فصل: تفسير الآية رقم (129):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (129):

{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بما كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}
{وكذلك} أي مثل ما سبق من تمكين الجن من إغواء الإنس وإضلالهم أو مثل ما سبق {نُوَلّى بَعْضَ الظالمين} من الإنس {بَعْضًا} آخر منهم أي نجعلهم بحيث يتولونهم ويتصرفون فيهم في الدنيا بالإغواء والإضلال وغير ذلك، واستدل به على أن الرعية إذا كانوا ظالمين فالله تعالى يسلط عليهم ظالما مثلهم، وفي الحديث: «كما تكونوا يولى عليكم» أو المعنى نجعل بعضهم قرناء بعض في العذاب كما كانوا كذلك في الدنيا عند اقتراف ما يؤدي إليه من القبائح كما قيل، وروي مثله عن قتادة {ا كَانُوا يَكْسبُونَ أي بسبب ما كانوا مستمرين على كسبه من الكفر والمعاصي.

.تفسير الآية رقم (130):

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)}
{وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس} شروع في حكاية ما سيكون من توبيخ المعشرين وتقريعهم بتفريطهم فيما يتعلق بخاصة أنفسهم {أَلَمْ يَأْتِكُمْ} في الدنيا {رُسُلُ} من عند الله عز وجل كائنة {مّنكُمْ} أي من جملتكم لكن لا على أن يأتي كل رسول كل واحدة من الأمم ولا على أن أولئك الرسل عليهم السلام من جنس الفريقين معًا بل على أن يأتي كل أمة رسول خاص بها وعلى أن تكون من الإنس خاصة إذ المشهور أنه ليس من الجن رسل وأنبياء، ونظيره في هذا قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} [الرحمن؛ 22] فإنهما إنما يخرجان من الملح فقط كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى. والفراء قدر هنا مضافًا لذلك أي من أحدكم، وقال غير واحد: المراد بالرسل ما يعم رسل الرسل، وقد ثبت أن الجن استمعوا القرآن وأنذروا به قومهم فقد قال سبحانه: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مّنَ الجن يَسْتَمِعُونَ القرءان} إلى قوله عز وجل: {وَلَّوْاْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف: 29]. وعن الضحاك وغيره أن الله تعالى أرسل للجن رسلًا منهم وصرح بعضهم أن رسولًا منهم يسمى يوسف، وظاهر الآية يقتضي إرسال الرسل إلى كل من المعشرين من جنسهم وادعى بعض قيام الإجماع على أنه لم يرسل إلى الجن رسول منهم وإنما أرسل إليهم من الإنس وهل كان ذلك قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام أم لا؟ الذي نص عليه الكلبي الثاني قال: كان الرسل يرسلون إلى الإنس حتى بعد محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإنس والجن {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءاياتى} التي أوحيتها إليهم، والجملة صفة أخرى لرسل محققة لما هو المراد من إرسالهم من التبليغ والإنذار وقد حصل ذلك بالنسبة إلى الثقلين {وَيُنذِرُونَكُمْ} أي يخوفونكم بما في تضاعيفها من القوارع {لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا} أي يوم الحشر الذي قد عاينوا فيه ما عاينوا.
{قَالُواْ} استئناف بياني، والمقصود منه حكاية قولهم: كيف يقولون وكيف يعترفون {شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا} أي بإتيان الرسل وقصهم وإنذارهم وقابلتهم إياهم بالكفر والتكذيب، وقوله سبحانه: {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} مع ما عطف عليه اعتراض لبيان ما أداهم في الدنيا إلى ارتكاب القبائح التي ارتكبوها وألجاهم في الآخرة إلى الاعتراف بالكفر واستيجاب العذاب وذم لهم بذلك وتسفيه لرأيهم فلا تكرار في الشهادتين أي واغتروا في الدنيا بالحياة الدنيئة واللذات الخسيسة الفانية وأعرضوا عن النعيم المقيم الذي بشرت به الرسل عليهم السلام واجترأوا على ارتكاب ما يجرهم إلى العذاب المؤبد الذي أنذروهم إياه {وَشَهِدُواْ} في الآخرة {عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ} في الدنيا {كَافرينَ} بالآيات والنذر واضطروا إلى الاستسلام لأشد العذاب، وفي ذلك من تحسرهم وتحذير السامعين عن مثل صنيعهم ما لا مزيد عليه.

.تفسير الآية رقم (131):

{ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}
{ذلك} إشارة إلى إتيان الرسل أو السؤال المفهوم من {أَلَمْ يَأْتِكُمْ} [الأنعام: 130] أو ما قص من أمرهم أعني شهادتهم على أنفسهم بالكفر واستيجاب العذاب، وهو إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ مقدر أي الأمر ذلك أو مبتدأ خبره مقدر أو خبره قوله سبحانه: {أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ القرى} بحذف اللام على أنَّ أن مصدرية أو مخففة من أن وضمير الشأن الذي هو اسمها، وإما منصوب على أنه مفعول به لفعل مقدر كخذ وفعلنا ونحو ذلك، وجوز أن يكون {إِن لَّمْ} إلخ بدلا من اسم الإشارة، وقوله تعالى: {بِظُلْمٍ} متعلق إما هلك أي بسبب ظلم أو حذوف وقع حالا من القرى أي متلبسة بظلم أو حالا من {رَبَّكَ} أو من ضمير في {مُهْلِكَ}، والمراد مهلك أهل القرى إلا أنه تجوز في النسبة أو حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ولا يأباه قوله تعالى: {وَأَهْلُهَا غافلون} لأن أصله وهم غافلون فلما حذف المضاف أقيم الظاهر مقام ضميره.
واعترض شيخ الإسلام على جعل {بِظُلْمٍ} حالًا من {رَبَّكَ} أو من ضميره بأنه يأباه أن غفلة أهلها مأخوذة في معنى الظلم وحقيقته لا محالة فلا يحسن تقييده بالجملة بعد، وأورد عليه أنه قد يتصور الظلم مع عدم الغفلة بأن يكون حال التيقظ ومقارنة الإنقياد، وإن كان المراد هاهنا هو الإهلاك حال الغفلة ففائدة التقييد تعيين المراد ولا يخفى حسنه ولا يخفى ما فيه، واختار قدس سره من احتمالات المشار إليه وأوجه إعراب اسم الإشارة الثالث من كل قال: والمعنى ذلك ثابت لانتفاء كون ربك أو لأن الشأن لم يكن ربك مهلك القرى بسبب أي ظلم فعلوه من أفراد الظلم قبل أن ينهوا عنه وينبهوا على بطلانه برسول وكتاب وإن قضى به بداهة العقول وينذروا عاقبة جناياتهم أي لولا انتفاء كونه تعالى معذبًا لهم قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب لما أمكن التوبيخ بما ذكر ولما شهدوا على أنفسهم بالكفر واستيجاب العذاب ولا اعتذروا بعدم إتيان الرسل إليهم كما في قوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءاياتك مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى} [طه: 134] وإنما علل ما ذكر بانتفاء التعذيب الدنيوي الذي هو إهلاك القرى قبل الإنذار مع أن التقريب في تعليله بانتفاء مطلق التعذيب من غير بعث الرسل أتم على ما نطق به قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسرارء: 15] على ما اختاره أهل السنة في معناه لبيان كمال نزاهته سبحانه على كلا التعذيبين من غير إنذار على أبلغ وجه وآكده.
ولا يخفى أن لما اختاره وجهًا وجيهًا خلا أن قوله فيما بعد إن جعل ذلك إشارة إلى ارسال الرسل عليهم السلام وإنذارهم وخبر المبتدأ محذوف كما أطبق عليه الجمهور عزل عن مقتضى المقام ممنوع وعلى سائر الاحتمالات الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم بطريق تلوين الخطاب، والظاهر أن انتفاء الإهلاك قبل الإنذار لا يختص بالإنس بل الجن أيضًا لا يهلكون قبل إنذارهم وإن لم يشع إطلاق أهل القرى عليهم، وهذا مبني على محض فضل الله تعالى عندنا، والمعتزلة يقولون: يجب على الله تعالى أن لا يعذب قبل الإنذار وقيام الحجة وبنوه على قاعدة الحسن والقبح العقليين، وأئمتنا يثبتون ذلك لكنهم لا يجعلونه مناط الحكم كما زعم المعتزلة.

