فصل: تفسير الآية رقم (12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (12):

{وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)}
{وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا} مبسوطًا كثيرًا أو ممدودًا بالنماء من مد النهر ومده نهر آخر وقيل كان له الضرع والزرع والتجارة وعن ابن عباس هو ما كان له بين مكة والطائف من الإبل والنعم والجنان والعبيد وقيل كان له بستان بالطائف لا تنقطع ثماره صيفًا وشتاء وقال النعمان بن بشير المال الممدود هو الأرض لأنها مدت وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه المستغل الذي يجبى شهرًا بعد شهر فهو ممدود لا ينقطع وعن ابن عباس ومجاهد وابن جبير كان له ألف دينار وعن قتادة ستة آلاف دينار وقيل تسعة آلاف دينار وعن سفيان الثوري روايتان أربعة آلاف دينار وألف ألف دينار وهذه الأقوال ان صحت ليس المراد بها تعيين المال الممدود وانه متى أطلق يراد به ذلك بل بيان أنه كان بالنسبة إلى المحدث عنه كذا.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَبَنِينَ شُهُودًا (13)}
{وَبَنِينَ شُهُودًا} حضورًا معه كة يتمتع شاهدتهم لا يفارقونه للتصرف في عمل أو تجارة لكونهم مكفيين لوفور نعمهم وكثرة خدمهم أو حضورًا في الأندية والمحافل لوجاهتهم واعتبارهم أو تسمع شهاداتهم فيما يتحاكم فيه واختلف في عددهم فعن مجاهد أنهم عشرة وقيل ثلاثة عشر وقيل سبعة كلهم رجال الوليد بن الوليد وخالد وهشام وقد أسلم هؤلاء الثلاثة والعاص وقيس وعبد شمس وعمارة واختلفت الرواية فيه أنه قتل يوم بدر أو قتله النجاشي لجناية نسبت إليه في حرم الملك والروايتان متفقتان على أنه قتل كافرًا ورواية الثعلبي عن مقاتل إسلامه لا تصح ونص ابن حجر على أن ذلك غلط وقد وقع في هذا الغلط صاحب الكشاف وتبعه فيه من تبعه والعجب أيضًا أنهم لم يذكروا الوليد بن الوليد فيمن أسلم مع أن المحدثين عن آخرهم أطبقوا على إسلامه.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14)}
{وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا} بسطت له الرياسة والجاه العريض فأتممت عليه نعمتي الجاه والمال واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا وأصل التمهيد التسوية والتهيئة وتجوز به عن بسطة المال والجاه وكان لكثرة غناه ونضارة حاله الرائقة في الأعين منظرًا ومخبرًا يلقب ريحانة قريش وكذا كانوا يلقبونه بالوحيد عنى المنفرد باستحقاق الرياسة وعن ابن عباس وسعت له ما بين اليمن إلى الشام وعن مجاهد مهدت له المال بعضه فوق بعض كما يمهد الفراش.

.تفسير الآية رقم (15):

{ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)}
{ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ} على ما أديته وهو استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه إما لأنه في غنى تام لا مزيد على ما أوتي سعة وكثرة أو لأنه مناف لما هو عليه من كفران النعم ومعاندة المنعم وعن الحسن وغيره أنه كان يقول إن كان محمد صادقًا فما خلقت الجنة إلا لي واستعمال ثم للاستبعاد كثير قيل وهو غير التفاوت الرتبي بل عد الشيء بعيدًا غير مناسب لما عطف عليه كما تقول تسيء إلى ثم ترجو احساني وكان ذلك لتنزيل البعد المعنوي منزلة البعد الزماني.

.تفسير الآية رقم (16):

{كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16)}
{كَلاَّ} ردع وزجر له عن طمعه الفارغ وقطع لرجائه الخائب وقوله سبحانه: {إِنَّهُ كان لاياتنا عَنِيدًا} جملة مستأنفة استئنافًا بيانيا لتعليل ما قبل كأنه قيل لم زجر عن طلب المزيد وما وجه عدم لياقته فقيل إنه كان معاندًا لآيات المنعم وهي دلائل توحيده أو الآيات القرآنية حيث قال فيها ما قال والمعاندة تناسب الإزالة وتمنع من الزيادة قال مقاتل ما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقص من ماله وولده حتى هلك.

.تفسير الآية رقم (17):

{سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)}
{سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} سأغشيه عقبة شاقة المصعد وهو مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعب الذي لا يطاق شبه ما يسوقه الله تعالى له من المصائب وأنواع المشاق بتكليف الصعود في الجبال الوعرة الشاقة وأطلق لفظه عليه على سبيل الاستعارة التمثيلية وروى أحمد والترمذي والحاكم وصححه وجماعة عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفًا ثم يهوى فيه كذلك أبدًا وعنه صلى الله عليه وسلم «يكلف أن يصعد عقبة في النار كلما وضع عليها يده ذابت وإذا رفعها عادت وإذا وضع رجله ذابت فإذا رفعها عادت».

.تفسير الآية رقم (18):

{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)}
{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} تعليل للوعيد واستحقاقه له أو بيان لعناده لآياته عز وجل فيكون جملة مفسرة لذلك لا محل لها من الإعراب وما بينهما اعتراض وقيل الجملة عليه بدل من قوله تعالى: {إنه كان لآياتنا عنيدًا} [المدثر: 16] أي أنه فكر ماذا يقول في شأن القرآن وقدر في نفسه ما يقول.

.تفسير الآية رقم (19):

{فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)}
{فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} تعجيب من تقديره وإصابته فيه المحزورميه الغرض الذي كان ينتحيه قريش فهو نظير {قاتلهم الله أنى يؤفكون} [التوبة: 30] أو ثناء عليه تهكمًا على نحو قاتله الله ما أشجعه أو حكاية لما كرروه على سبيل الدعاء عند سماع كلمته الحمقاء فالعرب تقول قتله الله ما أشجعه وأخزاه الله ما أشعره يريدون أنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك ومآله على ما قيل إلى الأول وإن اختلف الوجه روي أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأن رق له فبلغ ذلك أبا جهل فقال يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك ما لا فيعطوكه فإنك أتيت محمدًا لتصيب مما عنده قال قد علمت قريش أني من أكثرها مالا قال فقل فيه قولًا يبلغ قومك إنك منكر له وانك كاره له قال وماذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني لا برجزه ولا بقصيده ولا باشعار الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا ووالله ان لقوله الذي يقوله حلاوة وان عليه لطلاوة وانه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو ولا يعلى وانه ليحطم ما تحته قال لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال دعني حتى أفكر فلما فكر قال ما هو إلا سحر يؤثر فعجبوا بذلك وقال محيى السنة لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم} [غافر: 1-3] إلى قوله تعالى المصير قام النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد والوليد قريب منه يسمع قراءته فلما فطن النبي عليه الصلاة والسلام لاستماعه أعاد القراءة فانطلق الوليد إلى مجلس قومه بني مخزوم فقال والله لقد سمعت من محمد آنفا كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمغدق وانه ليعلو وما يعلى فقال قريش صبأ والله الوليد والله لتصبأن قريش كلهم فقال أبو جهل أنا أكفيكموه فقعد إليه حزينًا وكلمه بما أحماه فقام فأتاهم فقال تزعمون أن محمدًا مجنون فهل رأيتموه يخنق وتقولون انه كاهن فهل رأيتموه قط يتكهن وتزعمون انه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرًا وتزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئًا من الكذب فقالوا في كل ذلك اللهم لاثم قالوا فما هو ففكر فقال ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه وما الذي يقوله إلا سحر يأثره عن مسيلمة وعن أهل بابل فارتج النادي فرحًا وتفرقوا معجبين بقوله متعجبين منه.

.تفسير الآية رقم (20):

{ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)}
{ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} تكرير للمبالغة كما هو معتاد من أعجب غاية الإعجاب والعطف بثم للدلالة على تفاوت الرتبة وان الثانية أبلغ من الأولى فكأنه قيل قتل بنوع ما من القتل لا بل قتل بأشده وأشده ولذا ساغ العطف فيه مع أنه تأكيد ونحوه ما في قوله:
ومالي من ذنب إليهم علمته ** سوى أنني قد قلت يا سرحة اسلمي

ألا يا اسلمي ثم اسلمي ثمت اسلمي ** ثلاث تحيات وان لم تكلمي

والاطراء في الاعجاب بتقديره يدل على غاية التهكم به ون فرح حصول تفكيره وقال الراغب في غرة التنزيل كان الوليد بن المغيرة لما سئل عن النبي صلى الله عليه وسلم قدر ما أتى به من القرآن فقال إن قلنا شاعر كذبتنا العرب إذا عرضت ما أتى به على الشعر وكان يقصد بهذا التقدير تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم بضرب من الاحتيال فلذلك كان كل تقدير مستحقًا لعقوبة من الله تعالى هي كالقتل اهلاكًا له فالأول لتقديره على الشعر أي أهلك اهلاك المقتول كيف قدر وقوله تعالى ثم قتل كيف قدر لتقديره الآخر فإنه قدر أيضًا وقال فإن ادعينا ان ما أتى به من كلام الكهنة كذبتنا العرب إذا رأوا هذا الكلام مخالفًا لكلام الكهان فهو في تقديره له على كلام الكهنة مستحق من العقوبة لما هو كالقتل اهلاكًا له فجاء ذلك لهذا فلم يكن في الإعادة تكرار والأول هو ما ذهب إليه جار الله وجعل الدعاء اعتراضًا وقال عليه الطيبي أنه ليس من الاعتراض المتعارف الذي ينحل لتزيين الكلام وتقريره لأن الفاء مانعة من ذلك بل هو من كلام الغير ووقع الفاء في تضاعيف كلامه فادخل بين الكلامين المتصلين على سبيل الحكاية ثم قال وهو متعسف وإنما سلكه لأنه جعل الدعاءين من كلام الغير وأما إذا جعلا من كلام الله تعالى استهزاء كما ذكر هو أو دعاء عليه كما ذهب إليه الراغب وعليه تفسير الواحدي على ما قال ونقل عن صاحب النظم {فقتل كيف} [المدثر: 19] أي عذب ولعن كيف قدر كما يقال لأضربنه كيف صنع أي على أي حال كانت منه لتكون الأفعال كلها متناسقة مرتبة على التفاوت في التعقيب والتراخي زمانا ورتبة كما يقتضيه المقام كان أحسن وجاء النظم على السنن المألوف من التنزيل إلى آخر ما قال وما تقدم أبعد مغزى والاعتراض من المتعارف وهو يؤكد ما سيق له الكلام أحسن تأكيد والفار غير مانعة على ما نص عليه جار الله وغيره وجعل من الاعتراض المقرون بها فاسألوا أهل الذكر ومنه قوله:
واعلم فعلم المرء ينفعه ** أن سوف يأتي كل ما قدرا

وقد حقق أنه بالحقيقة نتيجة وقعت بين أجزاء الكلام اهتمامًا بشأنها فأفادت فائدة الاعتراض وعدت منه والاعتراض بين قوله تعالى: {إنه فكر وقدر} [المدثر: 18] وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (21):

{ثُمَّ نَظَرَ (21)}
{ثُمَّ نَظَرَ} للعطف وثم فيه وفيما بعد على معناها الوضعي وهو التراخي الزماني مع مهلة أي ثم فكر في أمر القرآن مرة بعد أخرى.

.تفسير الآية رقم (22):

{ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)}
{ثُمَّ عَبَسَ} قطب وجه لما لم يجد فيه مطعنًا وضاقت عليه الحيل ولم يدر ماذا يقول وقيل ثم نظر في وجوه القوم ثم قطب وجهه وقيل نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قطب في وجهه عليه الصلاة والسلام {وَبَسَرَ} أي أظهر العبوس قبل أوانه وفي غير وقته فالبسر الاستعجال بالشيء نحو بسر الرجل لحاجة طلبها في غير أوانها وبسر الفحل الناقة ضربها قبل أن تطلب وماء بسر متناول من غديره قبل سكونه وقيل للجبن الذي ينكأ قبل النضج بسر ومنه قيل لما لم يدرك من الثمر بسر وبهذا فسره الراغب هنا وفسره بعضهم باشد العبوس من بسر إذا قبض ما بين عينيه كراهة للشيء واسود وجهه منه ويستعمل عنى العبوس ومنه قول توبة:
قد رابني منها صدود رأيته ** وإعرضها عن حاجتي وبسورها

وقول سعد لما أسلمت راغمتني أمي فكانت تلقاني مرة بالبشر ومرة بالبسر فحينئذ يكون ذكر بسر كالتأكيد لعبس ولعله مراد من قال اتباع له وأهل اليمين يقولون بسر المركب وأبسر إذا وقف ولم أر من جوز إرادة ذلك هنا ولو على بعد وفي النفس من ثبوت ذلك لغة صحيحة توقف.