فصل: تفسير الآية رقم (42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (42):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يقال فيه نحو ما تقدم، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (43):

{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43)}
{هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذّبُ بِهَا المجرمون} مقول قول مقدر معطوف على قوله تعالى: {يُؤْخَذْ} [الرحمن: 41] إلخ أي ويقال هذه إلخ. أو مستأنف في جواب ماذا يقال لهم لأنه مظنة للتوبيخ والتقريع، أو حال من أصحاب النواصي بناءًا على أن التقدير نواصيهم أو النواصي منهم، وما في البين اعتراض على الأول والأخير وكان أصل {التى يُكَذّبُ بِهَا المجرمون} التي كذبتم بها فعدل عنه لما ذكر للدلالة على استمرار ذلك وبيان لوجه توبيخهم وعلته.

.تفسير الآية رقم (44):

{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ (44)}
{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا} أي يترددون بين نارها {وَبَيْنَ حَمِيمٍ} ماء حار {ءانٍ} متناه إناه وطبخه بالغ في الحرارة أقصاها، قال قتادة: الحميم يغلي منذ خلق الله تعالى جهنم والمجرم ويعاقب بين تصلية النار وشرب الحميم، وقيل: يحرقون في النار ويصب على رؤوسهم الحميم، وقيل: إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم الحميم، وقيل: يغمسون في واد في جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فتنخلع أوصالهم ثم يخرجون منه وقد أحدث الله تعالى لهم لخقًا جديدًا، وعن الحسن أنه قال: {حَمِيمٍ ءانٍ} النحاس انتهى حره، وقيل: {ءانٍ} حاضر.
وقرأ السلمي يطافون، والأعمش. وطلحة. وابن مقسم {يَطُوفُونَ} بضم الياء وفتح الطاء وكسر الواو مشددة، وقرئ {يَطُوفُونَ} أي يتطوفون.

.تفسير الآية رقم (45):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} هو أيضًا كما تقدم.

.تفسير الآية رقم (46):

{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)}
{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} إلخ شروع في تعديد الآلاء التي تفاض في الآخرة، و{مَّقَامِ} مصدر ميمي عنى القيام مضاف إلى الفاعل أي {وَلِمَنْ خَافَ} قيام ربه وكونه مهيمنًا عليه مراقبًا له حافظًا لأحواله، فالقيام هنا مثله في قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بما كَسَبَتْ} [الرعد: 33] وهذا مروى عن مجاهد. وقتادة، أو هو اسم مكان، والمراد به مكان وقوف الخلق في يوم القيامة للحساب، والإضافة إليه تعالى لامية اختصاصية لأن الملك له عز وجل وحده فيه بحسب نفس الأمر، والظاهر والخلق قائمون له كما قال سبحانه: {يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} [المطففين: 6] منتظرون ما يحل عليهم من قبله جل شأنه، وزعم بعضهم أن الإضافة على هذا الوجه لأدنى ملابسة وليس بشيء، وقيل: المعنى {وَلِمَنْ خَافَ} مقامه عند ربه على أن المقام مصدر أو اسم مكان وهو للخائف نفسه، وإضافته للرب لأنه عنده تعالى فهي مثلها في قولهم: شاة رقود الحلب، وهي عنى عند عند الكوفيين أي رقود عند الحلب، وعنى اللام عند الجمهور كما صرح به شراح التسهيل وليست لأدنى ملابسة كما زعم أيضًا، ثم إن المراد بالعندية هنا مما لا يخفى، وجوّز أن يكون مقحمًا على سبيل الكناية، فالمراد ولمن خاف ربه لكن بطريق برهاني بليغ، ومثله قول الشماخ:
ذعرت به القطا ونفيت عنه ** مقام الذئب كالرجل اللعين

