فصل: تفسير الآية رقم (65):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (65):

{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}
{فَلاَ وَرَبّكَ} أي فوربك ولا مزيدة لتأكيد معنى القسم لا لتأكيد النفي في جوابه أعني قوله تعالى: {لاَ يُؤْمِنُونَ} لأنها تزاد في الإثبات أيضًا كقوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ واقع النجوم} [الواقعة: 75] وهذا ما اختاره الزمخشري ومتابعوه في لا التي تذكر قبل القسم، وقيل: إنها رد لمقدر أي لا يكون الأمر كما زعمتم واختاره الطبرسي، وقيل: مزيدة لتأكيد النفي في الجواب ولتأكيد القسم إن لم يكن نفي، وقال ابن المنير: الظاهر عندي أنها هاهنا لتوطئة النفي المقسم عليه، والزمخشري لم يذكر مانعًا من ذلك سوى مجيئها لغير هذا المعنى في الإثبات وهو لا يأبى مجيئها في النفي على الوجه الآخر من التوطئة على أنها لم ترد في القرآن إلا مع صريح فعل القسم ومع القسم بغير الله تعالى مثل {لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد} [البلد: 1] {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة} [القيامة: 1] {فَلاَ أُقْسِمُ بالشفق} [الانشقاق: 16] قصدًا إلى تأكيد القسم وتعظيم المقسم به إذ لا يقسم بالشيء إلا إعظامًا له فكأنه بدخولها يقول إن إعظامي لهذه الأشياء بالقسم بها كلا إعظام يعني أنها تستوجب من التعظيم فوق ذلك، وهو لا يحسن في القسم بالله تعالى إذ لا توهم ليزاح، ولم تسمع زيادتها مع القسم بالله إلا إذا كان الجواب منفيًا فدل ذلك على أنها معه زائدة موطئة للنفي الواقع في الجواب، ولا تكاد تجدها في غير الكتاب العزيز داخلة على قسم مثبت وإنما كثر دخولها على القسم وجوابه نفي كقوله:
فلا وأبيك ابنة العامري ** لا يدعي القوم أني أفر

وقوله:
ألا نادت أمامة بارتحال ** لتحزنني فلا بك ما أبالي

وقوله:
رأى برقا فأوضع فوق بكر ** فلا بك ما أسال ولا أغاما

إلى ما لا يحصى كثرة، ومن هذا يعلم الفرق بين المقامين؛ والجواب عن قولهم: إنه لا فرق بينهما فتأمل ذلك فهو حقيق بالتأمل.
{حتى يُحَكّمُوكَ} أي يجعلوك حكمًا أو حاكمًا، وقال شيخ الإسلام: «يتحاكموا إليك ويترافعوا، وإنما جيء بصيغة التحكيم مع أنه صلى الله عليه وسلم حاكم بأمر الله إيذانًا بأن اللائق بهم أن يجعلوه عليه الصلاة والسلام حكمًا فيما بينهم ويرضوا بحكمه وإن قطع النظر عن كونه حاكمًا على الإطلاق» {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} أي فيما اختلف بينهم من الأمور واختلط، ومنه الشجر لتداخل أغصانه، وقيل: للمنازعة تشاجر لأن المتنازعين تختلف أقوالهم وتتعارض دعاويهم ويختلط بعضهم ببعض {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ} عطف على مقدر ينساق إليه الكلام أي فتحكم بينهم ثم لا يجدوا {فِى أَنفُسِهِمْ} وقلوبهم {حَرَجًا} أي شكًا كما قاله مجاهد أو ضيقًا كما قاله الجبائي أو إثمًا كما روي عن الضحاك واختار بعض المحققين تفسيره بضيق الصدر لشائبة الكراهة والإباء لما أن بعض الكفرة كانوا يستيقنون الآيات بلا شك ولكن يجحدون ظلمًا وعتوًا فلا يكونوا مؤمنين، وما روي عن الضحاك يمكن إرجاعه إلى أيّ الأمرين شئت ونفي وجْدَان الحرج أبلغ من نفي الحرج كما لا يخفى، وهو مفعول به ليجدوا والظرف قيل: حال منه أو متعلق بما عنده، وقوله تعالى: {مّمَّا قَضَيْتَ} متعلق حذوف وقع صفة لحرجًا، وجوز أبو البقاء تعلقه به، وما يحتمل أن تكون موصولة ونكرة موصوفة ومصدرية أي من الذي قضيته أي قضيت به أو من شيء قضيت أو من قضائك.
{وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيمًا} أي ينقادوا لأمرك ويذعنوا له بظاهرهم وباطنهم كما يشعر به التأكيد، ولعل حكم هذه الآية باق إلى يوم القيامة وليس مخصوصًا بالذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فإن قضاء شريعته عليه الصلاة والسلام قضاؤه، فقد روي عن الصادق رضي الله تعالى عنه أنه قال: لو أن قومًا عبدوا الله تعالى وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاموا رمضان وحجوا البيت ثم قالوا لشيء صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا صنع خلاف ما صنع، أو وجدوا في أنفسهم حرجًا لكانوا مشركين ثم تلا هذه الآية، وسبب نزولها كما قال الشعبي ومجاهد: ما مر من قصة بشر واليهودي اللذين قضى بينهما عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بما قضى. وأخرج الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي من طريق الزهري أن عروة بن الزبير حدثه عن الزبير بن العوام «أنه خاصم رجلًا من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما النخل فقال الأنصاري: سرح الماء يمر فأبى عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله إن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك، واستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصاري استوعى للزبير حقه في صريح الحكم فقال الزبير: ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك {فَلاَ وَرَبّكَ}» إلخ..

.تفسير الآية رقم (66):

{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)}
{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} أي فرضنا وأوجبنا {أَنِ اقتلوا أَنفُسَكُمْ} أي كما أمرنا بني إسرائيل وتفسير ذلك بالتعرض له بالجهاد بعيد {أَوِ اخرجوا مِن دياركم} كما أمرنا بني إسرائيل أيضًا بالخروج من مصر. والمراد إنما كتبنا عليهم إطاعة الرسول والانقياد لحكمه والرضا به ولو كتبنا عليهم القتل والخروج من الديار كما كتبنا ذلك على غيرهم {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ} وهم المخلصون من المؤمنين كأبي بكر رضي الله تعالى عنه. فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: «لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر يا رسول الله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت فقال: صدقت يا أبا بكر» وكعبد الله بن رواحة، فقد أخرج عن شريح بن عبيد «أنها لما نزلت أشار صلى الله عليه وسلم إليه بيده فقال: لو أن الله تعالى كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل»، وكابن أم عبد، فقد أخرج عن سفيان «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه لو نزلت كان منهم»، وأخرج عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية قال أناس من الصحابة: لو فعل ربنا لفعلنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي» وروي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: «والله لو أمرنا لفعلنا فالحمد لله الذي عافانا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي».
وفي بعض الآثار أن الزبير وصاحبه لما خرجا بعد الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرا على المقداد فقال: لمن القضاء؟ فقال الأنصاري: لابن عمته ولوى شدقه ففطن يهودي كان مع المقداد فقال: قاتل الله تعالى هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ويتهمونه في قضاء يقضى بينهم وأيم الله تعالى لقد أذنبنا ذنبًا مرة في حياة موسى عليه السلام فدعانا إلى التوبة منه، وقال: اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفًا في طاعة ربنا حتى رضي عنا؛ فقال ثابت بن قيس: أما والله إن الله تعالى ليعلم مني الصدق لو أمرني محمد صلى الله عليه وسلم أن أقتل نفسي لقتلتها، وروي أن قائل ذلك هو وابن مسعود وعمار بن ياسر، وأنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فقال: «والذي نفسي بيده إن من أمتي رجالًا الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي وإن الآية نزلت فيهم»، وفي رواية البغوي الاقتصار على ثابت بن قيس، وعلى هذا الأثر وجه مناسبة ذكر هذه الآية مما لا يخفى، وكأنه لذلك قال صاحب الكشاف في معناها: «لو أوجبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بني إسرائيل من قتلهم أنفسهم، أو خروجهم من ديارهم حين استتيبوا من عبادة العجل ما فعلوه إلا قليل»، وقال بعضهم: إن المراد أننا قد حففنا عليهم حيث اكتفينا منهم في توبتهم بتحكيمك والتسليم له ولو جعلنا توبتهم كتوبة بني إسرائيل لم يتوبوا، والذي يفهم من فحوى الأخبار المعول عليها أن هذه الكتابة لا تعلق لها بالاستتابة، ولعل المراد من ذكر ذلك مجرد التنبيه على قصور كثير من الناس ووهن إسلامهم إثر بيان أنه لا يتم إيمانهم إلا بأن يسلموا حق التسليم، وظاهر ما ذكره الزمخشري من أن بني إسرائيل أمروا بالخروج حين استتيبوا مما لا يكاد يصح إذا أريد بالديار الديار المصرية لأن الاستتابة من عبادة العجل إنما كانت بعد الخروج منها وبعد انفلاق البحر وهذا مما لا امتراء فيه على أنا لا نسلم أنهم أمروا بالخروج استتابة في وقت من الأوقات، وحمل الذلة على الخروج من الديار لأن ذل الغربة مثل مضروب في قوله تعالى: {إِنَّ الذين اتخذوا العجل سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّهِمْ وَذِلَّةٌ} [الأعراف: 152] لا يفيد إذ الآية لا تدل على الأمر به والنزاع فيه على أن في كون هذه الآية في التائبين من عبادة العجل نزاعًا، وقد حقق بعض المحققين أنها في المصرين المستمرين على عبادته كما ستعلمه إن شاء الله تعالى؛ والعجب من صاحب الكشف كيف لم يتعقب كلام صاحب الكشاف بأكثر من أنه ليس منصوصًا في القرآن، ثم نقل كلامه في الآية.
هذا والكلام في {لَوْ} هنا أشهر من نار على علم، وحقها كما قالوا: أن يليها فعل، ومن هنا قال الطبرسي: «التقدير لو وقع كتبنا عليهم»، وقال الزجاج: إنها وإن كان حقها ذلك إلا أن إن الشديدة تقع بعدها لأنها تنوب عن الاسم والخبر فنقول ظننت أنك عالم كما تقول: ظننتك عالمًا أي ظننت علمك ثابتًا فهي هنا نائبة عن الفعل والاسم كما أنها هناك نائبة عن الاسم والخبر، وضمير الجمع في {عَلَيْهِمْ} وما بعده قيل: للمنافقين ونسب إلى ابن عباس ومجاهد، واعترض بأن فعل القليل منهم غير متصور إذ هم المنافقون الذين لا تطيب أنفسهم بما دون القتل راتب، وكل شيء دون المنية سهل، فكيف تطيب بالقتل ويمتثلون الأمر به؟ وأجيب بأن المراد لو كتبنا على المنافقين ذلك ما فعله إلا قليل منهم رياءًا وسمعة وحينئذٍ يصعب الأمر عليهم وينكشف كفرهم، فإذ لم نفعل بهم ذلك بل كلفناهم الأشياء السهلة فليتركوا النفاق وليلزموا الإخلاص، ونسب ذلك للبلخي.
ولا يخفى أن قوله صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن رواحة:
«لو أن الله تعالى كتب ذلك لكان منهم» وكذا غيره من الأخبار السالفة تأبى هذا التوجيه غاية الإباء لأنها مسوقة للمدح، ولا مدح في كون أولئك المذكورين من القليل الذين يمتثلون الأمر رياءًا وسمعة بل ذلك غاية في الذم لهم وحاشاهم، وقيل: للناس مطلقًا، والقلة إضافية لأن المراد بالقليل المؤمنون وهم وإن كثروا قليلون بالنسبة إلى من عداهم من المنافقين، والكفرة المتمردين {وَمَا أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ ؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] وحينئذٍ لا يرد أنه يلزم من الآية كون بني إسرائيل أقوى إيمانًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث امتثلوا أمر الله تعالى لهم بقتل أنفسهم حتى بلغ قتلاهم سبعين ألفًا، ولا يمتثله لو كان من الصدر الأول إلا قليل ومن الناس من جعل الآية بيانًا لكمال اللطف بهذه الأمة حيث إنه لا يقبل القتل منهم إلا القليل لأن الله تعالى يعفو عنهم بقتل قليل ولا يدعهم أن يقتل الكثير كبني إسرائيل إلا أنهم لا يفعلون كما فعل بنو إسرائيل لقلة المخلصين فيهم وكثرة المخلصين في بني إسرائيل ليلزم التفضيل. وقيل: يحتمل أن يكون قتل كثير من بني إسرائيل لأنهم لو لم ينقادوا لأهلكهم عذاب الله تعالى، وهذه الأمة مأمونون إلى يوم القيامة فلا يقدمون كما أقدموا لعدم خوف الاستئصال لا لأنهم دون، وأن بني إسرائيل أقوى منهم إيمانًا، وأنت تعلم أن الآية راحل عن إفادتها كمال اللطف، والسباق والسياق لا يشعران به أصلًا، وأن خوف الاستئصال وعدمه مما لا يكاد يخطر ببال كما لا يخفى على من عرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال، والضمير المنصوب في {فَعَلُوهُ} للمكتوب الشامل للقتل والخروج لدلالة الفعل عليه، أو هو عائد على القتل والخروج وللعطف بأو لزم توحيد الضمير لأنه عائد لأحد الأمرين، وقول الإمام الرازي: إن الضمير عائد إليهما معًا بالتأويل تنبو عنه الصناعة، و{قَلِيلٌ} لكون الكلام غير موجب بدل من الضمير المرفوع في {فَعَلُوهُ}، وقرأ ابن عامر {إِلاَّ قَلِيلًا} بالنصب وجعله غير واحد على أنه صفة لمصدر محذوف، والاستثناء مفرغ أي ما فعلوه إلا فعلًا قليلًا، ومن في {مِنْهُمْ} حينئذٍ للابتداء على نحو ما ضربته إلا ضربًا منك مبرحًا، وقال الطيبي: إنها بيان للضمير في فعلوا كقوله تعالى: {لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ} [المائدة: 73] على التجريد وليس بشيء، وكأن الذي دعاهم إلى هذا والعدول عن القول بنصبه على الاستثناء أن النصب عليه في غير الموجب غير مختار، فلا يحمل القرآن عليه كما يشير إليه كلام الزجاج حيث قال: النصب جائز في غير القرآن لكن قال ابن الحاجب: لا بعد في أن يكون أقل القراء على الوجه الأقوى، وأكثرهم على الوجه الذي هو دونه بل التزم بعض الناس أنه يجوز أن يجمع القراء غير الأقوى وحققه الحمصي، وقيل: بل يكون إجماعهم دليلًا على أن ذلك هو القوي لأنهم هم المتفننون الآخذون عن مشكاة النبوة، وأن تعليل النحاة غير ملتفت إليه.
ورجح بعضهم أيضًا النصب على الاستثناء هنا بأن فيه توافق القراءتين معنى وهو مما يهتم به، وبأن توجيه الكلام على غيره لا يخلو عن تكلف ودغدغة، وقرأ أبو عمرو ويعقوب أن اقتلوا بكسر النون على الأصل في التخلص من الساكنين، و{أَوِ اخرجوا} بضم الواو للاتباع، والتشبيه بواو الجمع في نحو {وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]، وقرأ حمزة وعاصم بكسرهما على الأصل، والباقون بضمهما وهو ظاهر، و{ءانٍ} كيفما كانت نونها إما مفسرة لأنا كتبنا في معنى أمرنا ولا يضر تعديه بعلى لأنه لم يخرج عن معناه، ولو خرج فتعديه باعتبار معناه الأصلي جائز كما في نطقت الحال بكذا حيث تعدى الفعل بالباء مع أنهم قدير يدون به دل وهو يتعدى بعلى. وإن أبيت هذا ولا أظن قلنا: إنه عنى أو حينًا وإما مصدرية وهو الظاهر ولا يضر زوال الأمر بالسبك لأنه أمر تقديري.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ} أي ما يؤمرون به مقرونًا بالوعد والوعيد من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد إلى حكمه ظاهرًا وباطنًا {لَكَانَ} فعلهم ذلك {خَيْرًا لَّهُمْ} عاجلًا وآجلًا {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} لهم على الحق والصواب وأمنع لهم من الضلال وأبعد من الشبهات كما قال سبحانه: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17]، وقيل: معناه أكثر انتفاعًا لأن الانتفاع بالحق يدوم ولا يبطل لاتصاله بثواب الآخرة، والانتفاع بالباطل يبطل ويضمحل ويتصل بعقاب الآخرة.