فصل: تفسير الآية رقم (76):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (76):

{بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)}
{بلى} جواب لقولهم {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الاميين سَبِيلٌ} [آل عمران: 75]، وإيجاب لما نفوه، والمعنى بلى عليهم في الأميين سبيل. {مَنْ أوفى بِعَهْدِهِ واتقى فَإِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} استئناف مقرر للجملة التي دلت عليها {بلى} حيث أفادت فهومها المخالف ذم من لم يف بالحقوق مطلقًا فيدخلون فيه دخولًا أوليًا، و{مِنْ} إما موصولة أو شرطية، و{أُوفِى} فيه ثلاث لغات: إثبات الهمزة وحذفها مع تخفيف الفاء وتشديدها، والضمير في عهده عائد على {مِنْ} وقيل: يعود على {الله} فهو على الأول: مصدر مضاف لفاعله، وعلى الثاني: مصدر مضاف لمفعوله أو لفاعله ولابد من ضمير يعود على {مِنْ} من الجملة الثانية، فإما أن يقام الظاهر مقام المضمر في الربط إن كان {المتقين} من {أُوفِى} وإما أن يجعل عمومه وشموله رابطًا إن كان {المتقين} عامًا؛ وإنما وضع الظاهر موضع الضمير على الأول تسجيلًا على الموفين بالعهد بالتقوى وإشارة إلى علة الحكم ومراعاة لرؤوس الآي، ورجح الأول بقوة الربط فيه، وقال ابن هشام: الظاهر أنه لا عموم وأن {المتقين} مساو لمن تقدم ذكره والجواب لفظًا، أو معنى محذوف تقديره يحبه الله، ويدل عليه {فَإِنَّ الله} إلخ، واعترضه الحلبي بأنه تكلف لا حاجة إليه، وقوله: الظاهر أنه لا عموم في حيز المنع فإن ضمير {بِعَهْدِهِ} إذا كان لله فالالتفات عن الضمير إلى الظاهر لإفادة العموم كما هو المعهود في أمثاله قاله بعض المحققين.

.تفسير الآية رقم (77):

{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)}
{إِنَّ الذين يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وأيمانهم ثَمَنًا قَلِيًلا} أخرج الستة وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان فقال الأشعث بن قيس: فيَّ والله كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألك بينة؟ قلت: لا فقال لليهودي: احلف فقلت: يا رسول الله إذًا يحلف فيذهب مالي فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الذين}» إلخ. وأخرج البخاري وغيره عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلًا أقام سلعة له في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلًا من المسلمين فنزلت هذه الآية. وأخرج أحمد وابن جرير واللفظ له عن عدي بن عميرة قال: كان بين امرئ القيس ورجل من حضرموت خصومة فارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال للحضرمي: بينتك وإلا فيمينه قال: يا رسول الله إن حلف ذهب بأرضي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها حق أخيه لقي الله تعالى وهو عليه غضبان فقال امرؤ القيس: يا رسول الله فما لمن تركها وهو يعلم أنها حق؟ قال: الجنة قال: فإني أشهدك أني قد تركتها» فنزلت، وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: نزلت هذه الآية في أبي رافع ولبابة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحي بن أخطب حرفوا التوراة وبدلوا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم الأمانات وغيرهما وأخذوا على ذلك رشوة، وروي غير ذلك ولا مانع من تعدد سبب النزول كما حققوه.
والمراد بيشترون يستبدلون، وبالعهد أمر الله تعالى، وما يلزم الوفاء به، وقيل: ما عهده إلى اليهود في التوراة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: ما في عقل الإنسان من الزجر عن الباطل والانقياد إلى الحق، وبالأيمان الأيمان الكاذبة، وبالثمن القليل الأعواض النزرة أو الرشا، ووصف ذلك بالقلة لقلته في جنب ما يفوتهم من الثواب ويحصل لهم من العقاب {أُوْلَئِكَ لاَ خلاق لَهُمْ فِي الاخرة} أي لا نصيب لهم من نعيمها بسبب ذلك الاستبدال {وَلاَ يُكَلّمُهُمُ الله} أي بما يسرهم بل بما يسوؤهم وقت الحساب لهم قاله الجبائي أو لا يكلمهم بشيء أصلًا وتكون المحاسبة بكلام الملائكة لهم بأمر الله تعالى إياهم استهانة بهم، وقيل: المراد إنهم لا ينتفعون بكلمات الله تعالى وآياته ولا يخفى بعده، واستظهر أن يكون هذا كناية عن غضبه سبحانه عليهم.
{وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القيامة} أي لا يعطف عليهم ولا يرحمهم كما يقول القائل أنظر إليّ يريد ارحمني، وجعله الزمخشري مجازًا عن الاستهانة بهم والسخط عليهم، وفرق بين استعماله فيمن يجوز عليه النظر المفسر بتقليب الحدقة وفيمن لا يجوز عليه ذلك بأن أصله فيمن يجوز عليه الكناية لأن من اعتد بالإنسان التفت إليه وأعاره نظر عينيه، ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد والإحسان وإن لم يكن ثم نظر، ثمّ جاء فيمن لا يجوز عليه النظر مجردًا لمعنى الإحسان مجازًا عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر، وفي الكشف إن في هذا تصريحًا بأن الكناية يعتبر فيها صلوح إرادة الحقيقة وإن لم ترد وأن الكنايات قد تشتهر حتى لا تبقى تلك الجهة ملحوظة وحينئذٍ تلحق بالمجاز ولا تجعل مجازًا إلا بعد الشهرة لأن جهة الانتقال إلى المعنى المجازي أولًا غير واضحة بخلاف المعنى المكنى عنه، وبهذا يندفع ما ذكره غير واحد من المخالفة بين قولي الزمخشري في جعل بسط اليد في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] مجازًا عن الجود تارة وكناية أخرى إذ حاصله أنه إن قطع النظر عن المانع الخارجي كان كناية ثم ألحق بالمجاز فيطلق عليه أنه كناية باعتبار أصله قبل الإلحاق ومجاز بعده فلا تناقض بينهم كما توهموه فتدبر. والظرف متعلق بالفعلين وفيه تهويل للوعيد.
{وَلاَ يُزَكّيهِمْ} أي ولا يحكم عليهم بأنهم أزكياء ولا يسميهم بذلك بل يحكم بأنهم كفرة فجرة قاله القاضي وقال الجبائي: لا ينزلهم منزلة الأزكياء، وقيل: لا يطهرهم عن دنس الذنوب والأوزار بالمغفرة {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي مؤلم موجع، والظاهر أن ذلك في القيامة إلا أنه لم يقيد به اكتفاءًا بالأول، وقيل: إنه في الدنيا بالإهانة وضرب الجزية بناءًا على أن الآية في اليهود.

.تفسير الآية رقم (78):

{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)}

{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا} أي إن من أهل الكتاب الخائنين لجماعة {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بالكتاب} أي يحرفونه قاله مجاهد وقيل: أصل الليّ الفتل من قولك: لويت يده إذا فتلتها، ومنه لويت الغريم إذا مطلته حقه قال الشاعر:
تطيلين لياني وأنت ملية ** وأحسن يا ذات الوشاح التقاضيا

وفي الخبر «ليّ الواجد ظلم» فالمعنى يفتلون ألسنتهم في القراءة بالتحريف في الحركات ونحوها تغييرًا يتغير به المعنى ويرجع هذا في الآخرة إلى ما قاله مجاهد، وقريب منه ما قيل: إن المراد يميلون الألسنة شابه الكتاب، والألسنة جمع لسان، وذكر ابن الشحنة أنه يذكر ويؤنث. ونقل عن أبي عمرو بن العلاء أن من أنثه جمعه على ألسن، ومن ذكره جمعه على ألسنة، وعن الفراء أنه قال: اللسان بعينه لم أسمعه من العرب إلا مذكرًا ولا يخفى أن المثبت مقدم على النافي؛ والباء صلة أو للآلة أو للظرفية أو للملابسة، والجار والمجرور حال من الألسنة أي ملتبسة بالكتاب، وقرأ أهل المدينة يلوون بالتشديد فهو على حد {لَوَّوْاْ رُءوسَهُمْ} [المنافقون: 5] وعن مجاهد وابن كثير يلون على قلب الواو المضمومة همزة ثم تخفيفها بحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها كذا قيل، واعترض عليه بأنه لو نقلت ضمة الواو لما قبلها فحذفت لالتقاء الساكنين كفى في التوجيه فأي حاجة إلى قلب الواو همزة، ورد بأنه فعل ذلك ليكون على القاعدة التصريفية بخلاف نقل حركة الواو ثم حذفها على ما عرف في التصريف، ونظر فيه بعض المحققين بأن الواو المضمومة إنما تبدل همزة إذا كانت ضمتها أصلية فهو مخالف للقياس أيضًا. نعم قرئ يلؤون بالهمز في الشواذ وهو يؤيده، وعلى كل ففيه اجتماع إعلالين ومثله كثير، وأما جعله من الولي عنى القرب أي يقربون ألسنتهم يلها إلى المحرف فبعيد من الصحيح قريب إلى المحرف.
{لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكتاب} أي لتظنوا أيها المسلمون أن المحرف المدلول عليه باللي أو المشابه من كتاب الله تعالى المنزل على بعض أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، وقرئ {ليحسبوه} بالياء والضمير أيضًا للمسلمين. {وَمَا هُوَ مِنَ الكتاب} ولكنه من قبل أنفسهم {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ} أي ويزعمون صريحًا غير مكتفين بالتورية والتعريض أن المحرف أو المشابه نازل من عند الله {وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ الله} أي وليس هو نازلًا من عند الله تعالى، والواو للحال والجملة حال من ضمير المبتدأ في الخبر، وفي جملة {وَيَقُولُونَ} إلخ تأكيد للنفي الذي قبلها وليس الغرض التأكيد فقط وإلا لما توجه العطف بل التشنيع أيضًا بأنهم لم يكتفوا بذلك التعريض حتى ارتكبوا هذا التصريح وبهذا حصلت المغايرة المقتضية للعطف، والإظهار في موضع الإضمار لتهويل ما قدموا عليه، واستدل الجبائي والكعبي بالآية على أن فعل العبد ليس بخلق الله تعالى وإلا صدق أولئك المحرفون بقولهم {هُوَ مِنْ عِندِ الله} تعالى لكن الله وردّ بأن القوم ما ادعوا أن التحريف من عند الله وبخلقه وإنما ادعوا أن المحرف منزل من عند الله، أو حكم من أحكامه فتوجه تكذيب الله تعالى إياهم إلى هذا الذي زعموا.
والحاصل أن المقصود بالنفي كما أشرنا إليه نزوله من عنده سبحانه وهو أخص من كونه من فعله وخلقه، ونفي الخاص لا يستلزم نفي العام فلا يدل على مذهب المعتزلة القائلين بأن أفعال العباد مخلوقة لهم لا لله تعالى: {وَيَقُولُونَ عَلَى الله الكذب} أي في نسبتهم ذلك إلى الله تعالى تعريضًا وتصريحًا {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنهم كاذبون عليه سبحانه وهو تسجيل عليهم بأن ما افتروه عن عمد لا خطأ، وقيل: يعلمون ما عليهم في ذلك من العقاب، روى الضحاك عن ابن عباس أن الآية نزلت في اليهود والنصارى جميعًا وذلك أنهم حرفوا التوراة والإنجيل وألحقوا بكتاب الله تعالى ما ليس منه، وروى غير واحد أنها في طائفة من اليهود، وهم كعب بن الأشرف ومالك وحيي بن أخطب وأبو ياسر وشعبة بن عمرو الشاعر غيروا ما هو حجة عليهم من التوراة.
واختلف الناس في أن المحرف هل كان يكتب في التوراة أم لا؟ فذهب جمع إلى أنه ليس في التوراة سوى كلام الله تعالى وأن تحريف اليهود لم يكن إلا تغييرًا وقت القراءة أو تأويلًا باطلًا للنصوص، وأما أنهم يكتبون ما يرومون في التوراة على تعدد نسخها فلا، واحتجوا لذلك بما أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه قال: إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله تعالى لم يغير منهما حرف ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ويقولون: إن ذلك من عند الله وما هو من عند الله فأما كتب الله تعالى فإنها محفوظة لا تحول وبأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لليهود إلزامًا لهم: {فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} [آل عمران: 93] وهم يمتنعون عن ذلك فلو كانت مغيرة إلى ما يوافق مرامهم ما امتنعوا بل وما كان يقول لهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يعود على مطلبه الشريف بالإبطال. وذهب آخرون إلى أنهم بدلوا وكتبوا ذلك في نفس كتابهم واحتجوا على ذلك بكثير من الظواهر ولا يمنع من ذلك تعدد النسخ إما لاحتمال الطواطؤ أو فعل ذلك في البعض دون البعض وكذا لا يمنع منه قول الرسول لهم ذلك لاحتمال علمه صلى الله عليه وسلم ببقاء بعض ما يفي بغرضه سالمًا عن التغيير إما لجهلهم بوجه دلالته، أو لصرف الله تعالى إياهم عن تغييره، وأما ما روي عن وهب فهو على تقدير ثبوته عنه يحتمل أن يكون قولًا عن اجتهاد، أو ناشئًا عن عدم استقراء تام، ومما يؤيد وقوع التغيير في كتب الله تعالى وأنها لم تبق كيوم نزلت وقوع التناقض في الأناجيل وتعارضها وتكاذبها وتهافتها ومصادمتها بعضها ببعض، فأنها أربعة أناجيل: الأول: «إنجيل متى» وهو من الاثني عشر الحواريين وإنجيله باللغة السريانية كتبه بأرض فلسطين بعد رفع المسيح إلى السماء بثماني سنين وعدة إصحاحاته ثمانية وستون إصحاحًا، والثاني: «إنجيل مرقس» وهو من السبعين وكتب إنجيله باللغة الفرنجية دينة رومية بعد رفع المسيح باثنتي عشرة سنة وعدة إصحاحاته ثمانية وأربعون إصحاحًا، والثالث: «إنجيل لوقا» وهو من السبعين أيضًا كتب إنجيله باللغة اليونانية دينة الإسكندرية بعد ذلك وعدة إصحاحاته ثلاثة وثمانون إصحاحًا، والرابع: «إنجيل يوحنا» وهو حبيب المسيح كتب إنجيله دينة إقسس من بلاد رومية بعد رفع المسيح بثلاثين سنة وعدة إصحاحاته في النسخ القبطية ثلاثة وثلاثون إصحاحًا، وقد تضمن كل إنجيل من الحكايات والقصص ما أغفله الآخر، واشتمل على أمور وأشياء قد اشتمل الآخر على نقيضها أو ما يخالفها، وفيها ما تحكم الضرورة بأنه ليس من كلام الله تعالى أصلًا، فمن ذلك أن متى ذكر أن المسيح صلب وصلب معه لصان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وأنهما جميعًا كانا يهزءان بالمسيح مع اليهود ويعيرانه، وذكر لوقا خلاف ذلك فقال: إن أحدهما كان يهزأ به والآخر يقول له: أما تتقي الله تعالى أما نحن فقد جوزينا وأما هذا فلم يعمل قبيحًا ثم قال للمسيح: يا سيدي أذكرني في ملكوتك فقال: حقًا إنك تكون معي اليوم في الفردوس ولا يخفى أن هذا يؤول إلى التناقض فإن اللصين عند متى كافران وعند لوقا أحدهما مؤمن والآخر كافر، وأغفل هذه القصة مرقس ويوحنا، ومنه أن لوقا ذكر أنه قال يسوع: إن ابن الإنسان لم يأت ليهلك نفوس الناس ولكن ليحيى وخالفه أصحابه وقالوا بل قال: إن ابن الإنسان لم يأت ليلقي على الأرض سلامة لكن سيفًا ويضرم فيها نارًا، ولا شك أن هذا تناقض، أحدهما: يقول جاء رحمة للعالمين، والآخر يقول: جاء نقمة على الخلائق أجمعين، ومن ذلك أن متى قال: قال يسوع للتلاميذ الإثني عشر: أنتم الذين تكونون في الزمن الآتي جلوسًا على إثني عشر كرسيًا تدينون إثني عشر سبط إسرائيل فشهد للكل بالفوز والبر عامة في القيامة ثم نقض ذلك متى وغيره وقال: مضى واحد من التلاميذ الإثني عشر وهو يهوذا صاحب صندوق الصدقة فارتشى على يسوع بثلاثين درهمًا وجاء بالشرطي فسلم إليهم يسوع فقال يسوع: الويل له خير له أن لا يولد، ومنه أن متى أيضًا ذكر أنه لما حمل يسوع إلى فيلاطس القائد قال: أي شر فعل هذا فصرخ اليهود وقالوا: يصلب يصلب فلما رأى عزمهم وأنه لا ينفع فيهم أخذ ماءًا وغسل يديه وقال: أنا بريء من دم هذا الصديق وأنتم أبصر، وأكذب يوحنا ذلك فقال: لما حمل يسوع إليه قال لليهود: ما تريدون؟ قالوا: يصلب فضرب يسوع ثم سلمه إليهم إلى غير ذلك مما يطول، فإذا وقع هذا التغيير والتحريف في أصول القوم ومتقدميهم فما ظنك في فروعهم ومتأخريهم.
وإذا كان في الأنابيب حيف ** وقع الطيش في صدور الصعاد

ويا ليت شعري هل تنبه ابن منبه لهذا أم لم يتنبه فقال: إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله تعالى سبحان الله هذا من العجب العجاب؟ا.