فصل: تفسير الآية رقم (44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (44):

{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)}
{خاشعة أبصارهم} لعظم ما تحققوه ووصفت أبصارهم بالخشوع مع أنه وصف الكل لغاية ظهور آثاره فيها {تَرْهَقُهُمْ} تغشاهم {ذِلَّةٌ} شديدة {ذلك} الذي ذكر ما سيقع فيه من الأحوال الهائلة {اليوم الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ} أي في الدنيا واسم الإشارة مبتدأ واليوم خبر والموصول صفته والجملة بعده صلته والعائد محذوف أي يوعدونه وقرأ عبد الرحمن بن خلاذ عن داود بن سالم عن يعقوب والحسن بن عبد الرحمن عن التمار ذلة بغير تنوين مضافًا إلى ذلك اليوم بالجر هذا واعلم أن بعض المتصوفة في هذا الزمان ذكر في شأن هذا اليوم الذي أخبر الله تعالى ان مقداره خمسون ألف سنة أن المراتب أربع الملك والملكوت والجبروت واللاهوت وكل مرتبة عليا محيطة بالسفلى وأعلى منها بعشر درجات لأنها تمام المرتبة لأن الله تعالى خلق الأشياء من عشر قبضات يعني من سر عشر مراتب الافلاك التسعة والعناصر في كل عالم بحسبه ولذا ترتبت مراتب الاعداد على الأربع والألف منتهى المراتب وأقصى الغايات ولما كانت النسبة إلى الرب أي إلى وجهة الحق هي الغاية القصوى بالنسبة إلى ما عداها {أن إلى ربك المنتهى} [النجم: 42] كان اليوم الواحد المنسوب إليه ألفا ولذا كان اليوم الربوبي ألف سنة كما قال سبحانه: {وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون} [الحج: 47] فإذا ترقى الكون واقتضت الحكمة ظهور النشأة الأخرى وبروز آثار الاسم الأعظم في مقام الألوهية في رتبة الجامع ظهر الكون والأكوان والمكونات في محشر واحد على مراتبها في الأعيان فظهر سر النون من كلمة {كن} لظهور فيكون فظهر الخمسون في العود كما نزل في البدء وهو قوله سبحانه: {كما بدأكم تعودون} [الأعراف: 69] فكان اليوم الواحد عند ظهور الاسم الأعظم في الجهة الجامعة خمسين ألف سنة فالألف لترقي الواحد ولما كانت المراتب خمسين كان خمسين ألفا والخمسون تفاصيل ظهور اسم الرب عند ظهور اسم الله في عالم الأمر الذي هو أول مراتب التفصيل في قوله تعالى كن وكان أول ظهور التفصيل خمسين لأن التوحيد الظاهر في النقطة والألف والحروف والكلمة التامة والدلالة التي هي تمام الخمسة إنما كانت في عشرة عوالم المراتب التعينات أو لأن الطبائع الأربعة مع حصول المزاج بظهور طبيعة خامسة وبها تمام الخمسة إنما كانت في عشرة عوالم بحسبها فكان المجموع خمسين والعوالم العشرة هي عالم الامكان وعالم الفؤاد وعالم القلب وعالم العقل وعالم الورح وعالم النفس وعالم الطبيعة وعالم المادة وعالم المثال وعالم الأجسام والخمسون في وجه الرب ووجهة الحق في العالم الأول الذي هو الآخر تكون خمسين ألف سنة انتهى فإن فهمت منه معنى صحيحًا تقبله ذوو العقول ولا يأباه المقول فذك وإلا فاحمد الله تعالى على العافية واسأله عز وجل التوفيق للوصول إلى معالم التحقيق وللشيخ الأكبر قدس سره أيضًا كلام في هذا المقام فمن أراده فليتتبع كتبه وليسأل الله تعالى الفتوحات وهو سبحانه ولي الهبات.

.سورة نوح:

مكية بالاتفاق.
وهي ثمان وعشرون آية في الكوفي وتسع في البصري والشامي وثلاثون فيما عدا ذلك.
