فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (3):

{خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)}
{خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} خبر مبتدأ محذوف أي هي خافضة لأقوام رافعة لآخرين كما قال ابن عباس، وأخرجه عنه جماعة، والجملة تقرير لعظمتها وتهويل لأمرها فإن الوقائع العظام شأنها الخفض والرفع كما يشاهد في تبدل الدول وظهور الفتن من ذل الأعزة وعز الأذلة، وتقديم الخفض على الرفع لتشديد التهويل، أو بيان لما يكون يومئذ من حط الأشقياء إلى الدركات ورفع السعداء إلى درجات الجنات، وعلى هذا قول عمر رضي الله تعالى عنه: خفضت أعداء الله تعالى إلى النار ورفعت أولياءه إلى الجنة، أو بيان لما يكون من ذلك ومن إزالة الأجرام عن مقارها ونثر الكواكب وتسيير الجبال في الجو كالسحاب، والضحاك بعد أن فسر الواقعة بالصيحة قال: خافضة تخفض قوتها لتسمع الأدنى {رَّافِعَةٌ} ترفعها لتسمع الأقصى، وروى ذلك أيضًا عن ابن عباس. وعكرمة، وقدر أبو علي المبتدأ مقرونًا بالفاء أي فهي {خَافِضَةٌ} وجعل الجملة جواب إذا فكأنه قيل: {إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} خفضت قومًا ورفعت آخرين، وقرأ زيد بن علي. والحسن. وعيسى. وأبو حيوة. وابن أبي عبلة. وابن مقسم. والزعفراني. واليزيدي في اختياره {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} بنصبهما، ووجه أن يجعلا حالين عن الواقعة على أن {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} [الواقعة: 2] اعتراض أو حالين عن وقعتها، وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (4):

{إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)}
{إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجًّا} أي زلزلت وحركت تحريكًا شديدًا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل متعلق بخافضة أو برافعة على أنه من باب الأعمال، أو بدل من {إِذَا وَقَعَتِ} [الواقعة: 1] كما قال به غير واحد، وقال ابن جني. وأبو الفضل الرازي: {إِذَا رُجَّتِ} في موضع رفع على أنه خبر للمبتدأ الذي هو {إِذَا وَقَعَتِ} وليست واحدة منهما شرطية بل هي عنى وقت أي وقت وقوعها وقت رج الأرض، وادعى ابن مالك أن {إِذَا} تكون مبتدأ، واستدل بهذه الآية، وقال أبو حيان: هو بدل من {إِذَا وَقَعَتِ} وجواب الشرط عندي ملفوظ به وهو قوله تعالى: {فأصحاب الميمنة} [الواقعة: 8] والمعنى إذا كان كذا وكذا، فأصحاب الميمنة ما أسعدهم وما أعظم ما يجازون به أي إن سعادتهم وعظم رتبهم عند الله عز وجل تظهر في ذلك الوقت الشديد الصعب على العالم، وقيه بعد.

.تفسير الآية رقم (5):

{وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)}
أي فتت كما قال ابن عباس. ومجاهد حتى صارت كالسويق الملتوت من بس السويق إذا لتّه، وقيل؛ سيقت وسيرت من أماكنها من بس الغنم إذا ساقها فهو كقوله تعالى: {وَسُيّرَتِ الجبال} [النبأ: 20].
وقرأ زيد بن علي {رُجَّتِ وَبُسَّتِ} بالبناء للفاعل أي ارتجت وتفتتت، وفي كلام هند بنت الخس تصف ناقة بما يستدل به على حملها عينها هاج وصلاها راج، وهي تمشي وتفاج.

.تفسير الآية رقم (6):

{فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)}
{فَكَانَتْ} فصارت بسبب ذلك {هَبَاء} غبارًا {مُّنبَثًّا} متفرقًا، والمراد مطلق الغبار عند الأكثرين، وقال ابن عباس: هو ما يثور مع شاع الشمس إذا دخلت من كوة، وفي رواية أخرى عنه أنه الذي يطير من النار إذا اضطرمت.
وقرأ النخعي منبتًا بالتاء المنطوقة بنقطتين من فوق من البت عنى القطع، والمراد به ما ذكر من البث بالمثلثة.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)}
{وَكُنتُمْ} خطاب للأمة الحاضرة والأمم السالفة تغليبًا كما ذهب إليه الكثير، وقال بعضهم: خطاب للأمة الحاضرة فقط، والظاهر إن كان أيضًا عنى صار أي وصرتم {أزواجا} أي أصنافًا {ثلاثة} وكل صنف يكون مع صنف آخر في الوجود أو في الذكر فهو زوج، قال الراغب: الزوج يكون لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة ولكل قرينين فيها، وفي غيرها كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلًا له أو مضادًا وقوله تعالى:

.تفسير الآيات (8- 9):

{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)}
{فأصحاب الميمنة مَا أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة مَا أصحاب المشئمة} تفصيل للأزواج الثلاثة مع الإشارة الاجمالية إلى أحوالهم قبل تفصيلها، والدائر على ألسنتهم أن أصحاب الميمنة مبتدأ، وقوله تعالى: {مَا أصحاب الميمنة} {مَا} فيه استفهامية مبتدأ ثان. و{أصحاب} خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الظاهر القائم مقام الضمير، وكذا يقال في قوله تعالى: {وأصحاب المشئمة} إلخ، والأصل في الموضعين ما هم؟ أي أيّ شيء هم في حالهم وصفتهم فان {مَا} وإن شاعت في طلب مفهوم الاسم والحقيقة لكنها قد تطلب بها الصفة والحال كما تقول ما زيد؟ فيقال: عالم، أو طبيب فوضع الظاهر موضع الضمير لكونه أدخل في المقصود وهو التفخيم في الأول والتفظيع في الثاني، والمراد تعجيب السامع من شأن الفريقين في الفخامة والفظاعة كأنه قيل: {فأصحاب الميمنة} في غاية حسن الحال {وأصحاب المشئمة} في نهاية سوء الحال، وقيل: جملة {مَا أصحاب} خبر بتقدير القول على ما عرف في الجملة الإنشائية إذا وقعت خبرًا أي مقول في حقهم {مَا أصحاب} إلخ فلا حاجة إلى جعله من إقامة الظاهر مقام الضمير وفيه نظر، و{الميمنة} ناحية اليمين، أو اليمن والبركة، {والمشأمة} ناحية الشمال من اليد الشؤمى وهي الشمال، أو هي من الشؤم مقابل اليمن، ورجح إرادة الناحية فيهما بأنها أوفق بما يأتي في التفصيل، واختلفوا في الفريقين فقيل: أصحاب الميمنة أصحاب المنزلة السنية، وأصحاب المشأمة أصحاب المنزلة الدنية أخذًا من تيمنهم بالميامن وتشؤمهم بالشمائل كما تسمع في السانح والبارح، وهو مجاز شائع، وجوز أن يكون كناية، وقيل: الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم والذين يؤتونها بشمائلهم، وقيل: الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة والذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، وقيل: أصحاب اليمن وأصحاب الشؤم، فإن السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم والأشقياء مشائيم على أنفسهم عاصيهم، وروى هذا عن الحسن. والربيع وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (10):

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)}
{المشئمة والسابقون السابقون} هو الصنف الثالث من الأزواج الثلاثة، ولعل تأخير ذكرهم مع كونهم أسبق الأصناف وأقدمهم في الفضل ليردف ذكرهم ببيان محاسن أحوالهم على أن أيرادهم بعنوان السبق مطلقًا معرض عن إحرازهم قصب السبق من جميع الوجوه.
واختلف في تعيينهم فقيل: هم الذين سبقوا إلى الايمان والطاعة عند ظهور الحق من غير تلعثم وتوان، وروى هذا عن عكرمة. ومقاتل، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون. وحبيب النجار الذي ذكر في يس. وعليّ بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه وكل رجل منهم سابق أمته وعليّ أفضلهم، وقيل: هم الذين سبقوا في حيازة الكمالات من العلوم اليقينية ومراتب التقوى الواقعة بعد الايمان، وقيل: هم الأنبياء عليهم السلام لأنهم مقدموا أهل الأديان، وقال ابن سيرين: هم الذين صلوا إلى القبلتين كما قال تعالى: {والسابقون الاولون مِنَ المهاجرين والانصار} [التوبة: 100] وعن ابن عباس هم السابقون إلى الهجرة، وعن عليّ كرم الله تعالى وجهه هم السابقون إلى الصلوات الخمس، وأخرج أبو نعيم. والديلمي عن ابن عباس مرفوعًا أول من يهجر إلى المسجد وآخر من يخرج منه.
وأخرج عبد بن حميد: وابن المنذر عن عبادة بن أبي سودة مولى عبادة بن الصامت قال: بلغنا أنهم السابقون إلى المساجد والخروج في سبيل الله عز وجل، وعن الضحاك هم السابقون إلى الجهاد، وعن ابن جبير هم السابقون إلى التوبة وأعمال البر، وقال كعب: هم أهل القرآن، وفي البحر في الحديث: «سئل عن السابقين فقال: هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم» وقيل: الناس ثلاثة فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم دام عليه حتى خرج من الدنيا فهذا هو السابق، ورجل ابتكر عمره بالذنب وطول الغفلة ثم تراجع بتوبته فهذا صاحب اليمين، ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا فهذا صاحب الشمال، وعن ابن كيسان أنهم المسارعون إلى كل ما دعا الله تعالى إليه ورجحه بعضهم بالعموم، وجعل ما ذكر في أكثر الأقوال من باب التمثيل، وأيًا ما كان فالشائع أن الجملة مبتدأ وخبر والمعنى {والسابقون} هم الذين اشتهرت أحوالهم وعرفت فخامتهم كقوله:
أنا أبو النجم وشعري شعري

وفيه من تفخيم شأنهم والإيذان بشيوع فضلهم ما لا يخفى، وقيل: متعلق السبق مخالف لمتعلق السبق الثاني أي السابقون إلى طاعة الله تعالى: {السابقون} إلى رحمته سبحانه، أو {السابقون} إلى الخير {السابقون} إلى الجنة، والتقدير الأول محكي عن صاحب المرشد.
وأنت تعلم أن الحمل مفيد بدون ذلك كما سمعت بل هو أبلغ وأنسب بالمقام وأيًا ما كان فقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (11):

{أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)}
{أُوْلَئِكَ المقربون}، مبتدأ وخبر والجملة استئناف بياني، وقيل: {السابقون} [الواقعة: 10] السابق مبتدأ {والسابقون} اللاحق تأكيد له وما بعد خبر وليس بذاك أيضًا لفوات مقابلة ما ذكر لقوله تعالى: {فأصحاب} [الواقعة: 8] إلخ ولأن القسمة لا تكون مستوفاة حينئذ، ولفوات المبالغة المفهومة من نحو هذا التركيب على ما سمعت مع أنهم أعني السابقين أحق بالمدح والتعجيب من حالهم من السابقين ولفوات ما في الاستئناف بأولئك المقربون من الفخامة وإنما لم يقل والسابقون ما السابقون على منوال الأولين لأنه جعل أمرًا مفروغًا مسلمًا مستقلًا في المدح والتعجيب، والإشارة بأولئك إلى السابقين ومافيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل، و{المقربون} من القربة عنى الحضوة أي أولئك الموصوفون بذلك النعت الجليل الذين أنيلوا حظوة ومكانة عند الله تعالى، وقال غير واحد: المراد الذين قربت إلى العرش العظيم درجاتهم.
هذا وفي الأرشاد الذي تقتضيه جزالة التنزيل أن قوله تعالى: {فأصحاب الميمنة} [الواقعة: 8] خبر مبتدأ محذوف وكذا قوله سبحانه: {وأصحاب المشئمة} وقوله جل شأنه: {والسابقون} فإن المترقب عند بيان انقسام الناس إلى الأقسام الثلاثة بيان أنفس الأقسام.
وأما أوصافها وأحوالها فحقها أن تبين بعد ذلك بإسنادها إليها، والتقدير فأحدها أصحاب الميمنة والآخر أصحاب المشأمة، والثالث السابقون خلا أنه لما أخر بيان أحوال القسمين الأولين عقب كلًا منهما بجملة معترضة بين القسمين منبئة عنت ترامي أحوالهما في الخير والشر إنباءًا إجماليًا مشعرًا بأن لأحوال كل منهما تفصيلًا مترقبًا لكن لا على أن {مَا} الاستفهامية مبتدأ وما بعدها خبر على مارآه سيبويه في أمثال بل على أنها خبر لما بعدها فإن مناط الإفادة بيان أن أصحاب الميمنة أمر بديع كما يفيده كون {مَا} خبرًا لا بيان أن أمرًا بديعًا أصحاب الميمنة كما يفيده كونها مبتدأ وكذا الحال في {مَا أصحاب المشئمة} [الواقعة: 9] وأما القسم الأخير فحيث قرن به بيان محاسن أحواله لم يحتج فيه إلى تقديم الأنموذج فقوله تعالى: {السابقون} مبتدأ والإظهار في مقام الإضمار للتفخيم و{أولئك} مبتدأ ثان، أو بدل من الأول وما بعده خبر له، أو للثاني، والجملة خبر للأول انتهى، وقيل عليه: أنه ليس في جعل جملتي الاستفهام وقوله سبحانه: {السابقون} إخبارًا لما قبلها بيان لأوصاف الأقسام وأحوالها تفصيلًا حتى يقال: حقها أن تبين بعد أنفس الأقسام بل فيه بيان الأقسام مع إشارة إلى ترامي أحوالها في الخير والشر والتعجيب من ذلك.
وأيضًا مقتضى ما ذكره أن لا يذكر {مَا أصحاب اليمين} و{مَا أصحاب الشمال} [الواقعة: 14] في التفصيل، وتعقب هذا بأن الذكر محتاج إلى بيان نكتة على الوجه الدائر على ألسنتهم كاحتياجه إليه على هذا الوجه، ولعلها عليه أنه لما عقب الأولين بما يشعر بأن لأحوال كل تفاصيل مترقبة أعيد ذلك للاعلام بأن الأحوال العجيبة هي هذه فلتسمع، والذي يتبادر للنظر الجليل ما في الإرشاد من كون أصحاب الميمنة وكذا كل من الأخيرين خبر مبتدأ محذوف كما سمعت لأن المتبادر بعد بيان الانقسام ذكر نفس الأقسام على أن تكون هي المقصودة أولًا وبالذات دون الحكم عليها وبيان أحوالها مطلقًا وإن تضمن ذلك ذكرها لكن ما ذكروه أبعد مغزى ومع هذا لا يتعين على ما ذكر كون تينك الجملتين الاستفهاميتين معترضتين بل يجوز أن يكون كل منهما صفة لما قبلها بتقدير القول كأنه قيل: فأحدها أصحاب الميمنة المقول فيهم {مَا أصحاب الميمنة} وكذا يقال في {وأصحاب المشئمة} إلخ، ويجعل أيضًا {السابقون} صفة للسابقون قبله، والتأويل في الوصفية كالتأويل في الخبرية ويكون الوصف بذلك قائمًا مقام تينك الجملتين في المدح، والجملة بعد مستأنفة استئنافًا بيانيًا كما في الوجه الشائع، وما يقال: إن في هذا الوجه حذف الموصول مع بعض أجزاء الصلة يجاب عنه نع كون أل في الوصف حيث لم يرد منه الحدوث موصولة فتأمل ولا تغفل، وقوله تعالى: