فصل: تفسير الآية رقم (26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (26):

{فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)}
{فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} استضلال لهم فيما يسلكونه في أمر القرآن العظيم كقولك تارك الجادة الذاهب في بنيات الطريق أين تذهب والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ظهور أنه وحي.

.تفسير الآية رقم (27):

{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27)}
{إِنْ هُوَ} أي ما هو {إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين} موعظة وتذكير عظيم لمن يعلم وضمير هو للقرآن أيضًا وجوز كون الضميرين للرسول عليه الصلاة والسلام أي وما هو ملتبس بقول شيطان رجيم كما هو شأن الكهنة إن هو إلا {مُذَكّرٌ للعالمين} وقوله تعالى: {فَأيْنَ} إلخ استضلال لهم فيما يسلكونه في أمره صلى الله عليه وسلم وهو كما ترى وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (28):

{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)}
{لِمَن شَاء مِنكُمْ} بدل من العالمين بدل بعض من كل والبدل هو المجرور وأعيد معه العامل على المشهور وقيل هو الجار والمجرور وجوز أن يكون بدل كل من كل لإلحاق من لم يشأ بالبهائم ادعاء وهو تكلف وقوله تعالى: {أَن يَسْتَقِيمَ} مفعول شاء أي لمن شاء منكم الاستقامة بتحري الحق وملازمة الصواب وإبداله من العالمين لأنهم المنتفعون بالتذكير.

.تفسير الآية رقم (29):

{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)}
{وَمَا} أي الاستقامة بسبب من الأسباب {تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله} أي إلا بأن {يَشَاء الله} تعالى مشيئتكم فمشيئتكم بسبب مشيئة الله تعالى: {رَبّ العالمين} أي ملك الخلق ومربيهم أجمعين وما تشاءون الاستقامة مشيئة نافعة مستتبعة لها إلا بأن يشاءها الله تعالى فله سبحانه الفضل والحق عليكم باستقامتكم إن استقتم روى عن سليمان بن موسى والقاسم بن مخيمرة أنه لما نزلت {لمن شاء منكم أن يستقيم} [التكوير: 28] قال أبوجهل جعل الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فأنزل الله تعالى: {وَمَا تَشَاءونَ} الآية وأن وما معها هنا على ما ذكرنا في موضع خفض باضمار باء السببية وجوز أن تكون للمصاحبة وذهب غير واحد إلى أن الاستثناء مفرغ من أعم الأوقات أي وما تشاءون الاستقامة في وقت من الأوقات إلا وقت أن يشاء الله تعالى شأنه استقامتكم وهو مبني على ما نقل عن الكوفيين من جواز نيابة المصدر المؤول من أن والفعل عن الظرف وفي الباب الثامن من المغنى أن أن وصلتها لا يعطيان حكم المصدر في النيابة عن ظرف الزمان تقول جئتك صلاة العصر ولا يجوز جئتك أن تصلي العصر فالأولى ما ذكرنا أولًا وإليه ذهب مكي وذهب القاضي إلى الثاني وقد اعترض عليه أيضًا بأن ما لنفي الحال وأن خاصة للاستقبال فيلزم أن يكون وقت مشيئته تعالى المستقبل ظرفًا لمشيئة العبد الحالية وأجيب بأنا لا نسلم أن ما مختصة بنفي الحال ومن ادعى اختصاصها بذلك اشترط انتفاء القرينة على خلافه ولم تنتف هاهنا لمكان أن في حيزها أو بأن كون أن للاستقبال مشروط بانتفاء قرينة خلافه وههنا قد وجدت لمكان ما قبلها فهي لمجرد المصدرية وقيل يندفع الاعتراض بجعل الاستثناء منقطعًا فليجعل كذلك وإن كان الأصل فيه الاتصال وليس بشيء وقد أورد على وجه السببية الذي ذكرناه نحو ذلك وهو أنه يلزم من كون ما لنفي الحال وأن للاستقبال سببية المتأخر للمتقدم ومما ذكر يعلم الجواب كما لا يخفى فتأمل جميع ذلك والله تعالى الهادي لأوضح المسالك.
وقال بعض أهل التأويل الشمس شمس الروح والنجوم نجوم الحواس والجبال جبال القوالب وهي تسير كل وقت إلا أنه يظهر ذلك للمحجوب إذا كشف له الغطاء والعشار عشار القوى القالبية والوحوش وحوش الأخلاق الذميمة النفسانية والبحار بحار العناصر الطبيعية والنفوس القوى النفسانية وتزويجها قرن كل قوة بعملها والموؤدة الخواطر الإلهامية التي ترد على السالك فيئدها في قبر القالب ويظلمها والصحف على ظاهرها والسماء سماء الصدر والجحيم جحيم النفس وتسعيرها بنيران الهوى والجنة جنة القلب والخنس الأنوار المودعة في القوى القلبية والليل الأنوار الجلالية والصبح الأنوار الجمالية إلى آخر ما قال ويستدل بحال البعض على البعض وقد حكى أبو حيان شيئًا من نحو ذلك وعقبه بتشنيع فظيع وهو لا يتم إلا إذا أنكر إرادة الظاهر وأما إذا لم تنكر وجعل ما ذكر ونحوه من باب الإشارة فلا يتم أمر التشنيع كما حقق ذلك في موضعه.

.سورة الانفطار:

وتسمى سورة انفطرت وسورة المنفطرة ولا خلاف في أنها مكية ولا في أنها تسع عشرة آية.
ومناسبتها لما قبلها معلومة.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)}
{إِذَا السماء انفطرت} أي انشقت لنزول الملائكة كقوله تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام} [الفرقان: 25] ونزل الملائكة تنزيلًا والكلام في ارتفاع السماء كما مر في ارتفاع {الشمس}.

.تفسير الآية رقم (2):

{وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)}
{وَإِذَا الكواكب انتثرت} أي تساقطت متفرقة وهو استعارة لإزالتها حيث شبهت بجواهر قطع سلكها وهي مصرحة أو مكنية.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)}
{وَإِذَا البحار فُجّرَتْ} فتحت وشققت جوانبها فزال ما بينها من البرزخ واختلط العذب بالإجاج وصارت بحرًا واحدًا وروى أن الأرض تنشف الماء بعد امتلاء الجار فتصير مستوية أي في أن لا ماء وأريد أن البحار تصير واحدة أولًا ثم تنشف الأرض جميعًا فتصير بلا ماء ويحتمل أن يراد بالاستواء بعد النضوب عدم بقاء مغايض الماء لقوله تعالى: {لاَّ ترى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه: 107] وقرأ مجاهد والربيع بن خيثم والزعرفاني والثوري فجرت بالتخفيف مبنيًا للمفعول وعن مجاهد أيضًا فجرت به مبنيًا للفاعل عنى نبعت لزوال البرزخ من الفجور نظر إلى قوله تعالى: {لاَّ يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] لأن البغي والفجور أخوان.

.تفسير الآية رقم (4):

{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)}
{وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} قلب ترابها الذي حتى على موتاها وأزيل وأخرج من دفن فيها على ما فسر به غير واحد وأصل البعثرة على ما قيل تبديد التراب ونحوه وهو إنما يكون لإخراج شيء تحته فقد يذكر ويراد معناه ولازمه معًا وعليه ما سمعت وقد يتجوز به عن البعث والإخراج كما في {العاديات} حيث أسند فيها لما في القبور دونها كما هنا وزعم بعض أنه مشترك بين النبش والإخراج وذهب بعض الأئمة كالزمخشري والسهيلي إلى أنه مركب من كلمتين اختصارًا ويسمى ذلك نحتًا وأصل بعثر بعث وأثير ونظيره بسمل وحمدل وحوقل ودمعز أي قال بسم الله والحمد لله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى وأدام لله تعالى عزه إلى غير ذلك من النظائر وهي كثيرة في لغة العرب وعليه يكون معناه النبس والإخراج معًا واعترضه أبو حيان بأن الراء ليست من أحرف الزيادة وهو توهم منه فإنه فرق بين التركيب والنحت من كلمتين والزيادة على بعض الحروف الأصول كم كلمة واحدة كما فصل في الزهر نقلًا عن أئمة اللغة نعم الأصل عدم التركيب.

.تفسير الآية رقم (5):

{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)}
{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} جواب إذا لكن لا على أنها تعلمه عند البعث بل عند نشر الصحف لما عرفت أن المراد بها زمان واحد مبدؤه قبيل النفخة الأولى أو هي ومنتهاه الفصل بين الخلائق لا أزمنة متعددة بحسب كلمة إذا وإنما كررت لتهويل ما في حيزها من الدواهي والكلام فيه كالذي مر في نظيره ومعنى ما قدم وأخر ما أسلف من عمل خير أو شر وأخر من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعده قاله ابن عباس وأبي مسعود وعن ابن عباس أيضًا ما قدم معصية وأخر طاعة وهو قول قتادة وقيل ما عمل ما كلف به وما لم يعمل منه وقيل ما قدم من أمواله لنفسه وما أخر لورثته وقيل أول عمله وآخره ومعنى علمها بهما علمها التفصيلي حسا ذكر فيما قدم.

.تفسير الآية رقم (6):

{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)}
{وَأَخَّرَتْ ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} أي أي شيء خدعك وجراك على عصيانك تعالى وارتكاب ما لا يليق بشأن عز شأنه وقد علمت ما بين يديك وما سيظهر من أعمالك عليك والتعرض لعنوان كرمه تعالى دون قهره سبحانه من صفات الجلال المانعة ملاحظتها عن الاغترار للإيذان بأنه ليس مما يصلح أن يكون مدارًا لاغتراره حسا يغويه الشيطان ويقول له افعل ما شئت فإن ربك كريم قد تفضل عليك في الدنيا وسيفعل مثله في الآخرة أو يقول له نحو ذلك مما مبناه الكرم كقول بعض شياطين الإنس:
تكثر ما استطعت من الخطايا ** ستلقى في غد ربًا غفورًا

تعض ندامة كفيك مما ** تركت مخافة الذنب السرورا

فإنه قياس عقيم وتمنية باطلة بل هو مما يوجب المبالغة في الإقبال على الايمان والطاعة والاجتناب عن الكفر والعصيان دون العكس ولذا قال بعض العارفين لو لم أخف الله تعالى لم أعصه فكأنه قيل ما حملك على عصيان ربك الموصوف بما يزجر عنه وتدعو إلى خلافه وقيل إن هذا تلقين للحجة وهو من الكرم أضًا فإنه إذا قبل له ما غرك إلخ يتفطن للجواب الذي لقنه ويقول كرمه كما قيل يعرف حسن الخلق والإحسان بقلة الآداب في الغلمان ولم يرتض ذلك الزمخشري وكان الاغترار بذلك في النظر الجليل وإلا فهو في النظر الدقيق كما سمعت وعن الفضيل أنه قال غره ستره تعالى المرخي وقال محمد بن السماك:
يا كاتم الذنب أما تستحي ** والله في الخلوة رائيكا

غرك من ربك إمهاله ** وستره طول مساويك

وقال بعضهم:
يقول مولاي أما تستحي ** مما أرى من سوء أفعالك

فقلت يا مولاي رفقًا فقد ** جرأني كثرة أفضالك

وقال قتادة غره عدوه المسلط عليه وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية فقال الجهل وقاله عمر رضي الله تعالى عنه وقرأ {أنه كان ظلومًاجهولًا} [الأحزاب: 72] والفرق بين هذا وبين ماذكروا لا يخفى على ذي علم واختلف في الإنسان المنادى فقيل الكافر بل عن عكرمة أنه أبي بن خلف وقيل الأعم الشامل للعصاة وهو الوجه لعموم اللفظ ولوقوعه بين المجمل ومفصله أعنى {علمت نفس} [الأنفطار: 5] {وأن الأبرار وأن الفجار} [الإنفطار: 13، 14] وأما قوله تعالى: {بَلِ يَكْذِبُونَ بالدين} [الانفطار: 9] ففي الكشف أما أن يكون ترشيحًا لقوة اغترارهم بإيهام أنهم أسوأ حالًا من المكذبين تغليظًا وأما لصحة خطاب الكل بما وجد فيما بينهم وقرأ ابن جبير والأعمش ما أغرك بهمزة فاحتمل أن يكون تعجبًا وأن تكون ما استفهامية كما في قراءة الجمهور وأغرك عنى أدخلك في الغرة وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (7):

{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)}
{الذى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} صفة ثانية مقررة للربوبية مبينة للكرم مومية إلى صحة ما كذب من البعث والجزاء موطئة لما بعد حيث نبهت على أن من قدر على ذلك بدأ أقدر عليه إعادة والتسوية جعل الأعضاء سوية سليمة معدة لمنافعها وهي في الأصل جعل الأشياء على سواء فتكون على وفق الحكمة ومقتضاها بإعطائها ما تتم به وعدلها عدل بعضها ببعض بحيث اعتدلت من عدل فلانًا بفلان إذا ساوى بينهما أو صرفها عن خلقة غير ملائمة لها من عدل عنى صرف وذهب إلى الأول الفارسي وإلى الثاني الفراء وقرأ غير واحد من السبعة عدلك بالتشديد أي صيرك معتدلًا متناسب الخلق من غير تفاوت فيه ونقل القفال عن بعضهم إن عدل وعدل عنى واحد.