فصل: تفسير الآية رقم (2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (2):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)}
{هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ} استئناف مسوق لبيان بطلان كفرهم بالبعث والخطاب وإن صح كونه عامًا لكنه هنا خاص بالذين كفروا كما يدل عليه الخطاب الآتي ففيه التفات. والنكتة فيه زيادة التشنيع والتوبيخ، وتخصيص خلقهم بالذكر من بين سائر أدلة صحة البعث مع أن ما تقدم من أظهر أدلته لما أن دليل الأنفس أقرب إلى الناظر من دليل الآفاق الذي في الآية السابقة، ومعنى خلق المخاطبين من طين أنه ابتدأ خلقهم منه فإنه المادة الأولى للكل لما أنه أصل آدم عليه الصلاة والسلام وهو أصل سائر البشر، ولم ينسب سبحانه الخلق إليه عليه الصلاة والسلام مع أنه المخلوق منه حقيقة وكفاية ذلك في الغرض الذي سيق له الكلام توضيحًا لمنهاج القياس ومبالغة في إزاحة الشبهة والالتباس، وقيل في توجيه خلقهم منه: إن الإنسان مخلوق من النطفة والطمث وهما من الأغذية الحاصلة من التراب بالذات أو بالواسطة.
وقال المهدوي في ذلك: إن كل إنسان مخلوق ابتداءً من طين لخبر «ما من مولود يولد إلا ويذر على نطفته من تراب حفرته» وفي القلب من هذا شيء، والحديث إن صح لا يخلو عن ضرب من التجوز، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي خلق آباءكم، وأيًا ما كان ففيه من وضوح الدلالة على كمال قدرته تعالى شأنه على البعث ما لا يخفى فإن من قدر على إحياء ما لم يشم رائحة الحياة قط كان على إحياء ما قارنها مدة أظهر قدرة.
{ثُمَّ قَضَى} أي قدر وكتب {أَجَلًا} أي حدًا معينًا من الزمان للموت. و{ثُمَّ} للترتيب في الذكر دون الزمان لتقدم القضاء على الخلق، وقيل: الظاهر الترتيب في الزمان، ويراد بالتقدير والكتابة ما تعلم به الملائكة وتكتبه كما وقع في حديث الصحيحين «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد» {مُّسَمًّى} أي حد معين للبعث من القبور، وهو مبتدأ وصح الابتداء به لتخصيصه بالوصف أو لوقوعه في موقع التفصيل و{عِندَهُ} هو الخبر، وتنوينه لتفخيم شأنه وتهويل أمره. وقدم على خبره الظرف مع أن الشائع في النكرة المخبر عنها به لزوم تقديمه عليها وفاء بحق التفخيم، فإن ما قصد به ذلك حقيق بالتقديم فالمعنى وأجل أي أجل مستقل بعلمه سبحانه وتعالى لا يقف على وقت حلوله سواه جل شأنه لا إجمالًا ولا تفصيلًا. وهذا بخلاف أجل الموت فإنه معلوم إجمالًا بناءًا على ظهور أماراته أو على ما هو المعتاد في أعمال الإنسان.
وقيل: وجه الإخبار عن هذا أو التقييد بكونه عنده سبحانه وتعالى أنه من نفس المغيبات الخمس التي لا يعلمها إلا الله تعالى، والأول: أيضًا وإن كان لا يعلمه إلا هو قبل وقوعه كما قال تعالى: {وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] لكنا نعلمه للذين شاهدنا موتهم وضبطنا تواريخ ولادتهم ووفاتهم فنعلمه سواء أريد به آخر المدة أو جملتها متى كان وكم مدة كان.
وذهب بعضهم إلى أن الأجل الأول ما بين الخلق والموت، والثاني: ما بين الموت والبعث. وروي ذلك عن الحسن وابن المسيب وقتادة والضحاك واختاره الزجاج ورواه عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه حيث قال: قضى أجلًا من مولده إلى مماته وأجل مسمى عنده من الممات إلى البعث لا يعلم ميقاته أحد سواه سبحانه فإذا كان الرجل صالحًا واصلًا لرحمه زاد الله تعالى له في أجل الحياة من أجل الممات إلى البعث وإذا كان غير صالح ولا واصل نقصه الله تعالى من أجل الحياة وزاد في أجل الممات، وذلك قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كتاب} [فاطر: 11] وعليه فمعنى عدم تغير الأجل عدم تغير آخره، وقيل: الأجل الأول الزمن الذي يحيى به أهل الدنيا إلى أن يموتوا والأجل الثاني أجل الآخرة الذي لا آخر له، ونسب ذلك إلى مجاهد وابن جبير واختاره الجبائي.
ولا يخفى بعد إطلاق الأجل على المدة الغير المتناهية، وعن أبي مسلم أن الأجل الأول أجل من مضى والثاني أجل من بقي ومن يأتي، وقيل: الأول النوم والثاني الموت. ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأيده الطبرسي بقوله تعالى: {وَيُرْسِلُ الاخرى إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [الزمر: 42] ولا يخفى بعده لأن النوم وإن كان أخا الموت لكنه لم تعهد تسميته أجلًا وإن سمي موتًا، وقيل: إن كلا الأجلين للموت ولكل شخص أجلان أجل يكتبه الكتبة وهو يقبل الزيادة والنقص وهو المراد بالعمر في خبر «إن صلة الرحم تزيد في العمر» ونحوه وأجل مسمى عنده سبحانه وتعالى لا يقبل التغيير ولا يطلع عليه غيره عز شأنه وكثير من الناس قالوا: إن المراد بالزيادة الواردة في غير ما خبر الزيادة بالبركة والتوفيق للطاعة، وقيل: المراد طول العمر ببقاء الذكر الجميل كما قالوا: ذكر الفتى عمره الثاني وضعفه الشهاب، وقيل: الأجلان واحد والتقدير وهذا أجل مسمى فهو خبر مبتدأ محذوف و{عِندَهُ} خبر بعد خبر أو متعلق سمى وهو أبعد الوجوه.
{ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ} أي تشكون في البعث كما أخرجه أبن أبي حاتم عن خالد بن معدان، وعن الراغب المرية التردد في المتقابلين وطلب الإمارة مأخوذ من مرى الضرع إذا مسحه للدر.
ووجه المناسبة في استعماله في الشك أن الشك سبب لاستخراج العلم الذي هو كاللبن الخالص من بين فرث ودم. قيل: الامتراء الجحد، وقيل: الجدال. وأيًا ما كان فالمراد استبعاد امترائهم في وقوع البعث وتحققه في نفسه مع مشاهدتهم في أنفسهم من الشواهد ما يقطع مادة ذلك بالكلية فإن من قدر على إفاضة الحياة وما يتفرع عليها على مادة غير مستعدة لشيء من ذلك كان أوضح اقتدارًا على إفاضته على مادة قد استعدت له وقارنته مدة. ومن هذا يعلم أن شطرًا من تلك الأوجه السابقة آنفًا لا يلائم مساق النظم الكريم، وتوجيه الاستبعاد إلى الامتراء على التفسير الأول مع أن المخاطبين جازمون بانتفاء البعث مصرون على جحوده وإنكاره كما ينبئ عنه كثير من الآيات للدلالة على أن جزمهم ذلك في أقصى مراتب الاستبعاد والاستنكار.
وذكر بعض المحققين أن الآية الأولى دليل التوحيد كما أن هذه دليل البعث، ووجه ذلك بأنها تدل على أنه لا يليق الثناء والتعظيم بشيء سواه عز وجل لأنه المنعم لا أحد غيره ويلزم منه أنه لا معبود، ولا إله سواه بالطريق الأولى، وزعم بعضهم أنها لا تدل على ذلك إلا لاحظة برهان التمانع إذ لو قطع النظر عنه لا تدل على أكثر من وجود الصانع، ومنشأ ذلك حمل الدليل على البرهان العقلي أو مقدماته التي يتألف منها أشكاله وليس ذلك باللازم. ومن الناس من جعل الآية الأولى أيضًا دليلًا على البعث على منوال قوله تعالى: {أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السماء بناها رَفَعَ} [النازعات: 72] ولا يخفى أنه خلاف الظاهر.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)}
وقوله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الله} جملة من مبتدأ عائد إليه سبحانه كما قال الجمهور وخبر معطوفه على ما قبلها مسوقة لبيان شمول أحكام إلهيته لجميع المخلوقات وإحاطة علمه بتفاصيل أحوال العباد وأعمالهم المؤدية إلى الجزاء إثر الإشارة إلى تحقق المعاد في تضاعيف ما تقدم، والحمل ظاهر الفائدة إذا اعتبر ما يأتي وإلا فهو على حد:
أنا أبو النجم وشعري شعري

وقوله تعالى: {فِي السموات وَفِى الأرض} متعلق على ما قيل بالمعنى الوصفي الذي تضمنه الاسم الجليل كما في قولك: هو حاتم في طيئ على معنى الجواد. والمعنى الذي يعتبر هنا يجوز أن يكون هو المأخوذ من أصل اشتقاق الاسم الكريم أعني المعبود أو ما اشتهر به الاسم من صفات الكمال إلا أنه يلاحظ في هذا المقام ما يقتضيه منها أو ما يدل عليه التركيب الحصري لتعريف طرفي الإسناد فيه من التوحيد والتفرد بالألوهية أو ما تقرر عند الكل من إطلاق هذا الاسم عليه تعالى خاصة فكأنه قيل: وهو المعبود فيهما أو وهو المالك والمتصرف المدبر فيهما حسا يقتضيه المشيئة المبنية على الحكم البالغة أو وهو المتوحد بالألوهية فيهما أو وهو الذي يقال له: الله فيهما لا يشرك به شيء في هذا الاسم، ومعنى ذلك مجرد ملاحظة أحد المعاني المذكورة في ضمن ذلك الاسم الجليل ويكفي مثل ذلك في تعلق الجار لا أنه يحمل لفظ الله على معناه اللغوي أو على نحو المالك والمتصرف أو المتوحد أو يقدر القول، وعلى كل تقدير يندفع ما يقال: إن الظرف لا يتعلق باسم الله تعالى لجموده ولا بكائن لأنه حيئنذ يكون ظرفًا لله تعالى وهو سبحانه وتعالى منزه عن المكان والزمان. ومن الناس من جوز تعلقه بكائن على أنه خبر بعد خبر والكلام حينئذ من التشبيه البليغ أو كناية على رأي من لم يشترط جواز المعنى الأصلي أو استعارة تمثيلية بأن شبهت الحالة التي حصلت من إحاطة علمه سبحانه وتعالى بالسموات والأرض وا فيهما بحالة بصير تمكن في مكان ينظره وما فيه والجامع بينهما حضور ذلك عنده. وجوز أن يكون مجازًا مرسلًا باستعماله في لازم معناه وهو ظاهر، وأن يكون استعارة بالكناية بأن شبه عز اسمه بمن تمكن في مكان وأثبت له من لوازمه وهو علمه به وا فيه، وليس هذا من التشبيه المحظور في شيء.
وعليه يكون قوله تعالى: {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} أي ما أسررتموه وما جهرتم به من الأقوال أو منها ومن الأفعال بيانًا للمراد وتوكيدًا لمن يفهم من الكلام. وتعليق علمه سبحانه بما ذكر خاصة مع شموله لجميع من في السموات وصاحبتها لانسياق النظم الكريم إلى بيان حال المخاطبين وكذا يعتبر بيانًا على تقدير اعتبار ما اشتهر به الاسم الجليل من صفات الكمال عند تعلق الجار على ما علمت فإن ملاحظته من حيث المالكية الكاملة والتصرف الكامل حسا تقدم مستتبعة لملاحظة علمه تعالى المحيط حتمًا.
وعلى التقادير الأخر لا مساغ كما قيل لجعله بيانًا لأن ما ذكر من العلم غير معتبر في مفهوم شيء من المعبودية واختصاص إطلاق الاسم عليه تعالى، وكذا مفهوم المتوحد بالألوهية فكيف يكون هذا بيانًا لذلك. واعتبار العلم فيما صدق عليه المتوحد غير كاف في البيانية، وقيل في بيانها على تقدير اعتبار المتوحد بالألوهية: إن حصر الألوهية عنى تدبير الخلق، ومن تفرد بتدبير جميع أمور أحد لزمه معرفة جميعها حتى يتم له تدبيرها فملاحظة المتوحد بالألوهية مستتبعة لملاحظة علمه تعالى المحيط على طرز ما تقرر في ملاحظة اسمه عز اسمه من حيث المالكية الكاملة والتصرف الكامل على الوجه المتقدم.
ومن هذا يعلم اندفاع ما أورد على احتمال تعلق الجار السابق باعتبار ملاحظة المتوحد بالألوهية من أن التوحيد بها أمر لا تعلق له كان فلا معنى لجعله متعلقًا كان فضلًا عن جميع الأمكنة فإن تدبير الخلق مما يتعلق بما في حيز الجار من الحيز، وكذا بما فيه. وتعقب ذلك نع تفسير الألوهية بما ذكر؛ ولعل الجملة على هاتيك التقادير خبر ثالث، وقد جوز غير واحد الإخبار بالجملة بعد الإخبار بالمفرد، وبعضهم جعلها كذلك مطلقًا، والقرينة على إرادة المراد من الجملة الظرفية حينئذ عقلية، وهي أن كل أحد يعلم أنه تقدس وتعالى منزه عما يقتضيه الظاهر من المكان، وذلك كما في قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [الحديد: 4] إذ لم يردف بما يبينه، وجوز أن تكون كلامًا مبتدأ وهو استئناف نحوي. ورجحه غير واحد لخلوه عن التكلف أو استئناف بياني ويتكلف له تقدير سؤال، وقيل: إن الجملة هي خبر {هُوَ} والاسم الجليل بدل منه والظرف متعلق بيعلم. ويكفي في ذلك كون المعلوم فيما ذكر ولا يتوقف على كون العالم فيه ليلزم تحيزه سبحانه وتعالى المحال. وهذا ما قيل كقولك: رميت الصيد في الحرم فإنه صادق إذا كنت خارجه والصيد فيه.
ونقل بعض المدققين عن الإمام التمرتاشي في الأيمان إذا ذكر ظرف بعد فعل له فاعل كما إذا قلت: إذا ضربت في الدار أو في المسجد فإن كان معًا فيه فالأمر ظاهر وإن كان الفاعل فيه دون المفعول أو بالعكس فإن كان الفعل مما يظهر أثره في المفعول كالضرب والقتل والجرح فالمعتبر كون المفعول فيه وإن كان مما لا يظهر أثره فيه كالشتم فالمعتبر كون الفاعل فيه فلذا قال بعض الفقهاء: لو قال إن شتمته في المسجد أو رميت إليه فكذا فشرط حنثه كون الفاعل فيه.
وإن قال: إن ضربته في المسجد أو جرحته أو قتلته أو رميته فكذا فشرطه كون المفعول فيه. وفرق بين الرميين المتعدي بإلى والمتعدي بنفسه بأن الأول: إرسال السهم من القوم بنية وذلك مما لا يظهر له أثر في المحل ولا يتوقف على وصول فعل الفاعل. والثاني: إرسال السهم أو ما يضاهيه على وجه يصل إلى المرمى إليه فيؤثر فيه ولذا عد كل منهما في قبيل. وعلى هذا يشكل ما نحن فيه لأن العلم لا يظهر له أثر في المعلوم فيلزم أن يكون الكلام من قبيل شتمته في المسجد ويجيء المحال وكون العلم هنا مجازًا عن المجازاة وهي مما يظهر أثرها في المفعول فيكون الكلام من قبيل إن ضربته في المسجد ويكفي كون المفعول فيه دون الفاعل في القلب منه شيء على أن كون المفعول هنا أعني سر المخاطبين وجهرهم في السموات مما لا وجه له.
والقول بأن المعنى حينئذ يعلم نفوسكم المفارقة الكائنة في السموات ونفوسكم المقارنة لأبدانكم الكائنة في الأرض تعسف وخروج عن الظاهر على أن الخطاب حينئذ يكون للمؤمنين وقد كان فيما قبل للكافرين فتفوت المناسبة والارتباط، ومثله القول بتعميم الخطاب بحيث يشمل الملائكة وظاهر أن سرهم وجهرهم في السموات. وأجيب بأنه يمكن أن يكون جعل سر المخاطبين وجهرهم فيها لتوسيع الدائرة وتصوير أنه سبحانه وتعالى لا يعزب عن علمه شيء في أي مكان كان لا أنهما يكونان في السموات أيضًا، وقيل: المراد بالسر ما كتم عنهم من عجائب الملك وأسرار الملكوت مما لم يطلعوا عليه وبالجهر ما ظهر لهم من السموات والأرض. وإضافة السر والجهر إلى ضمير المخاطبين مجازية وليس بشيء كما لا يخفى.
وجوز بعضهم أن يكون الجار متعلقًا بالمصدر على سبيل التنازع، واعترض بأن معمول المصدر لا يتقدم عليه. ويلزم أيضًا التنازع مع تقدم المعمول. وأجيب بأن منهم من يجوز التنازع مع تقدم المعمول ومن يقول: بجواز تقديم الظرف على المصدر لتوسعهم فيه ما لم يتوسع في غيره، ونقل عن ابن هشام أنه قال: إنما يمتنع تقدم متعلق المصدر إذا قدر بحرف مصدري وفعل وهذا ليس كذلك فليس مما منعوه، وقال مولانا صدر الدين: يرد على منع تعلق الجار بالمصدر المتأخر تعلقه بإله في قوله تعالى: {وَهُوَ الذي فِي السماء إله} [الزخرف: 84] مع أن إلهًا مصدر وصرح بتعلقه به غير واحد فإن أول بالصفة مثل المعبود فليؤول السر والجهر بالخفي والظاهر. وعن أبي علي الفارسي أنه جعل {هُوَ} ضمير الشأن و{الله} مبتدأ خبره ما بعده والجملة خبر عن ضمير الشأن أي الشأن والقصة ذلك.
{وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} أي ما تفعلونه لجلب نفع أو دفع ضر من الأعمال المكتسبة بالقلوب والجوارح سرًا وعلانية. وتخصيص ذلك بالذكر مع اندراجه فيما تقدم على تقدير تعميم السر والجهر لإظهار كمال الاعتناء به لأنه مدار فلك الجزاء وهو السر في إعادة {يَعْلَمْ}. ومن الناس من غاير بين المتعاطفين بجعل العلم هنا عبارة عن جزائه وإبقائه على معناه المتبادر فيما تقدم. وتفسير المكتسب بجزاء الأعمال من المثوبات والعقوبات غير ظاهر. وكذا حمل السر والجهر على ما وقع والمكتسب على ما لم يقع بعد.