظيره {إلى شَيْء نُّكُرٍ} أي فظيع تنكره النفوس لعدم العهد ثله وهو هول القيامة ويكنى بالنكر عن الفظيع لأنه في الغالب منكر غير معهود، وجوز أن يكون من الإنكار ضد الإقرار وأيما كان فهو وصف على فعل بضمتين وهو قليل في الصفات، ومنه روضة أنف لم ترع، ورجل شلل خفيف في الحاجة سريع حسن الصحبة طيب النفس، وسجح لين سهل، وقرأ الحسن. وابن كثير. وشبل {نُّكُرٍ} بإسكان الكاف كما قالوا: شغل وشغل، وعسر وعسر وهو إسكان تخفيف، أو السكون هو الأصل والضم للاتباع، وقرأ مجاهد. وأبو قلابة. والجحدري. وزيد بن علي {نُّكُرٍ} فعلًا ماضيًا مبنيًا للمفعول عنى أنكر.

.تفسير الآية رقم (7):

{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)}
{خُشَّعًا أبصارهم} حال من فاعل {يُخْرِجُونَ} أي يخرجون {مّنَ الاجداث} أي القبور أذلة أبصارهم من شدة الهول أي أذلاء من ذلك، وقدم الحال لتصرف العامل والاهتمام، وفيه دليل على بطلان مذهب الجرمي من عدم تجويز تقدم الحال على الفعل وإن كان متصرفًا، ويرده أيضًا قولهم: شتى تؤب الحلبة، وقوله:
سريعًا يهون الصعب عند ألى النهى ** إذا برّ جاء صادق قابلوا البأسا

وجعل حالًا من ذلك لقوله تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الاجداث سِرَاعًا} إلى قوله تعالى: {خاشعة أبصارهم} [المعارج: 43، 44]. وقيل: هو حال من الضمير المفعول المحذوف في {يَدُعُّ الداع} [القمر: 6] أي يدعوهم الداع؛ وتعقب بأنه لا يطابق المنزل وأيضًا يصير حالًا مقدرة لأن الدعاء ليس حال خشوع البصر وليست في الكثرة كغيرها وكذلك جعله مفعول يدعو على معنى يدعو فريقًا خاشعًا أبصارهم أي سيخشع وإن كان هذا أقرب مما قبل، وقيل: هو حال من الضمير المجرور في قوله تعالى: {فتولى عَنْهُمْ} وفيه ما لا يخفى، وأبصارهم فاعل خشعًا وطابقه الوصف في الجمع لأنه إذا كسر لم يشبه الفعل لفظًا فتحسن فيه المطابقة وهذا بخلاف ما إذا جمع جمع مذكر سالم فإنه لم يتغير زنته وشبهه للفعل فينبغي أن لا يجمع إذا رفع الظاهر المجموع على اللغة الفصيحة دون لغة أكلوني البراغيث، لكن الجمع حينئذٍ في الاسم أخف منه في الفعل كما قال الرضي، ووجهه ظاهر، وفي التسهيل إذا رفعت الصفة اسمًا ظاهرًا مجموعًا فإن أمكن تكسيرها كمررت برجل {قِيَامٍ} غلمانه فهو أولى من إفراده كمررت برجل {قَائِمٌ} غلمانه وهذا قول المبرد ومن تبعه والسماع شاهد له كقوله:
وقوفًا بها صحبي على مطيهم ** يقولون لا تهلك أسى وتجملي

وقوله:
بمطرد لدن صحاح كعوبه ** وذي رونق عضب يقد القوانسا

وقال الجمهور: الإفراد أولى والقياس معهم، وعليه قوله:
ورجال حسن أوجههم ** من إياد بن نزار بن معد

وقيل: إن تبع مفردًا فالإفراد أولى كرجل {قَائِمٌ} غلمانه وإن تبع جمعًا فالجمع أولى كرجال قيام غلمانهم وأما التثنية والجمع السالم فعلى لغة أكلوني البراغيث؛ وجوز أن يكون في {خُشَّعًا} ضمير مستتر، و{أبصارهم} بدلًا منه، وقرأ ابن عباس. وابن جبير. ومجاهد. والجحدري. وأبو عمرو. وحمزة. والكسائي خاشعًا بالإفراد، وقرأ أبيّ. وابن مسعود خاشعة وقرئ خشع على أنه خبر مقدم، و{أبصارهم} مبتدأ، والجملة في موضع الحال، وقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} حال أيضًا وتشبيههم بالجراد المنتشر في الكثرة والتموج والانتشار في الأقطار، وجاء تشبيههم بالفراش المبثوث ولهم يوم الخروج سهم من الشبه لكل، وقيل: يكونون أولًا كالفراش حين يموجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون لأن الفراش لا جهة لها تقصدها، ثم كالجراد المنتشر إذا توجهوا إلى المحشر فهما تشبيهان باعتبار وقتين، وحكي ذلك عن مكي بن أبي طالب.

.تفسير الآية رقم (8):

{مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)}
{مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع} مسرعين إليه قال أبو عبيدة: وزاد بعضهم مادّي أعناقهم، وآخر مع هز ورهق ومدّ بصر.
وقال عكرمة: فاتحين آذانهم إلى الصوت، وعن ابن عباس ناظرين إليه لا تقلع أبصارهم عنه وأنشد قول تبع:
تعبدني نمر بن سعد وقد أرى ** ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع

وفي رواية أنه فسره بخاضعين وأنشد البيت، وقيل: خافضين ما بين أعينهم، وقال سفيان: شاخصة أبصارهم إلى السماء، وقيل: أصل الهطع مد العنق، أو مد البصر، ثم يكنى به عن الإسراع، أو عن النظر والتأمل فلا تغفل، {يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} صعب شديد لما يشاهدون من مخايل هو له وما يرتقبون من سوء منقلبهم فيه، وفي إسناد القول المذكور إلى الكفار تلويح بأنه على المؤمنين ليس كذلك.