فصل: تفسير الآية رقم (29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (29):

{وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بْعُوثِينَ (29)}
{وَقَالُواْ} عطف على {عادوا} كما عليه الجمهور. واعترضه ابن الكمال بأن حق {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} [الأنعام: 28] حينئذٍ أن يؤخر عن المعطوف أو يقدم على المعطوف عليه. وأجيب بأن توسيطه لأنه اعتراض مسوق لتقرير ما أفادته الشرطية من كذبهم المخصوص ولو أخر لأوهم أن المراد تكذيبهم في إنكارهم البعث. وجوز أن يكون عطفًا على {إِنَّهُمْ لكاذبون} أو على خبر إن أو على {نُهُواْ} [الأنعام: 28] والعائد محذوف أي قالوه، وأن يكون استئنافًا بذكر ما قالوا في الدنيا.
{إِنْ هِىَ} أي ما هي {إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} والضمير للحياة المذكورة بعده كما في قول المتنبي:
هو الجد حتى تفضل العين أختها ** وحتى يكون اليوم لليوم سيدًا

وقد نصوا على صحة عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة في مواضع، منها ما إذا كان خبر الضمير مفسرًا له كما هنا. وجعله بعضهم ضمير الشأن. ولا يتأتى على مذهب الجمهور لأنهم اشترطوا في خبره أن يكون جملة. وخالفهم في ذلك الكوفيون فقد حكي عنهم جواز كون خبره مفردًا إما مطلقًا أو بشرط كون المفرد عاملًا عمل الفعل كاسم الفاعل نحو إنه قائم زيد بناءً على أنه حينئذٍ يسد مسد الجملة. وقيل وفيه بعد: يحتمل أن يكون الضمير المذكور عبارة عما في الذهن وهو الحياة والمعنى إن الحياة إلا حياتنا التي نحن فيها. وهو المراد بقولهم: الدنيا لا القريبة الزوال أو الدنيئة أو المتقدمة على الآخرة كما يقول المؤمنون إذ كل ذلك خلاف الظاهر لاسيما الأخير. {وَمَا نَحْنُ بْعُوثِينَ} أي إذا فارقتنا هذه الحياة أصلًا.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)}
{وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ على رَبّهِمْ} تمثيل لحبسهم للسؤال والتوبيخ أو كناية عنه عند من لم يشترط فيها إمكان الحقيقة وجوز اعتبار التجوز في المفرد إلا أن الأرجح عندهم اعتباره في الجملة، وقيل: الوقوف عنى الاطلاع المتعدي بعلى أيضًا وفي الكلام مضاف مقدر أي وقفوا على قضاء ربهم أو جزائه، ولا حاجة إلى التضمين وجعله من القلب كما توهم، وقيل: هو عنى الاطلاع من غير حاجة إلى تقدير مضاف على معنى عرفوه سبحانه وتعالى حق التعريف ولا يلزم من حق التعريف حق المعرفة ليقال كيف هذا وقد قيل: ما عرفناك حق معرفتك، واستدل بعض الظاهرية بالآية على أن أهل القيامة يقفون بالقرب من الله تعالى في موقف الحساب ولا يخفى ما فيه.
{قَالَ} استئناف نشأ من الكلام السابق كأنه قيل: فماذا قال لهم ربهم سبحانه وتعالى إذ ذاك؟ فقيل: قال: إلخ. وجوز أن يكون في موضع الحال أي قائلًا {أَلَيْسَ هذا} أي البعث وما يتبعه {بالحق} أي حقًا لا باطلًا كما زعمتم، وقيل: الإشارة إلى العقاب وحده وليس بشيء، ولا دلالة في {فَذُوقُواْ} عند أرباب الذوق على ذلك، والهمزة للتقريع على التكذيب {قَالُواْ} استئناف كما سبق {بلى} هو حق {وَرَبُّنَا} أكدوا اعترافهم باليمين إظهارًا لكمال تيقنهم بحقيته وإيذانًا بصدور ذلك عنهم برغبة ونشاط طمعًا بأن ينفعهم وهيهات {قَالَ فَذُوقُواْ العذاب} الذي كفرتم به من قبل وأنكرتموه {ا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} أي بسبب كفركم المستمر أو ببدله أو قابلته أو بالذي كنتم تكفرون به، فما إما مصدرية أو موصولة والأول أولى، ولعل هذا التوبيخ والتقريع كما قيل «إنما يقع بعدما وقفوا على النار فقالوا ما قالوا إذ الظاهر أنه لا يبقى بعد هذا الأمر إلا العذاب»، ويحتمل العكس وأمر الأمر سهل.

.تفسير الآية رقم (31):

{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)}
{قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاء الله} هم الكفار الذين حكيت أحوالهم لكن وضع الموصول موضع الضمير للإيذان بتسبب خسرانهم عما في حيز الصلة من التكذيب بلقاء الله تعالى والاستمرار عليه، والمراد به لقاء ما وعد سبحانه وتعالى على ما روي عن ابن عباس والحسن رضي الله تعالى عنهم، وصرح بعضهم بتقدير المضاف أي لقاء جزاء بالله تعالى، وصرح آخرون بأن لقاء الله تعالى استعارة تمثيلية عن البعث وما يتبعه.
{حتى إِذَا جَاءتْهُمُ الساعة} أي الوقت المخصوص وهو يوم القيامة، وأصل الساعة القطعة من الزمان وغلبت على الوقت المعلوم كالنجم للثريا، وسمي ساعة لقلته بالنسبة لما بعده من الخلود أو بسرعة الحساب فيه على الباري عز اسمه. وفسرها بعضهم هنا بوقت الموت، والغاية المذكورة للتكذيب. وجوز أن تكون غاية للخسران لكن بالمعنى المتعارف والكلام حينئذٍ على حد قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إلى يَوْمِ الدين} [ص: 78] أي إنك مذموم مدعو عليك باللعنة إلى ذلك اليوم فإذا جاء اليوم لقيت ما تنسى اللعن معه فكأنه قيل: خسر المكذبون إلى قيام الساعة بأنواع المحن والبلاء فإذا قامت الساعة يقعون فيما ينسون معه هذا الخسران وذلك هو الخسران المبين {بَغْتَةً} أي فجأة وبغتة بالتحريك مثلها، وبغته كمنعه فجأه أي هجم عليه من غير شعور، وانتصابها على أنها مصدر واقع موقع الحال من فاعل {جَاءتْهُمْ} أي مباغتة أو من مفعوله أي مبغوتين، وجوز أن تكون منصوبة على أنها مفعول مطلق لجاءتهم على حد رجع القهقرى أو لفعل مقدر من اللفظ أو من غيره.
وقوله سبحانه وتعالى: {قَالُواْ} جواب {إِذَا} {يَا حَسْرَتَنَا} نداء للحسرة وهي شدة الندم كأنه قيل: يا حسرتنا تعالى فهذا أوانك، قيل: وهذا التحسر وإن كان يعتريهم عند الموت لكن لما كان الموت من مقدمات الآخرة جعل من جنس الساعة وسمي باسمها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «من مات فقد قامت قيامته» أو جعل مجيء الساعة بعد الموت لسرعته كالواقع بغير فترة، وقال أبو البقاء: التقدير يا حسرة احضري هذا أوانك، وهو نداء مجازي ومعناه تنبيه أنفسهم لتذكير أسباب الحسرة لأن الحسرة نفسها لا تطلب ولا يتأتى إقبالها وإنما المعنى على المبالغة في ذلك حتى كأنهم ذهلوا فنادوها، ومثل ذلك نداء الويل ونحوه ولا يخفى حسنه.
{قَالُواْ ياحسرتنا على مَا فَرَّطْنَا} أي على تفريطنا، فما مصدرية فالتفريط التقصير فيما قدر على فعله، وقال أبو عبيدة: معناه التضييع، وقال ابن بحر: معناه السبق ومنه الفارط للسابق. ومعنى فرط خلا السبق لغيره فالتضعيف فيه للسلب كجلدات البعير أزلت جلده وسلبته {فِيهَا} أي الحياة الدنيا كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو في الساعة كما روي عن الحسن، والمراد من التفريط في الساعة التقصير في مراعاة حقها والاستعداد لها بالإيمان والأعمال الصالحة.
وقيل: الضمير للجنة أي على ما فرطنا في طلبها ونسب إلى السدي ولا يخفى بعده، وقول الطبرسي: ويدل عليه ما رواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية: «يرى أهل النار منازلهم من الجنة فيقولون: يا حسرتنا..» إلخ لا يخلو عن نظر لقيام الاحتمال بعد وهو يبطل الاستدلال، وعن محمد بن جرير أن الهاء يعود إلى الصفقة لدلالة الخسران عليها وهو بعيد أيضًا، ومثل ذلك ما قيل: إن ما موصولة عنى التي، والمراد بها الأعمال والضمير عائد إليها كأنه قيل يا حسرتنا على الأعمال الصالحة التي قصرنا فيها، نعم مرجع الضمير على هذا مذكور في كلامهم دونه على الأقوال السابقة فإنه غير مذكور فيه بل ولا في كلامه تعالى في قص حال هؤلاء القائلين على القول الأول عند بعض فتدبر.
{وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ} في موضع الحال من فاعل {قَالُواْ} وهي حال مقارنة أو مقدرة. والوزر في الأصل الثقل ويقال للذنب وهو المراد هنا أي يحملون ذنوبهم وخطاياهم كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وذكر الظهور لأن المعتاد الأغلب الحمل عليها كما في {كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] فإن الكسب في الأكثر بالأيدي. وفي ذلك أيضًا إشارة إلى مزيد ثقل المحمول، وجعل الذنوب والآثام محمولة على الظهر من باب الاستعارة التمثيلية، والمراد بيان سوء حالهم وشدة ما يجدونه من المشقة والآلام والعقوبات العظيمة بسبب الذنوب، وقيل: حملها على الظهر حقيقة وإنها تجسم، فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنه قال: «ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره إلا جاءه رجل قبيح الوجه أسود اللون منتن الريح عليه ثياب دنسة حتى يدخل معه قبره فإذا رآه قال ما أقبح وجهك؟ قال كذلك كان عملك قبيحًا قال: ما أنتن ريحك؟ قال: كذلك كان عملك منتنًا قال: ما أدنس ثيابك فيقول: إن عملك كان دنسًا قال من أنت؟ قال: أنا عملك فيكون معه في قبره فإذا بعث يوم القيامة قال له إني كنت أحملك في الدنيا باللذات والشهوات فأنت اليوم تحملني فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله النار» وأخرجا عن عمرو بن قيس قال: إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله في أحسن شيء صورة وأطيبه ريحًا فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: لا إلا أن الله تعالى قد طيب ريحك وحسن صورتك فيقول: كذلك كنت في الدنيا أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم وتلا: {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْدًا} [مريم: 58] وإن كان الكافر يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحًا فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: لا إلا أن الله تعالى قد قبح صورتك ونتن ريحك فيقول: كذلك كنت في الدنيا أنا عملك السيء طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك وتلا {وَهُمْ يَحْمِلُونَ} الآية. وبعضهم يجعل كل ما ورد في هذا الباب مما ذكر تمثيلًا أيضًا، ولا مانع من الحمل على الحقيقة وإجراء الكلام على ظاهره، وقد قال كثير من أهل السنة بتجسيم الأعمال في تلك الدار وهو الذي يقتضيه ظاهر الوزن.
{أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ} تذييل مقرر لما قبله وتكملة له، و{سَاء} تحتمل كما قيل هنا ثلاثة أوجه، أحدها: أن تكون المتعدية المتصرفة وزنها فعل بفتح العين، والمعنى ألا ساءهم ما يزرون؛ وما موصولة أو مصدرية أو نكرة موصوفة فاعل لها والكلام خبر، وثانيها: أنها حولت إلى فعل اللازم بضم العين واشربت معنى التعجب، والمعنى ما أسوأ الذي يزرونه أو ما أسوأ وزرهم. وثالثها: أنها حولت أيضًا للمبالغة في الذم فتساوي بئس في المعنى والأحكام.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}
{وَمَا الحياة الدنيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ} لما حقق سبحانه وتعالى فيما سبق أن وراء الحياة الدنيا حياة أخرى يلقون فيها من الخطوب ما يلقون، بيَّن جل شأنه حال تينك الحياتين في أنفسهما، وجعله بعضهم جوابًا لقولهم: {إِنْ هي إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} [الأنعام: 29] وفيه بعد، وكيفما كان فالمراد وما أعمال الحياة الدنيا المختصة بها إلا كاللعب واللهو في عدم النفع والثبات، وبهذا التقدير خرج كما قال غير واحد ما فيها من الأعمال الصالحة كالعبادة وما كان لضرورة المعاش، والكلام من التشبيه البليغ ولو لم يقدر مضاف، وجعلت الدنيا نفسها لعبًا ولهوًا مبالغة كما في قوله:
وإنما هي إقبال وإدبار

صح، واللهو واللعب على ما في درة التنزيل يشتركان في أنهما الاشتغال بما لا يعني العاقل ويهمه من هوى وطرب سواء كان حرامًا أو لا؛ وفرق بينهما بأن اللعب ما قصد به تعجيل المسرة والاسترواح به واللهو كل ما شغل من هوى وطرب وإن لم يقصد به ذلك، وإذا أطلق اللهو فهو على ما قيل اجتلاب المسرة بالنساء كما في قوله:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ** كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي

وقال قتادة: اللهو في لغة اليمن المرأة، وقيل: اللعب طلب المسرة والفرح بما لا يحسن أن يطلب به واللهو صرف الهم بما لا يصلح أن يصرف به، وقيل: إن كل شغل أقبل عليه لزم الإعراض عن كل ما سواه لأن من لا يشغله شأن عن شأن هو الله تعالى فإذا أقبل على الباطل لزم الإعراض عن الحق فالإقبال على الباطل لعب والإعراض عن الحق لهو، وقيل: العاقل المشتغل بشيء لابد له من ترجيحه وتقديمه على غيره فإن قدمه من غير ترك للآخر فلعب وإن تركه ونسيه به فهو لهو، وقد بين صاحب الدرة بعد أن سرد هذه الأقوال سر تقديم اللعب على اللهو حيث جمعا كما هنا وتأخيره عنه كما في العنكبوت بأنه لما كان هذا الكلام مسوقًا للرد على الكفرة فيما يزعمونه من إنكار الآخرة والحصر السابق وليس في اعتقادهم لجهلهم إلا ما عجل من المسرة بزخرف الدنيا الفانية قدم اللعب الدال على ذلك وتمم باللهو أو لما طلبوا الفرح بها وكان مطمح نظرهم وصرف الهم لازم وتابع له قدم ما قدم أو لما أقبلوا على الباطل في أكثر أقوالهم وأفعالهم قدم ما يدل على ذلك أو لما كان التقديم مقدمًا على الترك والنسيان قدم اللعب على اللهو رعاية للترتيب الخارجي، وأما في العنكبوت فالمقام لذكر قصر مدة الحياة الدنيا بالقياس إلى الآخرة وتحقيرها بالنسبة إليها ولذا ذكر اسم الإشارة المشعر بالتحقير وعقب ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {ءانٍ الدار الاخرة لَهِىَ الحيوان} [العنكبوت: 46] والاشتغال باللهو مما يقصر به الزمان وهو أدخل من اللعب فيه، وأيام السرور فصار كما قال:
وليلة إحدى الليالي الزهر ** لم تك غير شفق وفجر

وينزل على هذا الوجوه في الفرق، وتفصيله في الدرة قاله مولانا شهاب الدين فليفهم.
{وَلَلدَّارُ الاخرة} التي هي محل الحياة الأخرى {خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الكفر والمعاصي لخلوص منافعها عن المضار والآلام وسلامة لذاتها عن الانصرام {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} ذلك حتى تتقوا ما أنتم عليه من الكفر والعصيان، والفاء للعطف على محذوف أي أتغفلون أو ألا تتفكرون فلا تعقلون، وكان الظاهر أن يقال كما قال الطيبي وما الدار الآخرة إلا جد وحق لمكان {وَمَا الحياة الدنيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ} إلا أنه وضع {خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} موضع ذلك إقامة للمسبب مقام السبب، وقال في الكشف: إن في ذلك دليلًا على أن ما عدا أعمال المتقين لعب ولهو لأنه لما جعل الدار الآخرة في مقابلة الحياة الدنيا وحكم على الأعمال المقابل بأنها لعب ولهو علم تقابل العملين حسب تقابل ما أضيفا إليه أعني الدنيا والآخرة فإذا خص الخيرية بالمتقين لزم منه أن ما عدا أعمالهم ليس من أعمال الآخرة في شيء فهو لعب ولهو لا يعقب منفعة. وقرأ ابن عامر {وَلَدَارُ الاخرة} بالإضافة وهي من إضافة الصفة إلى الموصوف وقد جوزها الكوفيون، ومن لم يجوز ذلك تأوله بتقدير ولدار النشأة الآخرة أو إجراء الصفة مجرى الاسم، وقرأ ابن كثير وغيره {يَعْقِلُونَ} بالياء والضمير للكفار القائلين {إِنْ هي إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} [الأنعام: 29]، وقيل: للمتقين والاستفهام للتنبيه والحث على التأمل.