فصل: تفسير الآية رقم (174):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (174):

{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}
{فانقلبوا} عطف على مقدر دل عليه السياق أي فخرجوا إليهم ورجعوا {بِنِعْمَتِ} في موضع الحال من الضمير في انقلبوا وجوز أن يكون مفعولًا به، والباء على الأول للتعدية، وعلى الثاني للمصاحبة، والتنوين على التقديرين للتفخيم أي بنعمة عظيمة لا يقدر قدرها {مِنَ الله} صفة لنعمة مؤكدة لفخامتها، والمراد منها السلامة كما قاله ابن عباس أو الثبات على الإيمان وطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قاله الزجاج أو إذلالهم أعداء الله تعالى على بعد كما قيل، أو مجموع هذه الأمور على ما نقول: {وَفَضَّلَ} وهو الربح في التجارة، فقد روى البيهقي عن ابن عباس أن عيرًا مرت وكان في أيام الموسم فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربح مالًا فقسمه بين أصحابه فذلك الفضل.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج في غزوة بدر الصغرى ببدر أصحابه دراهم ابتاعوا بها في الموسم فأصابوا تجارة، وعن مجاهد الفضل ما أصابوا من التجارة والأجر {لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء} أي لم يصبهم قتل وهو المروي عن السدي أو لم يؤذهم أحد وهو المروي عن الحبر والجملة في موضع النصب على الحال من فاعل انقلبوا أو من المستكن في {بِنِعْمَتِ} إذا كان حالًا والمعنى فانقلبوا منعمين مبرئين من السوء، والجملة الحالية إذا كان فعلها مضارعًا منفيًا بلم وفيها ضمير ذي الحال جاز فيها دخول الواو وعدمه {واتبعوا} عطف على انقلبوا وقيل: حال من ضميره بتقدير قد أي وقد اتبعوا في كل ما أوتوا، أو في الخروج إلى لقاء العدو {رضوان الله} الذي هو مناط كل خير.
{والله ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} حيث تفضل عليهم بما تفضل، وفيما تقدم مع تذييله بهذه الآية المشتملة على الاسم الكريم الجامع وإسناد {ذُو فَضْلٍ} إليه ووصف الفضل بالعظم إيذان بأن المتخلفين فوتوا على أنفسهم أمرًا عظيمًا لا يكتنه كنهه وهم أحقاء بأن يتحسروا عليه تحسرًا ليس بعده.

.تفسير الآية رقم (175):

{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}
{إِنَّمَا ذلكم} الإشارة إلى المثبط بالذات أو بالواسطة، والخطاب للمؤمنين وهو مبتدأ، وقوله: {الشيطان} عنى إبليس لأنه علم له بالغلبة خبره على التشبيه البليغ، وقوله تعالى: {يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ} جملة مستأنفة مبينة لشيطنته، أو حال كما في قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} [النمل: 52]. ويجوز أن يكون الشيطان صفة لاسم الإشارة على التشبيه أيضًا، ويحتمل أن يكون مجازًا حيث جعله هو ويخوف هو الخبر، وجوز أن يكون ذا إشارة إلى قول المثبط فلابد حينئذ من تقدير مضاف أي قول الشيطان، والمراد به إبليس أيضًا ولا تجوز فيه على الصحيح، وإنما التجوز في الإضافة إليه لأنه لما كان القول بوسوسته وسببه جعل كأنه قوله، والمستكن في {يُخَوّفُ} إما للمقدر وإما للشيطان بحذف الراجع إلى المقدر أي يخوف به، والمراد بأوليائه إما أبو سفيان وأصحابه، فالمفعول الأول ليخوف محذوف أي يخوفكم أولياءه بأن يعظمهم في قلوبكم، ونظير ذلك قوله تعالى: {لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} [الكهف: 2] وبذكر هذا المفعول قرأ ابن عباس. وقرأ بعضهم {يخوفكم بأوليائه}، وعلى هذا المعنى أكثر المفسرين، وإليه ذهب الزجاج وأبو علي الفارسي وغيرهما، ويؤيده قوله تعالى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ} أي فلا تخافوا أولياءه الذين خوفكم إياهم {وَخَافُونِ} في مخالفة أمري، وإما المتخلفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولياءه هو المفعول الأول والمفعول الثاني إما متروك أو محذوف للعلم به أي يوقعهم في الخوف، أو يخوفهم من أبي سفيان وأصحابه؛ وعلى هذا لا يصح عود ضمير {تَخَافُوهُمْ} إلى الأولياء بل هو راجع إلى {الناس} [آل عمران: 173] الثاني كضمير اخشوهم فهو ردّ له أي فلا تخافوا الناس وتقعدوا عن القتال وتجبنوا وخافون فجاهدوا مع رسولي وسارعوا إلى امتثال ما يأمركم به، وإلى هذا الوجه ذهب الحسن والسدي، وادعى الطيبي أن النظم يساعد عليه، والخطاب حينئذ لفريقي الخارجين والمختلفين والقصد التعريض بالطائفة الأخيرة، وقيل: الخطاب لها و{أَوْلِيَاءهُ} إذ ذاك من وضع الظاهر موضع المضمر نعيًا عليهم بأنهم أولياء الشيطان؛ واستظهر بعضهم هذا القيل مطلقًا معللًا له بأن الخارجين لم يخافوا إلا الله تعالى وقالوا حسبنا الله وأنت تعلم أن قيام احتمال التعريض يمرض هذا التعليل، والفاء لترتيب النهي أو الانتهاء على ما قبلها فإن كون المخوف شيطانًا أو قولًا له مما يوجب عدم الخوف والنهي عنه، وأثبت أبو عمرو ياء {وَخَافُونِ} وصلًا وحذفها وقفًا والباقون يحذفونها مطلقًا وهي ضمير المفعول.
وقوله تعالى: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} إن كان الخطاب للمتخلفين فالأمر فيه واضح، وإن كان للخارجين كان مساقًا للإلهاب والتهييج لهم لتحقق إيمانهم، وإن كان للجميع ففيه تغليب، وأيًّا مّا كان فالجزاء محذوف، وقيل: إن كان الخطاب فيما تقدم للمؤمنين الخلص لم يفتقر إلى الجزاء لكونه في معنى التعليل، وإن كان للآخرين افتقر إليه وكأن المعنى إن كنتم مؤمنين فخافوني وجاهدوا مع رسولي لأن الإيمان يقتضي أن تؤثروا خوف الله تعالى على خوف الناس.
هذا ومن باب الإشارة: في الآيات {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله} بسيف المحبة {أَوْ مُتُّمْ} بالموت الاختباري {لَمَغْفِرَةٌ} أي ستر لوجودكم {مّنَ الله وَرَحْمَةٌ} منه تعالى بتحليكم بصفاته عز وجل: {خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران: 157] أي أهل الكثرة {فَا رَحْمَةٍ مّنَ الله} أي باتصافك برحمة رحيمية أي رحمة تابعة لوجودك الموهوب الإلهي لا الوجود البشري {لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا} موصوفًا بصفات النفس كالفظاظة والفلط {لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} ولم يتحملوا مؤنة ذلك، أو يقال: لو لم تغلب صفات الجمال فيك على نعوت الجلال لتفرقوا عنك ولماصبروا معك، أو يقال: لو سقيتهم صرف شراب التوحيد غير ممزوج بما فيه لهم حظ لتفرقوا هائمين على وجوههم غير مطيقين الوقوف معك لحظة؛ أو يقال: لو كنت مدققًا عليهم أحكام الحقائق لضاقت صدورهم ولم يتحملوا أثقال حقيقة الآداب في الطريق ولكن سامحتهم بالشريعة والرخص {فاعف عَنْهُمْ} فيما يتعلق بك من تقصيرهم معك لعلو شأنك وكونك لا ترى في الوجود غير الله {واستغفر لَهُمُ} فيما يتعلق بحق الله تعالى لاعتذارهم أو استغفر لهم ما يجري في صدورهم من الخطرات التي لا تليق بالمعرفة {وَشَاوِرْهُمْ فِي الامر} إذا كنت في مقام الفعل اختبارًا لهم وامتحانًا لمقامهم {فَإِذَا عَزَمْتَ} وذلك إذا كنت في مقام مشاهدة الربوبية والخروج من التفرقة إلى الجمع {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} [آل عمران: 159] فإنه حسبك فيما يريد منك وتريد منه، وذكر بعض المتصوفة أنه يمكن أن يفهم من الآية كون الخطاب مع الروح الإنساني وأنه لان لصفات النفس وقواها الشهوية والغضبية لتستوفي حظها ويرتبط بذلك بقاء النسل وصلاح المعاش ولولا ذلك لاضمحلت تلك القوى وتلاشت واختلت الحكمة وفقدت الكمالات التي خلق الإنسان لأجلها {إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران: 160] تحقيق لمعنى التوكل والتوحيد في الأفعال. وقد ذكر بعض السادة قدس الله تعالى أسرارهم إن نصر الله تعالى لعباده متفاوت المراتب، فنصره المريدين بتوفيقهم لقمع الشهوات، ونصره المحبين بنعت المدانات، ونصره العارفين بكشف المشاهدات، وقد قيل: إنما يدرك نصر الله تعالى من تبرأ من حوله وقوته واعتصم بربه في جميع أسبابه و{مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ} [آل عمران: 161] لكمال قدسه وغاية أمانته فلم يخف حق الله تعالى عن عباده وأعطى علم الحق لأهل الحق ولم يضع أسراره إلا عند الأمناء من أمته {أَفَمَنِ اتبع رضوان الله} أي النبي في مقام الرضوان التي هي جنة الصفات لاتصافه بصفات الله تعالى: {كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مّنَ الله} وهو الغال المحتجب بصفات نفسه {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} [آل عمران: 162] وهي أسفل حضيض النفس المظلمة {هُمْ درجات عِندَ الله} [آل عمران: 163] أي كل من أهل الرضا والسخط متفاوتون في المراتب حسب الاستعدادات {لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مّنْ أَنفُسِهِمْ} [آل عمران: 164] إذ هو صلى الله عليه وسلم مرآة الحق يتجلى منه على المؤمنين ولو تجلى لهم صرفًا لاحترقوا بأول سطوات عظمته، ومعنى كونه عليه الصلاة والسلام {مّنْ أَنفُسِهِمْ} كونه في لباس البشر ظاهرًا بالصورة التي هم عليها وحمل المؤمنين على العارفين والرسول على الروح الإنساني المنور بنور الأسماء والصفات المبعوث لإصلاح القوى غير بعيد في مقام الإشارة {أَوَ لَمَّا أصابتكم مُّصِيبَةٌ} في أثناء السير في الله تعالى وهي مصيبة الفترة بالنسبة إليكم {قَدْ أَصَبْتُمْ} قوى النفس {مّثْلَيْهَا} مرة عند وصولكم إلى مقام توحيد الأفعال ومرة عند وصولكم إلى مقام توحيد الصفات {قُلْتُمْ إِنّى} أصابنا {هذا} ونحن في بيداء السير في الله تعالى عز وجل: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165] لأنه بقي فيها بقية مّا من صفاتها ولا ينافي قوله سبحانه: {قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ الله} [النساء: 78] لأن السبب الفاعلي في الجميع هو الحق جل شأنه والسبب القابلي أنفسهم، ولا يفيض من الفاعل إلا ما يليق بالاستعداد ويقتضيه، فباعتبار الفاعل يكون من عند الله، وباعتبار القابل يكون من عند أنفسهم، ورا يقال ما يكون من أنفسهم أيضًا يكون من الله تعالى نظرًا إلى التوحيد إذ لا غير ثمة {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله} سواء قتلوا بالجهاد الأصغر وبذل الأنفس طلبًا لرضا الله تعالى أو بالجهاد الأكبر وكسر النفس وقمع الهوى بالرياضة {أمواتا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ} بالحياة الحقيقية مقربين في حضرة القدس {يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] من الأرزاق المعنوية وهي المعارف والحقائق، وقد ورد في بعض الأخبار أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تدور في أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، ونقل ذلك بهذا اللفظ بعض الصوفية، وجعل الطير الخضر إشارة إلى الأجرام السماوية، والقناديل من ذهب إشارة إلى الكواكب، وأنهار الجنة منابع العلوم ومشارعها، وثمارها الأحوال والمعارف. والمعنى أن أرواح الشهداء تتعلق بالنيرات من الأجرام السماوية بنزاهتها وترد مشارع العلوم وتكتسب هناك المعارف والأحوال، ولا يخفى أن هذا مما لا ينبغي اعتقاده كما أشرنا إليه فيما سبق فإن كان ولابد من التأويل فليجعل الطير إشارة إلى الصور التي تظهر بها الأرواح بناءًا على أنها جواهر مجردة، وأطلق اسم الطير عليها إشارة إلى خفتها ووصولها بسرعة حيث أذن لها.
ونظير ذلك في الجملة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث: «الأطفال هم دعاميص الجنة» والدعاميص جمع دعموص وهي دويبة تكون في مستنقع الماء كثيرة الحركة لا تكاد تستقر، ومن المعلوم أن الأطفال ليسوا تلك الدويبة في الجنة لكنه أراد صلى الله عليه وسلم الإخبار بأنهم سياحون في الجنة فعبر بذلك على سبيل التشبيه البليغ، ووصف الطير بالخضرة إشارة إلى حسنها وطراوتها، ومنه خبر «إن الدنيا حلوة خضرة» وقول عمر رضي الله تعالى عنه: إن الغزو حلو خضر، ومن أمثالهم النفْس خضراء، وقد يريدون بذلك أنها تميل لكل شيء وتشتهيه، وأمر الظرفية في الخبر سهل، وباقي ما فيه إما على ظاهره، وأما مؤل، وعلى الثاني: يراد من الجنة الجنة المنوية وهي جنة الذات والصفات، ومن أنهارها ما يحصل من التجليات، ومن ثمارها ما يعقب تلك التجليات من الآثار، ومن القناديل المعلقة في ظل العرش مقامات لا تكتنه معلقة في ظل عرش الوجود المطلق المحيط، وكونها من ذهب إشارة إلى عظمتها وأنها لا تنال إلا بشق الأنفس. وحاصل المعنى على هذا أن أرواح الشهداء الذين جادوا بأنفسهم في مرضاة الله تعالى، أو قتلهم الشوق إليه عز شأنه تتمثل صورًا حسنة ناعمة طرية يستحسنها من رآها تطير بجناحي القبول والرضا في أنواع التجليات الإلهية وتكتسب بذلك أنواعًا من اللذائذ المعنوية التي لا يقدر قدرها ويتجدد لها في مقدار كل ليلة مقام جليل لا ينال إلا ثل أعمالهم، وذلك هو النعيم المقيم والفوز العظيم، وكأن من أول هذا الخبر وأمثاله قصد سدّ باب التناسخ ولعله بالمعنى الذي يقول به أهل الضلال غير لازم كما أشرنا إليه في آية البقرة.
{فَرِحِينَ بما ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ} من الكرامة والنعمة والزلفى عنده {وَيَسْتَبْشِرُونَ بالذين لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مّنْ خَلْفِهِمْ} وهم الغزاة الذين لم يقتلوا بعد، أو السالكون المجاهدون أنفسهم الذين لم يبلغوا درجتهم إلى ذلك الوقت {أَن لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 170] لفوزهم بالمأمن الأعظم، والحبيب الأكرم {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مّنَ الله} عظيمة وهي جنة الصفات {وَفَضَّلَ} أي زيادة عليها وهي جنة الذات، {و} مع ذلك إن {وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ} إيمان {المؤمنين} [آل عمران: 171] الذي هو جنة الأفعال وثواب الأعمال {الذين استجابوا لِلَّهِ والرسول} بالفناء بالوحدة الذاتية والقيام بحق الاستقامة {مِن بَعْدِ مَا أصابهم القرح} أي كسر النفس {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ} وهم الثابتون في مقام المشاهدة {واتقوا} النظر إلى نفوسهم لهم {أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172] وراء أجر الإيمان {الذين قَالَ لَهُمُ الناس} المنكرون قبل الوصول إلى المشاهدة {إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} وتحشدوا للإنكار عليكم {فاخشوهم} وانزكوا ما أنتم عليه {فَزَادَهُمُ} ذلك القول: {إيمانا} أي يقينًا وتوحيدًا بنفي الغير وعدم المبالاة به وتوصلوا بنفي ما سوى الله تعالى إلى إثباته {وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله} فشاهدوه ثم رجعوا إلى تفاصيل الصفات بالاستقامة {و} قالوا{نِعْمَ الوكيل} [آل عمران: 173] {فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مّنَ الله وَفَضْلٍ} أي رجعوا بالوجود الحقاني في جنة الصفات والذات {لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء} لم يؤذهم أحد إذ لا أحد إلا الأحد {واتبعوا رضوان الله} في حال سلوكهم حتى فازوا بجنة الذات المشار إليها بقوله تعالى: {والله ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 174] كما أشرنا إليه {إِنَّمَا ذلكم الشيطان يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ} المحجوبين بأنفسهم فلا تخافوا المنكرين {وَخَافُونِ} إذ ليس في الوجود سواى {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] أي موحدين توحيدًا حقيقيًا والله تعالى الموفق للصواب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.