فصل: تفسير الآية رقم (24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (24):

{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)}
{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} أي شديدة العبوس وباسل أبلغ من باسر فيما ذكر لكنه غلب في الشجاع إذا استدت كلوحته فعدل عنه لا يهامه غير المراد وعني بهذا الوجوه وجوه الكفرة.

.تفسير الآية رقم (25):

{تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)}
{تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} أي داهية عظيمة تقصم فقار الظهر من فقره أصاب فقاره وقال أبو عبيدة فاقرة من فقرت البعير إذا وسمت أنفه بالنار وفاعل نظن ضمير الوجوه بتقدير مضاف أي تظن أربابها وجوز أن يكون الضمير راجعًا إليها على أن الوجه عنى الذات استخدامًا وفيه بعد والظن قيل أريد به اليقين واختاره الطيبي وان المصدرية لا تقع بعد فعل التحقيق الصرف دون فعل الظن أو ما يؤدي معنى العلم فتقع بعده كالمشددة والمخففة على ما نص عليه الرضى وقيل هو على معناه الحقيقي المشهور والمراد تتوقع ذلك واختاره من اختاره ولا دلالة فيه بواسطة التقابل على أن يكون النظر ثم بالمعنى المذكور كما زعمه من زعمه وتحقيق ذلك إن ما يفعل بهم في مقابلة النظر إلى الرب سبحانه لكون ذلك غاية النعمة وهذا غاية النقمة وجيء بفعل الطن هاهنا دلالة على أن ما هم فيه وإن كان غاية الشر يتوقع بعده أشد منه وهكذا أبدًا وذلك لأن المراد بالفاقرة ما لا يكتنه من العذاب فكل ما يفعل به من أشده استدل منه على آخر وتوقع أشد منه وإذا كان ظانًا كان أشد عليه مما إذا كان عالمًا موطنًا نفسه على الأمر على أن العلم بالكائن واقع لا بما يتجدد آنا فآنا فهذا وجه الاتيان بفعل الظن ولم يؤت في المقابل بفعل ظن أو علم لأنهم وصلوا إلى ما لا مطلوب وراءه وذاقوه ثم بعد ذلك التفاوت في ذلك النظر قوة وضعفًا بالنسبة إلى الرائي على ما قرره فلعل هذا حجة على الزاعم لا له أسبغ الله تعالى علينا برؤيته فضله.

.تفسير الآية رقم (26):

{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)}
{كَلاَّ} ردع عن إيثار العاجلة على الآخرة كأنه قيل ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا لما بين أيديكم من الموت الذي تنقطع عنده ما بينكم وبين العاجلة من العلاقة {إِذَا بَلَغَتِ} أي النفس أو الورح الدال على سياق الكلام كما في قول حاتم:
أماوى ما يغنى الثراء عن الفتى ** إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

ونحو قول العرب أرسلت يريدون جاء المطر ولا تكاد تسمعهم يقولون أرسلت السماء نعم قد يصرح فيما هنا بالفاعل فيقال بلغت النفس {التراقى} أي أعالي الصدر وهي العظام المكتنفة ثغرة النحر عن يمين وشمال جمع ترقوة وأنشدوا لدريد بن الصمة.
ورب عظيمة رافعت عنهم ** وقد بلغت نفوسهم التراقي

.تفسير الآية رقم (27):

{وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)}
{وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} أي قال من حضر صاحبها من يرقيه وينجيه مما هو فيه من الرقية وهي ما يستشفي به الملسوع والمريض من الكلام المعد لذلك ومنه آيات الشفاء ولعله أريد به مطلق الطبيب أعم من أن يطب بالقول أو بالفعل وروي عن ابن عباس والضحاك وأبو قلابة وقتادة ما هو ظاهر فيه والاستفهام عند بعض حقيقي وقيل هو استفهام استبعاد وانكار أي قد بلغ مبلغًا لا أحد يرقيه كما يقال عند اليأس من ذا الذي يقدر أن يرقي هذا المشرف على الموت وروي ذلك عن عكرمة وابن زيد وقيل هو من كلام ملائكة الموت أي أيكم يرقي بروحه أملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب من الرقي وهو العروج وروي هذا عن ابن عباس أيضًا وسليمان التيمي والاستفهام عليه حقيقي وتعقب بأن اعتبار ملائكة الرحمة يناسب قوله تعالى بعد {فلا صدق} [القيامة: 31] إلخ ودفع بأن الضمير للإنسان والمراد به الجنس والاقتصار بعد ذلك على أحوال بعض الفريقين لا ينافي العموم فيما قيل ووقف حفص رواية عن عاصم على من وابتدا راق وادغم الجمهور قال أبو علي لا أدري ما وجه قراءته وكذلك قرأ {بل ران} [المطففين: 14] وقال بعضهم كأنه قصد أن لا يتوهم أنها كلمة واحدة فسكت سكتة لطيفة ليشعر انهما كلمتان والا فكان ينبغي أن يدغم في من راق فقد قال سيبويه ان النون تدغم في الراء وذلك نحو من راشد والادغام بغنة وبغير غنة ولم يذكر الإظهار ويمكن أن يقال لعل الاظهار رأي كوفي فعاصم شيخ حفص يذكر أنه كان عالمًا بالنحو واما {بل ران} [المطففين: 14] فقد ذكر سيبويه في ذلك أيضًا ان اظهار اللام وادغامها مع الراء حسنان فلعل حفصًا لما أفرط في إظهار الاظهار فيه صار كالوقف القليل واستدل بقوله تعالى: {إذا بلغت التراقي} [القيامة: 26] على أن النفس جسم لا جوهر مجرد إذ لا يتصف بالحركة والتحيز وأجاب بعض بأن هذه النفس المسند إليها بلوغ التراقي هي النفس الحيوانية لا الروح الأمرية وهي الجوهر المجرد دون الحيوانية وآخر بأن المراد ببلوغها التراقي قرب انقطاع التعلق وهو مما يتصف به المجرد إذ لا يستدعي حركة ولا نحيزا ولا نحوهما مما يستحيل عليه وزعم أنه لا يمكن إرادة الحقيقة ولو كانت النفس جسمًا ضرورة أن بلوغها التراقي لا يتحقق إلا بعد مفارقتها القلب وحينئذ يحصل الموت ولا يقال من راق كما هو ظاهر على الوجه الأول فيه ولا يتأنى أيضًا ما يذكر بعد على ما ستعلمه إن شاء الله تعالى فيه والذي عليه جمهور الأمة سلفًا وخلفًا إن النفس وهي الروح الامربة جسم لطيف جدًا ألطف من الضوء عند القائل بجسميته والنفس الحيوانية مركب لها وهي سارية في البدن نحو سريان ماء الورد في الورد والنار في الفحم وسريان السيال الكهربائي عند القائل به في الأجسام والأدلة على جسميتها كثيرة وقد استوفاها الشيخ ابن القيم في كتاب «الروح» وأتي فيه بالعجب العجاب ثم الظاهر أن المراد ببلوغ التراقي مشارفة الموت وقرب خروج الروح من البدن سلمت الضرورة التي في كلام ذلك الزاعم أم لم تسلم لقوله تعالى وقيل من راق.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)}
{وَظَنَّ أَنَّهُ الفراق} أي وظن الإنسان المحتضر أن ما نزل به الفراق من حبيبته الدنيا ونعيمها وقيل فراق الروح الجسد والظن هنا عند أبي حيان على بابه وأكثر المفسرين على تفسيره باليقني قال الإمام ولعله إنما سمي اليقين هاهنا بالظن لأن الإنسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه يطمع في الحياة لشدة حبه لهذه الحياة العاجلة ولا ينقطع رجاؤه عنها فلا يحصل له يقين الموت بل الظن الغالب مع رجاء الحياة أو لعله سماه بالظن على سبيل التهكم.

.تفسير الآية رقم (29):

{وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)}
{والتفت الساق بالساق} أي التفت ساقه بساقه والنوت عليها عند هلج الموت وقلبه كما روي عن الشعبي وقتادة وأبي مالك وقال الحسن وابن المسيب هما ساقا الميت عند ما لفا في الكفن وقيل المراد بالتفافهما انتهاء أمرهما وما يراد فيهما يعني موتهما وقيل يبسهما بالموت وعدم تحرك إحداهما عن الأخرى حتى كأنهما ملتفتان فهما أول ما يخرج الروح منه فتبردان قبل سائر الأعضاء وتيبسان فالساق عناهما الحقيقي وأل فيها عهدية أو عوض عن المضاف إليه وقال ابن عباس والربيع ابن أنس واسمعيل بن أبي خالد وهو رواية عن الحسن أيضًا التفت شدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة واختلطنا ونحوه قول عطاء اجتمع عليه شدة مفارقة المألوف من الوطن والأهل والولد والصديق وشدة القدوم على ربه جل شأنه لا يدري اذا يقدم عليه فالساق عبارة عن الشدة وهو مثل في ذلك والتعريف للعهد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك التفت أسوق حاضريه من الانس والملائكة هؤلاء يجهزون بدنه إلى القبر وهؤلاء يجهزون روحه إلى السماء فكأنهم للاختلاف في الذهاب والاياب والتردد في الأعمال قد التفت أسوقهم وهذا الالتفاف على حد اشتباك الا سنة.

.تفسير الآية رقم (30):

{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)}
{إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المساق} أي إلى الله تعالى وحكمه سوقه لا إلى غيره على أن المساق مصدر ميمي كالمقال وتقديم الخبر للحصر والكلام على تقدير مضاف هو حكم وقيل هو موعد والمراد به الجنة والنار وقيل ليس هناك مضاف مقدر على أن الرب جل شأنه هو السائق أي سوق هؤلاء مفوض إلى ربك لا إلى غيره والظاهر ما تقدم ثم ان كان هذا في شأن الفاجر أو فيما يعمه والبر يراد بالسوق السوق المناسب للمسوق وهذه الآية لعمري بشارة لمن حسن ظنه بربه وعلم أنه الرب الذي سقت رحمته على غضبه.
قالوا غدا نأتي ديار الحمى ** وينزل الركب بمغناهم

ففقلت لي ذنب فما حيلتي ** بأي وجه أتلقاهم

قالواأليس العفو من شأنهم ** لاسيما عمن ترجاهم

ثم إن جواب إذ محذوف دل عليه ما ذكر أي كان ما كان أو انكشفت للمرء حقيقة الأمر أو وجد الإنسان ما عمله من خير أو شر.

.تفسير الآية رقم (31):

{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)}
{فَلاَ صَدَّقَ} أي ما يجب تصديقه من الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الذي أنزل عليه {وَلاَ صلى} ما فرض عليه أي لم يصدق ولم يصل فلا داخلة على الماضي كما في قوله:
أن تغفر اللهم تغفر جما ** وأي عبد لك لا ألما

والضمير في الفعلين للإنسان المذكور في قوله تعالى أيحسب الإنسان والجملة عطف على قوله سبحانه: {يسأل أيان يوم القيامة} [القيامة: 6] على ما ذهب إليه الزمخشري فالمعنى بناء على ما علمت من أن السؤال سؤال استهزاء واستبعاد استبعد البعث وأنكره فلم يأت بأصل الدين وهو التصديق بما يجب تصديقه به ولا بأهم فروعه وهو الصلاة ثم أكد ذلك يذكر ما يضاده بقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (32):

{وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)}
{ولكن كَذَّبَ وتولى} نفيا لتوهم السكوت أو الشك أي ومع ذلك أظهر الجحود والتولي عن الطاعة.

.تفسير الآية رقم (33):

{ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)}
{ثُمَّ ذَهَبَ إلَى أَهْلِهِِ يَتَمَطّى} يتبختر افتخارًا بذلك ومن صدر عنه مثل ذلك ينبغي أن يخاف من حلول غضب الله تعالى خطاه فيمشي خائفًا متطامنًا لا فرحًا متبخرًا فثم للاسبعاد و{يتمطى} من المط فإن المتبختر يمد خطاه فيكون أصله يتمطط قلبت الطاء فيه حرف علة كراهة اجتماع الامثال كما قالوا تظنى من الظن وأصله تظنن أو من المطا وهو الظهر فإن المختبر يلوي مطاه تبخترًا فيكون معتلًا بحسب الأصل وفي الحديث: «إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم فقد جعل بأسهم بينهم وسلط شرارهم على خيارهم» وجعل الطيبي هذه الجملة للتعجب على معنى يسأل أيان يوم القيامة وما استعد له إلا ما يوجب دماره وهلاكه، وقال إن قوله تعالى: {فإذا برق البصر} [القيامة: 7] إلخ جواب عن السؤال أقحم بين المعطوف عليه لشدة الاهتمام وان قوله سبحانه: {لا تحرك} [القيامة: 16] إلخ استطراد على ما سمعت وجعل صدق من التصديق هو المروى عن قتادة وقال قوم هو من التصدق أي فلا صدق ماله ولا زكاه قال أبو حيان وهذا الذي يظهر نفي عنه الزكاة والصلاة وأثبت له التكذيب كما في قوله تعالى: {قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخائضين وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ الدين} [المدثر: 43-46] وحمله على نفي التصديق يقتضي أن يكون ولكن كذب تكرارًا ولزم أن يكون استدراكًا بعد ولا صلى لا بعد {فلا صدق} [القيامة: 31] لأنهما متوافقان وفيه نظر يعلم مما قررناه ثم أنه استبعد العطف على قوله تعالى يسأل إلخ وذكر أن الآية نزلت في أبي جهل وكات تصرح به في قوله تعالى يتمطى فإنها كانت مشيته ومشية قومه بني مخزوم وكان يكثر منها ولو يبين حال العطف على هذا وأنت تعلم أن العطف لا يأبى حديث النزول في أبي جهل وقد قيل أن قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَن لَنْ نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة: 3] نازل فيه أيضًا والحكم على الجنس بأحكام لا يضر فيه تعين بعض أفراده في حكم منها نعم لا شك في بعد هذا العطف لفظًا لكن في بعده معنى مقال ولعل فيمابعد ما يقوى جانب العطف على ذاك.