فصل: تفسير الآية رقم (34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (34):

{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)}
{أولى لَكَ فأولى} من الولي عنى القرب فهو للتفضيل في الأصل غلب في قرب الهلاك ودعاء السوء كأنه قيل هلاكًا أولى لك عنى أهلكك الله تعالى هلاكًا أقرب لك من كل شر وهلاك وهذا كما غلب بعدًا وسحقًا في الهلاك وفي الصحاح عن الأصمعي قاربه ما يهلكه أي نزل به وأنشد:
فعادى بين هاديتين منها ** وأولى أن نزيد على الثلاث

أي قارب ثم قال قال ثعلب ولم يقل أحد في أولى أحسن مما قاله الأصمعي وعلى هذا أولى فعل مستتر فيه ضمير الهلاك بقرينة السياق واللام مزيدة على ما قيل وقيل هو فعل ماض دعائي من الولي أيضًا إلا أن الفاعل ضميره تعالى واللام مزيدة أي أولاك الله تعالى ما تكرهه أو غير مزيدة أي أدنى الله تعالى الهلاك لك وهو قريب مما ذكر عن الأصمعي وعن أبي علي أن أولى لك علم للويل مبني على زنة أفعل من لفظ الويل على القلب وأصله أويل وهو غير منصرف للعلمية والوزن فهو مبتدأ ولك خبره وفيه أن الويل غير منصرف فيه ومثل يوم أيوم مع أنه غير منقاس لا يفرد عن الموصوف البتة وأن القلب على خلاف الأصل لا يرتكب إلا بدليل وإن علم الجنس شيء خارج عن القياس مشكل التعقل خاصة فيما نحن فيه وقيل اسم فعل مبني ومعناه وليك شر بعد شر واختار جمع أنه أفعل تفضيل عنى الأحسن والأحرى خبر لمبتدأ محذوف بقدر كما يليق قامه فالتقدير هنا النار أولى لك أي أنت أحق بها وأهل لها فأولى.

.تفسير الآية رقم (35):

{ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)}
{ثُمَّ أولى لَكَ فأولى} تكرير للتأكيد وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر والظاهر أن الجملة تذييل للدعاء لا محل لها من الإعراب وجوز أن تكون في موضع الحال بتقدير القول كأنه قيل ثم ذهب إلى أهله يتمطى مقولًا له أولى لك إلخ ويؤيده ما أخرج النسائي والحاكم وصححه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن سعيد بن جبير قال سألت ابن عباس عن قول الله تعالى أولى لك فأولى أشيء قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه أم أمره الله تعالى به قال بل قال من قبل نفسه ثم أنزله الله تعالى واستدل بقوله سبحانه: {فلا صدق ولا صلى} [القيامة: 31] إلخ على أن الكفار مخاطبون بالفروع فلا تغفل.

.تفسير الآية رقم (36):

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)}
{أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى} أي مهملًا فلا يكلف ولا يجزى وقيل أن يترك في قبره فلا يبعث ويقال إبل سدى أي مهملة ترعى حيث شاءت بلا راع وأسديت الشيء أي أهملته وأسديت حاجتي ضيعتها ولم أعتن بها قال الشاعر:
فاقسم بالله جهد اليم ** ين ما خلق الله شيئًا سدى

ونصب سدى على الحال من ضمير يترك وأن يترك في موضع المفعولين ليحسب والاستفهام إنكاري وكان تكريره بعد قوله تعالى أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه لتكرير إنكار الحشر قيل مع تضمن الكلام الدلالة على وقوعه حيث أن الحكمة تقتضي الأمر بالمحاسن والنهي عن القبائح والرذائل والتكليف لا يتحقق إلا جازاة وهي قد لا تكون في الدنيا فتكون في الآخرة وجعل بعضهم هذا استدلالًا عقليًا على وقوع الحشر وفيه بحث لا يخفى وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (37):

{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)}
{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مَّنِىّ يمنى} إلخ استئناف وارد لإبطال الحسبان المذكور فإن مداره لما كان استبعادهم للإعادة دفع ذلك ببدء الخلق وقرأ الحسن ألم تك بباء الخطاب على سبيل الالتفات وقرأ الأكثر تمنى بالتاء الفوقية فالضمير للنطفة أي يمنيها الرجل ويصبها في الرحم وعلى قراءة الياء وهي قراءة حفص وأبي عمرو بخلاف عنه ويعقوب وسلام والجحدري وابن محيصن للمني.

.تفسير الآية رقم (38):

{ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)}
{ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً} أي بقدرة الله تعالى كما قال تعالى: {ثم خلقنا النطفة علقة} [المؤمنون: 14] {فَخَلَقَ} أي فقدر الله عز وجل بأن جعلها سبحانه مخلقة {فسوى} فعدل وكمل.

.تفسير الآية رقم (39):

{فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39)}
{فَجَعَلَ مِنْهُ} أي من الإنسان وقيل من المني {الزوجين} أي الصنفين {الذكر والانثى} بدل من الزوجين والخنثى لا يعدوهما وقرأ زيد بن علي الزوجان بالألف على لغة بني الحرث بن كعب ومن وافقهم من العرب من كون ألمثنى بالألف في جميع حالاته.

.تفسير الآية رقم (40):

{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)}
{أَلَيْسَ ذَلِكَ} العظيم الشأن الذي أنشأ هذا الإنشاء البديع {بِقَادِرٍ} أي قادرًا وقرأ زيد يقدر مضارعًا {على أَن يُحْيِىَ الموتى} وهو أهون من البدء في قياس العقل وقرأ طلحة بن سليمان والفيض بن غزوان على أن يحيى بسكون الياء وأنت تعلم أن حركاتها حركة إعراب لا تنحذف إلا في الوقف وقد جاء في الشعر حذفها بدونه وعن بعضهم يحيى بنقل حركة الياء إلى الحاء وإدغام الياء في الياء قال ابن خالويه لا يجيز أهل البصرة سيبويه وأصحابه إدغام يحيى قالوا لسكون الياء الثانية ولايعتدون بالفتحة فيها لأنها حركة إعراب غير لازمة والفراء أجاز ذلك واحتج بقوله تمشي بشدة فتعي يريد فتعايا وبالجملة القراءة شاذة وجاء في عدة أخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال سبحانك اللهم وبلى وفي بعضها سبحانك فبلى وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ منكم {والتين والزيتون} فانتهى إلى آخرها {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} [التين: 1-8] فليقل بلى {وَأَنَاْ على ذلكم مّنَ الشاهدين} ومن قرأ {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة} [القيامة: 1] فانتهى إلى {أَلَيْسَ ذَلِكَ بقادر على أَن يُحْيِىَ الموتى} فليقل بلى ومن قرأ {والمرسلات} فبلغ {فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [المرسلات: 50] فليقل آمنا بالله.

.سورة الإنسان:

وتسمى سورة الدهر والأبرار والأمشاج وهل أتى.
وهي مكية عند الجمهور على ما في البحر.
وقال مجاهد وقتادة: مدنية كلها.
وقال الحسن وعكرمة والكلبي: مدنية إلا آية واحدة فمكية، وهي: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا}.
وقيل: مدنية إلا قوله تعالى: {فاصبر لحكم ربك} إلى آخرها فإنه مكي.
وعن ابن عادل حكاية مدنيتها على الإطلاق عن الجمهور وعليه الشيعة.
وآيها إحدى وثلاثون آية بلا خلاف.
والمناسبة بينها وبين ما قبلها في غاية الوضوح.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 2):

{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)}
{هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مّنَ الدهر لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} أصله على ما قيل أهل على أن الاستفهام للتقرير أي الحمل على الإقرار بما دخلت عليه والمقرر به من ينكر البعث وقد علم أنهم يقولون نعم قد مضى على الإنسان حين لم يكن كذلك فيقال فالذي أوجده بعد أن لم يكن كيف يمتنع عليه إحياؤه بعد موته وهل عنى قد وهي للتقريب أي تقريب الماضي من الحال فلما سدت هل مسد الهمزة دلت على معناها ومعنى الهمزة معًا ثم صارت حقيقة في ذلك فهي للتقرير والتقريب واستدل على ذلك الأصل بقول زيد الخيل:
سائل فوارس يربوع بشدتنا ** أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم

وقيل هي للاستفهام ولا تقريب وجمعها مع الهمزة في البيت للتأكيد كما في قوله:
ولا للمابهم أبداد واه

بل التأكيد هنا أقرب لعدم الاتحاد لفظًا على أن السيرافي قال الرواية الصحيحة أم هل رأونا على أن أم منقطعة عنى بل وقال السيوطي في شرح شواهد المغني الذي رأيته في نسخة قديمة من ديوان زيد فهل رأونا بالفاء وعن ابن عباس وقتادة هي هنا عنى قد وفسرها بها جماعة من النحاة كالكسائي وسيبويه والمبرد والفراء وحملت على معنى التقريب ومن الناس من حملها على معنى التحقيق وقال أبو عبيدة مجازها قد أتى على الإنسان وليس باستفهام وكأنه أراد ليس باستفهام حقيقة وإنما هي للاستفهام التقريري ويرجع بالآخرة إلى قد أتى ولعل مراد من فسرها بذلك كابن عباس وغيره ما ذكر لا أنها عنى قد حقيقة وفي «المغنى» ما تفيدك مراجعته بصيرة فراجعه والمراد بالإنسان الجنس على ما أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس والحين طائفة محدودة من الزمان شاملة للكثير والقليل والدهر الزمان الممتد الغير المحدود ويقع على مدة العالم جميعها وعلى كل زمان طويل غير معين والزمان عام للكل والدهر وعاء الزمان كلام فلسفي وتوقف الإمام أبو حنيفة في معنى الدهر منكرًا أي في المراد به عرفًا في الايمان حتى يقال اذا يحنث إذا قال والله لا أكلمه دهرًا والمعرف عنده مدة حياة الحالف عند عدم النية وكذا عند صاحبيه والمنكر عندهما كالحين وهو معرفًا ومنكرًا كالزمان ستة أشهر إن لم تكن نية أيضًا وبها ما نوى على الصحيح وما اشتهر من حكاية اختلاف فتاوي الخلفاء الأربعة في ذلك على عهده عليه الصلاة والسلام مستدلًا كل بدليل وقوله صلى الله عليه وسلم بعد الرفع إليه أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم إلا أنه اختار فتوى الأمير كرم الله تعالى وجهه بأن الحين يوم وليلة لما فيه من التيسير لا يصح كما لا يخفى على الناقد البصير ولو صح لم يعدل عن فتوى الأمير معدن البسالة والفتوة بعد أن اختارها مدينة العلم ومفخر الرسالة والنبوة والمعنى هنا قد أتى أو هل أتى على جنس الإنسان قبل زمان قريب طائفة محدودة مقدرة كائنة من الزمان الممتد لم يكن شيئًا مذكورًا بل كان شيئًا غير مذكور بالإنسانية أصلًا أي غير معروف بها على أن النفي راجع إلى القيد والمراد أنه معدوم لم يوجد بنفسه بل كان الموجود أصله مما لا يسمى إنسانًا ولا يعرف بعنوان الإنسانية وهو مادته البعيدة أعني العناصر أو المتوسطة وهي الأغذية أو القريبة وهي النطفة المتولدة من الأغذية المخلوقة من العناصر وجملة لم يكن إلخ حال من الإنسان أي غير مذكور وجوز أن تكون صفة لحين بحذف العائد عليه أي لم يكن فيه شيئًا مذكورًا كما في قوله تعالى: {واتقوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] وإطلاق الإنسان على مادته مجاز بجعل ما هو بالقوة منزلًا منزلة ما هو بالفعل أو هو من مجاز الأول وقيل المراد بالإنسان آدم عليه السلام وأيد الأول بقوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ} فإن الإنسان فيه معرفة معادة فلا يفترقان كيف وفي إقامة الظاهر مقام المضمر فضل التقرير والتمكين في النفس فإذا اختلفا عمومًا وخصوصًا فاتت الملايمة ولا شك أن الحمل على آدم عليه السلام في هذا لا وجه له ولا نقض به على إرادة الجنس بناء على أنه لا عموم فيه ولا خصوص نعم دل قوله سبحانه من نطفة على أن المراد غيره أو هو تغليب وقيل يجعل ما للأكثر للكل مجازًا في الإسناد أو الطرف ورويت إرادته عن قتادة والثوري وعكرمة والشعبي وابن عباس أيضًا وقال في رواية أبي صالح عنه مرت به أربعون سنة قبل أن ينفخ فيه الروح وهو ملقى بين مكة والطائف وفي رواية الضحاك عنه أنه خلق من طين فأقام أربعين سنة ثم من حممسنون فأقام أربعين سنة ثم من صلصال فأقام أربعين سنة فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة ثم نفخ فيه الروح وحكى الماوردي عنه أن الحين المذكور هاهنا هو الزمن الطويل الممتد الذي لا يعرف مقداره وروى نحوه عن عكرمة فقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أنه قال إن من الحين حينًا لا يدرك وتلا الآية فقال والله ما يدري كم أتى عليه حتى خلقه الله تعالى ورأيت لبعض المتصوفة أن هل للاستفهام الإنكاري فهو في معنى النفي أي ما أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، وظاهره القول بقدم الإنسان في الزمان على معنى أنه لم يكن زمان إلا وفيه إنسان وهو القدم النوعي كما قال به من قال من الفلاسفة وهو كفر بالإجماع ووجه بأنهم عنوا شيئية الثبوت لقدم الإنسان عندهم بذلك الاعتبار دون شيئية الوجود ضرورة أنه بالنسبة إليها حادث زمانًا ويرشد إلى هذا قول الشيخ محيي الدين في الباب 853 من الفتوحات المكية لو لم يكن في العالم من هو على صورة الحق ماحصل المقصود من العلم بالحق أعني العلم الحادث في قوله سبحانه كنت كنزًا لم أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق وتعرفت إليهم فعرفوني فجعل نفسه كنزًا والكنز لا يكون إلا مكتنزًا في شيء فلم يكن كنز الحق نفسه إلا في صورة الإنسان الكامل في شيئية ثبوته هناك كان الحق مكنوزًا فلما ألبس الحق الإنسان ثوب شيئية الوجود ظهر الكنز بظهوره فعرفه الإنسان الكامل بوجوده وعلم أنه كان مكنوزًا فيه في شيئية ثبوته وهو لا يشعر به انتهى ولا يخفى أن الأشياء كلها في شيئية الثبوت قديمة لا الإنسان وحده ولعلهم يقولون الإنسان هو كل شيء لأنه الإمام المبين وقد قال سبحانه:{وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} [يس: 12] والكلام في هذا المقام طويل ولا يسعنا أن نطيل بيدانا نقول كون هل هنا للإنكار منكر وإن دعوى صحة ذلك لإحدى الكبر والذي فهمه أجلة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الآية الاخبار الإيجابي أخرج عبد بن حميد وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلًا يقرأ هل أتى على الإنسان شيء من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا فقال ليتها تمت وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلًا يتلو ذلك فقال يا ليتها تمت فعوتب في قوله هذا فأخذ عمودًا من الأرض فقال يا ليتني كنت مثل هذا.
{أَمْشَاجٍ} جمع مشج بفتحتين كسبب وأسباب أو مشج بفتح فكسر ككتف وأكتاف أو مشيج كشهيد وأشهاد ونصير وأنصار أي أخلاط جمع خلط عنى مختلط ممتزج يقال مشجت الشيء إذا خلطته ومزجته فهو مشيج وممشوج وهو صفة لنطفة ووصف بالجمع وهي مفردة لأن المراد بها مجموع ماء الرجل والمرأة والجمع قد يقال على ما فوق الواحد أو باعتبار الإجزاء المختلفة فيهما رقة وغلظًا وصفرة وبياضًا وطبيعة وقوة وضعفًا حتى اختص بعضها ببعض الأعضاء على ما أراده الله تعالى بحكمته فخلقه بقدرته وفي بعض الآثار إن ما كان من عصب وعظم وقوة فمن ماء الرجل وما كان من لحم ودم فمن ماء المرأة والحاصل أنه نزل الموصوف منزلة الجمع ووصف بصفة أجزائه وقيل هو مفرد جاء على أفعال كإعشار وأكياش في قولهم برمة أعشار أي متكسرة وبرد أكياش أي مغزول غزله مرتين واختاره الزمخشري والمشهور عن نص سيبويه وجمهور النحاة أن أفعالًا لا يكون جمعًا وحكى عنه أنه ذهب إلى ذلك في إنعام ومعنى نطفة مختلطة عند الأكثرين نطفة اختلط وامتزج فيها الماءان وقيل اختلط فيها الدم والبلغم والصفراء والسوداء وقيل الأمشاج نفس الأخلاط التي هي عبارة عن هذه الأربعة فكأنه قيل من نطفة هي عبارة عن أخلاط أربعة وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أنه قال أمشاج أي ألوان أي ذات ألوان فإن ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اختلطا ومكثا في قعر الرحم اخضرا كما يخضر الماء بالمكث وروى عن الكلبي وأخرج عن زيد بن أسلم أنه قال الأمشاج العروق التي في النطفة وروى ذلك عن ابن مسعود أي ذات عروق وروى عن عكرمة وكذا ابن عباس أنه قال أمشاج أطوار أي ذات أطوار فإن النطفة تصير علقة ثم مضغة وهكذا إلى تمام الخلقة ونفخ الروح وقوله تعالى: {نَّبْتَلِيهِ} حال من فاعل خلقنا والمراد مريدين ابتلاءه واختباره بالتكليف فيما بعد على أن الحال مقدرة أو ناقلين له من حال إلى حال ومن طور إلى طور على طريقة الاستعارة لأن المنقول يظهر في كل طور ظهورًا آخر كظهور نتيجة الابتلاء والامتحان بعده وروى نحوه عن ابن عباس وعلى الوجهين ينحل ما قيل أن الابتلاء بالتكليف وهو يكون بعد جعله سميعًا بصيرًا لا قبل فكيف يترتب عليه قوله سبحانه: {فجعلناه سَمِيعًا بَصِيرًا} وقيل الكلام على التقديم والتأخير والجملة استئناف تعليلي أي {فجعلناه سَمِيعًا بَصِيرًا} {لنبتليه} وحكى عن الفراء وعسف لأن التقديم لا يقع في حاق موقعه لا لفظًا لأجل الفاء ولا معنى لأنه لا يتجه السؤال قبل الجعل والأوجه الأول وهذا الجعل كالمسبب عن الابتلاء لأن المقصود من جعله كذلك أن ينظر الآيات الآفاقية والأنفسية ويسمع الأدلة السمعية فلذلك عطف على الخلق المقيد به بالفاء ورتب عليه قوله تعالى: