فصل: تفسير الآية رقم (7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (7):

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7)}
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} استئناف لبيان ما قبله وتأكيد لما تضمنه من الوعد والوعيد أي هو سبحانه أعلم بمن ضل عن سبيله المؤدي إلى سعادة الدارين وهام في تيه الضلال متوجهًا إلى ما يقتضيه من الشقاوة الأبدية ومزيد النكال وهذا هو المجنون الذي لا يفرق بين النفع والضر بل يحسب الضرر نفعًا فيؤثره والنفع ضررًا فيهجره وهو عز وجل أعلم بالمهتدين إلى سبيله الفائزين بكل مطلوب الناجين عن كل محذور وهم العقلاء المراجيح فيجزي كلًا من الفريقين حسا يستحقه من العقاب والثواب وفي الكشاف أن ربك هو أعلم بالمجانين على الحقيقة وهم الذين ضلوا عن سبيله وهو أعلم بالعقلاء وهم المهتدون أو يكون وعيدًا ووعدا وأنه سبحانه أعلم بجزاء الفريقين قال في الكشف هو على الأول تذييل مؤكد لما رمز إليه في السابق من أن المفتون من قرفك به جار على أسلوب المؤكد في عدم التصريح ولكن على وجه أوضح فإن قوله تعالى: {بأيكم المفتون} [القلم: 6] لا تعيين فيه بوجه وهذا بدل هو أعلم بالمجنون وبالعاقل يدل على أن الجنون بهذا الاعتبار لا بما توهموه وثبت لهم صرف الضلال في عين هذا الزعم وعلى الثاني هو تذييل أيضًا ولكن على سبيل التصريح لأن بمن ضل أقيم مقام بهم وبالمهتدين أقيم مقام بكم ولعل ماعتبرناه أملا بالفائدة وكأن تقديم الوعيد ليتصل بما أشعر به أولًا والتعبير في جانب الضلال بالفعل للإيماء بأنه خلاف ما تقتضيه الفطرة وزيادة هو أعلم لزيادة التقرير مع الإيذان باختلاف الجزاء والفاء في قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (8):

{فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8)}
{فَلاَ تُطِعِ المكذبين} لترتيب النهي على ما ينبئ عنه ما قبله من اهتدائه صلى الله عليه وسلم وضلالهم أو على جميع ما فصل من أول السورة وهذا تهييج والهاب للتصميم على معاصاتهم أي دم على ما أنت عليه من عدم طاعتهم وتصلب في ذلك وجوز أن يكون نهيا عن مداهنتهم ومداراتهم بإظهار خلاف ما في ضميره صلى الله عليه وسلم استجلابًا لقلوبهم لا عن طاعتهم حقيقة وينبئ عنه قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (9):

{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)}
{وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ} لأنه تعليل للنهي أو للانتهاء وإنما عبر عنها بالطاعة للمبالغة في التنفير أي أحبوا لو تلاينهم وتسامحهم في بعض الأمور {فَيُدْهِنُونَ} أي فهم يدهنون حينئذ أو فهم الآن يدهنون طعمًا في ادهانك فالفاء للسببية داخلة على جملة مسببة عما قبلها وقدر المبتدأ لمكان رفع بالفعل والفرق بين الوجهين أن المعنى على أنهم تمنوا لو تدهن فتترتب مداهنتهم على مداهنتك ففيه ترتب احدى المداهنتين على الأخرى في الخارج ولو فيه غير مصدرية وعلى الثاني هي مصدرية والترتب ذهني على ودادتهم وتمنيهم وجوز أن تكون الفاء لعطف يدهنون على تدهن على أنه داخل معه في حيز لو متمني مثله والمعنى ودوا لو يدهنون عقيب ادهانك وما تقدم أبعد عن القيل والقال وأيًّا ما كان فالمعتبر في جانبهم حقيقة الادهان الذي هو إظهار الملاينة واضمار خلافها واما في جانبه عليه الصلاة والسلام فالمعتبر بالنسبة إلى ودادتهم هو إظهار الملاينة فقط وأما اضمار خلافها فليس في حيز الاعتبار بل هم في غاية الكراهة له وإنما اعتباره بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام وفي بعض المصاحف كما قال هارون فيدهنوا بدون نون الرفع فقيل هو منصوب في جواب التمني المفهوم من ودوا وقيل انه عطف على تدهن بناء على أن لو نزلة ان الناصبة فلا يكون لها جواب وينسبك منها ومما بعدها مصدر يقع مفعولًا لودوا كأنه قيل ودوا أن تدهن فيدهنوا ولعل هذا مراد من قال أنه عطف على توهم أن وجمهور النحاة على أن لو على حقيقتها وجوابها محذوف وكذا مفعول ودوا أي ودوا ادهانك لو تدهن فيدهنون لسروا بذلك.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)}
{وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ} كثير الحلف في الحق والباطل وكفى بهذا مزجرة لمن اعتاد الحلف لأنه جعل فاتحة المثالب وأساس الباقي وهو يدل على عدم استشعار عظمة الله عز وجل وهو أم كل شر عقدًا وعملًا وذكر بعضهم أن كثرة الحلف مذمومة ولو في الحق لما فيها من الجرأة على اسمه جل شأنه وهذا النهي للتهييج والالهاب أيضًا أي دم على ما أنت عليه من عدم طاعة كل حلاف {مُّهِينٌ} حقير الرأي والتدبير وقال الرماني المهين الوضيع لإكثاره من القبيح من المهانة وهي القلة وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد عن قتادة أنه قال هو المكثار في الشر وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس أنه الكذاب.

.تفسير الآية رقم (11):

{هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)}
{هَمَّازٍ} عياب طعان قال أبو حيان هو من الهمز وأصله في اللغة الضرب طعنًا باليد أو بالعصا ونحوها ثم استعير للذي ينال بلسانه قال منذر بن سعيد وبعينه وإشارته {مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه الإفساد بينهم فإن النميم والنميمة مصدران عنى السعاية والإفساد وقيل النميم جمع نميمة يريدون به الجنس واصل النميمة الهمس والحركة الخفيفة ومنه اسكت الله تعالى نامته أي ما ينم عليه من حركته.

.تفسير الآية رقم (12):

{مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)}
{مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ} أي بخيل ممسك من منع معروفه عنه إذا أمسكه فاللام للتقوية والخير على ما قيل المال أو مناع الناس الخير وهو الإسلام من منعت زيدًا من الكفر إذا حملته على الكف فذكر الممنوع منه كأنه قيل مناع من الخير دون الممنوع وهو الناس عكس وجه الأول والتعميم هنا لك وعدم ذكر الممنوع منه أوقع {مُعْتَدٍ} مجاوز في الظلم حده {أَثِيمٍ} كثير الآثام وهي الأفعال البطئة عن الثواب والمراد بها المعاصي والذنوب.

.تفسير الآية رقم (13):

{عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)}
{عُتُلٍ} قال ابن عباس الشديد الفاتك وقال الكلبي الشديد الخصومة بالباطل وقال معمر وقتادة الفاحش اللئيم وقيل هو الذي يعتل الناس أي يجرهم إلى حبس أو عذاب بعنف وغلظة ويقال عتنه بالنون كما يقال عتله باللام كما قال ابن السكيت وقرأ الحسن عتل بالرفع على الذم {بَعْدَ ذَلِكَ} أي المذكور من مثالبه وقبائحه وبعد هنا كثم الدالة على التفاوت الرتبي فتدل على أن ما بعد أعظم في القباحة وفي الكشف أشعر كلام الزمخشري أنه متعلق بعتل فلزم تباينه من الصفات السابقة وتباين ما بعده أيضًا لأنه في سلكه {زَنِيمٍ} دعى ملحق بقوم ليس منهم كما قال ابن عباس والمراد به ولد الزنا كما جاء بهذا اللفظ عنه رضي الله تعالى عنه وأنشد الحسان:
زنيم تداعته الرجال زيادة ** كما زيد في عرض الأديم الاكارع

وكذا جاء عن عكرمة وأنشد:
زنيم ليس يعرف من أبوه ** بغي الأم ذو حسب لئيم

من الزنمة بفتحات وهي ما يتدلى من الجلد في حلق المعز والفلقة من أذنه تشق فتترك معلقة وإنما كان هذا أشد المعايب لأن الغالب أن النطفة إذا خبث الناشئ منها ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم فرخ الزنا أي ولده لا يدخل الجنة فهو محمول على الغالب فإنه في الغالب لخباثة نطفته يكون خبيثًا لا خير فيه أصلًا فلا يعمل عملًا يدخل به الجنة وقال بعض الأجلة هذا خارج مخرج التهديد والتعريض بالزاني وحمل على أنه لا يدخل الجنة مع السابقين لحديث الدارمي عن عبد الله بن عمر مرفوعًا لا يدخل الجنة عاق ولا ولد زنية ولا منان ولا مدمن خمر فإنه سلك في قرن العاق والمنان ومدمن الخمر ولا إرتيباب أنهم عند أهل السنة ليسوا من زمرة من لا يدخل الجنة أبدًا وقيل المراد أنه لا يدخل الجنة بعمل أبويه إذا مات صغيرًا بل يدخلها حض فضل الله تعالى ورحمته سبحانه كأطفال الكفار عند الجمهور وروى ابن جبير عن ابن عباس أن الزنيم هو الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بالزنمة وفي رواية ابن أبي حاتم عنه هو الرجل يمر على القوم فيقولون رجل سوء والمآل واحد وعنه أيضًا أنه المعروف بالابنة ولا يخفى أن المأبون معدن الشرور بل من لم يصل في ذلك الأمر الشنيع إلى تلك المرتبة كذلك في الأغلب ولا حاجة إلى كثرة الاستشهاد في هذا الباب وفي قول الشاعر الاكتفاء وهو:
ولكم بذلت لك المودة ناصحا ** فغدوت تسلك في الطريق الأعوج

ولكن رجوتك للجميل وفعله ** يومًا فناداني النهي لا ترتج

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أنه قال نزل على النبي صلى الله عليه وسلم{ولا تطع كل حلاف} [القلم: 10] إلخ فلم يعرف حتى نزل عليه الصلاة والسلام بعد ذلك زنيم فعرفناه له زنمة في عنقه كزنمة الشاة واستشكل هذا بأن الزنيم عليه ليس صفة ذم فضلًا عن كونه أعظم فيه من الصفات التي قبل ذلك على ما يفيده بعد ذلك ولا يكاد يحسن تعليل النهي به على أن من المعلوم أن ليس المراد بالموصوف بهذه الصفات شخصًا بعينه لمكان كل ويحمل ما جاء في الروايات من أنه الوليد بن المغيرة المخزومي وكان دعيا في قريش ليس من سنخهم ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده أو الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الأخنس بن سريق وكان أصله من ثقيف وعداده في زهرة أو الأسود بن عبد يغوث أو أبو جهل على بيان سبب النزول وقيل في ذلك أن المراد ذمه بقبح الخلق بعد ذمه بما تقدم وهو كما ترى فتأمل فلعلك تظفر بما يريح البال ويزيح الاشكال وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (14):

{أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)}
{أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} بتقدير لام التعليل وهو متعلق بقوله سبحانه: {لا تطع} [القلم: 10] أي لا تطع من هذه مثالبه لأن كان متمولًا متقويًا بالبنين وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (15):

{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)}
{إِذَا تتلى عَلَيْهِ ءاياتنا قَالَ أساطير الاولين} استئناف جار مجرى التعليل للنهي وجوز أن يكون لأن متعلقًا بنحو كذب ويدل عليه الجملة الشرطية ويقدر مقدما دفعا لتوهم الحصر كأنه قيل كذب لأن كان إلخ والمراد انه بطر نعمة الله تعالى ولم يعرف حقها ولم يجوز تعلقه بقال المذكور بعد لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ولعل من يقول باطراد التوسع في الظرف يجوز ذلك وكذا من يجعل اذاهنا ظرفية وقال أبو علي الفارسي يجوز تعلقه بعتل وان كان قد وصف وتعقبه أبو حيان بأنه قول كوفي ولا يجوز ذلك عند البصريين وقيل متعلق بزنيم ويحسن ذلك إذا فسر بقبيح الأفعال وقرأ الحسن وابن أبي اسحق وأبو جعفر وأبو بكر وحمزة وابن عامر أأن كان على الاستفهام وحقق الهمزتين حمزة وسهل الثاني باقيهم على ما في البحر وقال بعض قرأ أبو بكر وحمزة بهمزتين وابن عامر بهمزة ومدة والمعنى أكذب بها لأن كان ذا مال أو أطيعه لأن كان إلخ وقرأ نافع في رواية اليزيدي عنه إن كان بالكسر على أن شرط الغنى في النهي عن الطاعة كالتعليل بالفقر في النهي عن قتل الأولاد عنى النهي في غير ذلك يعلم بالطريق الأولى فيثبت بدلالة النص والشرط والعلة في مثله مما لا مفهوم له أو على أن الشرط للمخاطب وحاصل المعنى لا تطع كل حلاف إلخ شارطا يساره لأن اطاعة الكافر لغناه نزلة اشتراط غناه في الطاعة وفيه تنزيل المخاطب منزلة من شرط ذلك وحققه زيادة للالهاب والثبات وتعريضًا بمن يحسب الغنى مكرمة والظاهر أن الجملة الشرطية بعد استئناف وقيل هذا مما اجتمع فيه شرطان وليسا من الشروط المترتبة الوقوع فالمتأخر لفظًا هو المتقدم والمتقدم لفظًا هو شرط في الثاني فهو كقوله:
فإن عثرت بعدها ان وألت ** نفسي من هاتا فقولا لالعا

وقرأ الحسن أئذا على الاستفهام وهو استفهام تقريع وتوبيخ على قوله أساطير الأولين.