فصل: تفسير الآية رقم (119):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (119):

{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)}
{قَالَ الله} كلام مستأنف ختم به حكاية ما حكى مما يقع يوم يجمع الله الرسل عليهم الصلاة والسلام وأشير إلى نتيجته ومآله، وصيغة الماضي لما تحقق، والمراد بقول الله تعالى عقيب جواب عيسى عليه السلام مشيرًا إلى صدقه ضمن بيان حال الصادقين الذين هو في زمرتهم وبذلك يزول أيضًا عنه عليه السلام خوفه من صورة ذلك السؤال لا أن إزالته هي المقصودة من القول على ما قيل.
{هذا} أي اليوم الحاضر {يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين} أي المستمرين على الصدق في الأمور المطلوبة منهم التي معظمها التوحيد الذي نحن بصدده والشرائع والأحكام المتعلقة به من الرسل الناطقين بالحق والصدق الداعين إلى ذلك وبه تحصل الشهادة بصدق عيسى عليه السلام ومن الأمم المصدقين لأولئك الكرام عليهم الصلاة والسلام المقتدين بهم عقدًا وعملًا وبه يتحقق المقصود بالحكاية من ترغيب السامعين في الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم {صِدْقُهُمْ} أي فيما ذكر في الدنيا إذ هو المستتبع للنفع والمجازاة يومئذٍ، وقيل: في الآخرة. والمراد من الصادقين الأمم ومن صدقهم صدقهم في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ وهو ينفعهم لقيامهم فيه بحق الله تعالى وهو كما ترى، وقيل: المراد صدقهم المستمر في دنياهم إلى آخرتهم ليتسنى كون ما ذكر شهادة بصدق عيسى عليه السلام فيما قاله جوابًا عن السؤال على ما يقتضيه السوق، ويكون النفع باعتبار تحققه في الدنيا والمطابقة لما يقتضيه السوق باعتبار تقرره ووقوع بعض جزئياته في الآخرة، والمستمر هو الأمر الكلي الذي هو الاتصاف بالصدق، ولا يلزم من هذا محذور مدخلية الصدق الأخروي في الجزاء، ولا يحتاج إلى جعل الصدق الأخروي شرطًا في نفع الصدق الدنيوي والمجازاة عليه، ولعل فيما تقدم غنى عن هذا كما لا يخفى على الناظر، وقيل: المراد من الصادقين النبيون ومن صدقهم صدقهم في الدنيا بالتبليغ ويكون مساق الآية للشهادة بصدقه عليه السلام في قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِى بِهِ} [المائدة: 117] وأنت تعلم أن هذا الغرض حاصل على تقدير التعميم وزيادة.
وقيل: المراد من الصدق الصدق في الدنيا إلا أن المراد من الصادقين الأمم، والكلام مسوق لرد عرض عيسى عليه السلام المغفرة عليه سبحانه وتعالى كأنه قيل: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لا غير فلا مغفرة لهؤلاء، ولا يخفى أن التعميم لا ينافي كون الكلام مسوقًا لما ذكر على تقدير تسليم ذلك. واسم الإشارة مبتدأ و{يَوْمٍ} بالرفع وهي قراءة الجمهور خبره. وقرأ نافع وحده {يَوْمٍ} بالنصب على أنه ظرف لقال و{هذا} مبتدأ خبره محذوف أي كلام عيسى عليه السلام أو حق أو نحو ذلك أو ظرف مستقر وقع خبرًا؛ والمعنى هذا الذي مر من جواب عيسى عليه السلام أو السؤال والجواب واقع يوم ينفع، وجوز أن يكون {هذا} مفعولًا به للقول لأنه عنى الكلام والقصص أو مفعولًا مطلقًا لأنه عنى القول، وقيل: إن {هذا} مبتدأ و{يَوْمٍ} خبره وهو مبني على الفتح بناءً على أن الظرف يبنى عليه إذا أضيف إلى جملة فعلية وإن كانت معربة وهو مذهب الكوفيين واختاره ابن مالك وغيره، والبصريون لا يجيزون البناء إلا إذا صدرت الجملة المضاف إليها بفعل ماض كقوله:
على حين عاتبت المشيب على الصبا

وألحقوا بذلك الفعل المنفي، ويخرجون هذه القراءة على أحد الأوجه السابقة.
وقرأ الأعمش {يَوْمٍ} بالرفع والتنوين على أنه خبر {هذا} والجملة بعده صفته بحذف العائد، وقرأ {صِدْقُهُمْ} بالنصب على أن يكون فاعل {ينفَعُ} ضمير الله تعالى، و{صِدْقُهُمْ} كما قال أبو البقاء إما مفعول له أي لصدقهم أو منصوب بنزع الخافض أي بصدقهم أو مصدر مؤكد أو مفعول به على معنى يصدقون الصدق كقولك: صدقته القتال، والمراد يحققون الصدق {لَهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار خالدين فِيهَا أَبَدًا} تفسير للنفع ولذا لم يعطف عليه كأنه قيل: ما لهم من النفع؟ فقيل: لهم نعيم دائم وثواب خالد، وقوله سبحانه: {رَّضِىَ الله عَنْهُمْ} بيان لكونه تعالى أفاض عليهم غير ما ذكر وهو رضوانه عز وجل الذي لا غاية وراءه كما ينبئ عن ذلك قوله سبحانه: {وَرَضُواْ عَنْهُ} إذ لا شيء أعز منه حتى تمد إليه أعناق الآمال {ذلك} إشارة إلى نيل رضوانه جل شأنه كما اختاره بعض المحققين أو إلى جميع ما تقدم كما اختاره في البحر وإليه يشير ما روي عن الحسن {الفوز العظيم} الذي لا يحيط به نطاق الوصف ولا يوقف على مطلب يدانيه أصلًا.

.تفسير الآية رقم (120):

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)}
{للَّهِ مُلْكُ السموات والأرض *وَمَا فِيهِنَّ} تحقيق للحق وتنبيه بما فيه من تقديم الظرف المفيد للحصر على كذب النصارى وفساد ما زعموه في حق المسيح وأمه عليهما السلام. وقيل: استئناف مبني على سؤال نشأ من الكلام السابق كأنه قيل: من يملك ذلك ليعطيهم إياه؟ فقيل: {للَّهِ مُلْكُ السموات} إلخ فهو المالك والقادر على الإعطاء ولا يخفى بعده وفي إيثار {مَا} على من المختصة بالعقلاء على تقدير تناولها للكل مراعاة كما قيل للأصل وإشارة إلى تساوي الفريقين في استحالته الربوبية حسب تساويهما في تحقق المربوبية. وعلى تقدير اختصاصها بغير العقلاء كما يشير إليه خبر ابن الزبعرى رضي الله تعالى عنه تنبيه على كمال قصورهم من رتبة الألوهية، وفي تغليب غير العقلاء على العقلاء على خلاف المعروف ما لا يخفى من حط قدرهم.
{وَهُوَ على كُلّ شَيْء} من الأشياء {قَدِيرٌ} أي مبالغ في القدرة. وفسرها الغزالي بالمعنى الذي به يوجد الشيء متقدرًا بتقدير الإرادة والعلم واقعًا على وفقهما، وفسر الموصوف بها على الإطلاق بأنه الذي يخترع كل موجود اختراعًا ينفرد به ويستغني به عن معاونة غيره وليس ذاك إلا الله تعالى الواحد القهار. والظرف متعلق بقدير والتقديم لمراعاة الفاصلة، ولا يخفى ما في ذكر كبرياء الله تعالى وعزته وقهره وعلوه في آخر هذه السورة من حسن الاختتام، وأخرج أبو عبيد عن أبي الزاهرية أن عثمان رضي الله تعالى عنه كتب في آخر المائدة {ولله ملك السموات والأرض والله سميع بصير}.
ومن باب الإشارة في الآيات: {جَعَلَ الله الكعبة البيت الحرام} هي عندهم حضرة الجمع المحرمة على الأغيار، وقيل: قلب المؤمن، وقيل: الكعبة المخصوصة لا باعتبار أنها جدران أربعة وسقف بل باعتبار أنها مظهر جلال الله تعالى. وقد ذكروا أنه سبحانه يتجلى منها لعيون العارفين كما يشير إليه قوله عز شأنه على ما في التوراة: جاء الله تعالى من سينا فاستعلن بساعير وظهر من فاران. {قِيَامًا لّلنَّاسِ} من موتهم الحقيقي لما يحصل لهم بواسطة ذلك {والشهر الحرام} وهو زمن الوصول أو مراعاة القلب أو الفوز بذلك التجلي الذي يحرم فيه ظهور صفات النفس أو الالتفات إلى مقتضيات القوى الطبيعية أو نحو ذلك {والهدى} وهي النفس المذبوحة بفناء حضرة الجمع أو الواردات الإلهية التي ترد القلب أو ما يحصل للعبد من المنن عند ذلك التجلي {والقلائد} وهي النفس الشريفة المنقادة أو هي نوع مما يحصل للعبد من قبل مولاه يقوده قسرًا إلى ترك السوي {ذلك لِتَعْلَمُواْ} بما يحصل لكم {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض وَأَنَّ الله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ}
[المائدة: 97] أي يعلم حقائق الأشياء في عالمي الغيب والشهادة وعلمه محيط بكل شيء {قُل لاَّ يَسْتَوِى الخبيث} [المائدة: 100] من النفوس والأعمال والأخلاق والأموال {والطيب} من ذلك {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث} بسبب ملاءمته للنفس فإن الأول موجب للقربة دون الثاني {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ} الإيمان البرهاني {لاَ تَسْأَلُواْ} من أرباب الإيمان العياني {عَنْ أَشْيَاء} غيبية وحقائق لا تعلم إلا بالكشف {إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} تهلككم لقصوركم عن معرفتها فيكون ذلك سببًا لإنكاركم والله سبحانه غيور وإنه ليغضب لأوليائه كما يغضب الليث للحرب. وفي هذا كما قيل تحذير لأهل البداية عن كثرة سؤالهم من الكاملين عن أسرار الغيب وإرشاد لهم إلى الصحبة مع التسليم {يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ} الجامع للظاهر والباطن المتضمن لما سئلتم عنه {تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة: 101] بواسطته {مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ} وهي النفس التي شقت أذنها لسماع المخالفات {وَلاَ سَآئِبَةٍ} وهي النفس المطلقة العنان السارحة في رياض الشهوات {وَلاَ وَصِيلَةٍ} وهي النفس التي وصلت حبال آمالها بعضًا ببعض فسوفت التوبة والاستعداد للآخرة {وَلاَ حَامٍ} [المائدة: 103] وهو من اشتغل حينًا بالطاعة ولم يفتح له باب الوصول فوسوس إليه الشيطان، وقال: يكفيك ما فعلت وليس وراء ما أنت فيه شيء فارح نفسك فحمى نفسه عن تحمل مشاق المجاهدات. ونقل النيسابوري عن الشيخ نجم الدين المعروف بداية أن البحيرة إشارة إلى الحيدرية والقنلدرية يثقبون آذانهم ويجعلون فيها حلق الحديد ويتركون الشريعة، والسائبة إشارة إلى الذين يضربون في الأرض خالعين العذار بلا لجام الشريعة وقيد الطريقة ويدعون أنهم أهل الحقيقة، والوصيلة إشارة إلى أهل الإباحة الذين يتصلون بالأجانب بطريق المؤاخاة والاتحاد ويرفضون صحبة الأقارب لأجل العصبية والعناد، والحام إشارة إلى المغرور بالله عز وجل يظن أنه بلغ مقام الحقيقة فلا يضره مخالفة الشريعة، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَا أَنزَلَ الله} من الأحكام {وَإِلَى الرسول} لمتابعته {قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا} من الأفعال التي عاشوا بها وماتوا عليها {أَوْ لَّوْ كَانَ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ} من الشريعة والطريقة {وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104] إلى الحقيقة.
{يَهْتَدُونَ يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} فاشتغلوا بتزكيتها {لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ} عما أنتم فيه فأنكر عليكم {إِذَا اهتديتم} [المائدة: 105] وزكيتم أنفسكم، وإنما ضرر ذلك على نفسه. وقوله تعالى: {تَعْمَلُونَ يِأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ شهادة بَيْنِكُمْ} [المائدة: 106] الآيتين لم يظهر للعبد فيه شيء يصلح للتحرير، وقد ذكر النيسابوري في تطبيقه على ما في الأنفس ما رأيت الترك له أنفس {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} وهو يوم القيامة الكبرى {فَيَقُولُ} لهم {مَاذَا أَجَبْتُمُ} حين دعوتم الخلق {قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا} بذلك {إِنَّكَ أَنتَ علام الغيوب} [المائدة: 109] فتعلم جواب ما سئلنا، وهذا على ما قيل عند تراكم سطوات الجلال وظهور رداء الكبرياء وإزار العظمة ولهذا بهتوا وتاهوا وتحيروا وتلاشوا ولله سبحانه تجليات على أهل قربه وذوي حبه فيفنيهم تارة بالجلال ويبقيهم ساعة بالجمال ويخاطبهم مرة باللطف ويعاملهم أخرى بالقهر وكل ما فعل المحبوب محبوب. وقال بعض أهل التأويل: يجمع الله تعالى الرسل في عين الجمع المطلق أو عين جمع الذات فيسألهم هل اطلعتم على مراتب الخلق في كمالاتهم حين دعوتموهم إليّ؟ فينفوا العلم عن أنفسهم ويثبتوه لله تعالى لاقتضاء مقام الفناء ذلك {إِذْ قَالَ الله ياعيسى عِيسَى ابن مَرْيَمَ *اذكر} للأحباب والمريدين {نِعْمَتِى عَلَيْكَ وعلى والدتك} لتزداد رغبتهم في واشكر ذلك لأزيدك مما عندي فخزائني مملوءة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر {إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القدس} وهو الروح الذي أشرق من صبح الأزل وهي روحه الطاهرة، وقيل: المراد أيدتك بجبرائيل حيث عرفك رسوم العبودية {تُكَلّمُ الناس فِي المهد} أي مهد البدن أو المهد المعلوم والمعنى نطقت لهم صغيرًا بتنزيه الله تعالى وإقرارك له بالعبودية {وَكَهْلًا} أي في حال كبرك، والمراد أنك لم يختلف حالك صغرًا وكبرًا بل استمر تنزيهك لربك ولم ترجع القهقرى {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الكتاب} وهو كتاب الحقائق والمعارف {والحكمة} وهي حكمة السلوك في الله عز وجل بتحصيل الأخلاق والأحوال والمقامات والتجريد والتفريد {والتوراة} أي العلوم الظاهرة والأحكام المتعلقة بالأفعال وأحوال النفس وصفاتها {والإنجيل} العلوم الباطنة ومنها علم تجليات الصفات والأحكام المتعلقة بأحوال القلب وصفاته {وَإِذْ تَخْلُقُ} بالتربية أو بالتصوير {مِنَ الطين} وهو الاستعداد المحض أو الطين المعلوم {كَهَيْئَةِ الطير} أي كصورة طير القلب الطائر إلى حضرة القدس أو الطير المشهور {فَتَنفُخُ فِيهَا} من الروح الظاهرة فيك {فَيَكُونُ طَيْرًا} نفسًا مجردة طائرة بجناح الصفاء والعشق أو طيرًا حقيقة {بِإِذْنِى} حيث صرت مظهرًا لي {وَتبرئ الاكمه} أي المحجوب عن نور الحق {والابرص} أي الذي أفسد قلبه حب الدنيا وغلبة الهوى {بِإِذْنِى وَإِذْ تُخْرِجُ الموتى} بداء الجهل من قبور الطبيعة {بِإِذْنِى وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِى إسراءيل} وهي القوى النفسانية أو المحجوبين عن نور تجليات الصفات {عَنكَ} فلم ينقصك كيدهم شيئًا {إِذْ جِئْتَهُمْ بالبينات} [المائدة: 110] وهي الحجج الواضحة أو القوى الروحانية الغالبة {وَإِذْ أَوْحَيْتُ} بطريق الإلهام {إِلَى الحواريين} وهم الذين طهروا نفوسهم اء العلم النافع ونقوا ثياب قلوبهم عن لوث الطبائع {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى} إيمانًا حقيقيًا بتوحيد الصفات {وَبِرَسُولِى} [المائدة: 111] برعاية حقوق تجلياتها على التفصيل. وذكر بعض السادة أن الوحي يكون خاصًا ويكون عامًا فالخاص ما كان بغير واسطة والعام ما كان بالواسطة من نحو الملك والروح والقلب والعقل والسر وحركة الفطرة وللأولياء نصيب من هذا النوع.
ولوحي الخاص مراتب وحي الفعل ووحي الذات. فوحي الذات يكون في مقام التوحيد عند رؤية العظمة والكبرياء، ووحي الفعل يكون في مقام العشق والمحبة وهناك منازل الأنس والانبساط {إِذْ قَالَ الحواريون ياعيسى عِيسَى ابن مَرْيَمَ *هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} أي المربي لك والمفيض عليك ما كملك {أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً} أي شريعة مشتملة على أنواع العلوم والحكم والمعارف والأحكام {مّنَ السماء} أي من جهة سماء الأرواح {قَالَ اتقوا الله} أي اجعلوه سبحانه وقاية لكم فيما يصدر عنكم من الأفعال والأخلاق {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 112] ولا تسألوا شريعة مجددة {قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا} بأن نعمل بها {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} فإن العلم غداء {وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا} في الإخبار عن ربك وعن نفسك {وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشاهدين} [المائدة: 113] فنعلم بها الغائبين وندعوهم إليها {قَالَ الله إِنّى مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ} بهامنكم ويحتجب عن ذلك الدين {بَعْدَ} أي بعد الإنزال {فَإِنّى أُعَذّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذّبُهُ أَحَدًا مّنَ العالمين} [المائدة: 115] وذلك بالحجاب عني لوجود الاستعداد ووضوح الطريق وسطوع الحجة والعذاب مع العلم أشد من العذاب مع الجهل. قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى عِيسَى ابن مَرْيَمَ *قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى} إلخ كلام الشيخ الأكبر قدس سره وكلام الشيخ عبد الكريم الجيلي فيه شهير منتشر على ألسنة المخلصين والمنكرين فيما بيننا. والله تعالى أعلم راده نسأل الله تعالى أن ينزل علينا موائد كرمه ولا يقطع عنا عوائد نعمه ويلطف بنا في كل مبدأ وختام بحرمة نبينا عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام.