فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (3):

{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)}
{خَلَقَ سَبْعَ سموات} قيل هو نعت للعزيز الغفور أو بيان أو بدل واختار شيخ الإسلام أنه نصب أو رفع على المدح متعلق بالموصولين السابقين معنى وان كان منقطعًا عنهما اعرابًا منتظم معهما في سلك الشهادة بتعاليه سبحانه وتعالى ومع الموصول الثاني في كونه مدارًا للبلاء كما نطق به قوله تعالى وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم {أيكم أحسن عملا} [هود: 7] وقوله تعالى: {طِبَاقًا} صفة لسبع وكون الوصف للمضاف إليه العدد ليس بلازم بل أكثرى وهو مصدر طابقت النعل بالنعل إذا خصفتها وصف به للمبالغة أو على حذف مضاف أي ذات طباق أو بتأويل اسم المفعول أي مطابقة وجوز أن يكون مفعولًا مطلقًا مؤكدًا لمحذوف أي طوبقت طباقًا والجملة في موضع الصفة وأن يكون جمع طبق كجمل وجمال أو جمع طبقة كرحبة بفتح الحاء ورحاب والكلام بتقدير مضاف لأنه اسم جامد لا يوصف به أي ذات طباق وقيل يجوز كونه حالًا من سبع سموات لقربه من المعرفة بشموله الكل وعدم فرد وراء ذلك وتعقب بأن قصارى ذلك بعد القيل والقال أن يكون نحو شمس مما انحصر في فرد وهو لا تجيء الحال المتأخرة منه فلا يقال طلعت علينا شمس مشرقة وأيًا ما كان فالمراد كما أخرج عبد بن حميد بعضها فوق بعض ولا دليل في ذلك على تلاصقها كما زعمه متقدمو الفلاسفة ومن وافقهم من الإسلاميين مخالفين لما نطقت به الأحاديث الصحيحة وان لم يكفر منكر ذلك فيما أرى واختلف في موادها فقيل الأولى من موج مكفوف والثانية من درة بيضاء والثالثة من حديد والرابعة من نحاس والخامسة من فضة والسادسة من ذهب والسابعة من زمردة بيضاء وقيل غير ذلك ولا أظنك تجد خبرًا يعول عليه فيما قيل ولو طرت إلى السماء وأظنك لو وجدت لأولت مع اعتقاد أن الله عز وجل على كل شيء قدير وقوله تعالى: {مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت} صفة أخرى على ما في الكشاف لسبع سموات وضع فيها خلق الرحمن موضع الضمير الرابط للتعظيم والاشعار بعلة الحكم بحيث يمكن أن يترتب قياس من الشكل الأول ينتج نفي رؤية تفاوت فيها وبأنه عز وجل خلقها بقدرته القاهرة رحمة وتفضلًا وبأن في إبداعها نعمًا جليلة وما ذكره ابن هشام في الباب الرابع من المغنى من أن الجملة الموصوف بها لا يربطها إلا الضمير اما مذكورًا وإما مقدرًا ليس بحجة على جار الله والتوفيق بأن ذلك إذا لم يقصد التعظيم ليس بشيء لأنه لابد له من نكتة سواء كانت التعظيم أو غيره واستظهر أبو حيان أنه استئناف وان خلق الرحمن عام للسموات وغيرها والخطاب لكل أحد ممن يصلح للخطاب وجوز أن يكون لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ولعل الأول أولى ومن لتأكيد النفي أي ما ترى شيئًا من تفاوت أي اختلاف وعدم تناسب كما قال قتادة وغيره من الفوت فإن كلا من المتفاوتين يفوت منه بعض ما في الآخر وفسر بعضهم التفاوت بتجاوز الشيء الحد الذي يجب له زيادة أو نقصًا وهو المعنى بالاختلاف وعلى ذلك قول بعض الأدباء:
تناسبت الأعضاء فيه فلا ترى ** بهن اختلافًا بل أتين على قدر

