فصل: تفسير الآية رقم (21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (21):

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)}
{سَابِقُواْ إلى مَغْفِرَةٍ} أي سارعوا مسارعة السابقين لأقرانهم في المضمار إلى أسباب مغفرة عظيمة كائنة {مّن رَّبّكُمْ} والكلام على الاستعارة أو المجاز المرسل واستعمال اللفظ في لازم معناه وإنما لزم ذلك لأن اللازم أن يبادر من يعمل ما يكون سببًا للمغفرة ودخول الجنة لا أن يعمله أو يتصف بذلك سابقًا على آخر؛ وقيل: المراد سابقوا ملك الموت قبل أن يقطعكم بالموت عن الأعمال الموصلة لما ذكر؛ وقيل: سابقوا إبليس قبل أن يصدكم بغروره وخداعه عن ذلك وهو كما ترى.
والمراد بتلك الأسباب الأعمال الصالحة على اختلاف أنواعها، وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في الآية: كن أوّل داخل المسجد وآخر خارج، وقال عبد الله: كونوا في أول صف القتال، وقال أنس: اشهدوا تكبيرة الإحرام مع الإمام وكل ذلك من باب التمثيل، واستدل بهذا الأمر على أن الصلاة بأول وقتها أفضل من التأخير {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السماء والأرض} أي كعرضهما جميعًا لو ألصق أحدهما بالآخر وإذا كان العرض وهو أقصر الامتدادين موصوفًا بالسعة دل على سعة الطول بالطريق الأولى فالاقتصار عليه أبلغ من ذكر الطول معه، وقيل: المراد بالعرض البسطة ولذا وصف به الدعاء ونحوه مما ليس من ذوي الأبعاد وتقدم قول آخر في تفسير نظير الآية من سورة آل عمران وتقديم المغفرة على الجنة لتقدم التخلية على التحلية.
{أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ} أي هيئت لهم، واستدل بذلك على أن الجنة موجودة الآن لقوله تعالى: {أُعِدَّتْ} بصيغة الماضي والتأويل خلاف الظاهر، وقد صرح بخلافه في الأحاديث الصحيحة وتمام الكلام في علم الكلام، وعلى أن الإيمان وحده كاف في استحقاق الجنة لذكره وحده فيما في حيز ما يشعر بعلة الإعداد وإدخال العمل في الإيمان المعدّى بالباء غير مسلم كذا قالوا، ومتى أريد بالذين آمنوا المذكورين من لهم درجة في الإيمان يعتد بها، وقيل: بأنها لا تحصل بدون الأعمال الصالحة على ما سمعته منا قريبًا انخدش الاستدلال الثاني في الجملة كما لا يخفى، وذكر النيسابوري في وجه التعبير هنا بسابقوا وفي آية آل عمران بسارعوا وبالسماء هنا، بالسماوات هناك وبكعرض هنا وبعرض بدون أداة تشبيه ثمّ كلامًا مبنيًا على أن المراد بالمتقين هناك السابقون المقربون، وبالذين آمنوا هنا من هم دون أولئك حالًا لتأمل {ذلك} أي الذي وعد من المغفرة والجنة {فَضَّلَ الله} عطاؤه الغير الواجب عليه {يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} إيتاءه {والله ذُو الفضل العظيم} فلا يبعد منه عز وجل التفضل بذلك على من يشاء وإن عظم قدره، فالجملة تذييل لإثبات ما ذيل بها.

.تفسير الآية رقم (22):