.تفسير الآية رقم (132):

{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)}
{وَلِكُلّ} من المكلفين جنًا كانوا أو إنسًا {درجات} أي مراتب فيتناول الدركات حقيقة أو تغليبًا {مّمَّا عَمِلُواْ} أي من أعمالهم صالحة كانت أو سيئة أو من أجل أعمالهم أو من جزائها، فمن إما ابتدائية أو تعليلية أو بيانية بتقدير مضاف {وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا يَعْمَلُونَ} فلا يخفى عليه سبحانه عمل عامل أو قدر ما يستحق به من ثواب أو عقاب. وقرأ ابن عامر {تَعْمَلُونَ} بالتاء على تغليب الخطاب على الغيبة ولو أريد شمول {يَعْمَلُونَ} بالتحتية للمخاطب بأن يراد جميع الخلق فلا مانع من اعتبار تغليب الغائب على المخاطب سوى أن ذلك لم يعهد مثله في كلامهم.

.تفسير الآية رقم (133):

{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133)}
{وَرَبُّكَ الغنى} أي لا غنى عن كل شيء كائنًا ما كان إلا هو سبحانه فلا احتياج له عز شأنه إلى العباد ولا إلى عبادتهم، ولا يخفى ما في التعرض لعنوان الربوبية مع الإظهار في مقام الإضمار والإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام من اللطف الجزيل، والكلام مبتدأ وخبر. وقوله سبحانه: {ذُو الرحمة} خبر آخر، وجوز أن يكون هو الخبر و{الغنى} صفة أي الموصوف بالرحمة العامة فيترحم على العباد بالتكليف تكميلًا لهم ويمهلهم على المعاصي إلى ما شاء، وفي ذلك تنبيه على أن ما تقدم ذكره من الإرسال ليس لنفعه بل لترحمه على العباد وتوطئة لقوله سبحانه: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} أي ما به حاجة إليكم أصلًا إن يشأ يذهبكم أيها العصاة أو أيها الناس بالإهلاك، وفي تلوين الخطاب من تشديد الوعيد ما لا يخفى {وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم} أي وينشئ من بعد إذهابكم {مَا يَشَاء} من الخلق، وإيثار ما على من لإظهار كمال الكبرياء وإسقاطهم عن رتبة العقلاء {كَمَا أَنشَأَكُمْ مّن ذُرّيَّةِ قَوْمٍ ءاخَرِينَ} أي من نسل قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم وهم أهل سفينة نوح عليه السلام لكنه سبحانه أبقاكم ترحمًا عليكم، وما في {كَمَا} مصدرية ومحل الكاف النصب على المصدرية أو الوصفية لمصدر الفعل السابق أي وينشئ إنشاء كإنشائكم أو يستخلف استخلافًا كائنًا كإنشائكم، و{مِنْ} لابتداء الغاية، وقيل: هي عنى البدل والشرطية استئناف مقرر لمضمون ما قبلها من الغنى والرحمة.

.تفسير الآية رقم (134):

{إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ عْجِزِينَ (134)}
{إِنَّ مَا تُوعَدُونَ} أي إن الذي توعدونه من القيامة والحساب والعقاب والثواب وتفاوت الدرجات والدركات، وصيغة الاستقبال للدلالة على الإستمرار التجددي، و{مَا} اسم أن ولا يجوز أن تكون الكافة لأن قوله سبحانه: {لأَتٍ} يمنع من ذلك كما قال أبو البقاء، وهو خبر أن، والمراد: إن ذلك لواقع لا محالة، وإيثار آت على واقع لبيان كمال سرعة وقوعه بتصويره بصورة طالب حثيث لا يفوته هارب حسا يعرب عنه قوله تعالى: {وَمَا أَنتُم عْجِزِينَ} أي جاعلي من طلبكم عاجزًا عنكم غير قادر على إدراككم. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المعنى وما أنتم بسابقين، وإيثار صيغة الفاعل على المستقبل للإيذان بقرب الإتيان والدوام الذي يفيده العدول عن الفعلية إلى الإسمية متوجه إلى النفي فالمراد دوام انتفاء الإعجاز لا بيان دوام انتفائه، وله نظائر في الكتاب الكريم.

.تفسير الآية رقم (135):

{قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)}
{قُلْ ياأهل قَوْمٌ} أمر له صلى الله عليه وسلم أن يواجه الكفار بتشديد التهديد وتكرير الوعيد ويظهر لهم ما هو عليه من غاية التصلب في الدين ونهاية الوثوق بأمره وعدم المبالاة بهم أصلًا إثر ما بين لهم حالهم ومآلهم أي قل يا محمد لهؤلاء الكفار. {اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} أي على غاية تمكنكم واستطاعتكم على أن المكانة مصدر مكن إذا تمكن أبلغ التمكن؛ وجوز أن يكون ظرفًا عنى المكان كالمقام والمقامة، ومن هنا فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما رواه ابن المنذر عنه بالناحية وتجوز به عن ذلك من فسره بالحالة أي اعملوا على حالتكم التي أنتم عليها. وقرأ أبو بكر عن عاصم {مكاناتكم} على الجمع في كل القرآن، وزعم الواحدي أن الوجه الإفراد وفيه نظر، والمعنى أثبتوا على كفركم ومعاداتكم لي {مَكَانَتِكُمْ إِنّى عامل} على مكانتي أي ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم. والأمر للتهديد. وإيراده بصيغة الأمر كما قال غير واحد مبالغة في الوعيد كأن المهدد يريد تعذيبه مجمعًا عازمًا عليه فيحمله بالأمر على ما يؤدي إليه وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلا الشر كالمأمور به الذي لا يقدر أن يتفصى عنه. وجعل العلامة الثاني ذلك من قبيل الاستعارة التمثيلية تشبيهًا لذلك المعنى بالمعنى المأمور به الواجب الذي لابد أن يكون ممن ضربت عليه الشقوة.
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عاقبة الدار} أي إنكم لتعلمون ذلك لا محالة فسوف لتأكيد مضمون الجملة. والعلم عرفاني فيتعدى إلى واحد، ومن استفهامية معلقة لفعل العلم محلها الرفع على الابتداء. والجملة بعدها خبرها ومجموعهما ساد مسد مفعول العلم. والمراد بالدار الدنيا لا دار السلام كما قيل، وبالعاقبة العاقبة الحسنى أي عاقبة الخير لأنها الأصل فإنه تعالى جعل الدنيا مزرعة الآخرة وقنطرة المجاز إليها وأراد من عباده أعمال الخير لينالوا حسن الخاتمة. وأما عاقبة الشر فلا اعتداد بها لأنها من نتائج تحريف الفجار أي فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها ويجوز أن تكون ما موصولة فمحلها النصب على أنها مفعول {تَعْلَمُونَ} أي فسوف تعلمون الذي له عاقبة الدار، وفيه مع الإنذار المستفاد من التهديد إنصاف في المقال وتنبيه على كمال وثوق المنذر بأمره. وقرأ حمزة والكسائي {يَكُونَ} بالتحتية لأن تأنيث العاقبة غير حقيقي.
{أَنَّهُ} أي الشأن {لاَ يُفْلِحُ الظالمون} أي لا يظفروا طلوبهم، وإنما وضع الظلم موضع الكفر لأنه أعم منه وهو أكثر فائدة لأنه إذا لم يفلح الظالم فكيف الكافر المتصف بأعظم أفراد الظلم.