وقال السدى أي من عيب وإليه يرجع قول من قال أي من تفاوت يورث نقصًا وقال عطاء بن يسار أي من عدم استواء وقيل أي من اضطراب وقيل أي من اعوجاج وقيل أي من تناقض ومآل الكل ما ذكرنا ومن الغريب ما قاله شيخ الطائفة الكشفية في زماننا من أن بين الأشياء جميعها ربطًا وهو نوع من التجاذب لا يفوت بسببه بعضها عن بعض وحمل الآية على ذلك وإلى نحو هذا ذهب الفلاسفة اليوم فزعموا أن بين الأجرام علويها وسفليها تجاذبًا على مقادير مخصوصة به حفظت أوضاعها وارتبط بعضها ببعض لكن ذهب بعضهم إلى أن ما به التجاذب والارتباط يضعف قليلًا قليلًا على وجه لا يظهر له أثر إلا في مدد طويلة جدًا واستشعروا من ذلك إلى أنه لابد من خروج هذا العالم المشاهد عن هذا النظام المحسوس فيحصل التصادم ونحوه بين الأجرام وقالوا إن كان قيامة فهو ذاك ولا يخفى حال ما قاله وما قالوه وإن الآية على ما سمعت عزل عن ذلك وقرأ عبد الله وعلقمة والأسود وابن جبير وطلحة والأعمش من تفوت بشد الواو مصدر تفوت وحكى أبو زيد عن العرب في تفاوت فتح الواو وضمها وكسرها والفتح والكسر شاذان كما في البحر وقوله تعالى: {فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ} متعلق بما قبله على معنى التسبب أي عن الاخبار بذلك فإنه سبب للأمر بالرجوع دفعا لما يتوهم من الشبهة فهو في المعنى جواب شرط مقدر أي ان كنت في ريب من ذلك فارجع البصر حتى يتضح الحال ولا يبقى لك ريب وشبهة في تحقق ما تضمنه ذلك المقال من تناسب خلق الرحمن واستجماعه ما ينبغي له. والفطور قال مجاهد الشقوق جمع فطر وهو الشق يقال فطره فانفطر والظاهر أن المراد الشق مطلقًا لا الشق طولًا على ما هو أصله كما قال الراغب وفي معناه قول أبي عبيدة الصدوع وأنشدوا قول عبيد الله بن عقبة بن مسعود.
شققت القلب ثم ذررت فيه ** هواك فليط فالتأم الفطور

وقول السدى الخروق وأريد بكل ذلك على ما يفهم من كلام بعض الأجلة الخلل وبه فسره قتادة وفسره ابن عباس بالوهن وجملة هل ترى إلخ قال أبو حيان في موضع نصب بفعل معلق محذوف أي فانظر هل ترى أو ضمن فارجع البصر معنى فانظر ببصرك.

.تفسير الآية رقم (4):

{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)}
{ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ} أي رجعتين أخريين في ارتياد الخلل والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما قالوا في لبيك وسعديك أي رجعة بعد رجعة أي رجعات كثيرة بعضها في أثر بعض وهذا كما أريد باصل المثنى التكثير في قوله:
لوعد قبر وقبر كان أكرمهم ** بيتًا وأبعدهم عن منزل الذام

فإنه يريد لوعدت قبور كثيرة وقيل هو على ظاهره وأمر برجع البصر إلى السماء مرتين إذ يمكن غلط في الأولى فيستدرك بالثانية أو الأولى ليرى حسنها واستواءها والثانية ليبصر كواكبها في سيرها وانتهائها وليس بشيء ويؤيد الأول قوله تعالى: {يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا} فإنه جواب الأمر والجوابية تقتضي الملازمة وما تضمنه لا يلزم من المرتين غالبًا والمعنى يعد إليك البصر محرومًا من إصابة ما التمسه من إصابة العيب والخلل كأنه طرد عنه طردا بالصغار بناء على ما قيل أنه مأخوذ من خسأ الكلب المتعدي أي طرده على أنه استعارة لكن في الصحاح يقال خسا بصره خسا وخسوأ أي سدر والسدر تحير النظر فكان تفسير خاسئًا تحيرًا أخذًا له من ذلك أقرب وكأنهم اختاروا ما تقدم لأن فيه مبالغة وبلاغة ظاهرة مع كونه أبعد عن التكرار مآلا مع قوله تعالى: {وَهُوَ حَسِيرٌ} أي كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة يقال حسر بعيره يحسر حسورًا أي كل وانقطع فهو حسير ومحسور وقال الراغب الحسر كشف الملبس عما عليه يقال حسرت عن الذراع أي كشفت والحاسر من لا درع عليه ولا مغفر وناقة حسير انحسر عنها اللحم والقوة ونوق حسرى والحاسر أيضًا المعيي لانكشاف قواه ويقال له أيضًا محسور أما الحاسر فتصور أنه قد حسر بنفسه قواه وأما المحسور فتصور أن التعب قد حسره وحسير في الآية يصح أن يكون عنى حاسر وأن يكون عنى محسور والجملة في موضع الحال كالوصف السابق من البصر ويحتمل أن تكون حالًا من الضمير فيه وقرأ الخوارزمي عن الكسائي ينقلب بالرفع وخرج على أن الجملة في موضع حال مقدرة وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (5):

{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا صَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)}
{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السماء} إلخ كلام مسوق للحث على النظر قدرة وامتنانًا وفي الإرشاد بيان لكون خلق السموات في غاية الحسن والبهاء أثر بيان خلوها عن شائبة العيب والقصور وتصدير الجملة بالقسم لإبراز كمال العناية ضمونها أي وبالله لقد زينا السماء {الدنيا} منكم أي التي هي أتم دنوا منكم من غيرها فدنوها بالنسبة إلى ما تحت وأما بالنسبة إلى من حول العرش فبالعكس {صابيح} جمع مصباح وهو السراج وتجوز به عن الكوكب ثم جمع أو تجوز بالمصابيح ابتداء عن الكواكب وفسره بعض اللغويين قر السراج فيكون حينئذ تجوزًا على تجوز ولا حاجة إليه مع تصريحهم بأن المصباح نفس السراج أيضًا وتنكيرها للتعظيم أي صابيح عظيمة ليست كمصابيحكم التي تعرفونها وقيل للتنويع والأول أولى والظاهر أن المراد الكواكب المضيئة بالليل إضاءة السراج من السيارات والثوابت بناء على أنها كلها في أفلاك ومجار متفاوتة قربًا وبعدا في ثخن السماء الدنيا وكون السماء هي الفلك خلاف المعروف عن السلف وإنما هو قول قاله من أراد الجمع بين كلام الفلاسفة الأولى وكلام الشريعة فشاع فيما بين الإسلام واعتقده من اعتقده وعن عطاء أن الكواكب في قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من نور في أيدي ملائكة وعليه فزينا السماء صابيح كقول القائل:
زينت السقف بالقناديل

وهو ظاهر لكن الخبر لا يكاد يصح ومن اعتقد أن السماء الدنيا فلك القمر والست الباقية أفلاك السيارات الباقية على الترتيب المشهور وأن للثوابت فلكًا مخصوصًا يسمى بلسان الشرع بالكرسي أو جوز أن تكون هذه في فلك زحل وهو السماء السابعة أو يكون بعضها في فلك وبعضها الآخر في آخر فوقه أو كل منها في فلك وسماء غير السبع والاقتصار على العدد القليل لا ينفي الكثير قال إن تخصيص السماء بالتزيين بها لأنها إنما ترى عليها ولا ترى جرم ما فوقها أو رعاية لمقتضى إفهام العامة لتعذر التمييز بين سماء وسماء عليهم فهم يرون الكواكب كجواهر متلألئة على بساط الفلك الأزرق الأقرب ومن اعتبر ما عليه أهل الهيئة اليوم من أن الكواكب فلك عجائب القدرة مواخر في بحر جو الفضاء على وجه مخصوص تقتضيه الحكمة ومجاريها فيه هي أفلاكها وقد تحركت إذ تحركت في خلاء أو ما يشبهه مع قوى بها تجاذبت وارتبطت ولها حركات على أنفسها وحركات غير ذلك وليست مركوزة كما اشتهر في أجرام صلبة شفافة لا ثقيلة ولا خفيفة تسمى أفلاكًا أو سماء وهي متفاوتة قربًا وبعدًا تفاوتًا كليًا وإن رؤيت كلها قريبة لسبب خفي إلى الآن عليهم حتى أن منها ما لا يصل شعاعه إلينا إلا في عدة سنين مع أن شعاع الشمس وبيننا وبينها أربعة وثلاثون مليونًا من الفراسخ والمليون ألف ألف يصل إلينا في ثمان دقائق وثلاث عشرة ثانية إلى آخر ما زعموا فيها قال يجوز أن يراد بالسماء الدنيا طبقة مخصوصة في هذا الفضاء وبالمصابيح كواكب فيها نفسها قد زينت تلك الطبقة بها تزيين فضاء دار بطيور يطرن وحائمات فيه مثلًا أو جميع ما يرى من الكواكب وإن كان فوقها وتزيينها بذلك بإظهاره فيها كما مر وأنت تعلم أن من تصدى لتطبيق الآيات والأخبار على ما قاله الفلاسفة مطلقًا فقد تصدى لأمر لا يكاد يتم له والله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أحق بالاتباع نعم تأويل النقلي إنما ينبغي إذا قام الدليل العقلي على خلاف ما دل عليه وأكثر أدلة الفلاسفة قاعدة على العجز عن إثباتها إثباتًا صحيحًا ما يخالف أدلة أهل الشرع كما لا يخفى على من استضاء صابيحه {وجعلناها رُجُومًا للشياطين} الضمير للمصابيح على ما هو الظاهر لا للسماء الدنيا على معنى جعلنا منها أي من جهتها كما قيل والرجوم جمع رجم بالفتح وهو مصدر سمي به ما يرجم به أي يرمى فصار له حكم الأسماء الجامدة ولذا جمع وإن كان الأصل في المصادر أنها لا تجمع وقيل أنه هنا مصدر عنى الرجم أيضًا والمراد بالشياطين مسترقوا السمع ورجمهم على ما اشتهر بانقضاض الشهب المسببة عن الكواكب وإليه ذهب غير واحد من المفسرين وهو مبني على ما قرره الفلاسفة المتقدمون من أن الكواكب نفسها غير منقضة وإنما المنقض شعل نارية تحدث من أجزاء متصاعدة لكرة النار لكنها بواسطة تسخين الكواكب للأرض فالتجوز في إسناد الجعل إليها أو في لفظها وهو مجاز بوسايط وقال الشهاب لا مانع من جعل المنقض نفسه من جنس الكواكب وإن خالف اعتقاد الفلاسفة وأهل الهيئة ولكن في النصوص الإلهية ما فيه رجوم للشياطين انتهى.
وأقول: لا يخفى أن ذلك المبنى لا يتم أيضًا إلا بثبوت كرة النار الذي لا تراهم يستدلون عليه إلا بحدوث هذه الشهب وسلف الأمة لا يقولون بذلك وكذا أهل الفلسفة الجديدة وهؤلاء لم يحققوا إلى الآن أمر هذه الشهب لكن يميلون إلى أنها أجسام انفصلت عن الكواكب التي يزعمونها عوالم مشتملة على جبال ونحوها اشتمال الأرض على ذلك وخرجت لبعض الحوادث عن حد القوى الجاذبة لها إلى ما انفصلت عنه ولم تصل إلى حد جذب قوة الأرض لها فبقيت تدور عند منتهى كرة الأرض وما يحيط بها من الهواء فإذا عرض لها الدخول في هواء الأرض أثناء حركتها احترقت كلًا أو بعضًا كما تحترق بعض الأجسام المحفوظة عن الهواء إذا صادمها الهواء ورا تصل في بعض حركاتها إلى حد جذب الأرض فتقع عليها وبعضهم يزعم في الحجارة الساقطة من الجو التي تسمى عندهم بالابروليت يعنون حجارة الهواء أنها من تلك الأجسام وكل ذلك حديث خرافة ورجم بظنون فاسدة وقصارى ما يقال في هذه الشهب أنها تحتمل أن تكون ناشئة من أجرام من جنس الكواكب فيها قوة الإحراق سواء كان كل مضيء محرقًا أم لا متكونة في جو هذا الفضاء المشاهد إلا أنها لغاية صغرها لا تشاهد ولو بالنظارات حتى إذا قربت بانقضاضها شوهدت وقد تصادف في انقضاضها أجسامًا متصاعدة من الأرض فتحرقها ورا يتصل الحريق إلى ما يقرب من الأرض جدًا ورا تكونت الحجارة من ذلك ثم إن العقل يجوز أن يكون لها دوران على شكل من الأشكال فترجع بعد ما يشاهد لها من الانقضاض وأن تتلاشى بعد انقضاضها ويخلق الله تعالى غيرها من مادة لا يعلمها إلا هو عز وجل والضمير المنصوب في جعلناها وإن عاد على المصابيح لكن لم يعد عليها إلا باعتبار الجنس دون خصوصية كونها مزينة بها السماء الدنيا نظير{وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره} [فاطر: 11] وعندي درهم ونصفه لما أن التزيين باعتبار الظهور ولا ظهور لهذه الأجرام قبل انقضاضها وإن اعتبر في كونها مصابيح أو كواكب أو نجومًا ظهورها في نفسها ولمن يقرب منها دون خصوصية ظهورها لنا وفي كونها زينة للسماء كونها زينة لها في الجملة فالأمر ظاهر جدًا ويحتمل أن تكون ناشئة من المصابيح المشاهدة المزين بها بأن ينفصل عنها وهي في محلها شعل هي الشهب وما ذاك إلا كقبس يؤخذ من نار والنار ثابتة وإليه ذهب الجبائي وكثير وهو محتمل لأن يكون لكل منها قابلية أن ينفصل عنه ذلك وأن يكون القابلية لبعضها دون بعض وهذا لعدم الاطلاع على حقائق الأجرام العلوية وأحوالها في أنفسها والكلام نحو قولك اسكن الأمير قبيلة كذا في ثغر كذا وجعلها ترمى بالبنادق من يقرب منه فإنه لا يلزم أن يكون لكل واحد منها قابلية الرمي ثم لا يلزم أن يكون كل ما يشاهد من الشهب قبسًا من المصابيح بل يجوز أن يكون بعضه وهو الذي ترمى به الشياطين منها وبعضه من أمور تحدث في الجو من اصطكاك أو نحوه وتفاوت الشهب قلة وكثرة يحتمل أن يكون لتفاوت حوادث الجو وأن يكون لتفاوت الاستراق وليس في الآيات والأخبار ما هو نص في أن الشهب لا تكون إلا لرمي الشياطين فيحتمل أن يكون أكثر الشهب من الحوادث الجوية وذوات الأذناب منها في رأي المتقدمين وهي في أنفسها دون أذنابها نجوم كثيرة جدًا تدور لا كما يدور غيرها من النجوم فتقرب تارة وتبعد أخرى فتخرج عن مدارات السيارات إلى حيث لا تشاهد أصلًا عند فلاسفة العصر ولهم فيها كلام أطول من أذنابها وقد أورد الإمام الرازي في هذا الفصل أسئلة وشبهًا أجاب عنها بما أجاب ونحن فعلنا نحو ذلك فيما تقدم على وجه أتم فليتذكر وقد أطنبنا هناك الكلام فيما يتعلق بهذا المقام إلا أن بعضًا مما ذكرناه هناك فخذ من الموضعين ما صفا ودع ما كدر بعد أن تتأمل حق التأمل وتتدبر وقيل معنى الآية وجعلناها ظنونًا ورجومًا بالغيب لشياطين الإنس وهم المنجمون المعتقدون تأثير النجوم في السعادة والشقاوة ونحوهما وقد رددنا عليهم أي رد فيما تقدم فارجع إليه إن أردته فإنه نفيس جدًا {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ} وهيأنا للشياطين {عَذَابِ السعير} عذاب النار المسعرة المشعلة في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب ولا يمنع من ذلك أنهم خلقوا من نار لأنهم ليسوا نارًا فقط بل هي أغلب عناصرهم فهي منهم كالتراب من بني آدم فيتأثرون من ذلك على أنه تكون نارًا أقوى من نار واستدل بالآية على أن النار مخلوقة الآن وعلى أن الشياطين مكلفون.