فصل: تفسير الآية رقم (23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (23):

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)}
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر} بالرسل عليهم الصلاة والسلام فإن تكذيب أحدهم وهو صالح عليه السلام هنا تكذيب للكل لاتفاقهم على أصول الشرائع، وجوز أن يكون مصدرًا، أو جمعًا له وأن يكون جمع نذير عنى المنذر منه فلا تغفل.

.تفسير الآية رقم (24):

{فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)}
{فَقَالُواْ أَبَشَرًا مّنَّا} أي كائنًا من جنسنا على أن اجلار والمجرور في موضع الصفة لبشرًا وانتصابه بفعل يفسره نتبع بعد أي أنتبع بشرًا {واحدا} أي منفردًا لاتبع له، أو واحدًا من آحادهم لا من أشرافهم كما يفهم من التنكير الدال على عدم التعيين وهو صفة أخرى لبشر وتأخيره مع إفراده عن الصفة الأولى مع كونها شبه الجملة للتنبيه على أن كلا من الجنسية والوحدة مما يمنع الاتباع ولو قدم عليها لفات هذا التنبيه، وقرأ أبو السمال فيما ذكر الهذلي في كتابه الكامل. وأبو عمرو الداني أبشر منا واحد برفعهما على أن بشر مبتدأ، وما بعد صفته، وقوله تعالى: {نَّتَّبِعُهُ} خبره. ونقل ابن خالويه. وصاحب اللوامح. وابن عطية عن أبي السمال رفع بشر ونصب {واحدا} وخرج ذلك ابن عطية على أن رفع بشر إما على إضمار فعل مبني للمفعول والتقدير أينبأ بشر، وإما على الابتداء والخبر جملة {نَّتَّبِعُهُ}، ونصب {واحدا} على الحال إما من ضمير النصب في {نَّتَّبِعُهُ}. وإما من الضمير المستقر في {مِنَّا} وخرج صاحب اللوامح نصب {واحدا} على هذا أيضًا، وأما رفع بشر فخرجه على الابتداء وإضمار الخبر أي أبشر منا يبعث إلينا أو يرسل أو نحوهما، وتقدم الاستفهام يرجح تقدير فعل يرفع به {إِنَّا إِذَا} أي إذا اتبعنا بشرًا منا واحدًا {لَفِى ضلال} عظيم عن الحق {وَسُعُرٍ} أي نيران جمع سعير.
وروي أن صالحًا عليه السلام كان يقول لهم: إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق وسعر فعكسوا عليه لغاية عتوّهم فقالوا: إن اتبعناك كنا إذًا كما تقول، فالكلام من باب التعكيس والقول بالموجب، وجمع السعير باعتبار الدركات، أو للمبالغة، وروي عن ابن عباس ما يحتمل ما قلنا فإنه قال: أي لفي بعد عن الحق وعذاب، وفي رواية أخرى عنه تفسير السعر بالجنون على أنه اسم مفرد عنى ذلك يقال ناقة مسعورة إذا كانت تفرط في سيرها كأنها مجنونة قال الشاعر:
كأن بها سعرًا إذا العيس هزها ** ذميل وإرخاء من السير متعب

والأول أوجه وأفصح.

.تفسير الآية رقم (25):

{أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)}
{أَءلْقِىَ الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} أي أأنزل عليه الوحي من بيننا وفينا من هو أحس منه بذلك، والتعبير بألقي دون أنزل قيل: لأنه يتضمن العجلة في الفعل {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} أي شديد البطر وهو على ما قال الراغب: دهش يعتري من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها ووضعها إلى غير وجهها، ويقاربه الطرب وهو خفة أكثر ما تعتري من الفرح، ومرادهم ليس الأمر كذلك بل هو كذا وكذا حمله شدّة بطره وطلبه التعظيم علينا على ادعاء ذلك، وقرأ قتادة. وأبو قلابة بل هو الكذب الأشر بلام التعريف فيهما وبفتح الشين وشدّ الراء، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا ما في ذلك، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (26):

{سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26)}
{سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الكذاب الاشر} حكاية لما قاله سبحانه وتعالى بصالح عليه السلام وعدًا له ووعيدًا لقومه، والسين لتقريب مضمون الجملة وتأكيده، والمراد بالغد وقت نزول العذاب الدنيوي بهم، وقيل: يوم القيامة فهو لمطلق الزمان المستقبل وعبر به لتقريبه، وعليه قول الطرماح:
ألا عللاني قبل نوح النوائح ** وقبل اضطراب النفس بين الجوانح

وقبل غد يا لهف نفسي على غد ** إذا راح أصحابي ولست برائح

أي {سَيَعْلَمُونَ} البتة عن قريب {مَّنِ الكذاب الاشر} الذي حمله أشره وبطره على ما حمله أصالح أم من كذبه، والمراد سيعلمون أنهم هم الكذابون الأشرون لكن أورد ذلك مورد الإبهام إيماءًا إلى أنه مما لا يكاد يخفي، ونحوه قول الشاعر:
فلئن لقيتك خاليين لتعلمن ** أيى وأيك فارس الأحزاب

وقرأ ابن عامر. وحمزة. وطلحة. وابن وثاب. والأعمش ستعلمون بتاء الخطاب على حكاية ما قال لهم صالح مجيبًا لهم، وفي الكشاف أو هو كلام على سبيل الالتفات، قال صاحب الكشف: أي هو كلام الله تعالى لقوم ثمود على سيل الالتفات إليهم إما في خطابه تعالى لرسولنا صلى الله عليه وسلم وهو نظير ما حكاه سبحانه عن شعيب {فتولى عَنْهُمْ وَقَالَ ياقوم قَوْمٌ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ} [الأعراف: 79] بعد ما استؤصلوا هلاكًا وهو من بليغ الكلام فيه دلالة على أنهم أحقاء بهذا الوعيد وكأنهم حضور في المجلس حول إليهم الوجه لينعى عليهم جناياتهم. وإما في خطابه عز وجل لصالح عليه السلام والمنزل حكاية ذلك الكلام المشتمل على الالتفات. وعلى التقديرين لا إشكال فيه كما توهم. ولفظ الزمخشري على الأول أدل وهو أبلغ انتهى، ومن التفت إلى ما قاله الجمهور في الالتفات لا أظنه تسكن نفسه اذكر فتأمل، وقرأ مجاهد فيما ذكره صاحب اللوامح. وأبو قيس الأودي {الاشر} بثلاث ضمات وتخفيف الراء. ويقال: أشر وأشر كحذر وحذر فضمة الشين لغة وضم الهمزة تبع لها.
وحكى الكسائي عن مجاهد ضم الشين دون الهمزة فهو كندس. وقرأ أبو حيوة {الاشر} أفعل تفضيل أي الأبلغ في الشرارة وكذا قرأ قتادة. وأبو قلابة أيضًا وهو قليل الاستعمال وإن كان على الأصل كالأخير في قول رؤبة:
بلال خير الناس وابن الأخير

وقال أبو حاتم: لا تكاد العرب تتكلم بالأخير و{الاشر} إلا في ضرورة الشعر وأنشد البيت، وقال الجوهري: لا يقال: {الاشر} إلا في لغة رديئة؛ وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (27):

{إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27)}
{إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة} إلخ استئناف مسوق لبيان مبادي الموعود على ما هو الظاهر، وبه يتعين كون المراد بالغد وقت نزول العذاب الدنيوي بهم دون يوم القيامة، والإرسال حقيقة في البعث وقد جعل هنا كناية عن الإخراج، وأريد المعنى الحقيقي معه كما أومأ إليه بعض الأجلة أي إنا مخرجوا الناقة التي سألوها من الهضبة وباعثوها {فِتْنَةً لَّهُمْ} امتحانًا، وجوز إبقاؤها على معناها المعروف {فارتقبهم} فانتظرهم وتبصر ما هم فاعلون {واصطبر} على أذاهم ولا تعجل حتى يأتي أمر الله تعالى.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)}
{وَنَبّئْهُمْ أَنَّ الماء} وأخبرهم بأن ماء البئر التي لهم {قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} مقسوم لها يوم ولهم يوم، و{بَيْنَهُمْ} لتغلب العقلاء، وقرأ معاذ عن أبي عمرو و{قِسْمَةٌ} بفتح القاف {كُلُّ شِرْبٍ} نصيب وحصة منه {مُّحْتَضَرٌ} يحضره صاحبه في نوبته فتحتضر الناقة نارة ويحضرونه أخرى، وقيل: يتحول عنه غير صاحبه من حضر عن كذا تحول عنه وقيل: يمنع عنه غير صاحبه مجاز عن الحظر بالظاء عنى المنع بعلاقة السببية فإنه مسبب عن حضور صاحبه في نوبته وهو كما ترى، وقيل: يحضرون الماء في نوبتهم واللبن في نوبتها، والمعنى كل شرب من الماء واللبن تحضرونه أنتم.

.تفسير الآية رقم (29):

{فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)}
{فَنَادَوْاْ} أي فأرسلنا الناقة وكانوا على هذه الوتيرة من القسمة فملوا ذلك وعزموا على عقر الناقة {فَنَادَوْاْ} لعقرها {صاحبهم} وهو قدار بن سالف أحيمر ثمود وكان أجرأهم {فتعاطى} العقر أي فاجترأ على تعاطيه مع عظمه غير مكترث به.
{فَعَقَرَ} فأحدث العقر بالناقة، وجوز أن يكون المراد فتعاطى الناقة فعقرها، أو فتعاطى السيف فقتلها، وعلى كل فمفعول تعاطى محذوف والتفريع لا غبار عليه، وقيل: تعاطى منزل منزلة اللازم على أن معناه أحدث ماهية التعاطي، وقوله تعالى: {فَعَقَرَ} تفسير له لا متفرع عليه ولا يخفى ركاكته، والتعاطي التناول مطلقًا على ما يفهم من كلام غير واحد، وزاد بعضهم قيد بتكلف ونسبة العقر إليهم في قوله تعالى: {فَعَقَرُواْ الناقة} [الأعراف: 77] لأنهم كانوا راضين به.

.تفسير الآية رقم (30):

{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30)}
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} الكلام فيه كالذي تقدم.

.تفسير الآية رقم (31):

{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)}
{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحدة} هي صيحة جبريل عليه السلام صاح صباح يوم الأحد كما حكى المناوي عن الزمخشري في طرف منازلهم {فَكَانُواْ} أي فصاروا {كَهَشِيمِ المحتظر} أي كالشجر اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء.
وفي البحر الهشيم ما تفتت من الشجر، و{المحتظر} الذي يعمل الحظيرة فإنه يتفتت منه حالة العمل ويتساقط أجزاء مما يعمل به، أو يكون الهشيم ما يبس من الحظيرة بطول الزمان تطؤه البهائم فيتهشم، وتعقب هذا بأن الأظهر عليه كهشيم الحظيرة، والحظيرة الزريبة التي تصنعها العرب. وأهل البوادي للمواشي والسكنى من الأغصان والشجر المورق والقصب من الحظر وهو المنع.
وقرأ الحسن. وأبو حيوة. وأبو السمال. وأبو رجاء. وعمرو بن عبيد {المحتظر} بفتح الظاء على أنه اسم مكان. والمراد به الحظيرة نفسها أو هو اسم مفعول قيل: ويقدر له موصوف أي {كَهَشِيمِ} الحائط {المحتظر} أو لا يقدر على أن {المحتظر} الزريبة نفسها كما سمعت. وجوز أن يكون مصدرًا أي كهشيم الاحتظار أي ما تفتت حالة الاحتظار.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)}
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} كما مر.

.تفسير الآية رقم (33):

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)}
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر} على قياس النظير السابق.

.تفسير الآية رقم (34):

{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)}
{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حاصبا} ملكًا على ما قيل يحصبهم أي يرميهم بالحصباء والحجارة أو هم اسم للريح التي تحصب ولم يرد بها الحدوث كما فـ ناقة ضامر وهو وجه التذكير، وقال ابن عباس: هو ما حاصبوا به من السماء من الحجارة في الريح، وعليه قول الفرزدق:
مستقبلين شمال الشام تضربنا ** بحاصب كنديف القطن منثور

{إِلا ءالَ لُوطٍ} خاصته المؤمنين به، وقيل: إله ابنتاه {نجيناهم بِسَحَرٍ} أي في سحر وهو آخر الليل، وقيل: السدس الأخير منه، وقال الراغب: السحر والسحرة اختلاط ظلام آخر الليل بصفاء النهار وجعل اسمًا لذلك الوقت، ويجوز كون الباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال أي ملتبسين {بِسَحَرٍ} داخلين فيه.

.تفسير الآية رقم (35):

{نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)}
{نّعْمَةً مّنْ عِندِنَا} أي إنعامًا منا وهو علة لنجينا، ويجوز نصبه بفعل مقدر من لفظه، أو بنجينا لأن النتيجة إنعام فهو كقعدت جلوسًا {كذلك} أي مثل ذلك الجزاء العجيب {نَجْزِى مَن شَكَرَ} نعمتنا بالايمان والطاعة.