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)}
{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ} أي نائبة أيّ نائبة وأصلها في الرمية وهي من أصاب السهم إذا وصل إلى المرمى بالصواب ثم خصت بها.
وزعم بعضهم أنها لغة عامة في الشر والخير وعرفا خاصة بالشر، و{مِنْ} مزيدة للتأكيد، وأصاب جاء في الشر كما هنا، وفي الخير كقوله تعالى: {وَلَئِنْ أصابكم فَضْلٌ مِنَ الله} [النساء: 73] وذكر بعضهم أنه يستعمل في الخير اعتبارًا بالصواب أي بالمطر وفي الشر اعتبارًا بإصابة السهم، وكلاهما يرجعان إلى أصل وتذكير الفعل في مثل ذلك جائز كتأنيثه، وعليه قوله تعالى: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} [الحجر: 5] والكلام على العموم لجميع الشرور أي مصيبة أيّ مصيبة {فِى الأرض} كجدب وعاهة في الزرع والثمار وزلزلة وغيرها {وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ} كمرض وآفة كالجرح والكسر {إِلاَّ فِي كتاب} أي إلا مكتوبة مثبتة في اللوح المحفوظ، وقيل: في علم الله عز وجل.
{مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} أي نخلقها، والضمير على ما روي عن ابن عباس. وقتادة. والحسن. وجماعة للأنفس، وقيل: للأرض، واستظهر أبو حيان كونه للمصيبة لأنها هي المحدث عنها، وذكر الأرض والأنفس إنما هو على سبيل ذكر محلها، وذكر المهدوي جواز عوده على جميع ما ذكر، وقال جماعة: يعود على المخلوقات وإن لم يجر لها ذكر، وقيل: المراد بالمصيبة هنا الحوادث من خير وشر وهو خلاف الظاهر من استعمال المصيبة إلا أن فيما بعد نوع تأييد له وأيًا مّا كان ففي الأرض متعلق حذوف مرفوع أو مجرور صفة لمصيبة على الموضع أو على اللفظ، وجوز أن يكون ظرفًا لأصاب أو للمصيبة، قيل: وإنما قيدت المصيبة بكونها في الأرض والأنفس لأن الحوادث المطلقة كلها ليست مكتوبة في اللوح لأنها غير متناهية، واللوح متناه وهو لا يكون ظرفًا لغير المتناهي ولذا جاء «جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة» وفي الآية تخصيص آخر وهو أنه سبحانه لم يذكر أحوال أهل السماوات لعدم تعلق الغرض بذلك مع قلة المصائب في أهلها بل لا يكاد يصيبهم سوى مصيبة الموت، وما ذكره في وجه التخصيص الأول لا يتم إذا أريد بالكتاب علمه سبحانه، وقيل: بأن كتابة الحوادث فيه على نحو كتابتها في القرآن العظيم بناءًا على ما يقولون: إنه ما من شيء إلا ويمكن استخراجه منه حتى أسماء الملوك ومددهم وما يقع منهم ولو قيل في وجهه إن الأوفق بما تقدم من شرح حال الحياة الدنيا إنما هو ذكر المصائب الدنيوية فلذا خصت بالذكر لكان تامًا مطلقًا {إِنَّ ذلك} أي إثباتها في كتاب {عَلَى الله} لا غيره سبحانه: {يَسِيرٌ} لاستغنائه تعالى فيه عن العدة والمدة، وإن أريد بذلك تحققها في علمه جل شأنه فيسره لأنه من مقتضيات ذاته عز وجل، وفي الآية رد على هشام بن الحكم الزاعم أنه سبحانه لا يعلم الحوادث قبل وقوعها، وفي الإكليل إن فيها ردًا على القدرية، وجاء ذلك في خبر مرفوع، أخرج الديلمي عن سليم بن جابر الجهيمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«سيفتح على أمتي باب من القدر في آخر الزمان لا يسدّه شيء يكفيكم منه أن تلقوه بهذه الآية ما أصاب من مصيبة».
وأخرج الإمام أحمد. والحاكم وصححه عن أبي حسان أن رجلين دخلا على عائشة رضي الله تعالى عنها فقالا: «إن أبا هريرة يحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار فقالت: والذي أنزل القرآن على أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ما هكذا كان يقول، ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان أهل الجاهلية يقولون: إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار» ثم قرأت {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ} الآية.

.تفسير الآية رقم (23):

{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بما آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)}
{لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ} أي أخبرناكم بذلك لئلا تحزنوا {على مَا فَاتَكُمْ} من نعم الدنيا {وَلاَ تَفْرَحُواْ بما ءاتاكم} أي أعطاكموه الله تعالى منها فإن من علم أن الكل مقدر يفوت ما قدّر فواته ويأتي ما قدّر إتيانه لا محالة لا يعظم جزعه على ما فات ولا فرحه بما هو آت، وعلم كون الكل مقدرًا مع أن المذكور سابقًا المصائب دون النعم وغيرها لأنه لا قائل بالفرق وليس في النظم الكريم اكتفاءً كما توهم، نعم إن حملت المصيبة على الحوادث من خير وشر كان أمر العلم أوضح كما لا يخفى وترك التعادل بين الفعلين في الصلتين حيث لم يسندا إلى شيء واحد بل أسند الأول إلى ضمير الموصول والثاني إلى ضميره تعالى لأن الفوات والعدم ذاتي للأشياء فلو خليت ونفسها لم تبق بخلاف حصولها وبقائها فإنه لابد من استنادهما إليه عز وجل كما حقق في موضعه، وعليه قول الشاعر:
فلا تتبع الماضي سؤالك لم مضى ** وعرج على الباقي وسائله لم بقي

ومثل هذه القراءة قراءة عبد الله {أوتيتم} مبنيًا للمفعول أي أعطيتم، وقرأ أبو عمرو {أتاكم} من الإتيان أي جاءكم وعليها بين الفعلين تعادل، والمراد نفي الحزن المخرج إلى ما يذهب صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله تعالى ورجاء ثواب الصابرين ونفي الفرح المطغي الملهي عن الشكر، وأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام والسرور بنعمة الله تعالى والاعتداد بها مع الشكر فلا بأس بهما.
أخرج جماعة منهم الحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال في الآية: ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح ولكن من أصابته مصيبة جعلها صبرًا ومن أصابه خير جعله شكرًا، وقوله تعالى: {والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} تذييل يفيد أن الفرح المذموم هو الموجب للبطر والاختيال والمختال المتكبر عن تخيل فضيلة تراءت له من نفسه، والفخور المباهي في الأشياء الخارجة عن المرء كالمال والجاه.
وذكر بعضهم أن الاختيال في الفعل والفخر فيه وفي غيره، والمراد من لا يحب يبغض إذ لا واسطة بين الحب والبغض في حقه عز وجل وأولًا بالإثابة والتعذيب، ومذهب السلف ترك التأويل مع التنزيه، ومن لا يحب كل مختال لا يحب كل فرد فرد من ذلك لا أنه لا يحب البعض دون البعض ويرد بذلك على الشيخ عبد القاهر في قوله: إذا تأملنا وجدنا إدخال كل في حيز النفي لا يصلح إلا حيث يراد أن بعضًا كان وبعضًا لم يكن، نعم إن هذا الحكم أكثري لا كلي، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (24):

{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)}
{الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} بدل من {كُلَّ مُخْتَالٍ} [الحديد: 23] بدل كل من كل فإن المختال بالمال يضن به غالبًا ويأمر غيره بذلك، والظاهر أن المراد أنهم يأمرون حقيقة، وقيل: كانوا قدوة فكأنهم يأمرون أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين إلخ، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره يعرضون عن الإنفاق الغني عنه الله عز وجل، ويدل عليه قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغنى الحميد} فإن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله سبحانه غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإعراض عن شكره بالتقرب إليه بشيء من نعمه جل جلاله، وقيل: تقديره مستغنى عنهم، أو موعودونب العذاب أو مذمومون.
وجوز أن يكون في موضع نصب على إضمار أعني أو على أنه نعت لكل مختال فإنه مخصص نوعًا مّا من التخصيص فساغ وصفه بالمعرفة وهذا ليس بشيء، وقال ابن عطية: جواز مثل ذلك مذهب الأخفش ولا يخفى ما في الجملة من الإشعار بالتهديد لمن تولى، وقرأ نافع. وابن عامر فإن الله الغني بإسقاط هو وكذا في مصاحف المدينة والشام وهو في القراءة الأخرى ضمير فصل، قال أبو علي: ولا يحسن أن يكون مبتدأ وإلا لم لم يجز حذفه في القراءة الثانية لأن ما بعده صالح لأن يكون خبرًا فلا يكون هناك دليل على الحذف وهذا مبني على وجوب توافق القراءتين إعرابًا وليس بلازم.

.تفسير الآية رقم (25):

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)}
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} أي من بني آدم كما هو الظاهر {بالبينات} أي الحجج والمعجزات {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب} أي جنس الكتاب الشامل للكل، والظرف حال مقدرة منه على ما قال أبو حيان، وقيل: مقارنة بتنزيل الاتصال منزلة المقارنة {والميزان} الآلة المعروفة بين الناس كما قال ابن زيد وغيره، وإنزاله إنزال أسبابه، ولو بعيدة، وأمر الناس باتخاذه مع تعليم كيفيته.
{لِيَقُومَ الناس بالقسط} علة لإنزال الكتاب والميزان والقيام بالقسط أي بالعدل يشمل التسوية في أمور التعامل باستعمال الميزان، وفي أمور المعاد باحتذاء الكتاب وهو لفظ جامع مشتمل على جميع ما ينبغي الاتصاف به معاشًا ومعادًا.
{وَأَنزْلْنَا الحديد} قال الحسن: أي خلقناه كقوله تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الانعام ثمانية أزواج} [الزمر: 6] وهو تفسير بلازم الشيء فإن كل مخلوق منزل باعتبار ثبوته في اللوح وتقديره موجودًا حيث ما ثبت فيه.
وقال قطرب: هيأناه لكم وأنعمنا به عليكم من نزل الضيف {فِيهِ بَأْسٌ} أي عذاب {شَدِيدٍ} لأن آلات الحرب تتخذ منه، وهذا إشارة إلى احتياج الكتاب والميزان إلى القائم بالسيف ليحصل القيام بالقسط فإن الظلم من شيم النفوس، وقوله تعالى: {ومنافع لِلنَّاسِ} أي في معايشهم ومصالحهم إذ ما من صنعة إلا والحديد أو ما يعمل به آلتها للإيماء إلى أن القيام بالقسط كما يحتاج إلى الوازع وهو القائم بالسيف يحتاج إلى ما به قوام التعايش، ومن يقوم بذلك أيضًا ليتم التمدن المحتاج إليه النوع، وليتم القيام بالقسط، كيف وهو شامل أيضًا لما يخص المرء وحده، والجملة الظرفية في موضع الحال، وقوله سبحانه: {وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ} عطف على محذوف يدل عليه السياق أو الحال لأنها متضمنة للتعليل أي لينفعهم وليعلم الله علمًا يتعلق به الجزاء من ينصره ورسله باستعمال آلات الحرب من الحديد في مجاهدة أعدائه والحذف للإشعار بأن الثاني هو المطلوب لذاته وأن الأول مقدمة له، وجوز تعلقه حذوف مؤخر والواو اعتراضية أي وليعلم إلخ أنزله أو مقدم والواو عاطفة والجملة معطوفة على ما قبلها وقد حذف المعطوف وأقيم متعلقه مقامه، وقوله تعالى: {بالغيب} حال من فاعل ينصر، أو من مفعوله أي غائبًا منهم أو غائبين منه، وقوله عز وجل: {إِنَّ الله قَوِىٌّ عَزِيزٌ} اعتراض تذييلي جيء به تحقيقًا للحق وتنبيهًا على أن تكليفهم الجهاد وتعريضهم للقتال ليس لحاجته سبحانه في إعلاء كلمته وإظهار دينه إلى نصرتهم بل إنما هو لينتفعوا به ويصلوا بامتثال الأمر فيه إلى الثواب وإلا فهو جل وعلا غني بقدرته وعزته عنهم في كل ما يريد.
هذا وذهب الزمخشري إلى أن المراد بالرسل رسل الملائكة عليهم السلام أي أرسلناهم إلى الأنبياء عليهم السلام، وفسر البينات كما فسرنا بناءًا على الملائكة ترسل بالمعجزات كإرسالها بالحجج لتخبر بأنها معجزات وإلا فكان الظاهر الاقتصار على الحجج وإنزال الكتاب أي الوحي مع أولئك الرسل ظاهر، وإنزال الميزان عنى الآلة عنده على حقيقته، قال: روي أن جبريل عليه السلام نزل بالميزان فدفعه إلى نوح عليه السلام، وقال: مُرْ قومك يزنوا به، وفسره كثير بالعدل، وعن ابن عباس في إنزال الحديد نزل مع آدم عليه السلام الميقعة والسندان والكلبتان، وروى أنه نزل ومعه المرّ والمسحاة، وقيل: نزل ومعه خمسة أشياء من الحديد السندان والكلبتان والإبرة والمطرقة والميقعة، وفسرت بالمسن، وتجيء عنى المطرقة أو العظيمة منها، وقيل: ما تحدّ به الرحى، وفي حديث ابن عباس نزل آدم عليه السلام من الجنة بالباسنة وهي آلات الصناع، وقيل: سكة الحرث وليس بعربي محض والله تعالى أعلم. واستظهر أبو حيان كون ليقوم الناس بالقسط علة لإنزال الميزان فقط وجوز ما ذكرناه وهو الأولى فيما أرى، وقوله تعالى: