فصل: تفسير الآية رقم (6):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (6):

{يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)}
{يَسْئَلُ} سؤال استهزاء {أَيَّانَ يَوْمُ القيامة} أي متى يكون والجملة قيل حال وقيل تفسير ليفجر وقيل بدل منه واختار المحققون أنه استئناف بياني جيء به تعليلًا لإرادة الدوام على الفجور إذ هو في معنى لأنه أنكر البعث واستهزأ به وفيه أن من أنكر البعث لا محالة يرتكب أشد الفجور وطرف من قوله تعالى: {هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا}

.تفسير الآية رقم (7):

{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)}
{فَإِذَا بَرِقَ البصر} تحير فزعًا وأصله من برق الرجل إذا نظر إلى البرق فدهش بصره ومنه قول ذي الرمة:
ولو أن لقمان الحكيم تعرضت ** لعينيه مي سافرًا كاد يبرق

ونظيره قمر الرجل إذا نظر إلى القمر فدهش بصره وكذلك ذهب وبقر للدهش من النظر إلى الذهب والبقر فهو استعارة أو مجاز مرسل لاستعماله في لازمه أو في المطلق وقرأ نافع وزيد بن ثابت وزيد بن علي وأبان عن عاصم وهارون ومحبوب كلاهما عن أبي عمرو وخلق آخرون برق بفتح الراء فقيل هي لغة في برق بالكسر وقيل هو من البريق عنى لمع من شدة شخوصه وقرأ أبو السمال بلق باللام عوض الراء أي انفتح وانفرج يقال بلق الباب أبلقته وبلقته فتحته هذا قول أهل اللغة إلا الفراء فإنه يقول بلقه وأبلقه إذا أغلقه وخطأه ثعلب وزعم بعضهم أنه من الأضداد والظاهر أن اللام فيه أصلية وجوز أن تكون بدلًا من الراء فهما يتعاقبان في بعض الكلم نحو نتر ونتل ووجر ووجل.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)}
على البناء للمفعول.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)}
{وَجُمِعَ الشمس والقمر} حيث يطلعهما الله تعالى من المغرب على ما روي عن ابن مسعود ولا ينافيه الخسوف إذ ليس المراد به مصطلح أهل الهيئة وهو ذهاب نور القمر لتقابل النيرين وحيلولة الأرض بينهما بل ذهاب نوره لتجل خاص في ذلك اليوم أو لاجتماعه مع الشمس وهو المحاق وجوز أن يكون الخسوف بالمعنى الاصطلاحي ويعتبر في وسط الشهر مثلًا ويعتبر الجمع في آخره إذ لا دلالة على اتحاد وقتيهما في النظم الجليل وأنت تعلم أن هذا خسوف يزري بحال أهل الهيئة ولا يكاد يخطر لهم ببال كالجمع المذكور وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطاء ابن يسار قال يجمعان ثم يقذفان في البحر فيكون نار الله الكبرى وتوسعة البحر أو تصغيرهما مما لا يعجز الله عز وجل وأحوال يوم القيامة على خلاف النمط الطبيعي وحوادثه أمور وراء الطبيعة فلا يقال أين البحر من جرم القمر فضلًا عن جرم الشمس الذي هو بالنسبة إليها كالبعوضة بالنسبة إلى الفيل ولا كيف يجمعان ويقذفان وقيل يجمعان أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران في النار وعن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس يجمعان ويجعلان في نور الحجب وقيل يجمعان ويقربان من الناس فيلحقهم العرق لشدة الحر وقيل جمعًا في ذهاب الضوء وروي عن مجاهد وهو اختيار الفراء والزجاج فالجمع مجاز عن التساوي صفة وفيه بعد إذ كان الظاهر عند إرادة ذلك أن يقال من أول الأمر وخسف الشمس والقمر ولا غبار في نسبة الخسوف إليهما لغة وكذا الكسوف ولم يلحق الفعل علامة التأنيث لتقدمه وكون الشمس مؤنثًا مجازيًا وفي مثله يجوز الأمران وكان اختيار ترك الإلحاق لرعاية حال القمر المعطوف وقال الكسائي إن التذكير حمل على المعنى والتقدير جمع النوران أو الضياآن وليس بذاك.

.تفسير الآية رقم (10):

{يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)}
{يَقُولُ الإنسان يَوْمَئِذٍ} يوم إذ تقع هذه الأمور {أَيْنَ المفر} أي الفرار يأسًا منه وجوز إبقاؤه على حقيقة الاستفهام لدهشته وتحيره وقرأ الحسن ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن بن زيد وابن عباس ومجاهد وعكرمة وجماعة كثيرة المفر بفتح الميم وكسر الفاء اسم مكان قياسي من يفر بالكسر أي أين موضع الفرار وجوز أن يكون مصدرًا أيضًا كالمرجع وقرأ الحسن البصري بكسر الميم وفتح الفاء ونسبها ابن عطية للزهري أي الجيد الفرار وأكثر ما يستعمل هذا الوزن في الآلات وفي صفات الخيل ومنه قوله:
مكر مفر مقبل مدبر معا ** كجلمود صخر حطه السيل من عل

واختلف في هذا اليوم فالأكثرون على أنه يوم القيامة وهو المنصور وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد أنه قال فإذا برق البصر عند الموت والاحتضار {وخسف القمر وجمع الشمس والقمر} [القيامة: 8، 9] أي كور يوم القيامة وجوز أن يكون الأخيران عند الموت أيضًا ويفسر الخسوف بذهاب ضوء البصر منه وجمع الشمس والقمر باستتباع الروح حاسة البصر في الذهاب والتعبير بالشمس عن الروح وبالقمر عن حاسة البصر على نهج الاستعارة فإن نور البصر بسبب الروح كما أن نور القمر بسبب الشمس أو يفسر الخسوف بما سمعت وجمع الشمس والقمر بوصول الروح الإنسانية إلى من كانت تقتبس منه نور العقل وهم الأرواح القدسية المنزهة عن النقائص فالقمر مستعار للروح والشمس لسكان حظيرة القدس والملأ الأعلى لأن الروح تقتبس منهم الأنوار اقتباس القمر من الشمس ووجه الاتصال بما قبل على جعل الكل عند الموت أنه إذ ذاك ينكشف الأمر للإنسان فيعلم على أتم وجه حقيقة ما أخبر به وأنت تعلم أن هذا على علاته أقرب إلى باب الإشارة على منزع الصوفية وإذا فتح هذا الباب فلا حصر فيما ذكر من الاحتمال عند ذوي الألباب.

.تفسير الآية رقم (11):

{كَلَّا لَا وَزَرَ (11)}
{كَلاَّ} ردع عن طلب المفر وتمنيه {لاَ وَزَرَ} لا ملجأ وأصله الجبل المنيع وقد كان مفرًا في الغالب لفرار العرب واشتقاقه من الوزر وهو الثقل ثم شاع وصار حقيقة لكل ملجأ من جبل أو حصن أو سلاح أو رجل أو غير ذلك ومنه قوله:
ما للفتى من وزر ** من الموت يدركه والكبر

.تفسير الآية رقم (12):

{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)}
{إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر} أي إليه جل وعلا وحده استقرار العباد أي لا ملجأ ولا منجي لهم غيره عز وجل أو إلى حكمه تعالى استقرار أمرهم لا يحكم فيه غيره سبحانه أو إلى مشيئته تعالى موضع قرارهم من جنة أو نار فمن شاء سبحانه أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار فتقديم الخبر لإفادة الاختصاص وإن اختلف وجهه حسب اختلاف المراد ستقر وكلا لا وزر يحتمل أن يكون من كلامه تعالى يقال للقائل أين المفر يوم يقوله أو هو مقول اليوم على معنى ليرتدع عن طلب الفرار وتمنيه ذلك اليوم ويحتمل أن يكون من تمام قول الإنسان كأنه بعد أن يقول أين المفر يعود على نفسه فيستدرك ويقول كلا لا وزر وأيًا ما كان فالظاهر أن قوله تعالى إلى ربك يومئذٍ المستقر استئناف كالتعليل للجملة قبله أو تحقيق وكشف لحقيقة الحال والخطاب فيه لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ولا يحسن أن يكون من جملة ما يخاطب به القائل ذلك اليوم ولا مما يقوله لنفسه فيه لمكان يومئذٍ وفي البحر الظاهر أن قوله تعالى: {كَلاَّ لاَ وَزَرَ إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر} من تمام قول الإنسان وقيل هو من كلام الله تعالى لا حكاية عن الإنسان. انتهى وفيه بحث وجوز أن تكون كلا عنى ألا الاستفتاحية أو عنى حقًا فتأمل ولا تغفل.

.تفسير الآية رقم (13):

{يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)}
{خَلَقَ الإنسان} أي يخبر {يَوْمَئِذٍ} وذلك على ما عليه الأكثر عند وزن الأعمال {ا قَدَّمَ} أي بما عمل من عمل خيرًا كان أو شرًا فيثاب بالأول ويعاقب على الثاني {وَأَخَّرَ} بما ترك ولم يعمل خيرًا كان أو شرًا فيعاقب بالأول ويثاب بالثاني أو بما قدم من حسنة أو سيئة وا أخر ما سنه من حسنة أو سيئة يعمل بها بعده أخرج ذلك ابن المنذر وعبد بن حميد وغيرهما عن ابن مسعود وهو رواية عن ابن عباس وقال زيد بن أسلم بما قدم من ماله لنفسه فتصدق به في حياته وا أخر منه للوارث وزيد أو وقفه أو أوصى به وقال مجاهد والنخعي بأول عمله وآخره وأخرج ابن جرير عن ابن عباس بما قدم من المعصية وأخر من الطاعة وأخرج نحوه عن قتادة وعبد بن حميد نحوه أيضًا عن عكرمة وعليه فالظاهر أنه عنى بالإنسان الفاجر وفصل هذه الجملة عما قبلها لاستقلال كل منها ومن قوله تعالى: {يِقُولُ} إلخ في الكشف عن شدة الأمر أو عن سوء حال الإنسان.

.تفسير الآية رقم (14):

{بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)}
{بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} أي حجة بينة واضحة على نفسه شاهدة بما صدر عنه من الأعمال السيئة كما يؤذن به كلمة على والجملة الحالية بعد فالإنسان مبتدأ وعلى نفسه متعلق ببصيرة بتقدير أعمال أو المعنى عليه من غير تقدير وبصيرة خبر وهي مجاز عن الحجة البينة الواضحة أو عنى بينة وهي صفة لحجة مقدرة هي الخبر وجعل الحجة بصيرة لأن صاحبها بصير بها فالإسناد مجازي أو هي عنى دالة مجازًا وجوز أن يكون هناك استعارة مكنية وتخييلية والتأنيث للمبالغة وأو لتأنيث الموصوف أعني حجة وقيل ذلك لإرادة الجوارح أي جوارحه على نفسه بصيرة أي شاهدة ونسب إلى القتبي وجوز أن يكون التقدير عين بصيرة وإليه ذهب الفراء وأنشد:
كأن على ذي العقل عينًا بصيرة ** بمجلسه أو منظر هو ناظره

يحاذر حتى يحسب الناس كلهم ** من الخوف لا يخفى عليهم سرائره

وعليه قيل الإنسان مبتدأ أول وبصيرة بتقدير عين بصيرة مبتدأ ثان وعلى نفسه خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر المبتدأ الأول واختبار أبو حيان أن تكون بصيرة فاعلا بالجار والمجرور وهو الخبر عن الإنسان وعمل بالفاعل لاعتماده على ذلك وأمر التأنيث ظاهر وبل للترقي على الوجهين إرادة حجة بصيرة وإرادة عين بصيرة والمعنى عليهما ينبؤ الإنسان بأعماله بل فيه ما يجزي عن الأنباء لأنه عالم بتفاصيل أحواله شاهد على نفسه بما عملت لأن جوارحه تنطق بذلك {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور: 24] وفي كلا الوجهين كما قيل شائبة التجريد وهي في الثاني أظهر وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (15):

{وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)}
{وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ} أي ولو جاء بكل معذرة يمكن أن يعتذر بها عن نفسه حال من المسكن في {بصيرة} أو من مرفوع {ينبؤ} أي هو على نفسه حجة وهو شاهد عليها ولو أتي بكل عذر في الذب عنها ففيه تنبيه على أن الذب لارواج له أو ينبؤ بأعماله ويجازي ويعاقب لا محالة ولو أتي بكل عذر فهو تأكيد لما يفهم من مجموع قوله تعالى ينبأ الإنسان إلخ والمعاذير جمع معذرة عنى العذر على خلاف القياس والقياس معاذر بغير ياء وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع كعادته في اطلاق ذلك على الجموع المخالفة للقياس وإلا فهو ليس من أبنية اسم الجمع وقال صاحب الفرائد يمكن أن يقال الأصل فيه معاذر فحصلت الياء من اشباع الكسرة وهو كما ترى أو جمع معذار على القياس وهو عنى العذر وتعقب بأنه بهذا المعنى لم يسمع من الثقات نعم قال السدى والضحاك المعاذير الستور بلغة اليمن واحدها معذار وحكى ذلك عن الزجاج أي ولو ارخى ستوره والمعنى أن احتجابه في الدنيا واستتاره لا يعني عنه شيئًا لأن عليه من نفسه بصيرة وفيه تلويح إلى معنى قوله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم} [فصلت: 22] الآية وقيل البصيرة عليه الكاتبان يكتبان ما يكون من خير أو شر فالمعنى بل الإنسان عليه كاتبان يكتبان أعماله ولو تستر بالستور ولا يكون في الكلام على هذا شائبة تجريد كما تقدم والإلقاء على إرادة الستور ظاهر وأما على إرادة الاعذار فقيل شبه المجيء بالعذر بالقاء الدلو في البئر للاستقاء به فيكون فيه تشبيه ما يراد بذلك بالماء المروى للعطش ويشير إلى هذا قول السدى في ذلك ولو أدلي بحجة وعذر وقيل المعنى ولو رمى بأعذاره وطرحها واستسلم وقيل ولو أحال بعضهم على بعض كما يقول بعضهم لبعض لولا أنتم لكنا مؤمنين ولو على جميع هذه الأقوال اما أن يكون معنى الشرطية منسلخا عنها كما قيل فلا جواب لها واما أن يكون باقيًا فيها فالجواب محذوف يدل عليه ما قبل واستظهر الخفاجي الأول وفي الآية على بعض وجوهها دليل كما قال ابن العربي على قبول إقرار المرء على نفسه وعدم قبول الرجوع عنه والله تعالى أعلم أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وعبد بن حميد والطبراني وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل وجماعة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة فكان يحرك به لسانه وشفتيه مخافة أن ينفلت منه يريد أن يحفظه فأنزل الله تعالى: {لا تحرك به لسانك} [القيامة: 16] إلخ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليه السلام أطرق وفي لفظ استمع فإذا ذهب قرأه كما وعد الله عز وجل فالخطاب في قوله تعالى: