فصل: سورة الممتحنة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.سورة الممتحنة:

قال ابن حجر: المشهور في هذه التسمية أنها بفتح الحاء وقد تكسر فعلى الأول هي صفة المرأة التي أنزلت بسببها وعلى الثاني صفة السورة كما قيل لبراءة: الفاضحة وفي جمال القراء تسمى أيضا الامتحان وسورة المودة وأطلق ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم القول بمدنيتها وذكر بعضهم أن أولها نزل يوم فتح مكة فكونها مدنية إما من باب التغليب أو مبني على أن المدني ما نزل بعد الهجرة.
وهي ثلاث عشرة آية بالاتفاق.
ومناسبتها لما قبلها أنه ذكر فيها قبل موالاة الذين نافقوا للذين كفروا من أهل الكتاب وذكر في هذه نهي المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء لئلا يشابهوا المنافقين وبسط الكلام فيه أتم بسط.
وقيل في ذلك أيضا: إن فيما قبل ذكر المعاهدين من أهل الكتاب وفي هذه ذكر المعاهدين من المشركين لأن فيها ما نزل في صلح الحديبية ولشدة اتصالها بالسورة قبلها فصل بها بينها وبين الصف مع تواخيهما في الافتتاح بسبح.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بما جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بما أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)}
{الحكيم ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} نزلت في حاطب بن عمرو أبي بلتعة وهو مولى عبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزي أخرج الإمام أحمد. والبخاري. ومسلم. وأبو داود. والترمذي. والنسائي. وابن حبان. وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا. والزبير. والمقداد فقال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فأتوا به بخرجنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا: أخرجي الكتاب قالت: ما معي من كتاب قلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين كة يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه الصلاة والسلام ما هذا يا حاطب؟ا قال: لا تعجل عليّ يا رسول الله إني كنت امرءًا ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهلهم وأموالهم كة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدًا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني فقال عمر رضي الله تعالى عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقال عليه الصلاة والسلام: إنه شهيد بدرًا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فنزلت {الحكيم ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء}» إلخ.
وفي رواية ابن مردويه عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام بعث عمر. وعليًا رضي الله تعالى عنهما في أثر تلك المرأة فلحقاها في الطريق فلم يقدرا على شيء معها فأقبلا راجعين ثم قال أحدهما لصاحبه: والله ما كذبنا ولا كذبنا ارجع بنا إليها فرجعا فسلا سيفيهما وقالا: والله لنذيقنك الموت أو لتدفعن الكتاب فأنكرت ثم قالت: أدفعه إليكما على أن لا ترداني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلا ذلك فأخرجته لهما من قرون رأسه، وفيه على ما في الدر المنثور أن المرأة تدعي أم سارة كانت مولاة لقريش، وفي الكشاف يقال لها: سارة مولاة لأبي عمرو بن صيفي بن هاشم، وفي صحة خبر أنس تردد، وما تضمنه من رجوع الإمامين رضي الله تعالى عنهما بعيد، وقيل: إن المبعوثين في أثرها عمر. وعلي. وطلحة. والزبير. وعمار. والمقداد. وأبو مرثد وكانوا فرسانًا، والمعول عليه ما قدمنا، والذين كانوا له في مكة بنوه وإخوته على ما روى عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن حاطب المذكور، وفي رواية لأحمد عن جابر أن حاطبًا قال: كانت والدتي معهم فيحتمل أنها مع بنيه وإخوته.
وصورة الكتاب على ما في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم فإنه منجز له ما وعده، وفي الخبر السابق على ما قيل: دليل على جواز قتل الجاسوس لتعليله صلى الله عليه وسلم المنع عن قتله بشهوده بدرًا وفيه بحث وفي التعبير عن المشركين بالعدو مع الإضافة إلى ضميره عز وجل تغليظ لأمر اتخاذهم أولياء وإشارة إلى حلول عقاب الله تعالى بهم، وفيه رمز إلى معنى قوله:
إذا صافى صديقك من تعادى ** فقد عاداك وانقطع الكلام

والعدو فعول من عدا كعفو من عفا، ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد، ونصب {أَوْلِيَاء} على أنه مفعول ثان لتتخذوا وقوله تعالى: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} تفسير للموالاة أو لاتخاذها أو استئناف فلا محل لها من الإعراب، والباء زائدة في المفعول كما في قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} [البقرة: 195] وإلقاء المودة مجاز عن إظهارها، وتفسيره بالإيصال أي توصلون إليهم المودة لا يقطع التجوز.
وقيل: الباء للتعدية لكون المعنى تفضون إليهم بالمودة، وأفضى يتعدى بالباء كما في الأساس، وقيل: هي للسببية والإلقاء مجاز عن الإرسال أي ترسلون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم، وعن البصريين أن الجار متعلق بالمصدر الدال عليه الفعل، وفيه حذف المصدر مع بقاء معموله، وجوز كون الجملة حالًا من فاعل {لاَ تَتَّخِذُواْ} أو صفة لأولياء ولم يقل تلقون إليهم أنتم بناءًا على أنه لا يجب مثل هذا الضمير مع الصفة الجارية على غير من هي له. أو الحال. أو الخبر. أو الصلة سواء في ذلك الاسم والفعل كما في شرح التسهيل لابن مالك إذا لم يحصل إلباس نحو زيد هند ضاربها أو يضربها بخلاف زيد عمرو ضاربه أو يضربه فإنه يجب معه هو لمكان الإلباس.
وزعم بعضهم أن الإبراز في الصفات الجارية على غير من هي له إنما يشترط في الاسم دون الفعل كما هنا ومنع ذلك، وتعقب الوجهان بأنهما يوهمان أنه تجوز الموالاة عند عدم الالقاء فيحتاج إلى القول بأنه لا اعتبار للمفهوم للنهي عن الموالاة مطلقًا في غير هذه الآية، أو يقال: إن الحال والصفة لازمة ولذا كانت الجملة مفسرة وقوله تعالى: {وَقَدْ كَفَرُواْ بما جَاءكُمْ مّنَ الحق} حال من فاعل {لاَ تَتَّخِذُواْ} وهي حال مترادفة إن كانت جملة {تُلْقُونَ} حالية أيضًا أو من فاعل {تُلْقُونَ} وهي متداخلة على تقدير حالتيها، وجوز كونه حالًا من المعفول وكونه مستأنفًا.
وقرأ الجحدري. والمعلى عن عاصم لما باللام أي لأجل ما جاءكم عنى جعل ما هو سبب للايمان سبب الكفر {يُخْرِجُونَ الرسول وإياكم} أي من مكة {أَن تُؤْمِنُواْ بالله رَبّكُمْ} أي لايمانكم أو كراهة إيمانكم بالله عز وجل، والجار متعلق بيخرجون والجملة قيل: حال من فاعل {كَفَرُواْ} أو استئناف كالتفسير لكفرهم كأنه قيل: كيف كفروا؟ وأجيب بأنهم كفروا أشد الكفر بإخراج الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين لايمانهم خاصة لا لغرض آخر، وهذا أرجح من الوجه الأول لطباقه للمقام وكثرة فوائده، والمضارع لاستحضار الحال الماضية لما فيها من مزيد الشناعة، والاستمرار غير مناسب للمعنى، وفي {تُؤْمِنُواْ} قيل: تغليب للمؤمنين، والالتفات عن ضمير المتكلم بأن يقال: بي إلى ما في النظم الجليل للإشعار بما يوجب الايمان من الألوهية والربوبية {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِى وابتغاء مَرْضَاتِى} متعلق بقوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ} إلخ كأنه قيل: لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي فجواب الشرط محذوف دل عليه ما تقدم، وجعله الزمخشري حالًا من فاعل {لاَ تَتَّخِذُواْ} ولم يقدر له جوابًا أي لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء والحال أنكم خرجتم لأجل الجهاد وطلب مرضاتي، واعترض بأن الشرط لا يقع حالًا بدون جواب في غير إن الوصلية، ولابد فيها من الواو وأن ترد حيث يكون ضد المذكور أولى كأحسن إلى زيد وإن أساء إليك وما هنا ليس كذلك.
وأجيب بأن ابن جني جوزه، وارتضاه جار الله هنا لأن البلاغة وسوق الكلام يقتضيانه فيقال لمن تحققت صداقته من غير قصد للتعليق والشك: لا تخذلني إن كنت صديقي تهييجًا للحمية، وفيه من الحسن ما فيه فلا يضر إذا خالف المشهور، ونصب المصدرين على ما أشرنا إليه على التعليل، وجوز كونهما حالين أي مجاهدين ومبتغين، والمراد بالخروج إما الخروج للغزو. وإما الهجرة، فالخطاب للمهاجرين خاصة لأن القصة صدرت منهم كما سمعت في سبب النزول، وقوله تعالى: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} استئناف بياني كأنهم لما استشعروا العتاب مما تقدم سألوا ما صدر عنا حتى عوتبنا؟ فقيل: {تُسِرُّونَ} إلخ، وجوز أن يكون بدلًا من {تُلْقُونَ} بدل كل من كل إن أريد بالإلقاء خفية، أو بدل بعض إن أريد الأعم لأن منه السر والجهر.
وقال أبو حيان: هو شبيه ببدل الاشتمال، وجوز ابن عطية كونه خبر مبتدأ محذوف أي أنتم {تُسِرُّونَ} والكلام استئناف للإنكار عليهم، وأنت تعلم أن الاستئناف لذلك حسن لكنه لا يحتاج إلى حذف، والكلام في الباء هنا على ما يقتضيه ظاهر كلامهم كالباء فيما تقدم، وقوله تعالى: {وَأَنَاْ أَعْلَمُ بما أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ} في موضع الحال، و{أَعْلَمُ} أفعل تفضيل، والمفضل عليه محذوف أي منكم، وأجاز ابن عطية كونه مضارعًا، والعلم قد يتعدى بالباء أو هي زائدة، و{مَا} موصولة أو مصدرية، وذكر {مَا أَعْلَنتُمْ} مع الاستغناء عنه للإشارة إلى تساوي العلمين في علمه عز وجل، ولذا قدم {مَا أَخْفَيْتُمْ} وفي هذه الحال إشارة إلى أنه لا طائل لهم في إسرار المودة إليهم كأنه قيل: تسرون إليهم بالمودة والحال أني أعلم ما أخفيتم وما أعلنتم ومطلع رسولي على ما تسرون فأي فائدة وجدوى لكم في الإسرار؟ {وَمَن يَفْعَلْهُ} أي الإسرار.
وقال ابن عطية. وجمع: أي الاتخاذ {مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السبيل} أي الطريق المستوي والصراط الحق فإضافة {سَوَآء} من إضافة الصفة إلى الموصوف، ونصبه على المفعول به لضل وهو يتعدى كأضل، وقيل: لا يتعدى؛ و{سَوَآء} ظرف كقوله: كما عسل الطريق الثعلب...

.تفسير الآية رقم (2):

{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)}
{إِن يَثْقَفُوكُمْ} أي إن يظفروا بكم، وأصل الثقف الحذق في إدراك الشيء وفعله، ومنه رجل ثقف لقف، وتجوز به عن الظفر والإدراك مطلقًا {يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء} أي عداوة يترتب عليها ضرر بالفعل بدليل قوله تعالى: {وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسوء} أي بما يسوءكم من القتل والأسر والشتم فكأنه عطف تفسيري، فوقوع {يَكُونُواْ} إلخ جواب الشرط بالاعتبار الذي أشرنا إليه وإلا فكونهم أعداء للمخاطبين أمر متحقق قبل الشرط بدليل ما في صدر السورة، ومثله قول بعضهم: أي يظهروا ما في قلوبهم من العدواة ويرتبوا عليها أحكامها، وقيل: المراد بذلك لازم العداوة وثمرتها وهو ظهور عدم نفع التودد فكأنه قيل: إن يثقفوكم يظهر لكم عدم نفع إلقاء المودة إليهم والتودد لهم، وقوله تعالى: {وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ} عطف على الجواب وهو مستقبل معنى كما هو شأن الجواب، ويؤول كما أول سابقه بأن يقال على ما في الكشف المراد ودادة يترتب عليها القدرة على الرد إلى الكفر، أو يقال على ما قال البعض المراد إظهار الودادة وإجراء ما تقتضيه، والتعبير بالماضي وإن كان المعنى على الاستقبال للإشعار بأن ودادتهم كفرهم قبل كل شيء وأنها حاصلة وإن لم يثقفوهم.
وتحقيق ذلك أن الودادة سابقة بالنوع متأخرة باعتبار بعد الأفراد، فعبر بالماضي نظرًا للأول وجعلت جوابًا متأخرًا نظرًا للثاني، وآثر الخطيب الدمشقي العطف على مجموع الجملة الشرطية كقوله تعالى: {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} [الحشر: 12] في السورة قبل {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49] عند جمع قال: لأن ودادتهم أن يرتدوا كفارًا حاصلة وإن لم يظفروا بهم فلا يكون في التقييد بالشرط فائدة، وإلى ذلك ذهب أبو حيان، وجوابه يعلم مما ذكرنا، وقريب منه ما قيل: إن ودادة كفرهم بعد الظفر لما كانت غير ظاهرة لأنهم حينئذ سبى وخدم لا يعتدّ بهم فيجوز أن لا يتمنى كفرهم فيحتاج إلى الإخبار عنه بخلاف الودادة قبل الظفر فيكون للتقييد فائدة لأنها ودادة أخرى متأخرة.
وقال بعض الأفاضل: إن المعطوف على الجزاء في كلام العرب على أنحاء: الأول: أن يكون كل منهما جزاء وعلة نحو إن تأتني آتك وأعطك. الثاني: أن يكون الجزاء أحدهما وإنما ذكر الآخر لشدة ارتباطه به لكونه مسببًا له مثلًا نحو إذا جاء الأمير استأذنت وخرجت لاستقباله ونحو حبست غريمي لأستوفي حقي وأخليه. الثالث: أن يكون المقصود جمع أمرين وحينئذ لا ينافي تقدم أحدهما نحو كخرجت مع الحجاج لأرافقهم في الذهاب ولا أرافقهم في الإياب، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}
[الفتح: 1، 2] الآية، وما في النظم الجليل هنا قيل: محتمل للأول للاستقبال الودادة من بعض الاعتبارات كما تقدم، وعبر بالماضي اعتبارًا للتقدم الرتبي من حيث أن الرد عند الكفرة أشق المضار لعلمهم أن الدين أعز على المؤمنين من أرواحهم لأنهم باذلون لها دونه، وأهم شيء عند العدو أن يقصد أهم شيء عند صاحبه؛ ومحتمل للثالث بأن يكون المراد المجموع بتأويل يريدون لكم مضار الدنيا والآخرة، قيل: وللثاني أيضًا بأن يكون الجزاء هو يبسطوا وذكرت عدواتهم وودادتهم الرد لشدة الارتباط لما هناك من السببية والمسببية وهو كما ترى؛ وجعل الطيبي المجموع مجازًا من إطلاق السبب وإرادة المسبب وهو مضار الدارين، وذكر أن الجواب في الحقيقة مقدر أي يريدوا لكم مضار الدنيا والدين، وما ذكر دليله أقيم مقامه، وقيل: عبر في الودادة بالماضي لتحققها عند المؤمنين أتم من تحقق ما قبلها، وحمل عليه كلام لصاحب المفتاح.

وعن بعضهم أن الواو واو الحال لا واو العطف، والجملة في موضع الحال بتقدير قد أو بدونه، ولا يخفى أن العطف هو المتبادر، وكونه على الجزاء أبعد مغزى، وإخراج الشرط والجزاء على نحو ذلك أكثر من أن يحصى.