ووجه اتصالها بما قبلها على ما قال الجلال السيوطي وأشار إليه غيره أنه سبحانه لما قال في سورة المعارج: {إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم} عقبه تعالى بقصة قوم نوح عليه السلام المشتملة على إغراقهم عن آخرهم بحيث لم يبق منهم في الأرض ديار وبدل خيرا منهم فوقعت موقع الاستدلال والاستظهار لتلك الدعوى كما وقعت قصة أصحاب الجنة في سورة ن موقع الاستظهار لما ختم به تبارك هذا مع تواخي مطلع السورتين في ذكر العذاب الموعد به الكافرون.
ووجه الاتصال على قول من زعم أن السائل هو نوح عليه السلام ظاهر وفي بعض الآثار ما يدل على أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقرؤها على قوم نوح عليه السلام يوم القيامة أخرج الحاكم عن ابن عباس مرفوعا قال: «إن الله تعالى يدعو نوحا وقومه يوم القيامة أول الناس فيقول ماذا أجبتم نوحا فيقولون ما دعانا وما بلغنا ولا نصحنا ولا أمرنا ولا نهانا فيقول نوح عليه السلام دعوتهم يا رب دعاء فاشيا في الأولين والآخرين أمة بعد أمة حتى انتهى إلى خاتم النبيين أحمد صلى الله تعالى عليه وسلم فانتسخه وقرأه وآمن به وصدقه فيقول الله عز وجل للملائكة عليهم السلام ادعوا أحمد وأمته فيدعونهم فيأتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمته يسعى نورهم بين أيديهم فيقول نوح عليه السلام لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأمته هل تعلمون أني بلغت قومي الرسالة واجتهدت لهم بالنصيحة وجهدت أن أستنقذهم من النار سرا وجهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا فيقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمته فإنا نشهد بما أنشدتنا أنك في جميع ما قلت من الصادقين فيقول قوم نوح عليه السلام وأني علمت هذا أنت وأمتك ونحن أول الأمم وأنت آخر الأمم فيقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: {بسم الله الرحمن الرحيم إنا أرسلنا نوحا إلى قومه} حتى يختم السورة فإذا ختمها قالت أمته نشهد إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فيقول الله عز وجل عند ذلك امتازوا إلي أيها المجرمون».
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1)}
{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} هو اسم أعجمي زاد الجوالِقي معرب والكرماني معناه بالسريانية الساكن وصرف لعدم زيادته على الثلاثة مع سكون وسطه وليس بعربي أصلا وقول الحاكم في المستدرك إنما سمي نوحًا لكثرة نوحه وبكائه على نفسه واسمه عبد الغفار لا أظنه يصح وكذا ما ينقل في سبب بكائه من أنه عليه السلام رأى كلبًا أجرب قذرًا فبصق عليه فأنطقه الله تعالى فقال أتعيبني أم تعيب خالقي فندم وناح لذلك والمشهور أنه عليه السلام ابن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف ابن متوشلخ بفتح الميم وتشديد المثناة المضمومة بعدها واو ساكنة وفتح الشين المعجمة واللام والخاء المعجمة ابن خنوخ بفتح الخاء المعجمة وضم النون الخفيفة وبعدها واو ساكنة ثم خاء معجمة وشاع اخنوخ بهمزة أوله وهو ادريس عليه السلام بن يرد ثناة من تحت مفتوحة ثم راء ساكنة مهملة ابن مهلاييل بن قينان بن أنوش بالنون والشين المعجمة ابن شيث بن آدم عليه السلام وهذا يدل على أنه عليه السلام بعد ادريس عليه السلام وفي المستدرك أن أكثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم على أنه قبل ادريس وفيه عن ابن عباس كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون وفيه أيضًا مرفوعًا بعث الله تعالى نوحًا لأربعين سنة فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا وذكر ابن جرير أن مولده كان بعد وفاة آدم عليه السلام ائة وستة وعشرين عامًا وفي التهذيب للنووي رحمه الله تعالى أنه أطول الأنبياء عليهم السلام عمرًا وقيل إنه أطول الناس مطلقًا عمرًا فقد عاش على ما قال شداد الفا وأربعمائة وثمانين سنة ولم يسمع عن أحد أنه عاش كذلك يعني بالاتفاق لئلا يرد الخضر عليه السلام وقد يجاب بغير ذلك وهو على ما قيل أول من شرعت له الشرائع وسنت له السنن وأول رسول أنذر على الشرك وأهلكت أمته والحق أن آدم عليه السلام كان رسولًا قبله أرسل إلى زوجته حواء ثم إلى بنيه وكان في شريعته وما نسخ بشريعة نوح في قول وفي آخر لم يكن في شريعته إلا الدعوة إلى الإيمان ويقال لنوح عليه السلام شيخ المرسلين وآدم الثاني وكان دقيق الوجه في رأسه طول عظيم العينين غليظ العضدين كثير لحم الفخذين ضخم السرة طويل اللحية والقامة جسيمًا واختلف في مكان قبره فقيل سجد الكوفة وقيل بالجبل الأحمر وقيل بذيل جبل لبنان دينة الكرك وفي إسناد الفعل إلى ضمير العظمة مع تأكيد الجملة ما لا يخفى من الاعتناء بأمر ارساله عليه السلام {إلى قَوْمِهِ} قيل هم سكان جزيرة العرب ومن قرب منهم لا أهل الأرض كافة لاختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة من بين المرسلين عليهم السلام وما كان لنوح بعد قصة الغرق على القول بعمومه أمر اتفاقي واشتهر أنه عليه الصلاة والسلام كان يسكن أرض الكوفة وهناك أرسل {أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ} أي أي أنذر قومك على أن أن تفسيرية لما في الإرسال من معنى القول دون حروفه فلا محل للجملة من الإعراب أو بأن أنذرهم أي بإنذارهم أو لانذارهم على أن أن مصدرية وقبلها حرف جر مقدر هو الباء أو اللام وفي المحل بعد الحذف من الجر والنصب قولان مشهوران ونص أبو حيان على جواز هذا الوجه في بحره هنا ومنعه في موضع آخر وحكى المنع عنه ابن هشام في المغنى وقال زعم أبو حيان أنها لا توصل بالأمر وان كل شيء سمع من ذلك فأن فيه تفسيرية واستدل بدليلين أحدهما أنهما إذا قدّرا بالمصدر فات معنى الأمر الثاني أنهما لم يقعا فاعلًا ولا مفعولًا لا يصح أعجبني أن قم ولا كرهت أن قم كما يصح ذلك مع الماضي والمضارع والجواب عن الأول أن فوات معنى الأمرية عند التقدير بالمصدر كفوات معنى المضي والاستقبال في الموصولة بالمضارع والماضي عند التقدير المذكور ثم أنه يسلم مصدرية المخففة مع لزوم نحو ذلك فيها في نحو قوله تعالى:{والخامسة أن غضب الله عليها} [النور: 9] إذ لا يفهم الدعاء من المصدر إلا إذا كان مفعولًا مطلقًا نحو سقيا ورعيا وعن الثاني أنه إنما منع ما ذكره لأنه لا معنى لتعليق الاعجاب والكراهية بالإنشاء لا لما ذكره ثم ينبغي له أن لا يسلم مصدرية كي لأنها لا تقع فاعلا ولا مفعولًا وإنما تقع مخفوضة بلام التعليل ثم مما يقطع به على قوله بالبطلان حكاية سيبويه كتبت إليه بأن قم واحتمال زيادة الباء كما يقول وهم فاحش لأن حروف الجر مطلقًا لا تدخل إلا على الإسم أو ما في في تأويله انتهى وأجاب بعضهم عن الأول أيضًا بأنه عند التقدير يقدر الأمر فيقال فيما نحن فيه مثلًا أنا أرسلنا نوحًا إلى قومه بالأمر بانذارهم وتعقب بأنه ليس هناك فعل يكون الأمر مصدره كامرنا أو نأمر ثم أنه يكون المعنى في نحو امرته بأن قم أمرته بالأمر بالقيام وأشار الزمخشري إلى جواب ذلك هو أنه إذا لم يسبق لفظ الأمر أو ما في معناه من نحو رسمت فلابد من تقدير القول لئلا يبطل الطلب فيقال هنا أرسلناه بأن قلنا له أنذر أي بالأمر بالإنذار وإذا سبقه ذلك لا يحتاج إلا تقديره لأن مآل العبارات أعنى أمرته بالقيام وأمرته بأنه قم وإن قم بدون الباء على أنها مفسرة إلى واحد وفي الكشف لو قيل أن التقدير وأرسلناه بالأمر بالإنذار من دون اضمار القول لأن الأمرية ليست مدلول جوهر الكلمة بل من متعلق الاداة فيقدر بالمصدر تبعًا وفي أمر المخاطب اكتفى بالصيغة تحقيقًا لكان حسنًا وهذا كما أن التقدير في أن لا يزني خير له عدم الزنا فيقدر النفي بالمصدر على سبيل التبعية وإما إذا صرح بالأمر فلا يحتاج إلى تقدير مصدر للطلب أيضًا هذا ولو قدر أمرته بالأمر بالقيام أي بأن يأمر نفسه به مبالغة في الطلب لم يبعد عن الصواب ولما فهم منه ما فهم من الأول وأبلغ استعمل استعماله من غير ملاحظة الأصل وأوعى بعضهم أن تقدير القول هنا ليس لئلا يفوت معنى الطلب بل لأن الباء المحذوفة للملابسة وارسال نوح عليه السلام لم يكن ملتبسًا بإنذاره لتأخره عنه وإنما هو ملتبس بقول الله تعالى له عليه السلام أنذر ولما كان هذا القول منه تعالى لطلب الإنذار قيل المعنى أرسلناه بالأمر بالإنذار وكان هذا القائل لا يبالي بفوات معنى الطلب كما يقتضيه كلام ابن هشام المتقدم آنفًا وبحث الخفاجي فيما ذكروه من الفوات فقال كيف يفوت معنى الطلب وهو مذكور صريحًا في أنذر ونحوه وتأويله بالمصدر المسبوك تأويل لا ينافيه لأنه مفهوم أخذوه من موارد استعماله فكيف يبطل صريح منطوقه فما ذكروه مما لا وجه له وان اتفقوا عليه فاعرفه انتهى {وأقول} لعلهم أرادوا بفوات معنى الطلب فواته عند ذكر المصدر الحاصل من التأويل بالفعل على معنى أنه إذا ذكر بالفعل لا يتحقق معنى الطلب ولا يتحد الكلامان ولم يريدوا أنه يفوت مطلقًا كيف وتحققه في المنطوق الصريح كنار على علم ويؤيد هذا منعهم بطلان اللازم المشار إليه بقول ابن هشام ان فوات معنى الأمرية عند التقدير بالمصدر كفوات المضي والاستقبال إلخ فكأنه قيل لا نسلم أن هذا الفوات باطل لم لا يجوز أن يكون كفوات معنى المضي والاستقبال وفوات معنى الدعاء في نحو: {أن غضب} [النور: 9] وقد أجمعوا أن ذلك ليس بباطل لأنه فوات عند الذكر بالفعل وليس بلازم وليس بفوات مطلقًا لظهور أن المنطوق الصريح متكفل به فتدبر وقرأ ابن مسعود أنذر بغير أن على إرادة القول أي قائلين أنذر {قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} عاجل وهو ما حل بهم من الطوفان كما قال الكلبي أو آجل وهو عذاب النار كما قال ابن عباس والمراد أنذرهم من قبل ذلك لئلا يبقى لهم عذر ما أصلا.

.تفسير الآية رقم (2):

{قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2)}
{قَالَ} استئناف بياني كأنه قيل فما فعل عليه الصلاة والسلام بعد هذا الإرسال فقيل قال لهم {إلى قَوْمِهِ إِنَّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} منذر موضح لحقيقة الأمر واللام في لكم للتقوية أو للتعليل أي لأجل نفعكم من غير أن أسألكم أجرًا وقوله تعالى: