فصل: تفسير الآية رقم (20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (20):

{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)}
{وَسُيّرَتِ الجبال} أي في الجو على هيئتها بعد تفتتها وبعد قلعها من مقارها كما يعرب عنه قوله تعالى: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وهي تمر مر السحاب} [النمل: 88] وأدمج فيه تشبيه الجبال بحبال السحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها كما ينطق به قوله تعالى: {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] {فَكَانَتْ سَرَابًا} أي فصارت بعد تسييرها مثل سراب فترى بعد تفتتها وارتفاعها في الهواء كأنها جبال وليس بجبال بل غبار غليظ متراكم يرى من بعيد كأنه جبل كالسراب يرى كأنه بحر مثلًا وليس به فالكلام على التشبيه البليغ والجامع أن كلًا من الجبال والسراب يرى على شكل شيء وليس هو بذلك الشيء وجوز أن يكون وجه الشبه التخلخل إذ تكون بعد تسييرها غبارًا منتشرًا كما قال تعالى: {وَبُسَّتِ الجبال بَسًّا فكانت هباءً منبثًا} [الواقعة: 5، 6] والمستفاد من «الأزهار البديعة في علم الطبيعة» لمحمد الهراوي أن السراب هواء تسخنت طبقته السفلى التي تلي الأرض لتسخن الأرض من حر الشمس فتخلخلت وصعد جزء منها إلى ما فوقها من الطبقات فكان أكثف مما تحته وخرج بذلك التسخن عن موقعه الطبيعي من الأرض ولانعكاس الأشعة الضوئية وانكسارها فيه على وجه مخصوص مبين في الكتاب المذكور مع انعكاس لون السماء يظن ماء وترى فيه صورة الشيء منقلبة وقد ترى فيه صور سابحة كقصور وعمد ومساكن جميلة مستغربة وأشباح سائرة تتغير هيئتها في كل لحظة وتنتقل عن محالها ثم تزول وما هي إلا صور حاصلة من انعكاس صور مرئية بعيدة جدًا أو متراكبة في طبقات الهواء المختلفة الكثافة فاعتبار التخلخل فقط في وجه الشبه لا يخلو عن نظر وأيًا ما كان فهذا بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق فالله عز وجل يسير الجبال ويجعلها هباءً منبثًا ويسوي الأرض يومئذٍ كما نطق به قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا فيذرها قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا يومئذٍ يتبعون الداعي} [طه: 105، 108] وقوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار} [إبراهيم: 48] فإن اتباع الداعي الذي هو إسرافيل عليه السلام وبروز الخلق لله تعالى لا يكون إلا بعد النفخة الثانية وأما اندكاك الجبال وانصداعها فعند النفخة الأولى وقيل أن تسييرها وصيرورتها سرابًا عند النفخة الأولى أيضًا ويأباه ظاهر الآية نعم لو جعلت الجملة حالية أي فتأتون أفواجًا وقد سيرت الجبال فكانت سرابًا لكان ذلك محتملًا والظاهر أنها تصير سرابًا لتسوية الأرض ولا يبعد أن يكون فيه حكم أخرى وقول بعضهم إنها تجري جريان الماء وتسيل سيلانه كالسراب فيزيد ذلك في اضطراب متعطشي المحشر وغلبة شوقهم إلى الماء خلاف الظاهر.

.تفسير الآية رقم (21):

{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21)}
{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا} شروع في تفصيل أحكام الفصل الذي أضيف إليه اليوم إثر بيان هوله والمرصاد اسم مكان كالمضمار للموضع الذي تضمر فيه الخيل ومفعال يكون كذلك على ما صرح به الراغب والجوهري وغيرهما كما يكون اسم آلة وصفة مشبهة للمبالغة والظاهر أنه حقيقة في الجميع أي موضع رصد وترقب ترصد فيه خزنة النار الكفار ليعذبوهم وقيل ترصد فيه خزنة الجنة المؤمنين ليحرسوهم من فيحها في مجازهم عليها وقيل ترصد فيه الملائكة عليهم السلام الطائفتين لتعذب إحداهما وهي المؤمنة وتعذب الأخرى وهي الكافرة وجوز أن يكون صيغة مبالغة كمنحار أي مجدة في ترصد الكفرة لئلا يشذ منهم واحد أو مجدة في ترصد المؤمنين لئلا يتضرر أحد منهم من فيحها أو مجدة في ترصد الطائفتين على نحو ما سمعت آنفًا وإسناد ذلك إليها مجاز أو على سبيل التشبيه وفي البحر أن مرصادًا معنى النسب أي ذات رصد وقد يفسر المرصاد طلق الطريق وهو أحد معانيه فيكون للطائفتين ومن هنا قال الحسن كما أخرج عنه ابن جرير وابن المنذر وعبد بن حميد في الآية لا يدخل الجنة أحد حتى يجتاز النار وقال قتادة كما أخرج هؤلاء عنه أيضًا اعلموا أنه لا سبيل إلى الجنة حتى تقطع النار وقوله تعالى: {للطاغين} أي المتجاوزين الحد في الطغيان متعلق ضمر إما نعت لمرصادًا أي كائنًا للطاغين وإما حال من قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (22):

{لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22)}
{مَئَابًا} قدم عليه لكونه نكرة ولو تأخر لكان صفة له أي كانت مرجعًا ومأوى كائنًا لهم يرجعون إليه ويأوون لا محالة وجوز أن يكون خبرًا آخر لكانت أو متعلقًا آبًا أو رصاد، وعليه قيل معنى مرصادًا لهم معدة لهم من قولهم أرصدت له أي أعددت وكافأته بالخير أو بالشر ومآب قيل بدل من مرصادًا يلي جميع الأوجه بدل كل من كل وقيل هو خبر ثان لكانت أو صفة لمرصادًا وللطاغين متعلق به أو حال منه على بعض التفاسير السابقة في كانت مرصادًا فتأمل وقرأ أبو عمر والمنقري وابن يعمر أن جهنم بفتح الهمزة بتقدير لام جر لتعليل قيام الساعة المفهوم من الكلام والمعنى كان ذلك لإقامة الجزاء وتعقب بأنه ينبغي حينئذٍ أن يكون {أن للمتقين} [النبأ: 31] أيضًا بالفتح ومعطوفًا على ما هنا لأنه بكليهما يتم التعليل بإقامة الجزاء إلا أن يقال ترك العطف للإشارة إلى استقلال كل من الجزاءين في استدعاء قيام الساعة وفيه نظر لأنه بذاك يتم الجزاء وأما نفس إقامته فيكفي في تعليلها ما ذكر على أنه لو كان المراد فيما سبق كانت مرصادًا للفريقين على ما سمعت لا يتسنى هذا الكلام أصلًا وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (23):

{لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)}
{لابثين فِيهَا} أي مقيمين في جهنم ملازمين لها حال مقدرة من المستكن في {للطاغين} وقرأ عبد الله وعلقمة وزيد بن علي وابن وثاب وعمرو بن شرحبيل وابن جبير وطلحة والأعمش وحمزة وقتيبة وسورة وروح لبثين بغير ألف بعد اللام وفيه من المبالغة ما ليس في لابثين وقال أبو حيان: إن فاعلًا يدل على من وجد منه الفعل وفعلًا يدل على من شأنه ذلك كحاذر وحذر وقوله تعالى: {أَحْقَابًا} ظرف للبثهم وهو وكذا أحقب جمع حقب بالضم وبضمتين وهو على ما روي عن الحسن بزمان غير محدود ونحوه تفسير بعض اللغويين له بالدهر وأخرج سعيد بن منصور والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه ال الحقب الواحد ثمانون سنة وأخرج نحوه البزار عن أبي هريرة وابن جرير عن ابن عباس وابن المنذر عن ابن عمر وروي عن جمع من السلف بيد أنهم قالوا: إن كل يوم منه أي هنا مقدار ألف سنة من سني الدنيا وأخرج البزار وابن مردويه والديلمي عن ابن عمر مرفوعًا أنه بضع وثمانون سنة كل سنة ثلثمائة وستون يومًا واليوم ألف سنة مما تعدون وقيل أربعون سنة وأخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت فيه حديثًا مرفوعًا وقال بعض اللغويين سبعون ألف سنة واختار غير واحد تفسيره بالدهر وأيًا ما كان فالمعنى لابثين فيها أحقابًا متتابعة كلما مضى حقب تبعه حقب آخر وإفادة التتابع في الاستعمال بشهادة الاشتقاق فإنه من الحقيبة وهي ما يشد خلف الراكب والمتتابعات يكون أحدها خلف الآخر فليس في الآية ما يدل على خروج الكفرة من النار وعدم خلودهم فيها لمكان فهم التتابع في الاستعمال وصيغة القلة لا تنافي عدم التناهي إذ لا فرق بين تتابع الأحقاب الكثيرة إلى ما لا يتناهى وتتابع الأحقاب القليلة كذلك وقيل أن الصيغة هنا مشتركة بين القلة والكثرة إذ ليس للحقب جمع كثرة فليرد بها عونة المقام جمع الكثرة وتعقب بثبوت جمع الكثرة له وهو الحقب كما ذكر الراغب والذي رأيته في مفرداته أن الحقب أي بكسر الحاء وفتح القاف الحقبة المفسرة بثمانين عامًا نعم قيل أنه ينافيه ما ورد أنه يخرج أناس من أهل النار من النار ويقربون من الجنة حتى إذا استنشقوا ريحها ورأوا ما أعد الله تعالى لعباده المؤمنين فيها نودوا أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها فيردون إلى النار بحسرة ما رجع الأولون والآخرون ثلها وتعقب بأنه إن صح إنما ينافيه لو كان الخروج حقبًا تامًا أما لو كان في بعض أجزاء الحقب فلا لبقاء تتابع الأحقاب جملة سلمنا لكن هذا الإخراج الذي يستعقب الرد لزيادة التعذيب كاللبث في النار أشد والكلام من باب التغليب وليس فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز ثم إن وجد أن في الآية ما يقتضي الدلالة على التناهي والخروج من النار ولو بعد زمان طويل فهو مفهوم معارض بالمنطوق الصريح بخلافه كآيات الخلود وقوله تعالى: {وَمَا هُم بخارجين مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [المائدة: 37] إلى غير ذلك وإن جعل قوله تعالى:

.تفسير الآيات (24- 25):

{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)}
{لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} حالًا من المستكن في {لابثين} فيكون قيدًا للبث فيحتمل أن يلبثوا فيها أحقابًا منصوبًا بلا يذوقون قيدًا له إلا أن فيه بعدًا ومثله لو جعل لا يذوقون فيها إلخ صفة لأحقابًا وضمير فيها لها لا لجهنم لكنه أبعد من سابقه وقيل المراد بالطاغين ما يقابل المتقين فيشمل العصاة والتناهي بالنظر إلى المجموع وهو كما ترى وقول مقاتل: إن ذلك منسوخ بقوله تعالى: {فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا} [النبأ: 30] فاسد كما لا يخفى وجوز أن يكون أحقابًا جمع حقب كحذر من حقب الرجل إذا أخطأه الرزق وحقب العام إذا قل مطره وخيره والمراد محرومين من النعيم وهو كناية عن كونهم معاقبين فيكون حالًا من ضمير لابثين وقوله تعالى لا يذوقون صفة كاشفة أو جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب وهو على ما ذكر أولًا جملة مبتدأة خبر عنهم والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار فلا ينافي أنهم قد يعذبون بالزمهرير والشراب معروف والحميم الماء الشديد الحرارة والغساق ما يقطر من جلود أهل النار من الصديد أي لا يذوقون فيها شيئًا ما من روح ينفس عنهم حر النار ولا من شراب يسكن عطشهم لكن يذوقون ماءً حارًا وصديدًا وفي الحديث: «أن الرجل منهم إذا أدنى ذلك من فيه سقط فروة وجهه حتى يبقى عظامًا تقعقع» وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن البرد الشراب البارد المستلذ ومنه قول حسان بن ثابت:
يسقون من ورد البريص عليهم ** برد يصفق بالرحيق السلسل

وقول الآخر:
أماني من سعدى حسان كأنما ** سقتك بها سعدى على ظمأ بردا

فيكون ولا شرابًا من نفي العام بعد الخاص وقال أبو عبيدة والكسائي والفضل بن خالد ومعاذ النحوي البرد النوم والعرب تسميه بذلك لأنه يبرد سورة العطش ومن كلامهم منه البرد البرد وقال الشاعر:
فلو شئت حرمت النساء سواكم ** وإن شئت لم أطعم نقاخًا ولا بردًا

أي وهو مجاز في ذلك عند بعض ونقل في البحر عن كتاب اللغات في القرآن أن البرد هو النوم بلغة هذيل وعن ابن عباس وأبي العالية الغساق الزمهرير وهو على ما قيل مستثنى من بردًا إلا أنه أخر لتوافق رؤوس الآي فلا تغفل وقرأ غير واحد من السبعة غساقًا بالتخفيف.

.تفسير الآية رقم (26):

{جَزَاءً وِفَاقًا (26)}
{جَزَاء} أي جوزوا بذلك جزاءً فجزاء مفعول مطلق منصوب بفعل مقدر وجعله خبرًا آخر لكانت ليس بشيء وقوله تعالى: {وفاقا} مصدر وافقه صفة له بتقدير مضاف أي ذا وفاق أو بتأويله باسم الفاعل أو لقصد المبالغة على ما عرف في أمثاله وأيًا ما كان فالمراد جزاء موافقًا لأعمالهم على معنى أنه بقدرها في الشدة والضعف بحسب استحقاقهم كما يقتضيه عدله وحكمته تعالى والجملة من الفعل المقدر ومعموله جملة حالية أو مستأنفة وجوز أن يكون وفاقًا مصدرًا منصوبًا بفعل مقدر أيضًا أي وافقها وفاقًا وهذه الجملة في موضع الصفة لجزاء وقال الفراء: هو جمع وفق ولا يخفى ما في جعله حينئذٍ صفة لجزاء من الخفاء وقرأ أبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة وفاقًا بكسر الواو وتشديد الفاء من وفقه يفقه كورثه يرثه وجده موافقًا لحاله وفي الكشف وفقه عنى وافقه وليس وصف الجزاء به وصفًا بحال صاحبه كما لا يخفى وحكى ابن القوطية وفق أمره أي حسن وليس المعنى عليه.

.تفسير الآية رقم (27):

{إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)}
{إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَابًا} تعليل لاستحقاق العذاب المذكور أي كانوا لا يخافون أن يحاسبوا بأعمالهم.