فصل: تفسير الآية رقم (28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (28):

{وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28)}
{وَعِنَبًا} معروف {وَقَضْبًا} أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال هو الفصفصة وقيدها الخليل بالرطبة وقال إذا يبست فهي القت وسميت صدر قضبه أي قطعه مبالغة كأنها لتكرر قطعها وتكثره نفس القطع وضعف هذا من فسر الأب بما يشمل ذلك وقيل هو كل ما يقضب ليأكله ابن آدم غضًا من النبات كالبقول والهليون وفي البحر عن الحبر أنه الرطب وهو يقضب من النخل واستأنس له بذكره مع العنب ولا يخفى ما فيه.

.تفسير الآية رقم (29):

{وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29)}
{وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا} هما معروفان.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)}
{وَحَدَائِقَ} رياضًا {غُلْبًا} أي عظامًا وأصله جمع أغلب وغلباء صفة العنق وقد يوصف به الرجل لكن الأول هو الأغلب ومنه قول الأعشى:
يمشي بها غلب الرقاب كأنهم ** بزل كسين من الكحيل جلالا

ووصف الحدائق بذلك على سبيل الاستعارة شبه تكاثف أوراق الأشجار وعروقها بغلظ الأوداج وانتفاخ الأعصاب مع اندماج بعضها في بعض في غلظ الرقبة ولا يرد أن الغلظ في الأشجار أقوى لأن الأمر بالعكس نظرًا إلى الاندماج وتقوي البعض بالبعض حتى صارت شيئًا واحدًا وجوز أن يكون هناك مجاز مرسل كما في المرسن بأن يراد بالأغلب الغليظ مطلقًا وتجوز في الإسناد أيضًا لأن الحدائق نفسها ليست غليظة بل الغليظ أشجارها وقال بعض المراد بالحدائق نفس الأشجار لمكان العطف على ما في حيز {أنبتنا} فلا تغفل.

.تفسير الآية رقم (31):

{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)}
{وفاكهة} قيل هي الثمار كلها وقيل بل هي الثمار ما عدا العنب والرمان وأيًا ما كان فذكر ما يدخل فيها أولًا للاعتناء بشأنه {وَأَبًّا} عن ابن عباس وجماعة أنه الكلأ والمرعى من أبه إذا أمه وقصده لأنه يؤم ويقصد أو من أب لكذا إذا تهيأ له متهيئ المرعى ويطلق على نفس مكان الكلأ ومنه قوله:
جذمنا قيس ونجد دارنا ** ولنا الأب بها والمكرع

وذكر بعضهم أن ما يأكله الآدميون من النبات يسمى الحصيدة والحصيد وما يأكله غيرهم يسمى الأب وعليه قول بعض الصحابة يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
له دعوة ميمونة ريحها الصبا ** بها ينبت الله الحصيدة والأبا

وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك أنه التبن خاصة وقيل هو يابس الفاكهة لأنها تؤب وتهيأ للشتاء للتفكه بها وأخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال سئل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عن الأب ما هو فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله تعالى ما لا أعلم وأخرج ابن سعد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وغيرهم عن أنس أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ على المنبر {فأنبتنا فيها حبًا وعنبًا} [عبس: 27] إلى قوله: وأبًا فقال كل هذا قد عرفناه فما الأب ثم رفض عصا كانت في يده فقال هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك يا ابن أم عمر أن لا تدري ما الأب ابتغوا ما بين لكم من هذا الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه وفي صحيح البخاري من رواية أنس أيضًا أنه قرأ ذلك وقال فما الأب ثم قال ما كلفنا أو ما أمرنا بهذا ويتراءى من ذلك النهي عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته وفي الكشاف لم يذهب إلى ذلك ولكن القوم كانت أكبر همتهم عاكفة على العمل وكان التشاغل بشيء من العلم لا يعمل به تكلفًا فأراد رضي الله تعالى عنه أن الآية مسوقة في الامتنان على الإنسان طمعه واستدعاء شكره وقد علم من فحواها أن الأب بعض ما أنبت سبحانه للإنسان متاعًا له أو لأنعامه فعليك بما هو أهم من النهوض بالشكر له عز وجل على ما تبين لك ولم يشكل مما عدد من نعمته تعالى ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأب ومعرفة النبات الخاص الذي هو اسم له واكتف بالمعرفة الجملية إلى أن يتبين لك في غير هذا الوقت ثم وصى الناس بأن يجروا على هذا السنن فيما أشبه ذلك من مشكلات القرآن انتهى وهو قصارى ما يقال في توجيه ذلك لكن في بعض الآثار عن الفاروق كما في الدر المنثور ما يبعد فيه إن صح هذا التوجيه في شيء وهو أنه ينبغي أن خفاء تعيين المراد من الأب على الشيخين رضي الله عنهما ونحوها من الصحابة وكذا الاختلاف فيه لا يستدعي كونه غريبًا مخلًا بالفصاحة وأنه غير مستعمل عند العرب العرباء وقد فسره ابن عباس لابن الأزرق بما تعتلف منه الدواب واستشهد به بقول الشاعر:
ترى به الأب واليقطين مختلطًا

ووقع في شعر بعض الصحابة كما سمعت ومن تتبع وجد غير ذلك.

.تفسير الآية رقم (32):

{مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)}
{متاعا لَّكُمْ ولانعامكم} قيل إما مفعول له أي فعل ذلك تمتيعًا لكم ولمواشيكم فإن بعض النعم المعدودة طعام لهم وبعضها علف لدوابهم ويوزع وينزل كل على مقتضاه والالتفات لتكميل الامتنان وإما مصدر مؤكد لفعله المضمر بحذف الزوائد أي متعكم بذلك متاعًا أو لفعل مرتب عليه أي فتمتعتم بذلك متاعًا أي تمتعًا أو مصدر من غير لفظه فإن ما ذكر من الأفعال الثلاثة في معنى التمتيع وقد مر الكلام في نظيره فتذكر.

.تفسير الآية رقم (33):

{فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)}
{فَإِذَا جَاءتِ الصاخة} شروع في بيان أحوال معادهم بعد بيان ما يتعلق بخلقهم ومعاشهم والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما يشعر به لفظ المتاع من سرعة زوال هاتيك النعم وقرب اضمحلالها والصاخة هي الداهية العظيمة من صخ عنى أصاخ أي استمع والمراد بها النفخة الثانية ووصفت بها لأن الناس يصخون لها فجعلت مستمعة مجازًا في الظرف أو الإسناد وقال الراغب الصاخة شدة صوت ذي النطق يقال صخ يصخ فهو صاخ فعليه هي عنى الصائحة مجازًا أيضًا وقيل مأخوذة من صخه بالحجر أي صكه وقال الخليل هي صيحة تصخ الآذان صخًا أي تصمها لشدة وقعتها ومنه أخذ الحافظ أبو بكر بن العربي قوله الصاخة هي التي تورث الصمم وأنها لمسمعة وهو من بديع الفصاحة كقوله:
أصم بك الداعي وإن كان اسمعا

ثم قال ولعمر الله تعالى: إن صيحة القيامة مسمعة تصم عن الدنيا وتسمع أمور الآخرة والكلام في جواب إذا وفي يوم من قوله تعالى:

.تفسير الآيات (34- 35):

{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)}
{يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته} أي زوجته.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)}
{وَبَنِيهِ} على نحو ما تقدم في النازعات فتذكره فما في العهد من قدم أي يوم يعرض عنهم ولا يصاحبهم ولا يسأل عن حالهم كما في الدنيا لاشتغاله بحال نفسه كما يؤذن به قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (37):

{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)}
{لِكُلّ امرئ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} فإنه استئناف وارد لبيان سبب الفرار وجعله جواب إذا والاعتذار عن عدم التصدير بالفاء بتقدير الماضي بغير قد أو المضارع المثبت أو بالفاء إبدال يوم يفر المرء عنه إياه لأن البدل لا يطلب جزاء لا يخفى حاله على من شرط الإنصاف على نفسه أي لكل واحد من المذكورين شغل شاغل وخطب هائل يكفيه في الاهتمام به وأخرج الطبراني وابن مردويه والبيهقي والحاكم وصححه عن أم المؤمنين سودة بنت زمعة قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلًا قد الجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان قلت يا رسول الله واسوأتاه ينظر بعضهم إلى بعض قال شغل الناس عن ذلك وتلا يوم يفر» الآية وجاء في رواية الطبراني عن سهل بن سعد أنه قيل له عليه الصلاة والسلام ما شغلهم فقال صلى الله عليه وسلم: «نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل» وقيل يفر منهم لعلمه أنهم لا يغنون عنه شيئًا وكلام الكشاف يشعر بذلك ويأباه ما سمعت وكذا ما قيل يفر منهم حذرًا من مطالبتهم بالتبعات يقول الأخ لم تواسني الك والأبوان قصرت في برنا والصاحبة أطعمتني الحرام وفعلت وصنعت والبنون لم تعلمنا ولم ترشدنا ويشعر بذلك ما أخرج أبو عبيد وابن المنذر عن قتادة قال ليس شيء أشد على الإنسان يوم القيامة من أن يرى من يعرفه مخافة أن يكون يطلبه ظلمة ثم قرأ يوم يفر الآية وذكر المرء بناءً على أنه الرجل لا الإنسان ليعلم منه حال المرأة من باب أولى وقيل هو من باب التغليب وفيه نظر وجعل القاضي ذكر المتعاطفات على هذا النمط من باب الترقي على اعتبار عطف الأب على الأم سابقًا على عطفهما على الأخ فيكون المجموع معطوفًا عليه وكذا في صاحبته وبنيه فقال تأخير الأحب فالأحب للمبالغة كأنه قيل يفر من أخيه بل من أبويه بل من صاحبته وبنيه ولا يخفى تكلفه مع اختلاف الناس والطباع في أمر الحب ولعل عدم مراعاة ترق أو تدل لهذا الاختلاف مع الرمز إلى أن الأمر يومئذٍ أبعد من أن يخطر بالبال فيه ذلك وروي عن ابن عباس أنه يفر قابيل من أخيه هابيل ويفر النبي صلى الله عليه وسلم من أمه ويفر إبراهيم عليه السلام من أبيه ويفر نوح عليه السلام من ابنه ويفر لوط عليه السلام من امرأته وفي خبر رواه ابن عساكر عن الحسن نحو ذلك وفيه فيرون أن هذه الآية أعني يوم يفر إلخ نزلت فيهم وكلا الخبرين لا يعول عليهما ولا ينبغي أن يلتفت إليهما كما لا يخفى والذي أدين الله تعالى به نجاة أبويه صلى الله عليه وسلم وقد ألفت رسائل في ذلك رغمًا لأنف علي القاري ومن وافقه وأعتقد أن جميع آبائه عليه الصلاة والسلام لاسيما من ولداه بلا واسطة أوفر الناس حظًا مما أوتي هناك من السعادة والشرف وسمو القدر.
كم من أب قد سما بابن ذرى شرف ** كما سما برسول الله عدنان

وقرأ ابن محيصن وابن أبي عبلة وحميد وابن السميفع يعنيه بفتح الياء وبالعين المهملة أي يهمه من عناه الأمر إذا أهمه أي أوقعه في الهم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» لا من عناه إذا قصده كما زعمه أبو حيان وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (38):

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)}
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} بيان لمآل أمر المذكورين وانقسامهم إلى السعداء والأشقياء بعد ذكر وقوعهم في داهية دهياء فوجوه مبتدأ وسوغ الابتداء به كونه في حيز التنويع كما مر ومسفرة خبره ويومئذٍ متعلق به أي مضيئة متهللة من أسفر الصبح إذا أضاء وعن ابن عباس أن ذلك من قيام الليل وعن الضحاك من آثار الوضوء فيختص ذلك بهذه الأمة أي لأن الوضوء من خواصهم قيل أي بالنسبة إلى الأمم السابقة فقط لا مع أنبيائهم عليهم السلام وقيل من طول ما اغبرت في سبيل الله تعالى:

.تفسير الآية رقم (39):

{ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)}
{ضاحكة مُّسْتَبْشِرَةٌ} أي مسرورة بما تشاهد من النعيم المقيم والبهجة الدائمة.

.تفسير الآية رقم (40):

{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40)}
{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} أي غبار وكدورة.