فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (17):

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}
{وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ} أي ببلية كمرض وحاجة {فَلاَ كاشف} أي لا مزيل ولا مفرج {لَهُ} عنك {إِلاَّ هُوَ} والمراد لا قادر على كشفه سواه سبحانه وتعالى من الأصنام وغيرها {وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ} من صحة وغنى {فَهُوَ على كُلّ شَيْء قَدُيرٌ} ومن جملته ذلك فيقدر جل شأنه عليه فيمسك به ويحفظه عليك من غير أن يقدر على دفعه ورفعه أحد كقوله تعالى: {فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107] ويظهر من هذا ارتباط الجزاء بالشرط. وقيل: إن الجواب محذوف تقديره فلا راد له غيره تعالى، والمذكور تأكيد للجوابين لأن قدرته تعالى على كل شيء من الخير والشر تؤكد أنه سبحانه وتعالى كاشف الضر وحافظ النعم ومديمها، وزعم أنه لا تعلق له بالجواب الأول بل هو علة الجواب الثاني ظاهر البطلان إذ القدرة على كل شيء تؤكد كشف الضر بلا شبهة وإنكار ذلك مكابرة، وأصل المس كما قال أبو حيان تلاقى الجسمين، والمراد به هنا الإصابة. وجعل غير واحد الباء في بضر وفي بخير للتعدية وإن كان الفعل متعديًا كأنه قيل: وإن يمسسك الله الضر. وفسروا الضر بالضم بسوء الحال في الجسم وغيره وبالفتح بضد النفع، وعدل عن الشر المقابل للخير إلى الضر على ما في البحر لأن الشر أعم فأتى بلفظ الأخص مع الخير الذي هو عام رعاية لجهة الرحمة، وقال ابن عطية: إن مقابلة الخير بالضر مع أن مقابله الشر وهو أخص منه من خفي الفصاحة للعدول عن قانون الضعة وطرح رداء التكلف وهو أن يقرن بأخص من ضده ونحوه لكون أوفق بالمعنى وألطق بالمقام كقوله تعالى: {إِنَّ لَكَ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تضحى} [طه: 118، 119] فجيء بالجوع مع العري وبالظمأ مع الضحو وكان الظاهر خلافه. ومنه قول امرئ القيس:
كأني لم أركب جوادًا للذة ** ولم أتبطن كاعبًا ذات خلخال

ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ** لخيلي كري كرة بعد إجفال

وإيضاحه أنه في الآية قرن الجوع الذي هو خلو الباطن بالعري الذي هو خلو الظاهر والظمأ الذي فيه حرارة الباطن بالضحى الذي فيه حرارة الظاهر. وكذلك قرن امرئ القيس علوه على الجواد بعلوه على الكاعب لأنهما لذتان في الاستعلاء وبذل المال في شراء الراح ببذل الأنفس في الكفاح لأن في الأول: سرور الطرب وفي الثاني: سرور الظفر. وكذا هنا أوثر الضر لمناسبته ما قبله من الترهيب. فإن انتقام العظيم عظيم. ثم لما ذكر الإحسان أتى بما يعم أنواعه، والآية من قبيل اللف والنشر فإن مس الضر ناظر إلى قوله تعالى: {إِنّى أَخَافُ} [الأنعام: 15] إلخ ومس الخير ناظر إلى قوله سبحانه: {مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ} [الأنعام: 16] إلخ. وهي على ما قيل داخلة في حيز {قُلْ} [الأنعام: 51] والخطاب عام لكل من يقف عليه أو لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ولا نافية للجنس، و{كاشف} اسمها و{لَهُ} خبرها والضمير المتفصل بدل من موضع {لا كاشف} أو من الضمير في الظرف، ولا يجوز على ما قيل أبو البقاء أن يكون مرفوعًا بكاشف ولا بدلًا من الضمير فيه لأنك في الحالين تعمل اسم لا ومتى أعملته في ظاهر نونته. وفي هذه الآية الكريمة رد على من رجا كشف الضر من غير سبحانه وتعالى وأمل أحدًا سواه.
وفي «فتوح الغيب» للقطب الرباني سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله تعالى سره من كلام طويل إن من أراد السلامة في الدنيا والآخرة فعليه بالصبر والرضا وترك الشكوى إلى خلقه وإنزال حوائجه بربه عز وجل ولزوم طاعته وانتظار الفرج منه سبحانه وتعالى والانقطاع إليه فحرمانه عطاء وعقوبته نعماء وبلاؤه دواء ووعده حال، وقوله فعل وكل أفعاله حسنة وحكمة ومصلحة غير أنه عز وجل طوى علم المصالح عن عباده وتفرد به فليس إلا الاشتغال بالعبودية من أداء الأوامر واجتناب النواهي والتسليم في القدر وترك الاشتغال بالربوبية والسكون عن لم وكيف ومتى؟ وتستند هذه الجملة إلى حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «بينما أنا رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: يا غلام احفظ الله تعالى يحفظك احفظ الله تعالى تجده أمامك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله جف القلم بما هو كائن ولو جهد العباد أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله سبحانه وتعالى لك لم يقدروا عليه ولو جهدوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله تعالى عليك لم يقدروا عليه فإن استطعت أن تعمل لله تعالى بالصدق في اليقين فاعمل فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا» فينبغي لكل مؤمن أن يجعل هذا الحديث مرآة قلبه وشعاره ودثاره وحديثه فيعمل به من جهة حركاته وسكناته حتى يسلم في الدنيا والآخرة ويجد العزة برحمة الله عز وجل.

.تفسير الآية رقم (18):

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}
{وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ} قيل هو استعارة تمثيلية وتصوير لقهره سبحانه وتعالى وعلوه عز شأنه بالغلبة والقدرة، وجوز أن تكون الاستعارة في الظرف بأن شبه الغلبة كان محسوس، وقيل: إنه كناية عن القهر والعلو بالغلبة والقدرة، وقيل: إن {فَوْقَ} زائدة وصحح زيادتها وإن كانت اسمًا كونها عنى على وهو كما ترى، والداعي إلى التزام ذلك كله أن ظاهر الآية يقتضي القول بالجهة والله تعالى منزه عنها لأنها محدثة بإحداث العالم وإخراجه من العدم إلى الوجود، ويلزم أيضًا من كونه سبحانه وتعالى في جهة مفاسد لا تخفى، وأنت تعلم أن مذهب السلف إثبات الفوقية لله تعالى كما نص عليه الإمام الطحاوي وغيره، واستدلوا لذلك بنحو ألف دليل، وقد روى الإمام أحمد في حديث الأوعال عن العباس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والعرش فوق ذلك والله تعالى فوق ذلك كله» وروى أبو داود عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي استشفع بالله تعالى عليه: «ويحك أتدري ما الله تعالى؟ إن الله تعالى فوق عرشه وعرشه فوق سماواته وقال بأصابعه مثل القبة وأنه ليئط به أطيط الرحل الجديد بالراكب».
وأخرج الأموي في مغازيه من حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد يوم حكم في بني قريظة: «لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سموات» وروى ابن ماجه يرفعه قال: «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا إليه رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم ثم قرأ صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {سَلاَمٌ قَوْلًا مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} [ياس: 58] فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إل شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه». وصح أن عبد الله بن رواحة أنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبياته التي عرض بها عن القراءة لامرأته حين اتهمته بجاريته وهي:
شهدت بأن وعد الله حق ** وأن النار مثوى الكافرينا

وأن العرش فوق الماء طاف ** وفوق العرش رب العالمينا

وتحمله ملائكة شداد ** ملائكة الإله مسومينا

فأقره عليه الصلاة والسلام على ما قال وضحك منه، وكذا أنشد حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه قوله:
شهدت بإذن الله أن محمدا ** رسول الذي فوق السموات من عل

وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما ** له عمل من ربه متقبل وأن الذي

عادى اليهود ابن مريم ** رسول أتى من عند ذي العرش مرسل

وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم ** يقوم بذات الله فيهم ويعدل

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا أشهد. وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى حكاية عن إبليس: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: 17] أنه قال: لم يستطع أن يقول ومن فوقهم لأنه قد علم أن الله تعالى سبحانه من فوقهم، والآيات والأخبار التي فيها التصريح بما يدل على الفوقية كقوله تعالى: {تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم} [الزمر: 1]. و{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب} [فاطر: 10] و{بَل رَّفَعَهُ الله} [النساء: 158] إليه. و{تَعْرُجُ الملئكة والروح إِلَيْهِ} [المعارج: 4] وقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم: «وأنت الظاهر فليس فوقك شيء» كثيرة جدًا، وكذا كلام السلف في ذلك فمنه ما روى شيخ الإسلام أبو إسمعيل الأنصاري في كتابه الفاروق بسنده إلى أبي مطيع البلخي أنه سأل أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه عمن قال: لا أعرف ربي سبحانه في السماء أم في الأرض فقال: قد كفر لأن الله تعالى يقول: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] وعرشه فوق سبع سموات فقال: قلت فإن قال إنه على العرش ولكن لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ فقال رضي الله تعالى عنه هو كافر لأنه أنكر آية في السماء ومن أنكر آية في السماء فقد كفر، وزاد غيره لأن الله تعالى في أعلى عليين وهو يدعى من أعلى لا من أسفل.
وأيد القول بالفوقية أيضًا بأن الله تعالى لما خلق الخلق لم يخلقهم في ذاته المقدسة تعالى عن ذلك فإنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد فتعين أنه خلقهم خارجًا عن ذاته ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم لكان متصفًا بضد ذلك لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده وضد الفوقية السفول وهو مذموم على الإطلاق، والقول بأنا لا نسلم أنه قابل للفوقية حتى يلزم من نفيها ثبوت ضدها مدفوع بأنه سبحانه لو لم يكن قابلًا للعلو والفوقية لم يكن له حقيقة قائمة بنفسها فمتى سلم بأنه جل شأنه ذات قائم بنفسه غير مخالط للعالم وأنه موجود في الخارج ليس وجوده ذهنيًا فقط بل وجوده خارج الأذهان قطعًا وقد علم كل العقلاء بالضرورة أن ما كان وجوده كذلك فهو إما داخل العالم وإما خارج عنه وإنكار ذلك إنكار ما هو أجلى البديهيات فلا يستدل بدليل على ذلك إلا كان العلم بالمباينة أظهر منه وأوضح، وإذا كان صفة الفوقية صفة كمال لا نقص فيها ولا يوجب القول بها مخالفة كتاب ولا سنة ولا إجماع كان نفيها عين الباطل لاسيما والطباع مفطورة على قصد جهة العلو عند التضرع إلى الله تعالى.
وذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس إمام الحرمين وهو يتكلم في نفي صفة العلو ويقول: كان الله تعالى ولا عرش وهو الآن على ما كان فقال الشيخ أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا فإنه ما قال عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة بطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة فكيف تدفع هذه الضرورة عن أنفسنا قال: فلطم الإمام على رأسه ونزل وأظنه قال وبكى وقال حيرني الهمداني، وبعضهم تكلف الجواب عن هذا بأن هذا التوجه إلى فوق إنما هو لكون السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، ثم هو أيضًا منقوض بوضع الجبهة على الأرض مع أنه سبحانه ليس في جهة الأرض، ولا يخفى أن هذا باطل، أما أولًا: فلأن السماء قبلة للدعاء لم يقله أحد من سلف الأمة ولا أنزل الله تعالى به من سلطان والذي صح أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة فقد صرحوا بأنه يستحب للداعي أن يستقبل القبلة. وقد استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة في دعائه في مواطن كثيرة فمن قال: إن للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة فقد ابتدع في الدين وخالف جماعة المسلمين. وأما ثانيًا: فلأن القبلة ما يستقبله الداعي بوجهه كما تستقبل الكعبة في الصلاة وما حاذاه الإنسان برأسه أو يديه مثلًا لا يسمى قبلة أصلًا فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع أن يوجه الداعي وجهه إليها ولم يثبت ذلك في شرع أصلًا، وأما النقض بوضع الجبهة فما أفسده من نقض فإن واضع الجبهة إنما قصده الخضوع لمن فوقه بالذل لا أن يميل إليه إذ هو تحته بل هذا لا يخطر في قلب ساجد. نعم سمع عن بشر المريسي أنه يقول: سبحان ربي الأسفل تعالى الله سبحانه عما يقول الجاحدون والظالمون علوًا كبيرًا.
وتأول بعضهم كل نص فيه نسبة الفوقية إليه تعالى بأن فوق فيه عنى خير وأفضل كما يقال: الأمير فوق الوزير والدينار فوق الدرهم. وأنت تعلم أن هذا مما تنفر منه العقول السليمة وتشمئز منه القلوب الصحيحة فإن قول القائل ابتداء: الله تعالى خير من عباده أو خير من عرشه من جنس قوله الثلج بارد والنار حارة والشمس أضوأ من السراج والسماء أعلى من سقف الدار ونحو ذلك وليس في ذلك أيضًا تمجيد ولا تعظيم لله تعالى بل هو من أرذل الكلام فكيف يليق حمل الكلام المجيد عليه وهو الذي لو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا ثله لا يأتون ثله ولوكان بعضهم لبعض ظهيرًا، على أن في ذلك تنقيضًا لله تعالى شأنه ففي المثل السائر:
ألم تر أن السيف ينقص قدره ** إذا قيل إن السيف خير من العصا

نعم إذا كان المقام يقتضي ذلك بأن كان احتجاجًا على مبطل كما في قول يوسف الصديق عليه السلام {مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار مَا} [يوسف: 39] وقوله تعالى: {الله خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] {والله خَيْرٌ وأبقى} [طه: 73] فهو أمر لا اعتراض عليه ولا توجه سهام الطعن إليه، والفوقية عنى الفوقية في الفضل مما يثبتها السلف لله تعالى أيضًا وهي متحققة في ضمن الفوقية المطلقة، وكذا يثبتون فوقية القهر والغلبة كما يثبتون فوقية الذات ويؤمنون بجميع ذلك على الوجه اللائق بجلال ذاته وكمال صفاته سبحانه وتعالى منزهين له سبحانه عما يلزم ذلك مما يستحيل عليه جل شأنه ولا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ولا يعدلون عن الألفاظ الشرعية نفيًا ولا إثباتًا لئلا يثبتوا معنى فاسدًا أو ينفوا معنى صحيحًا فهم يثبتون الفوقية كما أثبتها الله تعالى لنفسه. وأما لفظ الجهة فقد يراد به ما هو موجود وقد يراد به ما هو معدوم؛ ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله تعالى كان مخلوقًا والله تعالى لا يحصره شيء ولا يحيط به شيء من المخلوقات تعالى عن ذلك وإن أريد بالجهة أمر عدمي وهو ما فوق العالم فليس هناك إلا الله تعالى وحده فإذا قيل: إنه تعالى في جهة بهذا الاعتبار فهو صحيح عندهم، ومعنى ذلك أنه فوق العالم حيث انتهت المخلوقات، ونفاة لفظ الجهة الذين يريدون بذلك نفي العلوم يذكرون من أدلتهم أن الجهات كلها مخلوقة وأنه سبحانه كان قبل الجهات وأنه من قال: إنه تعالى في جهة يلزمه القول بقدم شيء من العالم وأنه جل شأنه كان مستغنيًا عن الجهة ثم صار فيها. وهذه الألفاظ ونحوها تنزل على أنه عز اسمه ليس في شيء من المخلوقات سواء سمي جهة أم لم يسم وهو كلام حق ولكن الجهة ليست أمرًا وجوديًا بل هي أمر اعتباري ولا محذور في ذلك، وبالجملة يجب تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين وتفويض علم ما جاء من المتشابهات إليه عز شأنه والإيمان بها على الوجه الذي جاءت عليه. والتأويل القريب إلى الذهن الشائع نظيره في كلام العرب مما لا بأس به عندي على أن بعض الآيات مما أجمع على تأويلها السلف والخلف والله تعالى أعلم راده.
{وَهُوَ الحكيم} أي ذو الحكمة البالغة وهي العلم بالأشياء على ما هي عليه والإتيان بالأفعال على ما ينبغي أو المبالغ في الأحكام وهو اتقان التدبير وإحسان التقدير {الخبير} أي العالم بما دق من أحوال العباد وخفي من أمورهم. واللام هنا وفيما تقدم للقصر.