فصل: تفسير الآية رقم (63):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (63):

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي أعرضوا عن اتباعك وتصديقك بعد هذه الآيات البينات، وهذا على تقدير أن يكون الفعل ماضيًا، ويحتمل أن يكون مضارعًا وحذفت منه إحدى التاءين تخفيفًا، وأصله تتولوا {فَإِنَّ الله عَلِيمٌ بالمفسدين} أي بهم أو بكم، والجملة جواب الشرط في الظاهر لكن المعنى على ما يترتب على علمه {بالمفسدين} من معاقبته لهم، فالكلام للوعيد ووضع الظاهر موضع الضمير تنبيهًا على العلة المقتضية للجزاء والعقاب وهي الإفساد، وقيل: المعنى على أن الله عليم بهؤلاء المجادلين بغير حق وبأنهم لا يقدمون على مباهلتك لمعرفتهم نبوتك وثبوت رسالتك، والجملة على هذا أيضًا عند التحقيق قائمة مقام الجواب إلى أنه ليس الجزاء والعقاب، والكلام منساق لتسليته صلى الله عليه وسلم ولا يخفى ما فيه.
ومن باب الإشارة في الآيات: {فَلَمَّا أَحَسَّ} أي شاهد عيسى بواسطة النور الإلهي المشرق عليه {مِنْهُمُ الكفر} أي ظلمته، أو نفسه فإن المعاني تظهر للكمل على صور مختلفة بختلافها فيرونها. وحكي عن الباز قدس سره أنه قال: إن الليل والنهار يأتياني فيخبراني بما يحدث فيهما، وعن بعض العارفين أنه يشاهد أعمال العباد كيف تصعد إلى السماء ويرى البلاء النازل منها {قَالَ مَنْ أَنصَارِى} في حال دعوتي {إِلَى الله} سبحانه بأن يلتفت إلى الاشتغال بتكميل نفسه وتهذيب أخلاقها حتى يصلح لتربية الناقصين فينصرني ويعينني في تكميل الناقص وإرشاد الضال {قَالَ الحواريون} المبيضون ثياب وجودهم ياه العبادة ومطرقة المجاهدة وشمس المراقبة {نَحْنُ أَنْصَارُ الله} أي أعوان الفانين فيه الباقين به ومنهم عيسى عليه السلام {بالله فَإِذَا} الإيمان الكامل {واشهد بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52] أي مناقدون لأمرك حيث إنه أمر الله سبحانه: {رَبَّنَا ءامَنَّا بما أَنزَلَتْ} وهو ما نورت به قلوب أصفيائك من علوم غيبك {واتبعنا الرسول} فيما أظهر من أوامرك ونواهيك رجاء أن يوصلنا ذلك إلى محبتك {فاكتبنا مَعَ الشاهدين} [آل عمران: 53] أي مع من يشهدك ولا يشهد معك سواك، أو الحاضرين لك المراقبين لأمرك {وَمَكَرُواْ} أي الذين أحس منهم الكفر واحتالوا مع أهل الله بتدبير النفس فكان مكرهم مكر الحق عليهم لأنه المزين ذلك لهم كما قال سبحانه: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: 108] فهو الماكر في الحقيقة وهذا معنى {وَمَكَرَ الله} [آل عمران: 54] عند بعض، والأولى القول باختلاف المكرين على ما يقتضيه مقام الفرق، وقد سئل بعضهم كيف يمكر الله؟ فصاح وقال: لا علة لصنعه وأنشأ يقول:
فديتك قد جبلت على هواكا ** ونفسي لا تنازعني سواكا

أحبك لا ببعضي بل بكلي ** وإن لم يبق حبك لي حراكا

ويقبح من سواك الفعل عندي ** وتفعله فيحسن منك ذاكا

{إِذْ قَالَ الله ياعيسى عِيسَى إِنّي مُتَوَفّيكَ} عن رسم الحدوثية {وَرَافِعُكَ إِلَىَّ} بنعت الربوبية {وَمُطَهّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} [آل عمران: 55] بشغل سرك عن مطالعة الأغيار، أو متوفيك عنك، وقابضك منك، ورافعك عن نعوت البشرية ومطهرك من إرادتك بالكلية، وقيل: إن عيسى عليه الصلاة والسلام لما أحس منهم الكفر وعلم أنهم بعثوا من يقتله قال للحواريين: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم السماوي أي متصل بروح القدس ومتطهر من علاقة عالم الرجس فأمدكم بالفيض كي تستجاب دعوتكم الخلق بعدي، فشبه للقوم صورة جسدانية هي مظهر عيسى روح الله تعالى بصورة حقيقة عيسى فظنوها هو فصلبوها ولم يعلموا أن الله تعالى رفعه إلى السماء الرابعة التي هي فلك الشمس، وحكمة رفعه إلى ذلك أن روحانيته عبارة عن إسرافيل عليه الصلاة والسلام ويشاركه المسيح في سر النفخ. ومن قال: إنه رفع إلى السماء الدنيا بين الحكمة بأن إفاضة روحه كانت بواسطة جبريل عليه السلام وهو عبارة عن روحانية فلك القمر، وبأن القمر في السماء الدنيا وهو آية ليلية تناسب علم الباطن الذي أوتيه المسيح عليه السلام، ولم يعتبر الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم القول: بأنه يدور حول العرش لأن ذلك مقام النهاية في الكمال، ولهذا لم يعرج إليه سوى صاحب المقام المحمود صلى الله عليه وسلم الجامع بين الظاهر والباطن {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءادَمَ} في أن كلا منهما خارق للعادة خارج عن دائرتها وإن افترقا في أن عيسى عليه الصلاة والسلام بلا ذكر بل من نطفة أنثى فقط كان في بعضها قوة العقد وفي البعض الآخر قوة الانعقاد كسائر النطف المركبة من منيين في أحدهما القوة العاقدة وفي الأخرى المنعقدة، وأن آدم عليه الصلاة والسلام بلا ذكر ولا أنثى خلقه من تراب أي صوّر قالبه من ذلك {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] إشارة إلى نفخ الروح فيه وكونه من عالم الأمر نظرًا إلى روحه المقدسة التي لم ترتكض في رحم {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ} أي الحق، أو في عيسى عليه السلام بالحجج الباطلة {فَقُلْ تَعَالَوْاْ} [آل عمران: 61] إلخ أي فادعه إلى المباهلة بالهيئة المذكورة. قال بعض العارفين: اعلم أن لمباهلة الأنبياء عليهم السلام تأثيرًا عظيمًا سببه اتصال نفوسهم بروح القدس وتأييد الله تعالى إياهم به وهو المؤثر بإذن الله تعالى في العالم العنصري فيكون انفعال العالم العنصري منه كانفعال أبداننا من روحنا بالعوارض الواردة عليه كالغضب والخوف والفكر في أحوال المعشوق وغير ذلك وانفعال النفوس البشرية منه كانفعال حواسنا وسائر قوانا من عوارض أرواحنا فإذا اتصل نفس قدسي به، أو ببعض أرواح الأجرام السماوية والنفوس الملكوتية كان تأثيرها في العالم عند التوجه الاتصالي تأثير ما يتصل به فينفعل أجرام العناصر والنفوس الناقصة الإنسانية منه بما أراد حسب ذلك الاتصال ولذا انفعلت نفوس النصارى من نفسه عليه الصلاة والسلام بالخوف وأحجمت عن المباهلة وطلبت الموادعة بقبول الجزية انتهى. وادعى بعضهم أن لكل نفس تأثيرًا لكنه يختلف حسب اختلاف مراتب النفوس وتفاوت مراتب التوجهات إلى عام التجرد وفيه كلام طويل ولعل النوبة تفضي إلى تحقيقه، وهذا وتطبيق ما في الآفاق على ما في الأنفس ظاهر لمن أحاط خبرًا بما قدمناه في الآيات الأول، والله تعالى الموفق.

.تفسير الآية رقم (64):

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}
{قُلْ ياأهل أَهْلِ الكتاب} نزلت في وفد نصارى نجران قاله السدي والحسن وابن زيد ومحمد بن جعفر بن الزبير وروي عن قتادة والربيع وابن جريج أنها نزلت في يهود المدينة، وذهب أبو علي الجبائي أنها نزلت في الفريقين من أهل الكتاب، واستظهره بعض المحققين لعمومه {تَعَالَوْاْ} أي هلموا {إلى كَلِمَةٍ} أي كلام كما قال الزجاج وإطلاقها على ذلك في كلامهم من باب المجاز المرسل وعلاقته تجوز إطلاقها على المركب الناقص إلا أنه لم يوجد بالاستقراء، وقيل: إنه من باب الاستعارة وليس بالبعيد وقرئ {كَلِمَةَ} بكسر الكاف وإسكان اللام على التخفيف والنقل {سَوَآء} أي عدل قاله ابن عباس والربيع وقتادة وقيل: إن سواء مصدر عنى مستوية أي لا يختلف فيها التوراة والإنجيل والقرآن، أو لا اختلاف فيها بكل الشرائع، وهو في قراءة الجمهور مجرور على أنه نعت لكلمة وقرئ بنصبه على المصدر.
{بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} متعلق بسواء {أَلاَّ نَعْبُدَ} أي نحن وأنتم {إِلاَّ الله} بأن نوحده بالعبادة ونخلص فيها، وفي موضع أن وما بعدها وجهان كما قال أبو البقاء الأول: الجر على البدلية من {كَلِمَةَ}، والثاني: الرفع على الخبرية لمحذوف أي هي أن لا نعبد إلا الله، ولولا عمل أن لجاز أن تكون تفسيرية، وقيل: إن الكلام تم على {سَوَآء} ثم استؤنف فقيل: {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ}، فالظرف خبر مقدم، وأن وما بعدها مبتدأ مؤخر {وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} من الأشياء على معنى لا نجعل غيره شريكًا له في استحقاق العبادة ولا نراه أهلًا لأن يعبد، وبهذا المعنى يكون الكلام تأسيسًا والظاهر أنه تأكيد لما قبله إلا أن التأسيس أكثر فائدة، وقيل: المراد {لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} من الشرك وهو بعيد جدًا.
{وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ الله} أي لا يطيع بعضنا بعضًا في معصية الله تعالى قاله ابن جريج ويؤيده ما أخرجه الترمذي وحسنه من حديث عدي بن حاتم «أنه لما نزلت هذه الآية قال: ما كنا نعبدهم يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: أما كانوا يحللون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟ قال: نعم فقال عليه الصلاة والسلام: هو ذاك» قيل: وإلى هذا أشار سبحانه بقوله عز من قائل: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أَرْبَابًا مّن دُونِ الله} [التوبة: 31] وعن عكرمة أن هذا الاتخاذ هو سجود بعضهم لبعض، وقيل: هو مثل اعتقاد اليهود في عزير أنه ابن الله، واعتقاد النصارى في المسيح نحو ذلك، وضمير بمن على كل تقدير للناس لا للممكن وإن أمكن حتى يشمل الأصنام لأن أهل الكتاب لم يعبدوها.
وفي التعبير بالبعض نكتة وهي الإشارة إلى أنهم بعض من جنسنا فكيف يكونون أربابا؟ا فإن قلت: إن المخاطبين لم يتخذوا البعض أربابًا من دون الله بل اتخذوهم آلهة معه سبحانه أجيب: بأنه أريد من دون الله وحده، أو يقال: بأنه أتى بذلك للتنبيه على أن الشرك لا يجامع الاعتراف بربوبيته تعالى عقلًا قاله بعضهم وللنصارى سود الله تعالى حظهم الحظ الأوفر من هذه المنهيات، وسيأني إن شاء الله تعالى بيان فرقهم وتفصيل كفرهم على أتم وجه.
{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} المراد فإن تولوا عن موافقتكم فيما ذكر مما اتفق عليه الكتب والرسل بعد عرضه عليهم فاعلموا أنهم لزمتهم الحجة وإنما أبوا عنادًا فقولوا لهم: أنصفوا واعترفوا بأنا على الدين الحق وهو تعجيز لهم أو هو تعريض بهم لأنهم إذا شهدوا بالإسلام لهم فكأنهم قالوا: إنا لسنا كذلك، وإلى هذا ذهب بعض المحققين، وقيل: المراد فإن تولوا فقولوا: إنا لا نتحاشى عن الإسلام ولا نبالي بأحد في هذا الأمر فاشهدوا بأنا مسلمون فإنا لا نخفي إسلامنا كما أنكم تخافون وتخفون كفركم ولا تعترفون به لعدم وثوقكم بصر الله تعالى، ولا يخفى أن هذا على ما فيه إنما يحسن لو كان الكلام في منافقي أهل الكتاب لأن المنافقين هم الذين يخافون فيخفون، وأما هؤلاء فهم معترفون بما هم عليه كيف كان فلا يحسن هذا الكلام فيهم، و{تَوَلَّوْاْ} هنا ماض ولا يجوز أن يكون التقدير تتولوا لفساد المعنى لأن {فَقُولُواْ} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، {وتتولوا} خطاب للمشركين، وعند ذلك لا يبقى في الكلام جواب.

.تفسير الآية رقم (65):

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}
{مّنْ أَهْلِ الكتاب} خطاب لليهود والنصارى {لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إبراهيم} أي تنازعون وتجادلون فيه ويدعي كل منكم أنه عليه السلام كان على دينه، أخرج ابن إسحق، وابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «اجتمعت نصارى نجران، وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديًا، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيًا فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية» والظرف الأول متعلق بما بعده وكذا الثاني، وما استفهامية، والغرض الإنكار والتعجب عند السمين وحذفت ألفها لما دخل الجار للفرق بينها وبين الموصولة، والكلام على حذف مضاف أي دين إبراهيم أو شريعته لأن الذوات لا مجادلة فيها {وَمَا أُنزِلَتِ} على موسى عليه السلام {التوراة والإنجيل} على عيسى عليه السلام {إِلاَّ مِن بَعْدِهِ} حيث كان بينه وبين موسى عليهما السلام خمسمائة وخمس وستون سنة، وقيل: سبعمائة، وقيل: ألف سنة وبين موسى وعيسى عليهما السلام ألف وتسعمائة وخمس وعشرون سنة، وقيل: ألفا سنة، وهناك أقوال أخر.
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} الهمزة داخلة على مقدر هو المعطوف عليه بالعاطف المذكور على رأي أي ألا تتفكرون فلا تعقلون بطلان قولكم أو أتقولون ذلك فلا تعقلون بطلانه، وهذا تجهيل لهم في تلك الدعوى وتحميق، وهو ظاهر إن كانوا قد ادعوا كما قال الشهاب إنه عليه السلام منهم حقيقة، وإن كان مدعاهم أن دين إبراهيم يوافق دين موسى، أو دين عيسى فهو يهودي، أو نصراني بهذا المعنى فتجهيلهم، ونفي العقل عنهم بنزول التوراة والإنجيل بعده مشكل إلا أن يدعى بأن المراد أنه لو كان الأمر كذلك لما أوتي موسى عليه السلام التوراة، ولا عيسى عليه السلام الإنجيل بل كانا يؤمران بتبليغ صحف إبراهيم كذا قيل وأنت تعلم أن هذا لا يشفي الغليل إذ لقائل أن يقول: أي مانع من اتحاد الشريعة مع إنزال هذين الكتابين لغرض آخر غير بيان شريعة جديدة على أن الصحف لم تكن مشتملة على الأحكام بل كانت أمثالًا ومواعظ كما جاء في الحديث، ثم ما قاله الشهاب وإن كان وجه التجهيل عليه ظاهرًا، إلا أن صدور تلك الدعوى من أهل الكتاب في غاية البعد لأن القوم لم يكونوا بهذه المثابة من الجهالة وفيهم أحبار اليهود ووفد نجران، وقد ذكر أن الأخيرين كانت لهم شدة في البحث، فقد أخرج ابن جرير عبد الله بن الحرث الزبيدي أنه قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليت بيني وبين أهل نجران حجابًا فلا أراهم ولا يروني» من شدة ما كانوا يمارون النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إلا أن يقال: إن الله تعالى أعمى بصائرهم في هذه الدعوى ليكونوا ضحكة لأطفال المؤمنين، أو أنهم قالوا ذلك على سبيل التعنت والعناد ليغيظ كل منهم صاحبه؛ أو ليوهموا بعض المؤمنين ظنًا منهم أنهم لكونهم أميين غير مطلعين على تواريخ الأنبياء السالفين يزلزلهم مثل ذلك ففضحهم الله تعالى، أو أن القوم في حدّ ذاتهم جهلة لا يعلمون وإن كانوا أهل كتاب وما ذكره ابن الحرث لا يدل على علمهم كما لا يخفى، وقيل: إن مراد اليهود بقولهم: إن إبراهيم عليه السلام كان يهوديًا أنه كان مؤمنًا وسى عليه السلام قبل بعثته على حدّ ما يقوله المسلمون في سائر المرسلين عليهم الصلاة والسلام من أنهم كانوا مؤمنين بنبينا صلى الله عليه وسلم قبل بعثته كما يدل عليه تبشيرهم به، وأن مراد النصارى بقولهم: إن إبراهيم كان نصرانيًا نحو ذلك فرد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه: {وَمَا أَنَزلَ التوراة والإنجيل إِلاَّ مِن بَعْدِهِ} أي ومن شأن المتأخر أن يشتمل على أخبار المتقدم لاسيما مثل هذا الأمر المهم والمفخر العظيم والمنة الكبرى أفلا تعقلون ما فيهما لتعلموا خلوهما عن الأخبار بيهوديته ونصرانيته اللتين زعمتموهما، ثم نبه سبحانه على حماقتهم بقوله جل وعلا: