فصل: تفسير الآية رقم (25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (25):

{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25)}
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتًا} الكفات اسم جنس أو اسم آلة لما يكفت أي يضم ويجمع من كفت الشيء إذا ضمه وجمعه كالضمام والجماع لما يضم ويجمع وأنشدوا قول الصمصامة بن الطرماح:
فأنت اليوم فوق الأرض حي ** وأنت غدًا تضمك في كفات

وعن أبي عبيدة تفسيره بالوعاء وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (26):

{أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)}
{أَحْيَاء وأمواتا} مفعول لفعل محذوف لنكفاتًا لأن اسم الجنس وكذا اسم الآلة كما صرح به النحاة لا يعمل أي ألم نجعلها كفاتًا تكفت وتجمع أحياء كثيرة على ظهرها وأمواتًا غير محصورة في بطنها وقيل هو مصدر كالقتال نعت به للمبالغة فلا يحتاج إلى تقدير فعل وقيل جمع كافت كصيام وصائم فلا يحتاج إلى تقدير أيضًا أو جمع كفت بكسر الكاف وسكون الفاء وهو الوعاء كقدح وقداح وأجرى على الأرض مع جمعه وأفرادها باعتبار أقطارها وجوز انتصاب الجمعين على الحالية من مفعول {كفاتًا} المحذوف والتقدير كفاتًا إياهم أو إياكم أو كفاتًا الإنس أحياءً وأمواتًا أو من مفعول حذف مع فعله أي كفاتًا تكفتهم أو تكفتكم أو تكفت الإنس أحياءً وأمواتًا وأن يكون انتصابهما على المفعولية لنجعل بتقدير مضاف أي ذات أحياء وأموات أو على أن المراد بأمواتًا الأرض الموات على ما أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد وبإحياء ما يقابلها وانتصاب كفاتًا على الحالية من الأرض وأنت تعلم أن انتصابهما على المفعولية أظهر وبعده انتصابهما على الحالية من محذوف وتنوينهما على ما سمعت أولًا للتكثير وجوز أن يكون للتبعيض بإرادة إحياء الإنس وأمواتهم وهم ليسوا بجميع الأحياء والأموات ولا ينافي ذلك التفخيم نظرًا إلى أنه بعض غير محصور كثير في نفسه فلا تغفل واستدل الكيا بالآية على وجوب مواراة الميت ودفنه وقال ابن عبد البر احتج ابن القاسم بها على قطع النباش لأنه تعالى جعل القبر للميت كالبيت للحي فيكون حرزًا ولا يخفى ضعف الاستدلالين.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)}
{وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ} أي جبالًا ثوابت {شامخات} مرتفعات ومنه شمخ بأنفه ووصف جمع المذكر بجمع المؤنث في غير العقلاء مطرد {كأشهر معلومات} [البقرة: 197] وتنكيرها للتفخيم أو للإشعار بأن في الأرض جبالًا لم تعرف ولم يوقف عليها فارض الله تعالى واسعة وفيها ما لم يعلمه إلا الله عز وجل وقيل للإشعار بأن في الجبال ما لم يعرف وهو الجبال السماوية وهو مما يوافق أهل الفلسفة الجديدة إذ قالوا بوجود جبال كثيرة في القمر وظنوا وجودها في غيره وتعقب بأنه تفسير بما لم يعرف {وأسقيناكم مَّاء فُرَاتًا} أي عذبًا وذلك بأن خلقناه في أصولها وأجريناه لكم منها في أنهار وأنبعناه في منابع تستمد مما استودعناه فيها وقد يفسر بما هو أعم من ذلك والماء المنزل من السماء.

.تفسير الآية رقم (28):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28)}
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بأمثال هذه النعم العظيمة.

.تفسير الآية رقم (29):

{انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29)}
{انطلقوا} أييقال لهم يومئذ للتوبيخ والتقريع انطلقوا {إلى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} في الدنيا من العذاب.

.تفسير الآية رقم (30):

{انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30)}
{انطلقوا} أي خصوصًا فليس تكرارًا للأول وقيل هو تكرار له وإن قيد بقوله تعالى: {إلى ظِلّ} هو ظل دخان جهنم كما قاله جمهور المفسرين فهو كقوله تعالى: {وظل من يحموم} [الواقعة: 43] وفيه استعارة تهكمية وقرأ رويس عن يعقوب انطلقوا بصيغة الماضي وهو استئناف بياني كأنه قيل فما كان بعد الأمر فقيل انطلقوا إلى ظل {ذِى ثلاث شُعَبٍ} متشعب لعظمه ثلاث شعب كما هو شأن الدخان العظيم تراه يتفرق تفرق الذوائب وفي بعض الآثار يخرج لسان من النار فيحيط بالكفار كالسرادق ويتشعب من دخانها ثلاث شعب فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم والمؤمنون في ظل العرش وخصوصية الثلاث قيل أما لأن حجاب النفس عن أنوار القدس الحس والخيال والوهم أو لأن المؤدى إلى هذا العذاب هو القوة الوهمية الشيطانية الحالة في الدماغ والقوة الغضبية السبعية التي عن يمين القلب والقوة الشهوية البهيمية التي عن يساره ولذلك قيل تقف شعبة فوق الكافر وشعبة عن يمينه وشعبة عن يساره وقيل لأن تكذيبهم بالعذاب يتضمن تكذيب الله تعالى وتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم فهناك ثلاثة تكذيبات واعتبر بعضهم التكذيب بالعذاب أصلًا والشعب الثلاث التكذيبان المذكوران وتكذيب العقل الصريح فتأمل وعن ابن عباس يقال ذلك لعبدة الصليب فالمؤمنون في ظل الله عز وجل وهم في ظل معبودهم وهو الصليب له ثلاث شعب.

.تفسير الآية رقم (31):

{لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)}
{لاَّ ظَلِيلٍ} أي لا مظلل وهو صفة ثانية لظل ونفى كونه مظللًا عنه والظل لا يكون إلا مظللًا للدلالة على أن جعله ظلًا تهكم بهم ولأنه را يتوهم أن فيه راحة لهم فنفى هذا الاحتمال بذلك وفيه تعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين {وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللهب} وغير مفيد في وقت من الأوقات من حر اللهب شيئًا وعد يغني بمن لتضمنه معنى يبعد واشتهر أن هذه الآية تشير إلى قاعدة هندسية وهي أن الشكل المثلث لا ظل له فانظر هل تتعقل ذلك.

.تفسير الآية رقم (32):

{إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)}
{أَنَّهَا} أي النار الدال عليها الكلام وقيل الضمير للشعب {تَرْمِى بِشَرَرٍ} هو ما تطاير من النار سمي بذلك لاعتقاد الشر فيه وهو اسم جنس جمعي واحده شررة {كالقصر} كالدار الكبيرة المشيدة والمراد كل شررة كذلك في العظم ويدل على إرادة ذلك ما بعد ويؤيده قراءة ابن عباس وابن مقسم بشرار بكسر الشين وألف بين الراءين فإن الظاهر أنه جمع شررة كرقبة ورقاب فيدل على أن المشبه بالقصر الواحدة وكذا قراءة عيسى بشرار بفتح الشين وألف بين الراءين أيضًا فقد قيل أنه جمع لشرارة لا مفرد وجوز على قراءة الكسر أن يكون جمع شر غير أفعل التفضيل كخيار جمع خير وهو حينئذٍ صفة أقيمت مقام موصوفها أي ترمي بقوم شرار وهو خلاف الظاهر وقيل القصر الغليظ من الشجر واحده قصرة نحو جمرة وجمر وقيل قطع من الخشب قدر الذراع وفوقه ودونه يستعد به للشتاء واحده كذلك فالتشبيه من تشبيه الجمع بالجمع من غير احتياج للتأويل بما مر إلا أن التهويل على القول الأخير دونه على غيره وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن جبير والحسن وابن مقسم كالقصر بفتح القاف والصاد وهي أصول النخل وقيل أعناقها واحدها قصرة كشجرة وشجر وفي كتاب النبات الحبة لها قشرتان التحتية تسمى قشرة والفوقية تسمى قصرة ومنه قوله تعالى كالقصر وهو غريب وقرأ ابن مسعود كالقصر بضمتين جمع قصر كرهن ورهن وفي البحر كأنه مقصور من القصور كالنجم من النجوم وهو مخالف للظاهر لأن مثله ضرورة أو شاذ نادر وقرأ ابن جبير والحسن أيضًا كالقصر بكسر القاف وفتح الصاد جمع قصرة بفتحتين كحلقة من الحديد وحلق وحاجة وحوج وبعض القراء كالقصر بفتح القاف وكسر الصاد وهو عنى القصر في قراءة الجمهور.

.تفسير الآية رقم (33):

{كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33)}
{كَأَنَّهُ} أي الشرر {جِمَالَتٌ} بكسر الجيم كما قرأ به حمزة والكسائي وحفص وأبو عمرو في رواية الأصمعي وهارون عنه وهو جمع جمل والتاء لتأنيث الجمع كما في البحر يقال جمل وجمال وجمالة أو اسم جمع له كما قيل في حجر وحجارة والتنوين للتكثير {جمالة صُفْرٌ} فإن الشرار لما فيه من النارية والهوائية يكون أصفر فالصفرة على معناها المعروف وقيل سود والتعبير بصفر لأن سواد الإبل يضرب إلى الصفرة شبه الشرر حين ينفصل من النار في عظمه بالقصر وحين يأخذ في الارتفاع والانبساط لانشقاقه عن أعداد غير محصورة بالجمال لتصور الانشقاق والكثرة والصفرة والحركة المخصوصة وقد روعي الترتيب في التشبيه رعاية لترتيب الوجود وأفيد أن القصور والجمال يشبه بعضها ببعض ومنه قوله:
فوقفت فيها ناقتي وكأنها ** فدن لأقضي حاجة المتلوم

فالتشبيه الثاني بيان للتشبيه الأول على معنى أن التشبيه بالقصر كان المتبادر منه إلى الفهم العظم فحسب فلما قيل كأنه جمالة صفر وهو قائم مقام التخصيص في القصر تكثر وجه الشبه كأنه قيل كأنه قصر من شأنه كذا وكذا والتشبيه بالجمال في الكثرة والتتابع وسرعة الحركة أيضًا والأول هو التحقيق على ما في الكشف وعلى الوجهين ليس التشبيه الثاني من البداء في شيء ولا حاجة في شيء منهما إلى اعتبار كون ضمير كأنه للقصر وقد ألم بشيء من حسن ما وقع في الآية من التشبيه وأبو العلاء المعري في قوله في مرثية واحد من الأشراف.
الموقدي نار القرى الآصال ** والأسحار بالإهضام والإشعاف

حمراء ساطعة الذوائب في الدجى ** ترمي بكل شرارة كطراف

وإن كان قد قصد بذلك المعارضة للآية يكون قد أعمى الله تعالى بصيرته عما فيها من المزية كما أعمى سبحانه بصره وقرأ الجمهور ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه جمالات بكسر الجيم وبالألف والتاء جمع جمال أو جمالة بكسر الجيم فيهما فيكون جمع الجمع أو جمع اسم الجمع والمعنى على ما سمعت وقرأ ابن عباس وقتادة وابن جبير والحسن وأبو رجاء بخلاف عنهم كذلك إلا أنهم ضموا الجيم على أنه جمع جمالة على ما في الكشاف وقال في البحر هي حبال السفن الواحد منها جملة لكونه جملة من الطاقات ثم جمع على جمل وجمال ثم جمع جمال ثانيًا جمع صحة فقالوا جمالات وقيل هي قلوس الجسور أي حبالها التي تشد بها وروي ذلك عن ابن عباس وابن جبير قالا إنها إذا اجتمعت مستديرة بعضها إلى بعض جاء منها أجرام عظام وعن ابن عباس أيضًا هي قطع النحاس الكبار والظاهر أن التشبيه على هذا باعتبار اللون وعلى ما سبق باعتبار الامتداد والالتفاف وقرأ ابن عباس أيضًا والسلمي والأعمش وأبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة ورويس جمالة كقراءة حفص ومن معه إلا أنهم ضموا الجيم وهي عند الزمخشري اسم مفرد عنى القلس وجمع صفر لإرادة الجنس وقرأ الحسن صفر بضم الفاء.

.تفسير الآيات (34- 35):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)}
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} الإشارة إلى وقت دخولهم النار أي هذا يوم لا ينطقون فيه بشيء لعظم الدهشة وفرط الحيرة ولا ينافي هذا ما ورد في موضع آخر من النطق لأن يوم القيامة طويل له مواطن ومواقيت ففي بعضها ينطقون وفي بعضها لا ينطقون وجوز أن يكون المراد هذا يوم لا ينطقون بشيء ينفعهم وجعل نطقهم لعدم النفع كلا نطق وقرأ الأعمش والأعرج وزيد بن علي وعيسى وأبو حيوة وعاصم في رواية هذا يوم بالفتح فقيل هو فتح إعراب على أن هذا إشارة إلى ما ذكر ويوم منصوب على الظرفية متعلق حذوف وقع خبرًا لهذا أي هذا الذي ذكر من الوعيد واقع في يوم لا ينطقون وقيل هو فتح بناء ويوم في محل رفع على الخبرية وبني لإضافته للجملة ولما حقه البناء وعن صاحب اللوامح قال عيسى: بناء يوم على الفتح مع لا لغة سفلى مضر لأنهم جعلوه معها كالاسم الواحد وأنت تعلم أن الجملة المصدرة ضارع مثبت أو منفي لا يجيز البصريون في الظرف المضاف إليها البناء بوجه وأن ما ذكر مذهب كوفي.