فصل: تفسير الآية رقم (9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (9):

{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)}
{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} على إرادة قول هو في موضع الحال من فاعل {يطعمون} أي قائلين ذلك بلسان الحال لما يظهر عليهم من أمارات الإخلاص وعن مجاهد أما أنهم ما تكلموا به ولكن علمه الله تعالى منهم فأثنى سبحانه به عليهم ليرغب فيه راغب أو بلسان المقال إزاحة لتوهم المن المبطل للصدقة وتوقع المكافأة المنقصة للأجر وعن الصديقة رضي الله تعالى عنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسأل الرسول ما قالوا فإذا ذكر دعاء دعت لهم ثله ليبقى لها ثواب الصدقة خالصًا عند الله عز وجل وجوز أن يكون قولهم هذا لهم لطفًا وتفقيهًا وتنبيهًا على ما ينبغى أن يكون عليه من أخلص لله تعالى وليس بذاك وقوله سبحانه: {لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء} بالأفعال {وَلاَ شُكُورًا} ولا شكرًا وثناء بالأقوال تقرير وتأكيد لما قبله.

.تفسير الآية رقم (10):

{إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)}
{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا يَوْمًا} أي عذاب يوم فهو على تقدير مضاف أو إن خوفه كناية عن خوف ما فيه {عَبُوسًا} تعبس فيه الوجوه على أنه من الإسناد المجازي كما في نهاره صائم فقد روى عن ابن عباس أن الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران أو يشبه الأسد العبوس على أنه من الاستعارة المكنية التخييلية لكن لا يخفى أن العبوس ليس من لوازم الأسد وإنما اشتهر وصفه به ففي التخييلية ضعف ما وقيل أنه من التشبيه البليغ {قَمْطَرِيرًا} شديد العبوس ويقال شديدًا صعبًا كأنه التف شره بعضه ببعض وقيل طويلًا وهو رواية عن ابن عباس وجاء قماطر وأنشدوا لأسد بن ناغصة:
واصطليت الحروب في كل يوم ** باسل الشر قمطرير الصباح

وقول آخر:
بني عمنا هل تذكرون بلائنا ** عليكم إذا ما كان يوم قماطر

وإلى الأول ذهب الزجاج فقال القمطرير الذي يعبس حتى يجتمع ما بين عينيه ويقال اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وزمت بأنفها وجمعت قطريها أي جانبيها كأنها تفعل ذلك إذا لحقت كبرًا وقيل لتضع حملها فاشتقاقه عنده على ما قيل من قطر بالاشتقاق الكبير والميم زائدة وهذا لا يلزم الزجاج فيجوز أن يكون مشتقًا كذلك من القمط ويقال قمطه إذا شده وجمع أطرافه وفي البحر يقال اقمطر فهو مقمطر و{قمطرير} وقماطر إذا صعب واشتد واختلف في هذا الوزن وأكثر النحاة لا يثبتون أفمعل في أوزان الأفعال وهذه الجملة جوز أن تكون علة لإحسانهم وفعلهم المذكور كأنه قيل نفعل بكم ما نفعل لأنا نخاف يومًا صفته كيت وكيت فنحن نرجو بذلك أن يقينا ربنا جل وعلا شره وأن تكون علة لعدم إرادة الجزاء والشكور أي إنا لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله تعالى على طلب المكافأة بالصدقة وإلى الوجهين أشار في الكشاف وقال في الكشف الثاني أوجه ليبقى قوله: {لوجه الله} [الإنسان: 9] خالصًا غير مشوب بحظ النفس من جلب نفع أو دفع ضر ولو جعل علة للإطعام المعلل على معنى إنما خصصنا الإحسان لوجهه تعالى لأنا نخاف يوم جزائه ومن خافه لازم الإخلاص لكان وجهًا.

.تفسير الآية رقم (11):

{فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)}
{قَمْطَرِيرًا فوقاهم الله شَرَّ ذَلِكَ اليوم} بسبب خوفهم وتحفظهم عنه وقرأ أبو جعفر فوقاهم بشد القاف وهو أوفق بقوله تعالى: {ولقاهم نَضْرَةً وَسُرُورًا} أي أعطاهم بدل عبوس الفجار وحزنهم نضرة في الوجوه وسرورًا في القلوب.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَجَزَاهُمْ بما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)}
{وَجَزَاهُمْ بما صَبَرُواْ} بصبرهم على مشاق الطاعات ومهاجرة هوى النفس في اجتناب المحرمات وإيثار الأموال ما كلا وملبسا {جَنَّةُ} بستانًا عظيمًا يأكلون منه ما شاؤا {وَحَرِيرًا} يلبسونه ويتزينون به ومن رواية عطاء عن ابن عباس أن الحسن والحسين مرضا فعادهما جدهما محمد صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وعادهما من عادهما من الصحابة فقالوا لعلي كرم الله تعالى وجهه يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما أن برآ مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام شكرًا فالبس الله تعالى الغلامين ثوب العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير فانطلق علي كرم الله تعالى وجهه إلى شمعون اليهودي الخيبري فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير فجاء بها فقامت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى صاع فطحنته وخبزت منه خمسة أقراص على عددهم وصلى علي كرم الله تعالى وجهه مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فوقف بالباب سائل فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله تعالى من موائد الجنة فآثروه وباتوا لم يذوقوا شيئًا إلا الماء وأصبحوا صيامًا ثم قامت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى صاع آخر فطحنته وخبزته وصلى علي كرم الله تعالى وجهه مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فوقف يتيم بالباب وقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم يتيم من أولاد المهاجرين أطعموني أطعمكم الله تعالى من موائد الجنة فآثروه ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئًا إلا الماء القراح وأصبحوا صيامًا فلما كان يوم الثالث قامت فاطمة رضي الله تعالى عنها إلى الصاع الثالث وطحنته وخبزته وصلى علي كرم الله تعالى وجهه مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب فأتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فوقف أسير بالباب فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم أنا أسير محمد عليه الصلاة والسلام أطعموني أطعمكم الله فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء القراح فلما أصبحوا أخذ علي كرم الله تعالى وجهه الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال يا أبا الحسن ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم وقام فانطلق معهم إلى فاطمة رضي الله تعالى عنها فرآها في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها من شدة الجوع فرق لذلك صلى الله عليه وسلم وساءه ذلك فهبط جبريل عليه السلام فقال خذها يا محمد هناك الله تعالى في أهل بيتك قال وما آخذ يا جبريل فاقرأه.
{هل أتى على الإنسان} [الإنسان: 1] السورة وفي رواية ابن مهران فوثب النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل على فاطمة فأكب عليها يبكي فهبط جبريل عليه السلام بهذه الآية {إن الأبرار يشربون} [الإنسان: 5] إلى آخره وفي رواية عن عطاء أن الشعير كان عن أجرة سقي نخل وأنه جعل في كل يوم ثلث منه عصيدة فآثروا بها وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في قوله سبحانه: {وَيُطْعِمُونَ} إلخ نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر القصة والخبر مشهور بين الناس وذكره الواحدي في كتاب البسيط وعليه قول بعض الشيعة:
إلام آلام وحتى متى ** أعاتب في حب هذا الفتى

وهل زوجت غيره فاطم ** وفي غيره هل أتى هل أتى

وتعقب بأنه خبر موضوع مفتعل كما ذكره الترمذي وابن الجوزي وآثار الوضع ظاهرة عليه لفظًا ومعنى ثم إنه يقتضي أن تكون السورة مدنية لأن بناء علي كرم الله تعالى وجهه على فاطمة رضي الله تعالى عنها كان بالمدينة وهي عند ابن عباس المروى هو عنه على ما أخرج النحاس مكية وكذا عند الجمهور في قول وأقول أمر مكيتها ومدنيتها مختلف فيه جدًا كما سمعت فلا جزم فيه بشيء وابن الجوزي نقل الخبر في تبصرته ولم يتعقبه على أنه ممن يتساهل في أمر الوضع حتى قالوا أنه لا يعول عليه في هذا الباب فاحتمال أصل النزول في الأمير كرم الله تعالى وجهه وفاطمة رضي الله تعالى عنها قائم ولا جزم بنفي ولا إثبات لتعارض الأخبار ولا يكاد يسلم المرجح عن قيل وقال نعم لعله يترجح عدم وقوع لكيفية التي تضمنتها الرواية الأولى ثم إنه على القول بنزولها فيهما لا يتخصص حكمها بهما بل يشمل كل من فعل مثل ذلك كما ذكره الطبرسي من الشيعة في مجمع البيان: راويًا له عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه وعلى القول بعدم النزول فيهما لا يتطامن مقامهما ولا ينقص قدرهما إذ دخولهما في الأبرار أمر جلي بل هو دخول أولى فهماهما وماذا عسى يقول أمرؤ فيهما سوى أن عليًا مولى المؤمنين ووصى النبي وفاطمة البضعة الأحمدية والجزء المحمدي وأما الحسنان فالروح والريحان وسيدا شباب الجنان وليس هذا من الرفض بشيء بل ما سواه عندي هو الغي.
أنا عبد الحق لا عبد الهوى ** لعن الله الهوى فيمن لعن

ومن اللطائف على القول بنزولها فيهم أنه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين وإنما صرح عز وجل بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول وقرة عين الرسول لئلا تثور غيرتها الطبيعة إذا أحست بضرة وهي في أفواه تخيلات الطباع البشرية ولو في الجنة مرة ولا يخفى عليك أن هذا زهرة ربيع ولا تتحمل الفرك ثم التذكير على ذلك أيضًا من باب التغليب وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه جازاهم على وزن فاعل.

.تفسير الآية رقم (13):

{مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)}
{مُّتَّكِئِينَ فِيهَا على الارائك} حال من هم في {جزاهم} والعامل جزى وخص الجزاء بهذه الحالة لأنها أتم حالات المتنعم ولا يضر في ذلك قوله تعالى: {ا صَبَرُواْ} [الإنسان: 12] لأن الصبر في الدنيا وما تسبب عليه في الآخرة وقيل صفة الجنة ولم يبرز الضمير مع أن الصفة جارية على غير من هي عليه فلم يقل متكئين هم فيها لعدم الإلباس كما في قوله:
قومي ذرى المجد بانوها وقد علمت ** بكنه ذلك عدنان وقحطان

وأنت تعلم أن هذا رأي الكوفية ومذهب البصرية وجوب إبراز الضمير في ذلك مطلقًا وفي البيت كلام وقيل يجوز كونه حالًا مقدرة من ضمير صبروا وليس بذاك والأرائك جمع أريكة وهي السرير في الحجلة من دونه ستر ولا يسمى مفردًا أريكة وقيل هو كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة وكان تسميته بذلك لكونه مكانًا للإقامة أخذًا من قولهم أرك بالمكان أروكًا أقام وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك الشجر المعروف ثم استعمل في غيره من الإقامات وقوله تعالى: {لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلاَ زَمْهَرِيرًا} إما حال ثانية من الضمير أو حال من المستكن في متكئين وجوز فيه كونه صفة لجنة أيضًا والمراد من ذلك أن هواءها معتدل لا حر شمس يحمي ولا شدة برد يؤذي وفي الحديث هواء الجنة سجسج لا حر ولا قر فقصد بنفي الشمس نفيها ونفي لازمها معًا لقوله سبحانه ولا زمهريرًا فكأنه قيل لا يرون فيها حرًا ولا قرًا وقيل الزمهرير القمر وعن ثعلب أنه في لغة طيء وأنشد:
ليلة ظلامها قد اعتكر ** قطعتها والزمهرير ما زهرر

وليس هذا لأن طبيعته باردة كما قيل لأنه في حيز المنع بل قيل أنه برهن على أن الأنوار كلها حارة فيحتمل أن ذلك للمعانه أخذًا له من ازمهر الكوكب لمع والمعنى على هذا القول أن هواءها مضيء بذاته لا يحتاج إلى شمس ولا قمر وفي الحديث: «أن الجنة لا خطر بها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد» الحديث ثم أنها مع هذا قد يظهر فيها نور أقوى من نورها كما تشهد به الأخبار الصحيحة وفي بعض الآثار عن ابن عباس بينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا ضوأً كضوء الشمس وقد أشرقت الجنان به فيقول أهل الجنة يا رضوان ما هذا وقد قال ربنا لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا فيقول لهم رضوان ليس هذا بشمس ولا قمر ولكن علي وفاطمة رضي الله تعالى عنهما ضحكا فأشرقت الجنان من نور ثغريهما.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)}
{وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظلالها} عطف على الجملة وحالها حالها أو صفة لمحذوف معطوف على {جنة} فيما سبق أي وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها على أنهم وعدوا جنتين كما في قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] وقرأ أبو حيوة دانية بالرفع وخرج على أن دانية خبر مقدم لظلالها والجملة في حيز الحال على أن الواو عاطفة أو حالية أو في حيز الصفة على أن الواو عاطفة أيضًا أو للإلصاق على ما يراه الزمخشري وقال الأخفش ظلالها مرفوع بدانية على الفاعلية واستدل بذلك على جواز عمل اسم الفاعل من غير اعتماد نحو قائم الزيدون وقد علمت أنه لا يصلح للاستدلال لقيام ذلك الاحتمال على أنه يجوز أن يكون خبر المبتدأ مقدر فيعتمد أي وهي دانية عليهم ظلالها وقرأ أبي ودان كقاض ولا يتم الاستدلال به للأخفش أيضًا وإن كان بينه وبين ما تقدم فرق ما وقرأ الأعمش ودانيًا عليهم نحو خاشعًا أبصارهم والمراد أن ظلال أشجار الجنة قريبة من الأبرار مظلة عليهم زيادة في نعيمهم {وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} أي سخرت ثمارها لمتناولها وسهل أخذها من الذل وهو ضد الصعوبة قال قتادة ومجاهد وسفيان إن كان الإنسان قائمًا تناول الثمر دون كلفة وإن كان قاعدًا أو مضطجعًا فكذلك فهذا تذليلها لا يرد اليد عنها بعد ولا شوك والجملة حال من ضمير دانية أي تدنو ظلالها عليهم مذللة لهم قطوفها أو معطوفة على ما قبلها وهي فعلية معطوفة على اسمية في قراءة دانية بالرفع ونكتة التخالف أن استدامة الظل مطلوبة هنالك والتجدد في تذليل القطوف على حسب الحاجة.