فصل: تفسير الآية رقم (27):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (27):

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)}
{أَحَدٌ يأَيَّتُهَا النفس المطمئنة} إلخ حكاية لأحوال من اطمأن بذكر الله تعالى وطاعته عز وجل أثر حكاية من اطمأن بالدنيا وسكن إليها وذكر انه على إرادة القول أي يقول الله تعالى يا أيتها النفس إلخ اما بالذات كما كلم سبحانه موسى عليه السلام أو على لسان الملك واستظهر أن ذلك القول عند تمام الحساب وليظهر التفاوت ما بين ذلك الإنسان وهذه النفس ذاك يقول يا ليتني قدمت لحياتي وهذه يقول الله تعالى لها يا أيتهال النفس المطمئة إلخ وكأنه للإيذان بغاية التباين لم يذكر القول وتعطف الجملة على الجملة السابقة. والنفس قيل عنى الذات ووصفت بالإطمئنان بذلك لأنها لترقي بقوتها العاقلة في معارج الأسباب والمسببات إلى المبدأ المؤثر بالذات جلت صفاته وأسماؤه فتضطرب وتقلق قبل الوصول إلى معرفته تعالى فإذا وصلت إليه عز وجل اطمأنت واستغنت به سبحانه عن وجودها وسائر شؤونها ولم تلتفت إلى ما سواه جل وعلا بالكلية وقيل هي النفس المؤمنة المطمئنة إلى الحق الواصلة إلى ثلج اليقين وبرودته بحيث لا يخالطها شك ما ولا ازجها سخونة اضطراب القلب في الحق أصلًا وهو وجه حسن والارتباط عليه إن هذه النفس هي المتعظة الذاكرة على خلاف الإنسان الموصوف فيما قبل فإن التذكر على قدر قوة اليقين ألا ترى إلى قوله تعالى: {إنما يتذكر أولو الألباب} [الرعد: 19] وقيل هي الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن يوم القيامة أعني النفس المؤمنة اليوم المتوفاة على الإيمان وأيد بقراءة أبي يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة وكأنه لأن الوصفين يعتبر تناسبهما في الآكثر وهي على هذا أيضًا تقابل السابق وهو المتحسر المتحزن وقرأ زيد بن علي يا أيها بغير تاء وذكر صاحب البديع أن ايا قد تذكر مع المنادي المؤنث قيل ولذلك وجه من القياس وذلك إنها كما لن تثن ولم تجمع في نداء المثنى والمجموع فكذلك لم تؤنث في نداء المؤنث واعتبار النفس هاهنا مذكرة ثم مؤنثة مما لا تلتفت إليه النفس المطمنئة.

.تفسير الآية رقم (28):

{ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)}
{ارجعى} أي من حيث حوسبت {إلى رَبّكَ} أي إلى محل عنايته تعالى وموقف كرامته عز وجل لك أولًا وهذا لأن للسعداء قبل الحساب كما يفهم من الأخبار موقفًا في المحشر مخصوصًا يكرهم الله تعالى به لا يجدون فيه ما يجده غيرهم في مواقفهم من النصب ومنه ينادي الواحد بعد الواحد للحساب فمتى كان هذا القول عند تمام الحساب اقتضى أن يكون المعنى ما ذكر ويجوز أن يكون المعنى ارجعي بتخلية القلب عن الأعمال والالتفات إليها والاهتمام بأمرها أتقبل أم لا أي إلى ملاحظة ربك والانقطاع إليه وترك الالتفات إلى ما سواه عز وجل كما كنت أولًا كان النفس المطمئنة لما دعيت للحساب شغل فكرها وإن كانت مطمئنة قتضى الطبيعة وحال اليوم بأمر الحساب وما ينتهى إليه وأنه ماذا يكون حال أعمالها أتقبل أم لا فلما تم حسابها وقبلت أعمالها قيل لها ذلك تطييبًا لقلبها بأن الأمر قد انتهى وفرغ منه وليس بعد الأكل خير ونداؤها بعنوان الاطمئنان لتذكيرها بما يقتضي الرجوع نظير قولك لشجاع مشهور بالشجاعة أحجم في بعض المواقف يا أيها الشجاع أقدم ولا تحجم والظاهر أنه على الأول لا يناسبها ولا يخفى ما في قوله سبحانه إلى ربك على الوجهين من مزيد اللطف بها ولذا لم يقل نحو ارجعي إلى الله تعالى أو إلى {رَّاضِيَةٍ} أي بما تؤتينه من النعم التي لا تتناهى وقد يقال راضية بما نلتيه من خفة الحساب وقبول الأعمال وليس بذاك {مَّرْضِيَّةً} أي عند الله عز وجل وقيل المراد راضية عن ربك مرضية عنده وزعم أنه الأظهر واعترض بأنه غير مناسب للسياق وفيه نظر والوصفان منصوبان على الحال والظاهر أن الحال الأولى مقدرة وقيل مقارنة وذكر الحال الثانية من باب الترقي فقد قال سبحانه وتعالى: {ورضوان من الله أكبر}

.تفسير الآيات (29- 30):

{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}
{فادخلى فِي عِبَادِى} في زمرة عبادي الصالحين المخلصين لي وانتظمي في سلكهم وكوني في جملتهم {وادخلى جَنَّتِى} عطف على الجملة قبلها داخلة معها في حيز الفاء المفيدة لكون ما بعدها عقيب ما قبلها من غير تراخ وكان الأمر بالدخول في جملة عباد الله تعالى الصالحين إشارة إلى السعادة الروحانية لكمال استئناس النفس بالجليس الصالح والأمر بدخول الجنة إشارة إلى السعادة الجسمانية ولفضل الأولى على الثانية قدم الأمر الأول وجيء بالثاني على وجه التتميم ونكتة الالتفات فيهما ظاهرة بأدنى التفات وتعدي الدخول أولًا بفي وثانيًا بودنها قال أبو حيان لأن المدخول فيه إن كان غير ظرف حقيقي تعدى إليه في الاستعمال بفي تقول دخلت في الأمر ودخلت في غمار الناس وإذا كان ظرفًا حقيقيًا تعدى إليه في الغالب بغير وساطتها فلا تغفل وقيل المراد ارجعي إلى موعد ربك واستظهر أن المراد وعده تعالى على تقدير كون القول المذكور بعد تمام الحساب ما وعده سبحانه من الجنة والكون مع عباده تعالى الصالحين والفاء تفسيرية واستشكل عليه الأمر بالرجوع إذ يقتضي أن تكون الجنة مقرًا للنفس قبل ذلك وأجيب بتحقق هذا المقتضى بناء على وجودا بالقوة في ظهر آدم عليه السلام حين كان في الجنة وقد قيل نحو هذا في قوله تعالى: {إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرءان لرادك إلى معاد} [القصص: 85] على ما روى عن أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن المراد بالمعاد الجنة دون مكة وأنت تعلم أن هذا على مافيه لا يتم إلا على القول بأن جنة آدم عليه السلام هي الجنة التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة لا جنة أخرى كانت في الأرض والخلاف في ذلك قوي كما لا يخفى على من راجع كتاب «مفتاح السعادة» للعلامة ابن القيم واطلع على أدلة الطرفين وقيل المراد ارجعي إلى أمر ربك واستظهر أن المراد بالأمر على ذلك التقدير واحد الأمور ويفسر عاملة الله تعالى إياها بما ليس فيه ما يشغل بالها أو بتمييزها وقف كريم أو بنحو ذلك مما يتحقق معه ما يقتضيه ظاهر الجروع وقيل المراد ارجعي إلى كرامة ربك ويراد جنس كرامته سبحانه والرجوع إليه باعتبار أنها كانت بعد الموت في البرزخ أو بعد البعث وقبل الحساب في نوع منه والفاء عليه قيل تفسيرية أيضًا وعن عكرمة والضحاك أن ذلك القول عند البعث فقيل النفس عنى الذات أيضًا والمراد بالرب هو الله عز وجل والكلام على حذف مضاف ولا يقدر محل كرامته تعالى مرادًا به الموقف الخاص على ما سمعت لأنه إنما يكون لها بعد وقيل النفس عنى الروح والمراد بالرب الصاحب وفسر بالجسد وباقي الآية على حاله أي ارجعي إلى جسدك كما كنت في الدنيا فادخلي بعد الرجوع إليه في جملة عبادي وادخلي دار ثوابي وقيل المراد بالنفس والرب ما ذكر وقوله تعالى: {فِى عِبَادِى} [الفجر: 29] على حذف مضاف أي داخلي في أجساد عبادي وجاء هذا في رواية عن ابن عباس وابن جبير ولا يضر الأفراد أولًا والجمع ثانيًا لأن المعنى على الجنس وقال ابن زيد وجماعة إن ذلك القول عند الموت وأيد بما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن جبير قال قرئت عند النبي صلى الله عليه وسلم {يأَيَّتُهَا النفس المطمئنة} [الفجر: 27] الآية فاقل أبو بكر رضي الله تعالى عنه إن هذا الحسن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أن الملك سيقولها لك عند الموت وجاء نحو هذا من رواية الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من طريق ثابت بن عجلان عن سليم بن عامر عن الصديق رضي الله تعالى عنه والنفس عليه عنى الروح والمعنى على ما قيل ارجعي بالموت إلى عالم قدس ربك راضية بما تؤتين من النعيم أو راضية عن ربك مرضية عنده تعالى فادخلي في زمرة عبادي المقربين سكنة حظائر القدس وادخلي جنتي التي أعددتها لذوي النفوس المطمئنة وهذا الدخولان يعقبان الرجوع إلا أن الدخول الأول يعقبه بلا تراخ قبل يوم القيامة والثاني يعقبه بتراخ لأنه يوم القيامة إن أريد بدخول الجنة دخولها على وجه الخلود إلا أن الأمر لتحققه يجوز تعقيبه بالفاء وجوز أن يكون تعقيب الأمرين على هذا النمط إن أريد بالدخول في عباده تعالى انتظامها في سلك العباد الصالحين المخلصين من جنسها ويجوز على إرادة هذا التعقيب أن يراد فادخلي في أجساد عبادي وجوز أن يكون تعقيب الأمرين بلا تراخ إن أريد بالدخول في العباد الدخول في زمرة المقربين من سكنة حظائر القدس وبالدخول في الجنة الدخول لا على وجه الخلود بل لنوع من التنعم إلى أن تقوم الساعة ففي الحديث أن أرواح المؤمنين في حواصل طيور في الجنة وفي بعض الآثار إذا مات المؤمن أعطى نصف الجنة أي نصف جنته التي وعد دخولها يوم القيامة وذكر في وجه ادخالها مع الأرواح القدسية كالمرايا المصقولة فإذا انظم بعضها إلى بعض تعاكست أشعة أنوار المعارف فيظهر لكل منه ما يكملها فيكون سببًا أنها لتكامل السعادات وتعاظم الدرجات وهو عندي كلام خطابي وعن بعض السلف ما يؤيد بعض هذه الأوجه أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح أنه قال في الآية {ارجعى إلى رَبّكِ} [الفجر: 28] هذا عند الموت ورجوعها إلى ربها خروجها من الدنيا فإذا كان يوم القيامة قيل لها ادخلي في عبادي وادخلي جنتي وقيل إن هذا القول بعد الموت وقبل القيامة والمراد برجوعها إلى ربها رجوعها إلى جسدها لسؤال الملكين أخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي أنه قال في الآية إن المؤمن إذا مات أرى منزله من الجنة فيقول تبارك وتعالى: «يا أيها النفس المطمئنة عندي ارجعي إلى جسدك الذي خرجت منه راضية بما رأيت من ثوابي مرضيًا عنك حتى يسألك منكر ونكير» وقيل إنه في مواطن ثلاثة أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أنه قال في الآية «بشرت بالجنة عند الموت وعند البعث يوم الجمع» وتفسر عليه بما ينطبق على الجمع وقيل يجوز أن يكون ذلك في سائر أوقات النفس في حياتها الدنيا والمراد بالأمر بالرجوع إلى الرب الأمر بالرجوع إليه تعالى في كل أمر من الأمور والمراد بالأمر بالدخول في العباد الأمر بالدخول في زمرة العباد الخلص الذين ليس للشيطان عليهم سلطان بالاكثار من العمل الصالح وبالأمر بالدخول في الجنة الأمر بالدخول فيها بالقوة القريبة فكأنه سبحانه بعد أن بالغ جل وعلا في سوء حال الامارة ووعيدها خاطب المطمئنة بذاك وأرشدها سبحانه إلى ما فيه صلاحها ونجاتها ولا يخفى ما فيه فلا ينبغي أن يعد وجهًا وأيًا ما كان من الأوجه فالظاهر العموم فيها وإن أخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عبا سأنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه حين اشترى بئر رومة وجعلها سقاية للناس وقيل إنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب وقيل نزلت في خبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه إلى المدينة فقال اللهم إن كان لي عندك خير فحول وجهي نحو قبلتك فحول لله تعالى وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوله بعد فتفسير النفس المذكور بأحد هؤلاء المذكورين كما نقل عن بعض من باب التمثيل وأن صورة السبب قطعية الدخول وينبغي أن يحمل قول ابن عباس في تلك النفس كما أخرجه عنه ابن مردويه هو النبي صلى الله عليه وسلم على نحو ذلك واشعرت الآية على بعض أوجهها بأن على بعض أوجهها بأن الأرواح مخلوقة قبل الأبدان ومقرها إذ ذاك في عالم الملكوت والخلاف في المسألة شهير وجمهور المتكلمين على أنها مخلوقة عند استعداد الأبدان لها وكذا أفلاطون وأصحابه وقرأ ابن عباس وعكرمة والضحاك ومجاهد وأبو جعفر وأبو صالح وأبو شيخ واليماني في عبدي على الأفراد واستظهر أن المراد الجنس كما في النفس.
وللسادة الصوفية قدست نفوسهم كلام طويل في تقسيم مراتب النفس وقالوا إن الآية متضمنة لمراتب ثلاث منها المطمئنة والراضية والمرضية وفسروا كلا بما فسروه فمن أراده فليرجع إليه في كتبهم وأنا أقول كما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة على ما أخرج للطبراني وابن عساكر عن أبي إمامة رضي الله تعالى عنه اللهم إني أسألك نفسًا مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك.

.سورة البلد:

مكية في قول الجمهور بتمامها.
وقيل: مدنية بتمامها.
وقيل: مدنية إلا أربع آيات من أولها واعترض كلا القولين بأنه يأباهما قوله تعالى: {بهذا البلد} قيل ولقوة الاعتراض ادعى الزمخشري الإجماع على مكيتها وسيأتي إن شاء الله تعالى أن في بعض الخبار ما هو ظاهر في نزول صدرها بمكة بعد الفتح.
وهي عشرون آية بلا خلاف ولما ذم سبحانه فيما قبلها من أحب المال وأكل التراث أكلا لما ولم يحض على طعام المسكين ذكر جل وعلا فيها الخصال التي تطلب من صاحب المال من فك الرقبة وإطعام في يوم ذي مسغبة وكذا لما ذكر عز وجل النفس المطمئنة هناك ذكر سبحانه هاهنا لعض ما يحصل به الاطمئنان فقال عز قائلا:
بسم الله الرحمن الرحيم