فصل: تفسير الآية رقم (111):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (111):

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)}
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين} أي أمرتهم في الإنجيل على لسانك أو أمرتهم على ألسنة رسلي. وجاء استعمال الوحي عنى الأمر في كلام العرب كما قال الزجاج وأنشد:
الحمد لله الذي استقلت باذنه السماء ** واطمأنت أوحى لها القرار فاستقرت

أي أمرها أن تقر فامتثلت، وقيل: المراد بالوحي إليهم إلهامه تعالى إياهم كما في قوله تعالى: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} [النحل: 68] {وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى} [القصص: 7] وروي ذلك عن السدي وقتادة وإنما لم يترك الوحي على ظاهره لأنه مخصوص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والحواريون ليسوا كذلك، وقد تقدم المراد بالحواريين [في سورة رل عمران: 25]. وأن قوله تعالى: {أَنْ ءامِنُواْ بِى وَبِرَسُولِى} مفسرة لما في الإيحاء من معنى القول، وقيل: مصدرية أي بأن ءامنوا إلخ. وتقدم الكلام في دخولها على الأمر، والتعرض لعنوان الرسالة للتنبيه على كيفية الإيمان به عليه الصلاة والسلام والرمز إلى عدم إخراجه عليه الصلاة والسلام عن حده حطًا ورفعًا {قَالُواْ ءامَنَّا} طبق ما أمرنا به {واشهد بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} مخلصون في إيماننا أو منقادون لما أمرنا به.

.تفسير الآية رقم (112):

{إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112)}
{إِذْ قَالَ الحواريون ياعيسى عِيسَى ابن مَرْيَمَ} منصوب بـ {اذكر} [المائدة: 110] على أنه ابتداء كلام لبيان ما جرى بينه عليه الصلاة والسلام وبين قومه منقطع عما قبله كمال يشير إليه الإظهار في مقام الاضمار. وجوز أن يكون ظرفًا لـِ {قَالُواْ} [المائدة: 111] وفيه على ما قيل حينئذ تنبيه على أن ادعاءهم الإخلاص مع قولهم {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ السماء} لم يكن عن تحقيق منهم ولا عن معرفة بالله تعالى وقدرته سبحانه لأنهم لو حققوا وعرفوا لم يقولوا ذلك إذ لا يليق مثله بالمؤمن بالله عز وجل. وتعقب هذا القول الحلبي بأنه خارق للإجماع. وقال ابن عطية لا خلاف أحفظه في أنهم كانوا مؤمنين وأيد ذلك بقوله تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ} [المائدة: 115] وبأن وصفهم بالحواريين ينافي أن يكونوا على الباطل وبأن الله تعالى أمر المؤمنين بالتشبه بهم والإقتداء بسنتهم في قوله عز من قائل: {كُونُواْ أنصار الله} [الصف: 14] الآية وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدح الزبير «إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير» والتزم القول بأن الحواريين فرقتان مؤمنون وهم خالصة عيسى عليه الصلاة والسلام والمأمور بالتشبه بهم وكافرون وهم أصحاب المائدة، وسؤال عيسى عليه الصلاة والسلام نزول المائدة وإنزالها ليلزمهم الحجة يحتاج إلى نقل ولم يوجد. ومن ذلك أجيب عن الآية بأجوبة فقيل: إن معنى {هَلْ يَسْتَطِيعُ} هل يفعل كما تقول للقادر على القيام: هل تستطيع أن تقوم مبالغة في التقاضي. ونقل هذا القول عن الحسن. والتعبير عن الفعل بالاستطاعة من التعبير عن المسبب بالسبب إذ هي من أسباب الايجاد. وعلى عكسه التعبير عن إرادة الفعل بالفعل تسمية للسبب الذي هو الإرادة باسم المسبب الذي هو الفعل في مثل قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِذَا} [المائدة: 6] إلخ. وقيل: إن المعنى هل يطيع ربك فيستطيع عنى يطيع ويطيع عنى يجيب مجازاف ونقل ذلك عن السدي. وذكر أبو شامة أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد أبا طالب في مرض فقال له: يا ابن أخي أدع ربك أن يعافيني فقال: اللهم اشف عمي فقام كأنما نشط من عقال فقال: يا ابن أخي إن ربك الذي تعبده يطيعك فقال: يا عم وأنت لو أطعته لكان يطيعك أي يجيبك لمقصودك وحسن استعماله صلى الله عليه وسلم لذلك المشاكلة. وقيل: هذه الاستطاعة على ما تقتضيه الحكمة والإرادة فكأنهم قالوا: هل إرادة الله تعالى وحكمته تعلقت بذلك أولا؟ لأنه لا يقع شيء بقدون تعلقهما به.
واعترض بأن قوله تعالى الآتي: {اتقوا الله إِن كُنتُم} لا يلائمه لأن السؤال عن مثله مما هو من علوم الغيب لا قصور فيه.
وقيل: إن سؤالهم للاطمئنان والتثبت كما قال الخليل عليه الصلاة والسلام: {أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الموتى} [البقرة: 260] ومعنى {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} إن كنتم كاملين في الإيمان والإخلاص ومعنى {نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ صَدَقْتَنَا} نعلم علم مشاهدة وعيان بعد ما علمناه علم إيمان وإيقان. ومن هذا يعلم ما يندفع به الاعتراض.
وقرأ الكسائي وعلي كرم الله تعالى وجهه وعائشة وابن عباس ومعاذ وجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم {هل تستطيع ربك} بالتاء خطابًا لعيسى عليه الصلاة والسلام ونصب {رَبَّكَ} على المفعولية. والأكثرون على أن هناك مضافًا محذوفًا أي سؤال ربك أي هل تسأله ذلك من غير صارف. وعن الفارسي أنه لا حاجة إلى تقدير. والمعنى هل تستطيع أن ينزل ربك بدعائك. وأنت تعلم أن اللفظ لا يؤدي ذلك فلابد من التقدير، والمائدة في المشهور الخوان الذي عليه الطعام من ماد يميد إذا تحرك أو من ماده عنى أعطاه فهي فاعلة إما عنى مفعولة كـ {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [القارعة؛ 7]، واختاره الأزهري في تهذيب اللغة: أو بجعلها للتمكن مما عليها كأنها بنفيها معطية كقولهم للشجرة المثمرة: مطعمة. وأجاز بعضهم أن يقال فيها ميدة واستشد عليه بقول الراجز:
وميدة كثيرة الألوان ** تصنع للجيران والأخوان

واختار المناوي أن المائدة كل ما يمد ويبسط، والمراد بها السفرة، وأصلها طعام يتخذه المسافر ثم سمي بها الجلد المستدير الذي تحمل به غالبًا كما سميت المزادة راوية. وجوز أن تكون تسمية الجلد المذكور سفرة لأن له معاليق متى حلت عنه انفرج فاسفر عما فيه. وهذا غير الخوان بضم الخاء وكسرها وهو أفصح ويقال له: اخوان بهمزة مكسورة لأنه اسم لشيء مرتفع يهيأ ليؤكل عليه الطعام، والأكل عليه بدعة لكنه جائز إن خلا عن قصد التكبر. وتطلق المائدة على نفس الطعام أيضًا كما نص عليه بعض المحققين، و{مّنَ السماء} يجوز أن يتعلق بالفعل قبله وأن يتعلق حذوف وقع صفة لمائدة أن مائدة كائنة من السماء.
{قَالَ} أي عيسى عليه الصلاة والسلام لهم حين قالوا ذلك: {اتقوا الله} من أمثال هذا السؤال واقتراح الآيات كما قال الزجاج. وعن الفارسي أنه أمر لهم بالتقوى مطلقًا. ولعل ذلك لتصير ذريعة لحصول المأمول فقد قال سبحانه: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق:، 3] وقال جل شأنه: {رَّحِيمٌ يَئَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ اتقوا الله وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة} [المائدة: 35] {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} بكمال قدرته تعالى وبصحة نبوتي أو كاملين في الإيمان والإخلاص أو إن صدقتم في ادعاء الإيمان والإسلام.

.تفسير الآية رقم (113):

{قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)}
{قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا} أكل تبرك وقيل: أكل تمتع وحاجة والإرادة إما مبعناها الظاهر أو عنى المحبة أي نحب ذلك والكلام كما قيل تمهيد عذر وبيان لما دعاهم إلى السؤال أي لسنا نريد من السؤال إزاحة شبهتنا في قدرته سبحانه على تنزيلها أو في صحة نبوتك حتى يقدح ذلك في الإيمان والتقوى ولكن نريد إلخ أو ليس مرادنا اقتراح الآيات لكن مرادنا ما ذكره. {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} بازدياد اليقين كما قال عطاء {وَنَعْلَمَ} علم مشاهدة وعيان على ما قدمناه {أَن قَدْ صَدَقْتَنَا} أي أنه قد صدقتنا في ادعاء النبوة، وقيل: في أن الله تعالى يجيب دعوتنا، وقيل: فيما ادعيت مطلقًا.
{وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشاهدين} عند من لم يحضرها من بني اسرائيل ليزداد المؤمنون منهم بشهادتنا طمأنينة ويقينا ويؤمن بسببها كفارهم أو من الشاهدين للعين دون السامعين للخبر، وقيل: من الشاهدين لله تعالى بالوحدانية ولك بالنبوة. و{عَلَيْهَا} متعلق بالشاهدين إن جعل اللام للتعريف أو حدوف يفسره {مّنَ الشاهدين} إن جعلت موصولة. وجوزنا تفسير ما لا يعمل للعامل، وقيل: متعلق به؛ وفيه تقديم ما في حيز الصلة وحرف الجر وكلاهما ممنوع. ونقل عن بعض النحاة جواز التقديم في الظرف، وعن بعضهم جوازه مطلقًا، وجوز أن يكون حالًا من اسم كان أي عاكفين عليها. وقرئ {يَعْلَمْ} بالبناء للمفعول و{تَعْلَمْ وَتَكُونُ} بالتاء والضمير للقلوب.

.تفسير الآية رقم (114):

{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)}
{قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ} لما رأى أن لهم غرضًا صحيحًا في ذلك، وأخرج الترمذي في نوادر الأصول وغيره عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام لما رأى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها قام فألقى عنه الصوف ولبس الشعر الأسود ثم توضأ واغتسل ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله تعالى فلما قضى صلاته قام قائمًا مستقبل القبلة وصف قدميه حتى استويا فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع بالأصابع ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره وغض بصره وطأطأ رأسه خشوعًا ثم أرسل عينيه بالبكاء فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه فلما رأى ذلك دعا الله تعالى فقال: {اللهم رَبَّنَا} ناداه سبحانه وتعالى مرتين على ما قيل مرة بوصف الألوهية الجامعة لجميع الكمالات وأخرى بوصف الربوبية المنبئة عن التربية إظهارًا لغاية التضرع ومبالغة في الاستدعاء وإنما لم يجعل نداء واحدًا بأن يعرب {رَبَّنَا} بدلًا أو صفة لأنهم قالوا: إن لفظ اللهم لا يتبع وفيه خلاف لبعض النحاة. وحذف حرف النداء في الأول وعوض عنه الميم وكذا في الثاني إلا أن التعويض من خواص الاسم الجليل أي يا الله يا ربنا.
{أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً} أي خوانًا عليه طعام أو سفرة كذلك، وتقديم الظرف على المفعول الصريح لما مر مرارًا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر. وقوله سبحانه وتعالى: {مّنَ السماء} متعلق إما بانزل أو حذوف وقع صفة لمائدة أي كائنة من السماء، والمراد بها إما المحل المعهود وهو المتبادر من اللفظ وإما جهة العلو، ويؤيد الأول ما أخرجه ابن حميد وابن أبي حاتم عن عمار بن ياسر أن المائدة التي نزلت كان عليها من ثمر الجنة وكذا روي عن وهب بن منبه. ويؤيد الثاني ما روي عن سلمان الفارسي من خبر طويل أن المائدة لما نزلت قال شمعون رأس الحواريين لعيسى عليه الصلاة والسلام يا روح الله وكلمته أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات وتنتهوا عن تنقير المسائل ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بسبب هذه الآية فقال شمعون: لا وإله اسرائيل ما أردت بها سواءًا يا ابن الصديقة فقال عيسى عليه الصلاة والسلام. ليس شيء مما ترون عليها من طعام الجنة ولا من طعام الدنيا إنما هو شيء ابتدعه الله تعالى في الهواء بالقدرة الغالبة القاهرة فقال له كن فكان في أسرع من طرفة عين فكلوا مما سألتم باسم الله واحمدوا عليه ربكم يمدكم منه ويزدكم فإنه بديع قادر شاكر.
وقوله تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا} صفة «مائدة» و«لنا» خبر كان و«عيدًا» حال من الضمير في الظرف أو في {تَكُونُ} على رأي من يجوز إعمالها في الحال، وجوز أن يكون «عيدًا» الخبر و«لنا» حينئذ إما حال من الضمير في «تكون» أو حال من {عِيدًا} لأنه صفة له قدمت عليه، والعيد العائد مشتق من العود ويطلق على الزمان المعهود لعوده في كل عام بالفرح والسرور، وعليه فلابد من تقدير مضاف، والمعنى يكون نزولها لنا عيدًا، ويطلق على نفس السرور العائد وحينئذ لا يحتاج إلى التقدير، وفي الكلام لطافة لا تخفى، وذكر غير واحد أن العيد يقال لكل ما عاد عليك في وقت، ومنه قول الأعشى:
فوا كبدي من لاعج الحب والهوى ** إذا اعتاد قلبي من أميمة عيدها

وهو واوي كما ينبئ عنه الاشتقاق ولكنهم قالوا في جمعه: أعياد وكان القياش أعواد لأن الجموع ترد الأشياء إلى أصولها كراهة الاشتباه كما قال ابن هشام بجمع عود، ونظر ذلك الحريري بقولهم: هو أليط بقلبي منك أي ألصق حبابه فإن أصله الواو لكن قالوا ذلك ليفرق بينه وبين قولهم. هو ألوط من فلان، ولا يخفى أن هذا مخالف لما ذكره محققو أهل اللغة، وعن الكسائي يقال: لاط الشيء بقلبي يلوط ويليط وهو ألوط وأليط، ثم إنهم إنما لم يعكسوا الأمر في جمع عود وعيد فيقولوا في جمع الأول أعياد وفي جمع الثاني أعواد مع حصول التفرقة أيضًا اعتبارًا على ما قيل للأخف في الأكثر استعمالًا مع رعاية ظاهر المفرد، وقرأ عبد الله «تكن» بالجزم على جواب الأمر.
{لاِوَّلِنَا وَءاخِرِنَا} أي لأهل زماننا ومن يجيء بعدنا. روي أنه نزلت يوم الأحد فلذلك اتخذه النصارى عيدًا، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن المعنى يأكل منها أول الناس وآخرهم، والجار والمجرور عند بعض بدل من الجار والمجرور أعني «لنا»، وقال أبو البقاء إذا جعل «لنا» خبرًا أو حالًا فهو صفة لعيدًا وإن جعل صفة له كان هو بدلًا من الضمير والمجرور بإعادة الجار، وظاهره أن المبدل منه الضمير لكن أعيد الجار لأن البدل في قوة تكرار العامل، وهو تحكم لأن الظاهر كما أشير إبدال المجموع من المجموع، ثم إن ضمير الغائب يبدل منه وأما ضمير الحاضر فأجازه بعضهم مطلقًا وأجازه آخرون كذلك، وفصل قوم فقالوا إن أفاد توكيدًا واحاطة وشمولًا جاز وإلا امتنع. واستظهر بعضهم على قول الحبر أن يكون «لنا» خبرًا أي قوتًا أو نافعة لنا. وقرأ زيد وابن محيصن والجحدري «لأولانا وأخرانا» بتأنيث الأول والآخر باعتبار الأمة والطائفة، وكون المراد بالأولى والأخرى الدار الأولى أي الدنيا والدار الأخرى أي الآخرة مما لا يكاد يصح.
{وَءايَةٌ} عطف على «عيدًا»، وقوله سبحانه وتعالى: {مِنكَ} متعلق حذوف وقع صفة له أي آية كائنة منك دالة على كمال قدرتك وصحة نبوتي {وارزقنا} أي الشكر عليها على ما حكي عن الجبائي أو المائدة على ما نقل عن غير واحد والمراد بها حينئذ كما قيل ما على الخوان من الطعام أو الأعم من ذلك وهذه ولعله الأولى {وَأَنتَ خَيْرُ الرازقين} تذييل جار مجرى التعليل أي خير من يرزق لأنه خالق الرزق ومعطيه بلا ملاحظة عوض.