فصل: تفسير الآية رقم (64):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (64):

{مُدْهَامَّتَانِ (64)}
{مُدْهَامَّتَانِ} صفة لجنتان وسط بينها الاعتراض لما تقدم من التنبيه على أن تكذيب كل من الموصوف والصفة حقيق بالإنكار والتوبيخ أو خبر مبتدأ محذوف أي هما مدهامتان من الدهمة وهي في الأصل على ما قال الراغب سواد الليل ويعبر عن سواد الفرس وقد يعبر بها عن الخضرة الكاملة اللون كما يعبر عنها بالخضرة إذا لم تكن كاملة وذلك لتقاربهما في اللون، ويقال: إدهام ادهيمامًا فهو مدهام على وزن مفعال إذا اسود أو اشتدت خضرته، وفسرها هنا ابن عباس. ومجاهد. وابن جبير. وعكرمة. وعطاء بن أبي رباح. وجماعة بخضراوان، بل أخرج الطبراني. وابن مردويه عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه قال: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {مُدْهَامَّتَانِ} فقال عليه الصلاة والسلام: خضراوان» والمراد أنهما شديدتا الخضرة والخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد وذلك من الري من الماء كما روي عن ابن عباس. وابن الزبير. وأبي صالح قيل: إن في وصف هاتين الجنتين بما ذكر إشعارًا بأن الغالب عليهما النبات والرياحين المنبسطة على وجه الأرض كما أن في وصف السابقتين بذواتا أفنان إشعارًا بأن الغالب عليهما الأشجار فإن الأشجار توصف بأنها ذوات أفنان والنبات يوصف بالخضرة الشديدة فالاقتصار في كل منهما على أحد الأمرين مشعر بما ذكر وبني على هذا كون هاتين الجنتين دون الأوليين في المنزلة والقدر كيف لا والجنة الكثيرة الظلال والثمار أعلى وأغلى من الجنة القليلة الظلال والثمار، ومن ذهب إلى تفضيل هاتين الجنتين مع اختصاص الوصف بالخضرة بالنبات وكذا كونه أغلب من وصف الأشجار به فكثيرًا ما تسمع الناس يقولون إذا مدحوا بستانًا أشجاره خضر يانعة وهو أظهر في مدحه بأنه ذو ثمار من ذي أفنان، وهو يشعر أيضًا بكثرة مائه والاعتناء بشأنه وبعده عن التصوح والهلاك.

.تفسير الآيات (65- 66):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} فوارتان بالماء على ما هو الظاهر، وفي البحر النضخ فوران الماء، وفي الكشاف. وغيره النضخ أكثر من النضخ بالحاء المهملة لأنه مثل الرش وهو عند من فضل الجنتين الأوليين دون الجري، فالمدح به دون المدح به، وعليه قول البراء بن عازب فيما أخرج ابن المنذر. وابن أبي حاتم العينان اللتان تجريان خير من النضاحتين، ومن ذهب إلى تفضيل هاتين يقول في الفوران جري مع زيادة حسن فإن الماء إذا فار وارتفع وقع متناثر القطرات كحبات اللؤلؤ المتناثرة كما يشاهد في الفوارات المعروفة، أو يقول بما أخرجه ابن أبي شيبة. وابن أبي حاتم عن أنس {نَضَّاخَتَانِ} بالمسك والعنبر تنضخان على دور الجنة كما ينضخ المطر على دور أهل الدنيا، أو بما أخرجه ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد عن مجاهد {نَضَّاخَتَانِ} بالخير، ولفظ ابن أبي شيبة بكل خير.

.تفسير الآيات (67- 68):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا فاكهة وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} عطف الأخيرين على الفاكهة عطف جبريل وميكال عليهما السلام على الملائكة بيانًا لفضلهما، وقيل: إنهما في الدنيا لما لم يخلصا للتفكه فإن النخل ثمرة فاكهة وطعام، والرمان فاكهة ودواء عدًا جنسًا آخر فعطفا على الفاكهة وإن كان كل ما في الجنة للتفكه لأنه تلذذ خالص، ومنه قال الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: إذا حلف لا يأكل فاكهة فأكل رمانًا أو رطبًا لم يحنث، وخالفه صاحباه ثم إن نخل الجنة ورمانها وراء ما نعرفه.
أخرج ابن المبارك. وابن أبي شيبة. وهناد. وابن أبي الدنيا. وابن المنذر. والحاكم وصححه. وآخرون عن ابن عباس نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر وكرانيفها ذهب أحمر وسعفها كسوة أهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد وليس له عجم وحكمه حكم المرفوع. وفي حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا أصوله فضة وجذوعه فضة وسعفه حلل وحمله الرطب إلخ.
وأخرج ابن أبي حاتم. وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعًا قال عليه الصلاة والسلام: «نظرت إلى الجنة فإذا الرمانة من رمانها كمثل البعير المقتب» وهذا المدح بحسب الظاهر دون المدح في قوله تعالى في الجنتين السابقتين: {فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ} [الرحمن: 52] ومن ذهب إلى تفضيلهما يقول إن التنوين في فاكهة للتعميم بقرينة المقام نظير ما قيل في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] فيكون في قوة فيها كل {فاكهة} ويزيد ما في النظم الجليل على ما ذكر بتضمنه الإشارة إلى مدح بعض أنواعها، وقال الإمام الرازي: إن {مَا} هنا كقوله تعالى: {فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ} وذلك لأن الفاكهة أنواع أرضية وشجرية كالبطيخ وغيره من الأرضيات المزروعات والنخل وغيرها من الشجريات فقال تعالى: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] لأنواع الخضر التي فيها الفواكه الأرضية، وفيها أيضًا الفواكه الشجرية وذكر سبحانه منها نوعين الرطب والرمان لأنهما متقابلان أحدهما حلو والآخر فيه حامض، وأحدهما حار والآخر بارد، وأحدهما فاكهة وعذاء والآخر فاكهة، واحدهما من فواكه البلاد الحارة والآخر من فواكه البلاد الباردة، وأحدهما أشجاره تكون في غاية الطول والآخر ليس كذلك، وأحدهما ما يؤكل منه بارز وما لا يؤكل كامن والآخر بالعكس فهما كالضدين، والإشارة إلى الطرفين تتناول الإشارة إلى ما بينهما كما في قوله تعالى: {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} [الرحمن: 17] انتهى، ولعل الأول أولى.

.تفسير الآية رقم (69):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (70):

{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)}
{فِيهِنَّ خيرات} صفة أخرى لجنتان، أو خبر بعد خبر للمبتدأ المحذوف كالجملة التي قبلها، ويجوز أن تكون مستأنفة الكلام في ضمير الجمع هنا كالكلام فيه في قوله تعالى: {فِيهِنَّ قاصرات الطرف} [الرحمن: 56] و{خيرات} قال أبو حيان: جمع خيرة وصف بني على فعلة من الخير كما بنوا من الشر فقالوا شرة، وقال الزمخشري: أصله {خيرات} بالتشديد فخفف كقوله عليه الصلاة والسلام: «هينون لينون» وليس جمع خير عنى أخير فإنه لا يقال فيه خيرون ولا خيرات، ولعله لأن أصل اسم التفضيل أن لا يجمع خصوصًا إذا نكر، وقرأ بكر بن حبيب. وأبو عثمان النهدي. وابن مقسم {خيرات} بتشديد الياء وهو يؤيد أن أصله كذلك، وروي عن أبي عمرو {خيرات} بفتح الياء كأنه جمع خائرة جمع على فعلة {حِسَانٌ} قيل: أي حسان الخَلق والخلق.
وأخرج عبد الرزاق. وعبد بن حميد. وابن جرير عن قتادة أنه قال في الآية: {خيرات} الأخلاق {حِسَانٌ} الوجوه، وأخرج ذلك ابن جرير. والطبراني. وابن مردويه عن أم سلمة مرفوعًا.

.تفسير الآية رقم (71):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (72):

{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)}
{حُورٌ} بدل من {خيرات} [الرحمن: 70] وهو جمع حوراء وكذا جمع أحور، والمراد بيض كما أخرجه ابن المنذر. وغيره عن ابن عباس وروته أم سلمة أيضًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن الأثير: الحوراء هي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها، وفي القاموس الحور بالتحريك أن يشتد بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حواليها. أو شدة بياضها وسوادها في بياض الجسد، أو اسوداد العين كلها مثل الظباء ولا يكون في بني آدم بل يستعار لها، وإذا صح حديث أم سلمة لم يعدل في القرآن عن تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{مقصورات فِي الخيام} أي مخدرات يقال: امرأة قصيرة ومقصورة أي مخدرة ملازمة لبيتها لا تطوف في الطرق، قال كثير عزة:
وأنت التي حبّبت كل قصيرة ** إليّ ولم تشعر بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ** قصار الخطا شر النساء البحاتر

والنساء يمدحن لازمتهن البيوت لدلالتها على صيانتهن كما قال قيس بن الأسلت:
وتكسل عن جاراتها فيزرنها ** وتغفل عن أبياتهن فتعذر

وهذا التفسير مأثور عن ابن عباس. والحسن. والضحاك وهو رواية عن مجاهد، وأخرج ابن أبي شيبة. وهناد بن السري. وابن جرير عنه أنه قال: {مقصورات} قلوبهن وأبصارهن ونفوسهن على أزواجهن، والأول أظهر، و{فِى الخيام} عليه متعلق قصورات، وعلى الثاني يحتمل ذلك، ويحتمل كونه صفة ثانية لحور فلا تغفل، والخيام جمع خيمة وهي على ما في البحر بيت من خشب وثمام وسائر الحشيش، وإذا كان من شعر فهو بيت ولا يقال له خيمة. وقال غير واحد: هي كل بيت مستدير أو ثلاثة أعواد أو أربعة يلقى عليها الثمام ويستظل بها في الحر أو كل بيت يبنى من عيدان الشجر وتجمع أيضًا على خيمات وخيم بفتح فسكون وخيم بالفتح وكعنب والخيام هنا بيوت من لؤلؤ أخرج ابن أبي شيبة وجماعة عن ابن عباس أنه قال: الخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة أربعة فراسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب، وأخرج جماعة عن أبي الدرداء أنه قال: الخيمة لؤلؤة واحدة لها سبعون بابًا من در، وأخرج البخاري. ومسلم. والترمذي. وغيرهم عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ستون ميلًا في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون يطوف عليهم المؤمن، إلى ذلك من الأخبار، وقوله سبحانه: {فِيهِنَّ} [الرحمن: 70] إلخ دون ما تقدم في الجنتين السابقتين أعني قوله عز وجل: {فِيهِنَّ قاصرات الطرف} [الرحمن: 56] إلى قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} [الرحمن: 58] في المدح عند من فضلهما على الأخيرتين قيل لما في {مقصورات} على التفسير الثاني من الإشعار بالقسر في القصر، وأما على تفسيره الأول فكونه دونه ظاهر وإن لم يلاحظ كونها مخدرة فيما تقدم، أو يجعل قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} كناية عنه لأنهما مما يصان كما قيل:
جوهرة أحقاقها الخدور

ومن ذهب إلى تفضيل الأخيرتين يقول: هذا أمدح لعموم {خيرات حِسَانٌ} [الرحمن: 70] الصفات الحسنة خَلقًا وخُلُقًا ويدخل في ذلك قصر الطرف وغيره مما يدل عليه التشبيه بالياقوت والمرجان، والمراد بالقاصر على التفسير الثاني لمقصورات القاصر الطبيعي بقرينة المقام فيكون فيه إشارة إلى تعذر ترك القصر منهن، و{قاصرات الطرف} را يوهم أن القصر باختيارهن فمتى شئن قصرن ومتى لم يشأن لم يقصرن.

.تفسير الآية رقم (73):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (74):

{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74)}
{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} الكلام فيه كالكلام في نظيره.

.تفسير الآية رقم (75):

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75)}
{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (76):

{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)}
{مُتَّكِئِينَ} قيل: بتقدير يتنعمون متكئين أو أعني متكئين، والضمير لأهل الجنتين المدلول عليهم بذكرهما {على رَفْرَفٍ} اسم جنس أو اسم جمع واحده رفرفة، وعلى الوجهين يصح وصفه بقوله تعالى: {خُضْرٍ} وجعله بعضهم جمعًا لهذا الوصف ولا يخفى أن أمر الوصفية لا يتوقف على ذلك الجعل، وفسره في الآية عليّ كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. والضحاك بفضول المحابس وهي ما يطرح على ظهر الفراش للنوم عليه، وقال الجوهري: الرفرف ثياب خضر تتخذ منها المحابس واشتقاقه من رف إذا ارتفع، وقال الحسن فيما أخرجه ابن المنذر وغيره عنه هي البسط.
وأخرج عن عاصم الجحدري أنها الوسائد، وروي ذلك عن الحسن أيضًا. وابن كيسان وقال الجبائي: الفرش المرتفعة، وقيل: ما تدلى من الأسرة من غالي الثياب، وقال الراغب: ضرب من الثياب مشبهة بالرياض، وأخرج ابن جرير. وجماعة عن سعيد بن جبير أنه قال: الرفرق رياض الجنة، وأخرج عبد بن حميد نحوه عن ابن عباس وهو عليه كما في البحر من رف النبت نعم وحسن، ويقال الرفرف لكل ثوب عريض وللرقيق من ثياب الديباج ولأطراف الفسطاط والخباء الواقعة على الأرض دون الأطناب والأوتاد، وظاهر كلام بعضهم أنه قيل بهذا المعنى هنا وفيه شيء {وَعَبْقَرِىّ} هو منسوب إلى عبقر تزعم العرب أنه اسم بلد الجن فينسبون إليه كل عجيب غريب من الفرش وغيرها فمعناه الشيء العجيب النادر، ومنه ما جاء في عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه فلم أرى عبقريًا يفري فريه، ولتناسي تلك النسبة قيل: إنه ليس نسوب بل هو مثل كرسي وبختي كما نقل عن قطرب، والمراد الجنس ولذلك وصف بالجمع وهو قوله تعالى: {حِسَانٌ} حملًا على المعنى، وقيل: هو اسم جمع أو جمع واحده عبقرية، وفسره الأكثرون بعتاق الزرابي، وعن أبي عبيدة هو ما كله وشي من البسط.
وروى غير واحد عن مجاهد أنه الديباج الغليظ، وعن الحسن أنها بسط فيها صور وقد سمعت ما نقل عنه في الرفرف فلا تغفل عما يقتضيه العطف.
وقرأ عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. ونصر بن عاصم الجحدري. ومالك بن دينار. وابن محيصن. وزهير الفرقبي. وغيرهم رفارف جمع لا ينصرف {حَضَرَ} بسكون الضاد، وعباقري بكسر القاف وفتح الياء مشددة، وعنهم أيضًا ضم الضاد، وعنهم أيضًا فتح القاف قاله صاحب اللوامح، ثم قال أما منع الصرف من عباقري. فلمجاورته لرفارف يعني للمشاكلة وإلا فلا وجه لمنع الصرف مع ياءي النسب إلا في ضرورة الشعر انتهى.
وقال ابن خالويه: قرأ على رفارف خضر وعباقري النبي صلى الله عليه وسلم، والجحدري.
وابن محيصن، وقد روي عمن ذكرنا على رفارف خضر وعباقري بالصرف، وكذلك روي عن مالك بن دينار، وقرأ أبو محمد. المروزي وكان نحويًا على رفارف خضار بوزن فعال، وقال صاحب الكامل: قرأ رفارف بالجمع ابن مصرف. وابن مقسم. وابن محيصن، واختاره شبل. وأبو حيوة. والجحدري. والزعفراني وهو الاختيار لقوله تعالى: {خُضْرٍ}، وعباقري بالجمع وبكسر القاف من غير تنوين ابن مقسم. وابن محيصن، وروي عنهما التنوين.
وقال ابن عطية: قرأ زهير القرقبي رفارف بالجمع وترك الصرف، وأبو طعمة المدني. وعاصم فيما روي عنه رفارف بالصرف. وعثمان رضي الله تعالى عنه كذلك، وعباقري بالجمع والصرف، وعنه وعباقري بفتح القاف والياء على أن اسم الموضع عباقر بفتح القاف، والصحيح فيه عبقر، وقال الزمخشري: قرئ عباقري كمدايني.
وروى أبو حاتم عباقري بفتح القاف ومنع الصرف وهذا لا وجه لصحته، وقال الزجاج: هذه القراءة لا مخرج لها لأن ما جاوز الثلاثة لا يجمع بياء النسب فلو جمعت عبقري قلت: عباقرة نحو مهلبى ومهالبة ولا تقول مهالبي.
وقال ابن جني: أما ترك صرف عباقري فشاذ في القياس ولا يستنكر شذوذه مع استعماله، وقال ابن هشام: كونه من النسبة إلى الجمع كمدايني باطل فإن من قرأ بذلك قرأ رفارف خضر بقصد المجانسة ولو كان كما ذكر كان مفردًا ولا يصح منع صرفه كمدايني وقد صحت الرواية نعه الصرف عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو من باب كرسي وكراسي وهو من صيغة منتهى الجموع لكنها خالفت القياس في زيادة ما بعد الألف على المعروف كما ذكره السهيلي، وقال صاحب الكشف: فتح القاف لا وجه له بوجه والمذكور في المنتقى عن النبي صلى الله عليه وسلم الكسر.
وأما منع الصرف فليس تعين ليرد بل وجهه أنه نصب على محل رفرف على حد يذهبن في نجد وغورًا. وإضافته إلى {حِسَانٌ} مثل إضافة حور إلى {عين} [الواقعة: 22] في قراءة عكرمة كأنه قيل: عباقري مفارش، أو نمارق حسان فهو من باب أخلاق ثياب لأن أحد الوصفين قائم مقام الموصوف، ولعل عبقر وعباقر مثل عرفة وعرفات انتهى، فأحط بجوانب الكلام ولا تغفل، وقرأ ابن هرمز {خُضْرٍ} بضم الضاد وهي لغة قليلة ومن ذلك قول طرفة:
أيها القينات في مجلسنا ** جرّدوا منها ورادًا وشقر

وقول الآخر:
وما انتميت إلى خود ولا كشف ** ولا لئام غداة الروع أو زاع

فشقر جمع أشقر، وكشف جمع أكشف وهو من ينهزم في الحرب، هذا والوصف بقوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ} إلخ دون الوصف بقوله سبحانه: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: 76] عند القائل بتفضيل الجنتين السابقتين لما في هذا الوصف من الإشارة إلى أن الظهائر مما يعجز عنها الوصف.
ومن ذهب إلى تفضيل الأخيرتين يقول: الرفرف ما يطرح على ظهر الفراش وليست الفرش التي يطرح عليها الرفرف مذكورة فيجوز أن يكون ترك ذكرها للإشارة إلى عدم إحاطة الوصف بها ظهارة وبطانة وهو أبلغ من الأول، ولا يسلم أن تلك الفرش هي العبقري، أو يقول الرفرف الفرش المرتفعة وترك التعرض لسوى لونها وهو الخضرة التي ميل الطباع إليها أشد وهي جامعة لأصول الألوان الثلاثة على ما بينه الإمام يشير إلى أنها مما لا تكاد تحيط بحقيقتها العبارات، وقد يقال غير ذلك فتأمل، وينبغي على القول بتفضيل الأخيرتين وكونهما لطائفة غير الطائفة المشار إليهم بمن خاف أن لا يفسر من خاف بمن له شدة الخوف بحيث يختص بأفضل المؤمنين وأجلهم، أو يقال إنهما مع الأوليين لمن خاف مقام ربه ويكون المعنى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} أيضًا {جَنَّتَانِ} صفتهما كيت وكيت من دون تينك الجنتين، وعليه قيل: {جَنَّتَانِ} [الرحمن: 62] عطف على {جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] قبله {وَمِن دُونِهِمَا} في موضع الحال، وذهب بعضهم إلى أن هاتين الجنتين سواء كانتا أفضل من الأوليين أم لا لمن خاف مقام ربه عز وجل فله يوم القيامة أربع جنان.
قال الطبرسي: والأخيرتان دون الأوليين أي أقرب إلى قصره ومجالسه ليتضاعف له السرور بالتنقل من جنة إلى جنة على ما هو معروف من طبع البشر من شهوة مثل ذلك وهو أبعد عن الملل الذي طبع عليه البشر، وأنت تعلم أن الآية تحتمل ذلك احتمالًا ظاهرًا لكن ما تقدم من حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه يأباه فإذا صح ولو موقوفًا إذ حكم مثله حكم المرفوع لم يكن لنا العدول عما يقتضيه، وقد روي عنه أيضًا حديث مرفوع ذكره الجلال السيوطي في الدر المنثور يشعر بأن الجنان الأربع هي جنان الفردوس.
وأخرج عنه أحمد. والبخاري. ومسلم. والترمذي. والنسائي. وابن ماجه. وغيرهم أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جنان الفردوس أربع. جنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما. وجنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» والظاهر على هذا أنه يشترك الألوف في الجنة الواحدة من هذه الجنان، ومعنى قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ} [الرحمن: 46] إلخ عليه مما لا يخفى، ثم إن قاصرات الطرف إن كنّ من الإنس فهنّ أجل قدرًا وأحسن منظرًا من الحور المقصورات في الخيام بناءًا على أنهن النساء المخلوقات في الجنة.
فقد جاء من حديث أم سلمة «قلت يا رسول الله: أنساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة، قلت: يا رسول الله وذاك؟ قال: بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن ألبس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير بيض الوجوه خضر الثياب صفر الحلي مجامرهن الدر وأمشاطهن الذهب يقلن ألا نحن الخالدات فلا نموت أبدًا ألا ونحن الناعمات فلا نبأس أبدًا طوبى لمن كنا له وكان لنا».
إلى غيره من الأخبار ويكون هذا مؤيدًا للقول بتفضيل الجنتين الأوليين على الأخيرتين ولعله إنما قدم سبحانه ذكر الاتكاء أولًا على ذكر النساء لأنه عز وجل ذكر في صدر الآية الخوف حيث قال سبحانه: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] فناسب التعجيل بذكر ما يشعر بزواله إشعارًا ظاهرًا وهو الاتكاء فإنه من شأن الآمنين، وأخر سبحانه ذكره ثانيًا عن ذكرهن لعدم ما يستدعي التقديم وكونه مما يكون للرجل عادة بعد فراغ ذهنه عما يحتاجه المنزل من طعام وشراب وقينة تكون فيه، وإذا قلنا: إن الحور كالجواري في المنزل كان أمر التقديم والتأخير أوقع، وقال الإمام في ذلك: إن أهل الجنة ليس عليهم تعب وحركة فهم متنعمون دائمًا لكن الناس في الدنيا على أقسام منهم من يجتمع مع أهله اجتماع مستوفز وعند قضاء وطره يغتسل وينتشر في الأرض للكسب، ومنهم من يكون مترددًا في طلب الكسب وعند تحصيله يرجع إلى أهله ويستريح عما لحقه من تعب قبل قضاء الوطر أو بعده فالله عز وجل قال في أهل الجنة: {مُتَّكِئُونَ} قبل اجتماعهم بأهاليهم متكئون بعد الاجتماع ليعلم أنهم دائمون على السكون، ولا يخفى أن هذا على ما فيه لا يحسم السؤال إذ لقائل أن يقول لم لم يعكس أمر التقديم والتأخير في الموضعين مع أنه يتضمن الإشارة إلى ذلك أيضًا، ثم ذكر في ذلك وجهًا ثانيًا وهو على ما فيه مبني على ما لا مستند له فيه من الآثار فتدبر.