وهو الأظهر على ما ذكره صاحب الكشف، والظاهر أن المراد ولكل فرد فرد من الخائفين: {جَنَّتَانِ} فقيل: إحداهما منزله ومحل زيارة أحبابه له، والأخرى منزل أزواجه وخدمه، وإليه ذهب الجبائي، وقيل: بستانان بستان داخل قصره وبستان خارجه، وقيل: منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر لتتوفر دواعي لذته وتظهر ثمار كرامته، وأين هذا ممن يطوف بين النار، وبين حميم آن؟؟.
وجوز أن يقال: جنة لعقيدته وجنة لعمله، أو جنة لفعل الطاعات وجنة لترك المعاصي، أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه، أو إحداهما روحانية والأخرى جسمانية، ولا يخفى أن الصفات الآتية ظاهرة في الجسمانية.
وقال مقاتل: جنة عدن وجنة نعيم، وقيل: المراد لكل خائفين منكما جنتان جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني، فإن الخطاب للفريقين، وهذا عندي خلاف الظاهر، وفي الآثار ما يبعده، فقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن أنه كان شاب على عهد رضي الله تعالى عنه ملازم للمسجد والعبادة فعشقته جارية فأتته في خلوة فكلمته فحدثته نفسه بذلك فشهق شهقة فغشى عليه فجاء عم له فحمله إلى بيته فلما أفاق قال: يا عم انطلق إلى عمر فاقرئه مني السلام وقل له ما جزاء من خاف مقام ربه؟ فانطلق فأخبر عمر وقد شهق الفتى شهقة أخرى فمات فوقف عليه عمر رضي الله تعالى عنه فقال: لك جنتان لك جنتان.
والخوف في الأصل توقع مكروه عند أمارة مظنونة أو معلومة ويضاده الأمن قال الراغب: والخوف من الله تعالى لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد بل إنما يراد به الكف عن المعاصي وتحري الطاعات، ولذلك قيل: لا يعد خائفًا من لم يكن للذنوب تاركًا، ويؤيد هذا تفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخائف هنا كما أخرج ابن جرير عنه بمن ركب طاعة الله تعالى وترك معصيته.
وقول مجاهد: هو الرجل يريد الذنب فيذكر الله تعالى فيدع الذنب، والذي يظهر أن ذلك تفسير باللازم، وقد يقال: إن ارتكاب الذنب قد يجامع الخوف من الله تعالى وذلك كما إذا غلبته نفسه ففعله خائفًا من عقابه تعالى عليه، وأيد ذلك بما أخرجه أحمد. والنسائي. والطبراني. والحكيم الترمذي في نوادر الأصول. وابن أبي شيبة. وجماعة عن أبي الدرداء «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: الثانية {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زني وإن سرق؟ فقال الثالثة: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: نعم وإنْ رغم أنف أبي الدرداء» وأخرج الطبراني. وابن مردويه من طريق الجريري عن أخيه قال: سمعت محمد بن سعد يقرأ ولمن خاف مقام ربه جنتان وإن زنى وإن سرق فقلت: ليس فيه وإن زنى وإن سرق فقال: سمعت أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه يقرؤها كذلك فأنا أقرؤها كذلك حتى أموت، وصرح بعضهم أن المراد بالخوف في الآية أشده فتأمل. وجاء من شأن هاتين الجنتين من حديث عياض بن غنم مرفوعًا «إن عرض كل واحدة منهما مسيرة مائة عام» والآية على ما روي عن ابن الزبير. وابن شوذب نزلت في أبي بكر.
وأخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ في العظمة عن عطاء أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ذكر ذات يوم وفكر في القيامة. والموازين. والجنة. والنار. وصفوف الملائكة. وطي السموات. ونسف الجبال وتكوير الشمس. وانتثار الكواكب فقال: وددت أني كنت خضرًا من هذه الخضر تأتي على بهيمة فتأكلني وأني لم أخلق فنزلت: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ}.

.تفسير الآيات (47- 48):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} صفة لجنتان وما بينهما اعتراض وسط بينهما تنبيهًا على أن تكذيب كل من الموصوف والصفة موجب للإنكار والتوبيخ، وجوز أن يكون خبر مبتدأ مقدر أي هما ذواتًا، وأيًا مّا كان فهو تثنية ذات عنى صاحبة فإنه إذا ثنى فيه لغتان ذاتًا على لفظه وهو الأقيس كما يثنى مذكره ذوا، والأخرى {ذَوَاتَا} برده إلى أصله فإن التثنية ترد الأشياء إل أصولها، وقد قالوا: أصل ذات ذوات لكن حذفت الواو تخفيفًا؛ وفرقا بين الواحد والجمع ودلت التثنية ورجوع الواو فيها على أصل الواحد وليس هو تثنية الجمع كما يتوهم وتفصيله في باب التثنية من شرح التسهيل، والأفنان إما جمع فن عنى النوع ولذا استعمل في العرف عنى العلم أي ذواتًا أنواع من الأشجار والثمار، وروي ذلك عن ابن عباس. وابن جبير. والضحاك، وعليه قول الشاعر:
ومن كل أفنان اللذاذة والصبا ** لهوت به والعيش أخضر ناضر

وإما جمع فنن وهو ما دق ولأن من الأغصان كما قال ابن الجوزي، وقد يفسر بالغصن، وحمل على التسامح وتخصيصها بالذكر مع أنها ذواتًا قصب وأوراق وثمار أيضًا لأنها هي التي تورق وتثمر. فمنها تمتد الظلال. ومنها تجني الثمار ففي الوصف تذكير لهما فكأنه قيل: {ذَوَاتَا} ثمار وظلال لكن على سبيل الكناية وهي أخصر وأبلغ، وتفسيره بالأغصان على أنه جمع غنن مروى عن ابن عباس أيضًا، وأخرجه ابن جرير عن مجاهد قال أبو حيان: وهو أولى لأن أفعالًا في فعل أكثر منه في فعل بسكوت العين كفن، ويجمع هو على فنون.

.تفسير الآيات (49- 50):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} صفة أخرى لجنتان أو خبر ثان للمبتدأ المقدر أي في كل منهما عين تجري بالماء الزلال تسمى إحدى العينين بالتسليم، والأخرى بالسلسبيل، وروي هذا عن الحسن، وقال عطية العوفي: {عَيْنَانِ} إخداهما من ماء غير آسن، والأخرى من خمر لذة للشاربين، وقيل: {عَيْنَانِ} من الماء {تَجْرِيَانِ} حيث شاء صاحبهما من الأعالي والأسافل من جبل من مسك، وعن ابن عباس {عَيْنَانِ} مثل الدنيا أصعافًا مضاعفة {تَجْرِيَانِ} بالزيادة والكرامة على أهل الجنة.

.تفسير الآيات (51- 52):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ} صنفان معروف وغريب لم يعرفوه في الدنيا، أو رطب ويابس ولا يقصر يابسه عن رطبه في الفضل والطيب، وأخرج عبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: قال ابن عباس في هذه الآية: ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل، ونقل هذا في البحر عن ابن عباس أيضًا بزيادة إلا أنه حلو، والجملة كالجملة التي قبلها.

.تفسير الآيات (53- 54):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)}
{فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُتَّكِئِينَ} حال من قوله تعالى: {ولمن خاف} [الرحمن: 46] وجمع رعاية للمعنى بعد الافراد رعاية للفظ، وقيل: العامل محذوف أي يتنعمون متكئين، وقيل: مفعول به بتقدير أعني، والاتكاء من صفات المتنعم الدالة على صحة الجسم وفراغ القلب، والمعنى متكئين في منازلهم {عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} من ديباج ثخين قال ابن مسعود كما رواه عنه جمع. وصححه الحاكم أخبرتم بالبطائن فكيف بالظهائر، وقيل: ظهائرها من سندس، وعن ابن جبير من نور جامد، وفي حديث من نور يتلألأ وهو إن صح وقف عنده.
وأخرج ابن جرير. وغيره عن ابن عباس أنه قيل له: {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} فماذا الظواهر؟ قال: ذلك مما قال الله تعالى: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُوَّةَ أَعْيُنِ} [السجدة: 17] وقال الحسن: البطائن هي الظهائر وروي عن قتادة وقال الفراء: قد تكون البطانة الظاهرة والظاهرة البطانة لأن كلًا منهما يكون وجهًا والعرب تقول: هذا ظهر السماء وهذا بطن السماء، والحق أن البطائن هنا مقابل الظهائر على الوجه المعروف، وقرأ أبو حيوة {فُرُشٍ} بسكون الراء، وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال: قرأ عبد الله على {سُرُرٍ وَفُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} {وَجَنَى الجنتين} أي ما يجني ويؤخذ من أشجارهما من الثمار، فجنى اسم أو صفة مسبهة عنى المجنى {دَانٍ} قريب يناله القائم. والقاعد. والمضطجع، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله تعالى إن شاء قائمًا وإن شاء قاعدًا وإن شاء مضطجعًا، وعن مجاهد ثمار الجنتين دانية إلى أفواه أربابها فيتناولونها متكئين فإذا اضطجعوا نزلت بإزاء أفواههم فيتناولونها مضطجعين لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك، وقرأ عيسى {وَجَنَى} بفتح الجيم وكسر النون كأنه أمال النون وإن كانت الألف قد حذفت في اللفظ كما أمال أبو عمرو {حتى نَرَى الله جَهْرَةً} [البقرة: 55] وقرئ {وجنى} بكسر الجيم وهو لغة فيه.