فصل: تفسير الآية رقم (2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (2):

{عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)}
{عَنِ النبإ العظيم} بيان لشأن المسؤل عنه إثر تفخيمه بإبهام أمره وتوجيه أذهان السامعين نحوه وتنزيلهم منزلة المستفهمين فإن إيراده على طريقة الاستفهام من علام الغيوب للتنبيه على أنه لانقطاع قرينة وانعدام نظيره خارج عن دارة علوم الخلق خليق بأن يعتني عرفته ويسأل عنه كأنه قيل عن أي شيء يتساءلون هل أخبركم به ثم قيل بطريق الجواب عن النبأ العظيم على منهاج {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} [غافر: 16] فعن متعلقة بما يدل عليه المذكور من مضمر حقه على ما قيل أن يقدر بعدها مسارعة إلى البيان ومراعاة لترتيب السؤال وإلى تعلقه بما ذكر ذهب الزجاج وهو الذي تقتضيه جزالة التنزيل وقال مكي أن ذلك بدل من ما الاستفهامية بإعادة حرف الجر وتعقبه في الكشف بأنه لا يصح فإن معنى الأول عن النبأ العظيم أم عن غيره والبدل لا يطابقه أعيد الاستفهام أولًا وقال الخفاجي البدلية جائزة ولا يلزم إعادة الاستفهام لأنه غير حقيقي ولا أن يكون البدل عين الأول لجواز كونه بدل بعض وقيل هو متعلق بـ {يَتَسَاءلُونَ} المذكور و{عَمَّ} متعلق ضمر مفسر به وأيد ذلك بقراءة الضحاك ويعقوب وابن كثير في رواية عمه بهاء السكت ووجهه أنه على الوقف وهو يدل على أنه غير متعلق بالمذكور لأنه لا يحسن الوقف بين الجار والمجرور ومتعلقه لعدم تمام الكلام ولعل من ذهب إلى الأول يقول إن إلحاق الهاء مبني على إجراء الوصل مجرى الوقف وقيل عن الأولى للتعليل وهي والثانية متعلقتان بيتساءلون المذكور كأنه قيل عم يتساءلون أيتساءلون عن النبأ العظيم ووصف النبا وهو الخبر الذي له شأن بالعظيم لتأكيد خطره ووصفه بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (3):

{الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)}
{الذى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} للمبالغة في ذلك والإشعار دار التساؤل عنه وفيه متعلق ختلفون قدم عليه اهتمامًا به ورعاية للفواصل وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثبات أي هم راسخون في الاختلاف فيه فمن جازم باسحالته يقول: {إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا} [المؤمنون: 37] إلخ وشاك يقول: {ما ندري ما الساعة أن نظن إلا ظنًا وما نحن ستيقنين} [الجاثية: 32] وقيل منهم من ينكر المعادين معًاكهؤلاء ومنهم من ينرك المعاد الجسماني فقط كجمهور النصارى وقد حمل الاختلاف على الاختلاف في كيفية الإنكار فمنهم من ينكره لإنكاره الصانع المختار تعالى شأنه ومنهم من ينكره بناء على استحالة إعادة المعدوم بعينه وقيل الاختلاف بالإقرار والإنكار أو بزيادة الخشية والاستهزاء على أن ضمير {يَتَسَاءلُونَ} وضميرهم للناس عامة وقيل يجوز أن يكون الاختلاف بالإقرار والإنكار على كون ضمير يتساءلون للكفار أيضًا بأن يجعل للسائلين والمسؤلين والكل كما ترى وإن تفاوتت مراتب الضعف والمعول عليه الأول وقال مفتي الديار الرومية الذي يقتضيه التحقيق ويستدعيه النظر الدقيق أن يحمل اختلافهم في البعث على مخالفتهم للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يعتبر في الاختلاف محض صدور الفعل عن المتعدد حسا قيل في التساؤل فإن الافتعال والتفاعل صيغتان متآخيتان كالاستباق والتسابق والانتضال والتناضل يجري في كل منهما ما يجري في الأخرى لا على مخالفة بعضهم لبعض على أن يكون كل من الجانبين مخالفًا اسم فاعل ومخالفًا اسم مفعول لأن الكل وإن استحق ما يذكر بعد من الردع والوعيد لكن استحقاق كل جانب لهما ليس لمخالفته للجانب الآخر إذ لا حقية في شيء منهما حتى يستحق من يخالفه المؤاخذة بل لمخالفته عليه الصلاة والسلام فكأنه قيل الذي هو فيه مخالفون للنبي صلى الله عليه وسلم انتهى وفيه أنه خلاف الظاهر وما ذكره من التعليل لا يخلو عن شيء وقرأ عبد الله وابن جبير تساءلون بغير ياء وشدة السين على أن أصله تتساءلون بتاء الخطاب فأدغمت التاء الثانية في السين.

.تفسير الآية رقم (4):

{كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4)}
{كَلاَّ} ردع عن التساؤل على الوجهين المتقدمين فيه وقيل عنه وعن الاختلاف عنى مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر البعث وتعقب بأن الجملة التي تضمنته لم تقصد لذاتها فيبعد اعتبار الردع إلى ما فيها وقوله سبحانه: {سَيَعْلَمُونَ} وعيد لأولئك المتسائلين المستهزئين بطريق الاستئناف وتعليل للردع والسين للتقريب والتأكيد ومفعول يعلمون محذوف وهو ما يلاقونه من فنون الدواهي والعقوبات والتعبير عن لقائه بالعلم لوقوعه في معرض التساؤل والمعنى ليرتدعوا عما هم عليه فإنهم سيعلمون عما قليل حقيقة الحال إذا حل بهم العذاب والنكال ومثل هذا تقدير المفعول جزاء التساؤل وقيل هو ما ينبئ عنه الظاهر وهو وقوع ما يتساءلون عنه على معنى سيعلمون ذلك فيخجلون من تساؤلهم واستهزائهم بين يدي ربهم عز وجل والألم يظهر كون ما ذكر وعيدًا ومن جعل ضمير يتساءلون للناس عامة جعل ما هنا من باب التغليب لأنه لغير المؤمنين بالبعث الجازمين به وجوز بعضهم كون كلا سيعلمون ردعًا ووعدًا على الارتداع والمراد ليتردعوا فإنهم سيعلمون مثوبات الارتداع وأنت تعلم أن ذلك شائع في الوعيد وهو المتبادر منه في أمثال هذه المقامات وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (5):

{ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)}
{ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} قيل تكرير لما قبله من الردع والوعيد للمبالغة وثم للتفاوت في الرتبة فكأنه قيل لهم يوم القيامة ردع وعذاب شديدان بل لهم يومئذ أشد وأشد وبهذا الاعتبار صار كأنه مغاير لما قبله فعطف عليه وابن مالك يقول في مثله إنه من التوكيد اللفظي وإن توسط حرف العطف فلا نغفل وقيل الأول إشارة إلى ما يكون عند النزع وخروج الروح من زجر ملائكة الموت عليهم السلام وملاقاة كربات الموت وشدائده وانكشاف الغطاء والثاني إشارة إلى ما يكون في القيامة من زجر ملائكة العذاب عليهم السلام وملاقاة شديدة العقاب فـ {ثُمَّ} في محلها لما بينهما من البعد الزماني ولا تكرار فيه والظاهر أن العطف على هذا وما قبله على مجموع كلا سيعلمون وتوهم بعضهم من كلام بعض الأجلة أن العطف على سيعلمون وأورد عليه أن ثم إذا كانت للتراخي الزماني يلزم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بأجنبي بخلاف ما إذا كانت للتراخي الرتبي ووجه لدفع التخصيص بلا مخصص أنه على الثاني يفهم تفاوت الرتبة بين الردعين كتفاوتها بين الوعيدين لتبعية الردع للوعيد فلا تكون {كَلاَّ} الثانية أجنبية بخلاف الأول فإن التراخي إنما يتحقق فيما يتحقق فيه الزمان وليس هو إلا سيعلمون دون كلا فتكون هي أجنبية ثم قال ذلك المتوهم ولا يبعد أن يقال الردع الأول عن التساؤل والثاني عن الانكار أي الصريح وتفاوت ما بينهما يقتضي العطف بثم والكل كما ترى وقيل متعلق العلم في الأول البعث وفي الثاني الجزاء على إنكار وثم في محلها أي كلا سيعلمون حقية البعث إذا بعثوا {ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} الجزاء على إنكاره إذا دخلوا النار وعوقبوا وجوز أن يكون المعلق مختلفًا وثم للتراخي الرتبي بأن يكون المعنى سيعلم الكفار أحوالهم ثم سيعلمون أحوال المؤمنين والأول إشارة إلى العذاب الجسماني والثاني إلى العذاب الروحاني الذي هو أشد وأخزى وأن يكون فاعل سيعلم في الموضعين مختلفًا بناء على أن ضمير {يَتَسَاءلُونَ} للناس عامة وثم لذلك أيضًا بأن يكون المعنى سيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم ثم سيعلم الكفار عاقبة تكذيبهم فيكون الأول وعدًا للمؤمنين والآخر وعيدًا للكافرين وهما متفاوتان رتبة ولا يخفى عليك ما في ذلك وقرأ مالك بن دينار وابن مقسم والحسن وابن عامر ستعلمون في الموضعين بالتاء الفوقية على نهج الالتفات إلى الخطاب الموافق لما بعده من الخطابات تشديد للردع والوعيد لا على تقدير قل لهم كلا ستعلمون إلخ فإنه ليس بذاك وإن كان فيه نوع حسن على تقدير كون المراد يسألون النبي صلى الله عليه وسلم وعن الضحاك أنه قرأ الأول بتاء الخطاب والثاني بياء الغيبة وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (6):

{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6)}
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا} إلخ استئناف مسوق لتحقيق النبأ المتساءل عنه بتعداد بعض الشواهد الناطقة بحقيته أثر ما نبه عليها بما ذكر من الردع وجوز أن يكون بتقدير قل كأنه قيل قل كيف تنكرون أو تشكون في البعث وقد عاينتم ما يدل عليه من القدرة التامة والعلم المحيط والحكمة الباهرة المقتضية أن لا يكون ما خلق عبثًا وفيه أن من كان عظيم الشأن باهر القدرة ينبغي أن يخاف ويخشى ويتأثر من زجره ووعيده والهمزة للتقرير بما بعد النفي والمهاد الفراش الموطأ وفي القاموس المهد الموضع الذي يهيأ للصبي كالمهاد وعليه فالمهد والمهاد عني ويؤيده قراءة مجاهد وعيسى الهمداني مهدًا وفي الآية حينئذ تشبيه بليغ وكل منهما مصدر سمي به ما يمهد وجوز أن يكون باقيًا على المصدرية والوصف بالمصدر كثير أو التقدير ذات مهاد أو مهد وقيل كما يمكن أن يكون المهاد مصدرًا سمي به المفعول يحتمل أن يكون فعالًا أي اسمًا على زنته يؤخذ للمفعول كالإله والإمام وجعل الأرض معادًا إما في أصل الخلقة أو بعدها وأيًا ما كان فلا دلالة في الآية على ما ينافي كريتها كما هو المشهور من عدة مذاهب ومذهب أهل الهيئة المحدثين أنها مسطحة عند القطبين لأنها كانت لينة جدًا في مبدأ الأمر لظهور غاية الحرارة الكامنة فيها اليوم فيها إذ ذاك وقد تحركت على محورها فاقتضى مجموع ذلك صيرورتها مسطحة عندهما عندهم وأهل الشرع لا يقولون بذلك ولا يتم للقائل به دليل حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)}
{والجبال أَوْتَادًا} أي كالأوتاد ففيه تشبيه بليغ أيضًا والمراد أرسينا الأرض بالجبال كما يرسي البيت بالأوتاد قال الأفوه:
والبيت لا يبتنى الإله عمد ** ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

وفي الحديث: «خلق الله تعالى الأرض فجعلت تميد فوضع عليها الجبال فاستقرت فقالت الملائكة ربنا هل خلقت خلقًا أشد من الجبال قال نعم الحديد فقالت ربنا هل خلقت خلقًا أشد من الحديد قال نعم النار فقالوا ربنا هل خلقت خلقًا أشد من النار قال نعم الماء فقالوا ربنا هل خلقت خلقًا أشد من الماء قال نعم الهواء فقالوا ربنا هل خلقت خلقًا أشد من الهواء قال نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفى ذلك عن شماله» وظاهره كغيره أن خلق الجبال بعد خلق الأرض وإليه ذهب الفلاسفة المتقدمون والمحدثون وهي متفاوتة عندهم في الحدوث تقدمًا وتأخرًا وجاء في حديث رواه الحاكم وصححه عن ابن عباس أن أول جبل أبو قبيس وفي كيفية حدوثها منذ حدثت خلاف عندهم وقد يتلاشى ما حدث منها بطول الزمان:
إن الجديدين إذا ما استوليا ** على جديد أسماءه للبلى

ورا يشاهد حدوق بعض تلاع حجريلا من انجماد بعض المياه واستشكل احتياجها للإرساء بالجبال مع طلبها للمركز بثقلها المطلق وأجيب بأنه قد علم الله تعالى أنها ستكن ويكون عليها من الأثقال ما يكون ومن المعلوم أنها حينئذ يكون لها مركزان مركز جحم ومركز ثقل والذي ينطبق منهما على مركز العالم إنما هو مركز الثقل فيلزم من تحرك ثقيل إلى جهة المشرق أو المغرب مثلًا عليها تحركها لاختلاف مركز ثقلها ولزوم انطباقه على مركز العالم فيحصل الميد ولم تكن إذ ذاك بحيث لا يكون لما يكون عليها من أثقال سكنتها قدر يحس به فوضعت عليها الجبال وانطبق مركز ثقلها على مركز العالم وصار مجموع الأرض والجبال بحيث لا يظهر للمتحرك بعد قدر يحس به وقيل إنها كانت لخفتها بحيث يحركها أمواج البحر المحيط بها فيصل الميد فثقلت بالجبال مع ما في الجبال من المنافع الجمة التي لم تخلق الأرض لأجلها بحيث لا تحركها الأمواج وتمام الكلام في ذلك حسا كنا واقفين عليه قد مر فتذكر وحكى عن بعض أن جعلها كذلك عنى جعلها سببًا كذلك عنى جعلها سببًا لانتظام أهل الأرض بما أودع فيها من المنافع ولولاها لمادت بهم أي لما تهيأت للانتفاع بها ولاختل أمر سكناهم إياها وهو تأويل مناف للظواهر لا يحتاج إليه ما لم يقم الدليل القطعي على محالية إرادة الظاهر نعم قيل إن هذا أقرب للتقرير فإن جعلها أوتادًا بهذا المعنى أظهر من جعلها كذلك بذلك المعنى وأقرب إلى العلم به ورا يقال إنه أوفق لترك إعادة العامل ومن لا يراه يجعل النكتة فيه قوة ما بين الأرض والجبال من الاشتراك والارتباط فافهم.