فصل: تفسير الآية رقم (6):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (6):

{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)}
{وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ} من غير الشياطين أو منهم ومن غيرهم على أنه تعميم بعد التخصيص لدفع ايهام اختصاص العذاب بهم والجار والمجرور خبر مقدم وقوله تعالى: {عَذَابَ جَهَنَّمَ} مبتدأ مؤخر والحصر إضافي بقرينة النصوص الواردة في تعذيب العصاة فلا حجة فيه لمن قال من المرجئة لا يعذب غير الكفرة وقرأ الضحاك والأعرج وأسيد بن أسيد المزني وحسن في رواية هارون عنه عذاب بالنصب عطفًا عن {عذاب السعير} [الملك: 5] أي وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم {وَبِئْسَ المصير} أي جهنم.

.تفسير الآية رقم (7):

{إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)}
{إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا} أي طرحوا فيها كما يطرح الحطب في النار العظيمة {سَمِعُواْ لَهَا} أي لجهنم نفسها كما هو الظاهر ويؤيده ما بعد والجار والمجرور متعلق حذوف وقع حالًا من قوله تعالى: {شَهِيقًا} لأنه في الأصل صفته فلما قدمت صارت حالًا أي سمعوا كائنًا لها شهيقًا أي صوتًا كصوت الحمير وهو حسيسها المنكر الفظيع ففي ذلك استعارة تصريحية وجوز أن يكون الشهيق لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها ومن أنفسهم كقوله تعالى: {لهم فيها زفير وشهيق} [هود: 106] والكلام على حذف مضاف أو تجوز في النسبة واعترض بأن ذلك إنما يكون لهم بعد القرار في النار وبعد ما يقال لهم {اخسؤا فيها} [المؤمنون: 108] وهو بعد ستة آلاف سنة من دخولهم كما في بعض الآثار ورد بأن ذلك إنما يدل على انحصار حالهم حينئذٍ في الزفير والشهيق لا على عدم وقوعهما منهم قبل {تَكَادُ تَمَيَّزُ} أي والحال أنها تغلي بهم غليان المرجل بما فيه {وَهِىَ تَفُورُ} أي ينفصل بعضها من بعض.

.تفسير الآية رقم (8):

{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)}
{مِنَ الغيظ} من شدة الغضب عليهم قال الراغب الغيظ أشد الغضب وقال المرزوقي في الفصيح أنه الغضب أو أسؤه وقد شبه اشتعال النار بهم في قوة تأثيرها فيهم وإيصال الضرر إليهم باغتياظ المغتاظ على غيره المبالغ في إيصال الضرر إليه على سبيل الاستعارة التصريحية ويجوز أن تكون هنا تخييلية تابعة للمكنية بأن تشبه جهنم في شدة غليانها وقوة تأثيرها في أهلها بإنسان شديد الغيظ على غيره مبالغ في إيصال الضرر إليه فتوهم لها صورة كصورة الحالة المحققة الوجدانية وهي الغضب الباعث على ذلك واستعير لتلك الحالة المتوهمة للغيظ وجوز أن يكون الإسناد في تكاد تميز إلى جهنم مجازًا وإنما الإسناد الحقيقي إلى الزبانية وأن يكون الكلام على تقدير مضاف أي تميز زبانيتهم من الغيظ وقيل إن الله تعالى يخلق فيها إدراكًا فنغتظ عليهم فلا مجاز بوجه من الوجوه وورد في بعض الأخبار ما يؤيد ذلك وزعم بعضهم أنه لا حاجة لشيء مما ذكر لمكان تكاد كما في قوله تعالى: {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} [النور: 35] وفيه ما فيه والجملة إما حال من فاعل تفور أو خبر آخر وقرأ طلحة تتميز بتاءين وأبو عمرو تكاد تميز بإدغام الدال في التاء والضحاك تمايز على وزن تفاعل وأصله تتمايز بتاءين وزيد بن علي وابن أبي عبلة تميز من ماز {كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ} استئناف مسوق لبيان حال أهلها بعد بيان نفسها وقيل لبيان حال آخر من أحوال أهلها وجوز أن تكون الجملة حالًا من ضميرها أي كلما ألقي فيها جماعة من الكفرة {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا} وهم مالك وأعوانه عليهم السلام والسائل يحتمل أن يكون واحدًا وأن يكون متعددًا وليس السؤال سؤال استعلام بل هو سؤال توبيخ وتقريع وفيه عذاب روحاني لهم منضم إلى عذابهم الجسماني {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} يتلو عليكم آيات الله وينذركم لقاء يومكم هذا.

.تفسير الآية رقم (9):

{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)}
{قَالُواْ} اعترافًا بأنه عز وجل قد أزاح عللهم بالكلية {بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ} وجمعوا بين حرف الجواب ونفس الجملة المجاب بها مبالغة في الاعتراف جيء النذير وتحسرًا على ما فاتهم من السعادة في تصديقهم وتمهيدًا لما وقع منهم من التفريط تندمًا واغتمامًا على ذلك أي قال كل فوج من تلك الأفواج قد جاءنا نذير أي واحد حقيقة أو حكمًا كنذر بني إسرائيل فإنهم في حكم نذير واحد فانذرنا وتلا علينا ما أنزل الله تعالى من آياته {فَكَذَّبْنَا} ذلك النذير في كونه نذيرًا من جهته تعالى: {وَقُلْنَا} في حق ما تلاه من الآيات إفراطًا في التكذيب وتماديًا في النكير {مَّا نَزَّلَ الله} على أحد {مِن شَيْء} من الأشياء فضلًا عن تنزيل الآيات على بشر مثلكم {إِنْ أَنتُمْ} أي ما أنتم في ادعاء ما تدعونه {إِلاَّ فِي ضلال كَبِيرٍ} بعيد عن الحق والصواب وجمع ضمير الخطاب مع أن مخاطب كل فوج نذيره لتغليبه على أمثاله ولو فرضًا ليشمل أول فوج أنذرهم نذير والأصل أنت وأمثالك ممن ادعى أو يدعي دعواك مبالغة في التكذيب وتماديًا في التضليل كما ينبئ عنه تعميم المنزل مع ترك ذكر المنزل عليه فإنه ملوح بعمومه حتمًا وأما إقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل فقيل أمر تحقيقي يصار إليه لتهويل ما ارتكبوه من الجناية لكن لا مساغ لاعتباره من جهتهم ولا لإدراجه تحت عبارتهم كيف لا وهو منوط لاحظة اجتماع النذر على ما لا يختلف من الشرائع والأحكام باختلاف العصور والأعوام وأين هم من ذلك وقد حال الجريض دون القريض هذا إذا جعل ما ذكر حكاية عن كل واحد من الأفواج كما هو الظاهر وأما إذا جعل حكاية عن الكل فالنذير إما عنى الجمع لأنه فعيل وهو يستوي فيه الواحد وغيره أو مصدر مقدر ضاف عام أي أهل نذير أو منعوت به للمبالغة فيتفق كلا طرفي الخطاب في الجمعية ويستشعر من بعض العبارات جواز اعتبار الجمعية بأحد الأوجه المذكورة على الوجه الأول أيضًا وفيه بحث وجوز أن يكون الخطاب من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول على أن مرادهم بالضلال ما كانوا عليه في الدنيا أو هلاكهم أو عقاب ضلالهم تسمية له باسم سببه وهو خلاف الظاهر كما لا يخفى وكذا ما قيل من جواز كونه من كلام النذير للكفرة حكوه للخزنة وفي الكشف هذا الوجه فيه تكلف بين فأما أن يكون مقول قول محذوف يستدعيه قد جاءنا نذير كأنه قيل بلى قد جاءنا نذير قال إن أنتم إلا في ضلال كبير فكذبنا وقلنا وقدم فكذبنا وقلنا تنبيهًا على أن التكذيب لم يكن مقصورًا على قولهم هذا وأما أن يكون التكذيب واقعًا على الجملة أعني إن أنتم وقوله سبحانه وقلنا ما نزل الله من شيء عطف على كذبنا قدم على صلته ليجري مجرى الاعتراض مؤكدًا لحكم التكذيب ودالًا على عدم القصر أيضًا والأول أولى انتهى واستدل بالآية على أنه لا تكليف قبل البعثة وحمل النذير على ما في العقول من الأدلة مما لا يقبله منصف ذوي العقول.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)}
{وَقَالُواْ} أيضًا معترفين بأنهم لم يكونوا ممن يسمع أو يعقل كان الخزنة قالوا لهم في تضاعيف التوبيخ ألم تسمعوا آيات ربكم ولم تعقلوا معانيها فأجابوهم بقولهم: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} كلامًا {أَوْ نَعْقِلُ} شيئًا {مَا كُنَّا فِي أصحاب السعير} أي في عدادهم ومن جملتهم والمراد بهم قيل الشياطين لقوله تعالى: {وأعتدنا لهم عذاب السعير} [الملك: 5] وقيل الكفار مطلقًا واختصاص إعداد السعير بالشياطين ممنوع لقوله تعالى: {إنا اعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالًا وسعيرًا} [الإنسان: 4] والآية لا تدل على الاختصاص وفيه دغدغة لعلك تعرفها مما يأتي إن شاء الله تعالى قريبًا فلا تغفل ونفيهم السماع والعقل لتنزيلهم ما عندهم منهما لعدم انتفاعهم به منزلة العدم وفي ذلك مع اعتبار عموم المسموع والمعقول ما لا يخفى من المبالغة واعتبرهما بعض الأجلة خاصين قال أي لو كنا نسمع كلام النذير فنقبله جملة من غير بحث وتفتيش اعتمادًا على ما لاح من صدقه بالمعجز أو نعقل فنفكر في حكمه ومعانيه تفكر المستبصرين ما كنا إلخ وفيه إشارة إلى أن السماع والعقل هنا عنى القبول والتفكر واو للترديد لأنه يكفي انتفاء كل منهما لخلاصهم من السعير أو للتنويع فلا ينافي الجمع وقيل أشير فيه إلى قسمي الإيمان التقليدي والتحقيقي أو إلى الأحكام التعبدية وغيرها واستدل بالآية كما قال ابن السمعاني في القواطع من قال بتحكيم العقل وأنت تعلم أن قصارى ما تشعر به أن العقل يرشد إلى العقائد الصحيحة التي بها النجاة من السعير وأما أنها تدل على أن العقل حاكم كما يقول المعتزلة فلا واستدل بها أيضًا كما نقل عن ابن المنير على أن السمع أفضل من البصر ومن العجيب استدلال بعضهم بها على أنه لا يقال للكافر عاقل.

.تفسير الآية رقم (11):

{فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}
{فاعترفوا بِذَنبِهِمْ} الذي هو كفرهم وتكذيبهم بآيات الله تعالى ونذره عز وجل: {فَسُحْقًا لاصحاب السعير} أي فبعدًا لهم من رحمته تعالى وهو دعاء عليهم وقرأ أبو جعفر والكسائي فسحقًا بضم الحاء والسحق مطلقًا البعد وانتصابه على أنه مصدر مؤكد أي سحقهم الله تعالى سحقًا قال الشاعر:
يجول بأطراف البلاد مغربا ** وتسحقه ريح الصبا كل مسحق

وقيل هو مصدر إما لفعل متعد من المزيد بحذف الزوائد كما في قوله:
وإن أهلك فذلك كان قدري

أي تقديري والتقدير فأسحقهم الله سحقًا أي إسحاقًا أو بفعل مرتب على ذلك الفعل أي فأسحقهم الله تعالى فسحقوا سحقًا كما في قوله:
وعضة دهر يا ابن مروان لم تدع ** من المال إلا مسحت أو مجلف

أي لم تدع فلم يبق إلا مسحت وإلى أول الوجهين ذهب أبو علي الفارسي والزجاج وبعد ثبوت الفعل الثلاثي المتعدي كما في البيت وبه قال أبو حيان لا يحتاج إلى ما ذكر واللام في لا صحاب للتبيين كما في {هيت لك} [يوسف: 23] وسقيًا لك وفي الآية على ما قيل تغليب ولعل وجهه عند القائل وهو أن السوق يقتضي أن يقال فسحقًا لهم ولأصحاب السعير فإنه تعالى بين أولًا أحوال الشياطين حيث قاله سبحانه: {واعتدنا لهم عذاب السعير} [الملك: 5] ثم بين أحوال الكفار حيث قال عز وجل: {وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم} [الملك: 6] والأوفق بقراءة النصب والأبعد من شبهة التكرار أن يراد بالموصول غير الشياطين ثم قال تعالى شأنه فسحقًا لأصحاب السعير فكان السوق يقتضي فسحقًا لهم ولأصحاب السعير لكن لم يقل كذلك لأجل التغليب حيث أطلق أصحابه السعير على الشياطين والكفار جميعًا ولا يضر في هذا دلالة غير آية على عدم اختصاص أصحاب السعير بالشياطين بل يطلق على سائر الكفرة أيضًا لأنه يكفي في التغليب الاختصاص المتبادر من السوق هنا ولا توقف له على عدم جواز إطلاق ذلك على غير الشياطين في شيء من المواضع على أنه يمكن أن يقال لا حاجة إلى التزام اختصاص أصحاب السعير بالشياطين أصلًا ولو بحسب السوق بل يكفي لصحة التوجيه كونهم أصيلًا في دخول السعير والكفار ملحقين بهم كما يشعر به قوله تعالى: {ما كنا في أصحاب السعير} [الملك: 10] عنى في عدادهم وجملتهم فحينئذٍ يكون الداخل في السعير قسمين وكان مقتضى الظاهر ذكرهما معًا في الدعاء عليهم بالسحق كما يشهد به سياق الآية لكنه عدل وغلب أصحاب السعير الدال على الأصالة على غيره من التوابع وذكر أن في هذا التغلب إيجازًا وهو ظاهر ومبالغة أي في الإبعاد إذ لو أفرد كل من الفريقين بالذكر لأمكن أن يتوهم تفاوت الإبعادين بأن يكون إبعاد الكفرة دون إبعاد الشياطين على ما يشعر به جعلهم الشياطين أصيلًا وأنفسهم ملحقة بهم فلما ضموا إليهم في الحكم به دل على أن إبعادهم لم يقصر عن إبعاد أولئك وأيضًا لما غلب سبحانه وتعالى أصحاب السعير وهم الشياطين على الكفار فقد جعل الكفار من قبيل الشياطين فكأنهم هم بأعيانهم وفيه من المبالغة ما لا يخفى وتعليلًا فإن ترتب الحكم على الوصف وكذا تعلقه به يشعر بعليته له فيشعر ذلك بأن الإبعاد حصل لهم لأجل كونهم أصحاب السعير وقيل في توجيه التغليب وما فيه من الأمور الثلاثة غير هذا وقد عد ذلك من المشكلات وغدا معتركًا لعلماء الروم وغيرهم من العلماء الأعلام ولعل ما ذكرناه أقرب إلى الأفهام وأبعد عن النزاع والخصام فتأمل والله تعالى ولي الأفهام.