فصل: تفسير الآية رقم (49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (49):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)}
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ} قال الكلبي: نزلت في رجال من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطفالهم فقالوا: يا محمد هل على أولادنا هؤلاء من ذنب؟ فقال: لا فقالوا: والذي يحلف به ما نحن فيه إلا كهيئتهم ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفر عنا بالنهار فهذا الذي زكوا به أنفسهم؛ وأخرج ابن جرير عن الحسن أنها نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] وقالوا: {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى} [البقرة: 111] والمعنى: انظر إليهم فتعجب من ادعائهم أنهم أزكياء عند الله تعالى مع ما هم عليه من الكفر والإثم العظيم، أو من ادعائهم أن الله تعالى يكفر ذنوبهم الليلية والنهارية مع استحالة أن يغفر لكافر شيء من كفره أو معاصيه، وفي معناهم من زكى نفسه وأثنى عليها لغير غرض صحيح كالتحدث بالنعمة ونحوه {بَلِ الله يُزَكّى مَن يَشَاء} إبطال لتزكية أنفسهم وإثبات لتزكية الله تعالى وكون ذلك للإضراب عن ذمهم بتلك التزكية إلى ذمهم بالبخل والحسد بعيد لفظًا ومعنى، والجملة عطف على مقدر ينساق إليه الكلام كأنه قيل: هم لا يزكونها في الحقيقة بل الله يزكي من يشاء تزكيته ممن يستأهل من عباده المؤمنين إذ هو العليم الخبير وأصل التزكية التطهير والتنزيه من القبيح قولًا كما هو ظاهر أو فعلًا كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها} [الشمس: 9]، و{خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
{وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} عطف على جملة حذفت تعويلًا على دلالة الحال عليها، وإيذانًا بأنها غنية عن الذكر أي يعاقبون بتلك الفعلة الشنيعة ولا يظلمون في ذلك العقاب أدنى ظلم وأصغره وهو المراد بالفتيل، وهو الخيط الذي في شق النواة وكثيرًا ما يضرب به المثل في القلة والحقارة كالنقير للنقرة التي في ظهرها والقطمير وهو قشرتها الرقيقة، وقيل: الفتيل ما خرج بين إصبعيك وكفيك من الوسخ، وروي ذلك عن ابن عباس وأبي مالك والسدي رضي الله تعالى عنهم، وجوز أن تكون جملة {وَلاَ يُظْلَمُونَ} في موضع الحال والضمير راجع إلى من حملا له على المعنى أي والحال أنهم لا ينقصون من ثوابهم أصلًا بل يعطونه يوم القيامة كملًا مع ما زكاهم الله تعالى ومدحهم في الدنيا. وقيل: هو استئناف، والضمير عائد على الموصولين من زكى نفسه، ومن زكاه الله تعالى أي لا ينقص هذا من ثوابه ولا ذاك من عقابه، والأول أمس قام الوعيد، وانتصاب {فَتِيلًا} على أنه مفعول ثان كقولك: ظلمته حقه، قال علي بن عيسى: ويحتمل أن يكون تمييزًا كقولك: تصببت عرقًا.

.تفسير الآية رقم (50):

{انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)}
{انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ} في زعمهم أنهم أزكياء عند الله تعالى المتضمن لزعمهم قبول الله تعالى وارتضاءه إياهم ولشناعة هذا لما فيه من نسبته تعالى إلى ما يستحيل عليه بالكلية وجه النظر إلى كيفيته تشديدًا للتشنيع وتأكيدًا للتعجيب الدال عليه الكلام وإلا فهم أيضًا مفترون على أنفسهم بادعائهم الاتصاف بما هم متصفون بنقيضه، و{كَيْفَ} في موضع نصب إما على التشبيه بالظرف أو بالحال على الخلاف المشهور بين سيبويه والأخفش، والعامل {يَفْتَرُونَ} و{بِهِ} متعلق به. وجوز أبو البقاء أن يكون حالًا من الكذب، وقيل: هو متعلق به، والجملة في موضع النصب بعد نزع الخافض وفعل النظر معلق بذلك والتصريح بالكذب مع أن الافتراء لا يكون إلا كذبًا للمبالغة في تقبيح حالهم {وكفى بِهِ} أي بافترائهم، وقيل: بهذا الكذب الخاص {إِثْمًا مُّبِينًا} لا يخفى كونه مأثمًا من بين آثامهم وهذا عبارة عن كونه عظيمًا منكرًا، والجملة كما قال عصام الملة: في موضع الحال بتقدير قد أي كيف يفترون الكذب والحال أن ذلك ينافي مضمونه لأن إثم مبين والآثم المبين غير المتحاشي عنه مع ظهوره لا يكون ابن الله سبحانه وتعالى وحبيبه ولا يكون زكيًا عند الله تعالى، وانتصاب {ءاثِمًا} على التمييز.

.تفسير الآية رقم (51):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51)}
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ الكتاب يُؤْمِنُونَ بالجبت والطاغوت} تعجيب من حال أخرى لهم ووصفهم بما في حيز الصلة تشديدًا للتشنيع وتأكيدًا للتعجيب، وقد تقدم نظيره، والآية نزلت كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف في جمع من يهود، وذلك أنهم خرجوا إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه ونزلت اليهود في دور قريش فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب ومحمد صلى الله عليه وسلم صاحب كتاب فلا يؤمن هذا أن يكون مكرًا منكم فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما ففعل، ثم قال كعب: يا أهل مكة ليجيء منكم ثلاثون ومنا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد رب البيت لنجهدن على قتال محمد صلى الله عليه وسلم ففعلوا ذلك فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقًا وأقرب إلى الحق نحن أم محمد؟ قال كعب: أعرضوا عليّ دينكم، فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء ونسقيهم اللبن ونقري الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونعمر بيت ربنا ونطوف به ونحن أهل الحرم ومحمد صلى الله عليه وسلم فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم وديننا القديم ودين محمد الحديث، فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلًا مما عليه محمد صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى في ذلك الآية، والجبت في الأصل اسم صنم فاستعمل في كل معبود غير الله تعالى، وقيل: أصله الجبس وهو كما قال الراغب: الرذيل الذي لا خير فيه فقلبت سينه تاءًا كما في قول عمرو بن يربوع: شرار النات أي الناس، وإلى ذلك ذهب قطرب والطاغوت يطلق على كل باطل من معبود أو غيره. وأخرج الفريابي وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: «الجبت الساحر والطاغوت الشيطان». وأخرج ابن جرير من طرق عن مجاهد مثله، ومن طريق أبي الليث عنه قال: الجبت كعب بن الأشرف، والطاغوت الشيطان كان في صورة إنسان، وعن سعيد بن جبير الجبت الساحر بلسان الحبشة، والطاغوت الكاهن وأخرج ابن حميد عن عكرمة أن الجبت الشيطان بلغة الحبشة، والطاغوت الكاهن وهي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفي رواية أخرى الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف، وفي أخرى الجبت الأصنام، والطاغوت الذين يكونون بين يديها يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس، ومعنى الإيمان بهما إما التصديق بأنهما آلهة وإشراكهما بالعبادة مع الله تعالى، وإما طاعتهما وموافقتهما على ما هما عليه من الباطل، وإما القدر المشترك بين المعنيين كالتعظيم مثلًا، والمتبادر المعنى الأول أي أنهم يصدقون بألوهية هذين الباطلين ويشركونهما في العبادة مع الإله الحق ويسجدون لهما.
{وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي لأجلهم وفي حقهم فاللام ليست صلة القول وإلا لقيل أنتم بدل قوله سبحانه: {هَؤُلاء} أي الكفار من أهل مكة. {أهدى مِنَ الذين ءامَنُواْ سَبِيلًا} أي أقوم دينًا وأرشد طريقة، قيل: والظاهر أنهم أطلقوا أفعل التفضيل ولم يلحظوا معنى التشريك فيه؛ أو قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء لكفرهم، وإيراد النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه بعنوان الإيمان ليس من قبل القائلين بل من جهة الله تعالى تعريفًا لهم بالوصف الجميل وتخطئة لمن رجح عليهم المتصفين بأشنع القبائح.

.تفسير الآية رقم (52):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)}
{أولئك} القائلون المبعدون في الضلالة {الذين لَعَنَهُمُ الله} أي أبعدهم عن رحمته وطردهم، واسم الإشارة مبتدأ والموصول خبره، والجملة مستأنفة لبيان حالهم وإظهار مآلهم {وَمَن يَلْعَنِ} أي يبعده {الله} من رحمته {فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} أي ناصرًا يمنع عنه العذاب دنيويًا كان أو أخرويًا بشفاعة أو بغيرها، وفيه بيان لحرمانهم ثمرة استنصارهم شركي قريش وإيماء إلى وعد المؤمنين بأنهم المنصورون حيث كانوا بضد هؤلاء فهم الذين قربهم الله تعالى ومن يقربه الله تعالى فلن تجد له خاذلًا. وفي الإتيان بكلمة لن وتوجيه الخطاب إلى كل واحد يصلح له وتوحيد النصير منكرًا والتعبير عن عدمه بعدم الوجدان المؤذن بسبق الطلب مسندًا إلى المخاطب العام من الدلالة على حرمانهم الأبدي عن الظفر بما أملوا بالكلية ما لا يخفى، وإن اعتبرت المبالغة في نصير متوجهة للنفي كما قيل ذلك في قوله سبحانه: {وَمَا رَبُّكَ بظلام} [فصلت: 46] قوى أمر هذه الدلالة.

.تفسير الآية رقم (53):

{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)}
{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مّنَ الملك} شروع في تفصيل بعض آخر من قبائحهم، و{أَمْ} منقطعة فتقدر ببل، والهمزة أي بل آلهم، والمراد إنكار أن يكون لهم نصيب من الملك، وجحد لما تدعيه اليهود من أن الملك يعود إليهم في آخر الزمان. وعن الجبائي أن المراد بالملك هاهنا النبوة أي ليس لهم نصيب من النبوة حتى يلزم الناس اتباعهم وإطاعتهم والأول أظهر لقوله تعالى شأنه {فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ الناس} أي أحدًا أو الفقراء أو محمدًا صلى الله عليه وسلم وأتباعه كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {نَقِيرًا} أي شيئًا قليلًا، وأصله ما أشرنا إليه آنفًا. وأخرج ابن جرير من طريق أبي العالية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: هذا النقير فوضع طرف الإبهام على باطن السبابة ثم نقرها. وحاصل المعنى على ما قيل: إنهم لا نصيب لهم من الملك لعدم استحقاقهم له بل لاستحقاقهم حرمانه بسبب أنهم لو أوتوا نصيبًا منه لما أعطوا الناس أقل قليل منه، ومن حق من أوتي الملك الإيتاء وهم ليسوا كذلك، فالفاء في {فَإِذَا} للسببية والجزائية لشرط محذوف هو أن حصل لهم نصيب لا لو كان لهم نصيب كما قدره الزمخشري لأن الفاء لا تقع في جواب لو سيما مع إذا والمضارع، ويجوز أن تكون الفاء عاطفة والهمزة لإنكار المجموع من المعطوف والمعطوف عليه عنى أنه لا ينبغي أن يكون هذا الذي وقع وهو أنهم قد أوتوا نصيبًا من الملك حيث كانت لهم أموال وبساتين وقصور مشيدة كالملوك ويعقبه منهم البخل بأقل قليل، وفائدة {إِذَا} زيادة الإنكار والتوبيخ حيث يجعلون ثبوت النصيب الذي هو سبب الإعطاء سببًا للمنع، والفرق بين الوجهين أن الإنكار في الأول: متوجه إلى الجملة الأولى وهو عنى إنكار الوقوع. وفي الثاني: متوجه لمجموع الأمرين وهو عنى إنكار الواقع، وإذًا في الوجهين ملغاة، ويجوز إعمالها لأنه قد شرط في إعمالها الصدارة فإذا نظر إلى كونها في صدر جملتها أعملت، وإن نظر إلى العطف وكونها تابعة لغيرها أهملت، ولذا قرأ ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم فإذًا لا يؤتوا الناس بالنصب على الإعمال.

.تفسير الآية رقم (54):

{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)}
{أَمْ يَحْسُدُونَ الناس} انتقال من توبيخهم بالبخل إلى توبيخهم بالحسد الذي هو من أقبح الرذائل المهلكة من اتصف بها دنيا وأخرى، وذكره بعده من باب الترقي، و{أَمْ} منقطعة والهمزة المقدرة بعدها لإنكار الواقع، والمراد من الناس سيدهم بل سيد الخليقة على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم هذا ذهب عكرمة ومجاهد والضحاك وأبو مالك وعطية، وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال أهل الكتاب: زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة وليس همه إلا النكاح فأي ملك أفضل من هذا فأنزل الله تعالى هذه الآية. وذهب قتادة والحسن وابن جريج إلى أن المراد بهم العرب، وعن أبي جعفر وأبي عبد الله أنهم النبي وآله عليه وعليهم أفضل الصلاة وأكمل السلام، وقيل: المراد بهم جميع الناس الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم من الأسود والأحمر أي بل أيحسدونهم {على مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ} يعني النبوة وإباحة تسع نسوة أو بعثة النبي صلى الله عليه وسلم منهم ونزول القرآن بلسانهم أو جمعهم كمالات تقصر عنها الأماني، أو تهيئة سبب رشادهم ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، والحسد على هذا مجاز لأن اليهود لما نازعوه في نبوته صلى الله عليه وسلم التي هي إرشاد لجميع الناس فكأنما حسدوهم جمع {فَقَدْ ءاتَيْنَا} تعليل للإنكار والاستقباح وإجراء الكلام على سنن الكبرياء بطريق الالتفات لإظهار كمال العناية بالأمر، والفاء كما قيل: فصيحة أي أن يحسدوا الناس على ما أوتوا فقد أخطأوا إذ ليس الإيتاء ببدع منا لأنا قد آتينا من قبل هذا {ءالَ إبراهيم الكتاب} أي جنسه والمراد به التوراة والإنجيل أو هما والزبور {والحكمة} أي النبوة، أو إتقان العلم والعمل، أو الأسرار المودعة في الكتاب أقوال {وءاتيناهم} مع ذلك {مُّلْكًا عَظِيمًا} لا يقادر قدره، وجوز أن يكون المعنى أنهم لا ينتفعون بهذا الحسد فإنا قد آتينا هؤلاء ما آتينا مع كثرة الحساد الجبابرة من نمروذ. وفرعون. وغيرهما فلم ينتفع الحاسد ولم يتضرر المحسود، وأن يراد أن حسدهم هذا في غاية القبح والبطلان فإنا قد آتينا من قبل أسلاف هذا النبي المحسود صلى الله عليه وسلم وأبناء عمه ما آتيناهم فكيف يستبعدون نبوته عليه الصلاة والسلام ويحسدونه على إيتائها وتكرير الإيتاء لما يقتضيه مقام التفصيل مع الإشعار بما بين الملك وما قبله من المغايرة، والمراد من الإيتاء إما الإيتاء بالذات وإما ما هو أعم منه ومن الإيتاء بالواسطة، وعلى الأول: فالمراد من آل إبراهيم أنبياء ذريته، ومن الضمير الراجع إليهم من {ءاتيناهم} بعضهم، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الملك في آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام، وخصه السدي بما أحل لداود وسليمان من النساء فقد كان للأول تسع وتسعون امرأة ولولده ثلثمائة امرأة ومثلها سرية وعن محمد بن كعب قال: بلغني أنه كان لسليمان عليه السلام ثلثمائة امرأة وسبعمائة سرية، وعلى الثاني: فالمراد بهم ذريته كلها فإن تشريف البعض بما ذكر تشريف للكل لاغتنامهم بآثار ذلك واقتباسهم من أنوار. ومن الناس من فسر الحكمة بالعلم والملك العظيم بالنبوة، ونسب ذلك إلى الحسن ومجاهد، ولا يخفى أن إطلاق الملك العظيم على النبوة في غاية البعد والحمل على المتبادر أولى.