فصل: تفسير الآية رقم (129):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (129):

{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)}
{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النساء} أي لا تقدروا ألبتة على العدل بينهن بحيث لا يقع ميل ما إلى جانب إحداهن في شأن من الشؤون كالقسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والممالحة والمفاكهة والمؤانسة وغيرها مما لا يكاد الحصر يأتي من ورائه. وأخرج البيهقي عن عبيدة أنه قال: لن تستطيعوا ذلك في الحب والجماع، وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود أنه قال: في الجماع، وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن وابن جرير عن مجاهد أنهما قالا: في المحبة، وأخرجا عن أبي مليكة أن الآية نزلت في عائشة رضي الله تعالى عنها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها أكثر من غيرها، وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم عنها أنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» وعنى صلى الله عليه وسلم: «ا تملك» المحبة وميل القلب الغير الاختياري {وَلَوْ حَرَصْتُمْ} على إقامة ذلك وبالغتم فيه {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل} أي فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها حقها من غير رضا منها واعدلوا ما استطعتم فإن عجزكم عن حقيقة العدل لا يمنع عن تكليفكم بما دونها من المراتب التي تستطيعونها، وانتصاب {كُلٌّ} على المصدرية فقد تقرر أنها بحسب ما تضاف إليه من مصدر أو ظرف أو غيره {فَتَذَرُوهَا} أي فتدعوا التي ملتم عنها {كالمعلقة} وهي كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: التي ليست مطلقة ولا ذات بعل، وقرأ أبيّ كالمسجونة وبذلك فسر قتادة المعلقة، والجار والمجرور متعلق حذوف وقع حالًا من الضمير المنصوب في {تذروها} وجوز السمين كونه في موضع المفعول الثاني لتذر على أنه عنى تصير، وحذف نون {تذروها} إما للناصب وهوأن المضمرة في جواب النهي، إما للجازم بناءًا على أنه معطوف على الفعل قبله، وفي الآية ضرب من التوبيخ، وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط»، وأخرج غير واحد عن جابر بن زيد أنه قال: كانت لي امرأتان فلقد كنت أعدل بينهما حتى أعدّ القبل، وعن مجاهد قال: كانوا يستحبون أن يسووا بين الضرائر حتى في الطيب يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه، وعن ابن سيرين في الذي له امرأتان يكره أن يتوضأ في بيت إحداهما دون الأخرى. {كالمعلقة وَإِن تُصْلِحُواْ} ما كنتم تفسدون من أمورهن {وَتَتَّقُواْ} الميل الذي نهاكم الله تعالى عنه فيما يستقبل {فَإِنَّ الله كَانَ غَفُورًا} فيغفر لكم ما مضى من الحيف {رَّحِيمًا} فيتفضل عليكم برحمته.

.تفسير الآية رقم (130):

{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)}
{وَإِن يَتَفَرَّقَا} أي المرأة وبعلها، وقرئ يتفارقا أي وإن لم يصطلحا ولم يقع بينهما وفاق بوجه مّا من الصلح وغيره ووقعت بينهما الفرقة بطلاق {يُغْنِ الله كُلًا} منهما أي يجعله مستغنيًا عن آخر ويكفه ما أهمه، وقيل: يغني الزوج بامرأة أخرى والمرأة بزوج الآخر {مّن سَعَتِهِ} أي من غناه وقدرته، وفي ذلك تسلية لكل من الزوجين بعد الطلاق، وقيل: زجر لهما عن المفارقة، وكيفما كان فهو مقيد شيئة الله تعالى: {وَكَانَ الله واسعا} أي غنيًا وكافيًا للخلق، أو مقتدرًا أو عالمًا {حَكِيمًا} متقنًا في أفعاله وأحكامه.

.تفسير الآية رقم (131):

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)}
{وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} فلا يتعذر عليه الإغناء بعد الفرقة، ولا الإيناس بعد الوحشة ولا ولا وفيه من التنبيه على كمال سعته وعظم قدرته ما لا يخفى، والجملة مستأنفة جيء بها على ما قيل لذلك {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} أي أمرناهم بأبلغ وجه، والمراد بهم اليهود والنصارى ومن قبلهم من الأمم، والكتاب عام للكتب الإلهية، ولا ضرورة تدعو إلى تخصيص الموصول باليهود والكتاب بالتوراة، بل قد يدعى أن التعميم أولى بالغرض المسوق له الكلام وهو تأكيد الأمر بالإخلاص، و{مِنْ} متعلقة بوصينا أو بأوتوا {وإياكم} عطف على الموصول وحكم الضمير المعطوف أن يكون منفصلًا ولم يقدم ليتصل لمراعاة الترتيب الوجودي {أَنِ اتقوا الله} أي وصينا كلًا منهم ومنكم بأن اتقوا الله تعالى على أن {ءانٍ} مصدرية بتقدير الجار ومحلها نصب أو جر على المذهبين، ووصلها بالأمر كالنهي وشبهه جائز كما نص عليه سيبويه، ويجوز أن تكون مفسرة للوصية لأن فيها معنى القول.
وقوله تعالى: {وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} عطف على {وَصَّيْنَا} بتقدير قلنا أي وصينا وقلنا لكم ولهم إن تكفروا فاعلموا أنه سبحانه مالك الملك والملكوت لا يضره كفركم ومعاصيكم، كما أنه لا ينفعه شكركم وتقواكم وإنما وصاكم وإياهم لرحمته لا لحاجته وفي الكلام تغليب للمخاطبين على الغائبين، ويشعر ظاهر كلام البعض أن العطف على {اتقوا الله} وتعقب بأن الشرطية لا تقع بعد أن المصدرية، أو المفسرة فلا يصح عطفها على الواقع بعدها سواء كان إنشاءًا أم إخبارًا، والفعل {وَصَّيْنَا} أو أمرنا أو غيره، وقيل: إن العطف المذكور من باب:
علفتها تبنًا وماءًا باردًا

وجوز أبو حيان أن تكون جملة مستأنفة خوطب بها هذه الأمة وحدها، أو مع الذين أوتوا الكتاب {وَكَانَ الله غَنِيًّا} بالغنى الذاتي عن الخلق وعبادتهم {حَمِيدًا} أي محمودًا في ذاته حمدوه أم لم يحمدوه، والجملة تذييل مقرر لما قبله، وقيل: إن قوله سبحانه: {وَللَّهِ مَا فِي السموات} إلخ تهديد على الكفر أي أنه تعالى قادر على عقوبتكم بما يشاء، ولا منجى عن عقوبته فإن جميع ما في السموات والأرض له، وقوله عز وجل: {وَكَانَ الله غَنِيًّا حَمِيدًا} للإشارة إلى أنه جل وعلا لا يتضرر بكفرهم وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (132):

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132)}
{وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} يحتمل أن يكون كلامًا مبتدأ مسوقًا للمخاطبين توطئة لما بعده من الشرطية أي له سبحانه ما فيهما من الخلائق خلقًا وملكًا يتصرف في ذلك كيفما يشاء إيجادًا وإعدامًا وإحياءًا وإماتة، ويحتمل أن يكون كالتكميل للتذييل ببيان الدليل فإن جميع المخلوقات تدل لحاجتها وفقرها الذاتي على غناه وا أفاض سبحانه عليها من الوجود والخصائص والكمالات على كونه حميدًا {وكفى بالله وَكِيلًا} تذييل لما قبله، والوكيل هو القيم والكفيل بالأمر الذي يوكل إليه، وهذا على الإطلاق هو الله تعالى، وفي النهاية يقال: وكَّل فلان فلانًا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته أو عجزًا عن القيام بأمر نفسه، والوكيل في أسماء الله تعالى هو القيم الكفيل بأرزاق العباد، وحقيقته أنه يستقل بالأمر الموكول إليه، ولا يخفى أن الاقتصار على الأرزاق قصور فعمم، وتوكل على الله تعالى، وادعى البيضاوي بيض الله تعالى غرة أحواله أن هذه الجملة راجعة إلى قوله سبحانه: {يُغْنِ الله كُلًا مّن سَعَتِهِ} [النساء: 130] فإنه إذا توكلت وفوضت فهو الغني لأن من توكل على الله عز وجل كفاه، ولما كان ما بينهما تقريرًا له لم يعد فاصلًا، ولا يخفى أن على بعده لا حاجة إليه.

.تفسير الآية رقم (133):

{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)}
{إِن يَشَأْ} إن يرد إذهابكم وإيجاد آخرين {يُذْهِبْكُمْ} يفنكم ويهلككم. {أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِاخَرِينَ} أي يوجد مكانكم دفعة قومًا آخرين من البشر، فالخطاب لنوع من الناس، وقد أخرج سعيد بن منصور وابن جرير من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه «أنه لما نزل قوله تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [محمد: 38] ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على ظهر سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقال: إنهم قوم هذا» وفيه نوع تأييد لما ذكر في هذه الآية، وما نقل عن العراقي أن الضرب كان عند نزولها وحينئذ يتعين ما ذكر سهو على ما نص عليه الجلال السيوطي، وجوز الزمخشري وابن عطية ومقلدوهما أن يكون المراد خلقًا آخرين أي جنسًا غير جنس الناس، وتعقبه أبو حيان بأنه خطأ وكونه من قبيل المجاز كما قيل لا يتم به المراد لمخالفته لاستعمال العرب فإن غيرًا تقع على المغاير في جنس أو وصف، وآخر لا يقع إلا على المغايرة بين أبعاض جنس واحد.
وفي «درّة الغواص في أوهام الخواص» أنهم يقولون: ابتعت عبدًا وجارية أخرى فيوهمون فيه لأن العرب لم تصف بلفظي آخر وأخرى وجمعهما إلا ما يجانس المذكور قبله كما قال تعالى: {أَفَرَءيْتُمُ اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى} [النجم: 19، 20] وقوله سبحانه: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] فوصف جل اسمه مناة بالأخرى لما جانست العزى اللات ووصف الأيام بالأخر لكونها من جنس الشهر، والأمة ليست من جنس العبد لكونها مؤنثة وهو مذكر فلم يجز لذلك أن يتصف بلفظ أخرى كما لا يقال: جاءت هند ورجل آخر، والأصل في ذلك أن آخر من قبيل أفعل الذي يصحبه من، ويجانس المذكور بعده كما يدل على ذلك أنك إذا قلت: قال: الفند الزماني، وقال آخر: كان تقدير الكلام، وقال آخر: من الشعراء وإنما حذفت لفظة من لدلالة الكلام عليها، وكثرة استعمال آخر في النطق، وفي الدر المصون إن هذا غير متفق عليه، وإنما ذهب إليه كثير من النحاة وأهل اللغة؛ وارتضاه نجم الأئمة الرضي إلا أنه يردّ على الزمخشري ومن معه أن آخرين صفة موصوف محذوف، والصفة لا تقوم مقام موصوفها إلا إذا كانت خاصة نحو مررت بكاتب، أو إذا دل الدليل على تعيين الموصوف وهنا ليست بخاصة فلابد أن يكون من جنس الأول لتدل على المحذوف؛ وقال ابن يسعون والصقلي وجماعة: إن العرب لا تقول: مررت برجلين وآخر لأنه إنما يقابل آخر ما كان من جنسه تثنية وجمعًا وإفرادًا، وقال ابن هشام هذا غير صحيح لقول ربيعة بن يكدم:
ولقد شفعتهما بآخر ثالث ** وأبى الفرار إلى الغداة تكرمى

وقال أبو حية النميري:
وكنت أمشي على ثنتين معتدلا ** فصرت أمشيء على أخرى من الشجر

وإنما يعنون بكونه من جنس ما قبله أن يكون اسم الموصوف بآخر في اللفظ، أو التقدير يصح وقوعه على المتقدم الذي قوبل بآخر على جهة التواطؤ ولذلك لو قلت: جاءني زيد وآخر كان سائغًا لأن التقدير ورجل آخر، وكذا جاءني زيد وأخرى تريد نسمة أخرى؛ وكذا اشتريت فرسًا ومركوبًا آخر سائغ، وإن كان المركوب الآخر جملًا لوقوع المركوب عليهما بالتواطؤ فإن كان وقوع الاسم عليهما على جهة الإشتراك المحض فإن كانت حقيقتهما واحدة جازت المسألة نحو قام أحد الزيدين وقعد الآخر، وإن لم تكن حقيقتهما واحدة لم تجز لأنه لم يقابل به ما هو من جنسه نحو رأيت المشتري والمشتري الآخر تريد بأحدهما الكوكب، وبالآخر مقابل البائع، وهل يشترط مع التواطؤ اتفاقهما في التذكير؟ فيه خلاف، فذهب المبرد إلى عدم اشتراطه فيجوز جاءتني جاريتك وإنسان آخر، واشتراطه ابن جني، والصحيح ما ذهب إليه المبرد بدليل قول عنترة:
والخيل تقتحم الغبار عوابسا ** من بين منظمة وآخر ينظم

وما ذكر من أن آخر يقابل به ما تقدمه من جنسه هو المختار، وإلا فقد يستعملونه من غير أن يتقدمه شيء من جنسه، وزعم أبو الحسن أن ذلك لا يجوز إلا في الشعر، فلو قلت: جاءني آخر من غير أن تتكلم قبله بشيء من صنفه لم يجز، ولو قلت: أكلت رغيفًا، وهذا قميص آخر لم يحسن، وأما قول الشاعر:
صلى على عزة الرحمن وابنتها ** ليلى وصلى على جاراتها الأخر

فمحمول على أنه جعل ابنتها جارة لها لتكون الأخرى من جنسها، ولولا هذا التقدير لما جاز أن يعقب ذكر البنت بالجارات، بل كان يقول: وصلى على بناتها الأخر، وقد قوبل في البيت أيضًا أخر وهو جمع بابنتها وهو مفرد، وزعم السهيلي أن أخرى في قوله تعالى: {ومناة الثالثة الاخرى} [النجم: 20] استعملت من غير أن يتقدمها شيء من صنفها لأنه غير مناة الطاغية التي كانوا يهلون إليها بقديد؛ فجعلها ثالثة اللاة والعزى، وأخرى لمناة التي كان يعبدها عمرو بن الجموح وغيره من قومه مع أنه لم يتقدم لها ذكر، والصواب أنه جعلها أخرى بالنظر إلى اللات والعزى، وساغ ذلك لأن الموصوف بالأخرى، وهو الثالثة يصح وقوعه على اللات والعزى، ألا ترى أن كل واحدة منهنّ ثالثة بالنظر إلى صاحبتها؟ وإنما اتجه ذلك لما ذكره أبو الحسن من أن استعمال آخر وأخرى من غير أن يتقدمهما صنفهما لا يجوز إلا في الشعر انتهى.
وهو تحقيق نفيس إلا أنه سيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق الكلام في الآية الآتي ذكرها، وفي «المسائل الصغرى» للأخفش في باب عقده لتحقيق هذه المسألة أن العرب لا تستعمل آخر إلا فيما هو من صنف ما قبله، فلو قلت: أتاني صديق لك وعدو لك آخر لم يحسن لأنه لغو من الكلام، وهو يشبه سائر وبقية وبعض في أنه لا يستعمل إلا في جنسه، فلو قلت: ضربت رجلًا وتركت سائر النساء لم يكن كلامًا، وقد يجوز ما امتنع بتأويل كرأيت فرسًا وحمارًا آخر نظرًا إلى أنه دابة قال امرؤ القيس:
إذا قلت هذا صاحبي ورضيته ** وقرت به العينان بدلت آخرا

وفي الحديث: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة في مرضه فقال: أنظروا من أتكيء عليه فجاءت بريرة ورجل آخر فاتكأ عليهما» وحاصل هذا أنه لا يوصف بآخر إلا ما كان من جنس ما قبله لتتبين مغايرته في محل يتوهم فيه اتحاده ولو تأويلًا، وحينئذ لا يكون ما ذكره الزمخشري نصًا في الخطأ ومخالفة استعمال العرب المعول عليه عند الجمهور {وَكَانَ الله على ذلك} أي إفنائكم بالمرة وإيجاد آخرين {قَدِيرًا} بليغ القدرة لكنه سبحانه لم يفعل وأبقاكم على ما أنتم عليه من العصيان لعدم تعلق مشيئته لحكمة اقتضت ذلك لا لعجزه سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.