فصل: تفسير الآية رقم (73):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (73):

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)}
{وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا} عطف على ما سبق من قوله تعالى: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ} [الأعراف: 65] موافق له في تقديم المجرور على المنصوب، وثمود قبيلة من العرب كانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وسميت باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، وقيل: ابن عاد بن عوص بن إرم إلخ وهو المنقول عن الثعلبي. وقال عمرو بن العلاء: إنما سموا بذلك لقلة مائهم فهو من ثمد الماء إذا قل، والثمد الماء القليل وورد فيه الصرف وعدمه، أما الأول: فباعتبار الحي أو لأنه لما كان في الأصل اسمًا للجد أو للقليل من الماء كان مصروفًا لأنه علم مذكر أو اسم جنس فبعد النقل حكى أصله، وأما الثاني: فباعتبار أنه اسم القبيلة ففيه العلمية والتأنيث. وصالح عليه السلام من ثمود فالأخوة نسبية، وهو على ما قال محيي السنة البغوي ابن عبيد بن آسف بن ماشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود وهو أخو طسم وجديس فيما قيل، وقال وهب: هو ابن عبيد بن جابر بن ثمود بن جابر بن سام بن نوح بعث إلى قومه حين راهق الحلم وكان رجلًا أحمر إلى البياض سبط الشعر فلبث فيهم أربعين عامًا. وقال الشامي: إنه بعث شابًا فدعا قومه حتى شمط وكبر، ونقل النووي أنه أقام فيهم عشرين سنة ومات كة وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
{قَالَ يَاءادَمُ قَوْمٌ اعبدوا الله مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} قد مر الكلام في نظائره {قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ} أي آية ومعجزة ظاهرة الدلالة شاهدة بنبوتي وهي من الألفاظ الجارية مجرى الأبطح والأبرق في الاستغناء عن ذكر موصوفاتها حالة الإفراد والجمع، والتنوين للتفخيم أي بينة عظيمة {مّن رَّبّكُمْ} متعلق حذوف وقع صفة لبينة على ما مر غير مرة أو بجاءتكم، و{مِنْ} لابتداء الغاية مجازًا أو للتبعيض إن قدر من بينات ربكم، والمراد بهذه البينة الناقة وليس هذا الكلام منه عليه السلام أول ما خاطبهم به إثر الدعوة إلى التوحيد بل إنما قاله بعدما نصحهم وذكرهم بنعم الله تعالى فلم يقبلوا كلامه وكذبوه كما ينبئ عن ذلك ما في سورة هود (16).
وقوله تعالى: {هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ ءايَةً} استئناف نحوي مسوق لبيان البينة والمعجزة. وجوز أن يكون استئنافًا بيانيًا جوابًا لسؤال مقدر تقديره أين هي؟ وعلى التقديرين لا محل للجملة من الإعراب. وجوز أن يكون بدلًا من {بَيّنَةً} بدل جملة من مفرد للتفسير ولا يخفى بعده، وإضافة الناقة إلى الاسم الجليل لتعظيمها كما يقال: بيت الله للمسجد بيد أن الإضافة فيه لأدنى ملابسة ولا كذلك ما نحن فيه أو لأنها ليست بواسطة نتاج معتاد وأسباب معهودة كما سيتضح إن شاء الله تعالى لك ولذلك كانت آية وأي آية.
وقيل: لأنها لم يملكها أحد سواه سبحانه. وقيل: لأنها كانت حجة الله على قوم صالح. وانتصاب {ءايَةً} على الحالية من {نَاقَةُ} والعامل فيها معنى الإارة وسماه النحاة العامل المعنوي و{لَكُمْ} بيان لمن هي آية له كما في سقيا لك فيتعلق قدر. وجوز أن يكون {نَاقَةُ} بدل من {هذه} أو عطف بيان له أو مبتدأ ثانيًا و{لَكُمْ} خبرًا فآية حينئذٍ حال من الضمير المستتر فيه والعامل هو أو متعلقه.
{فَذَرُوهَا} تفريع على كونها آية من آيات الله تعالى. وقيل: على كونها ناقة له سبحانه فإن ذلك مما يوجب عدم التعرض لها أي فاتركوها {تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله} العشب وحذف للعلم به. والفعل مجزوم لأنه جواب الأمر. وقرأ أبو جعفر في رواية عنه {تَأْكُلُ} بالرفع فالجملة حالية أي آكلة. والجار والمجرور متعلق بما عنده أو بالأمر السابق فهما متنازعان. وأضيفت الأرض إلى الله سبحانه قطعًا لعذرهم في التعرض كأنه قيل: الأرض أرض الله تعالى والناقة ناقة الله تعالى فذروا ناقة الله تأكل في أرضه فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم فأي عذر لكم في منعها. وعدم التعرض للشرب للاكتفاء عنه بذكر الأكل. وقيل: لتعميمه له أيضًا كما في قوله:
علفتها تبنًا وماءً باردًا

وقد ذكر ذلك بقوله سبحانه: {لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الشعراء: 155].
{وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء} نهى عن المس الذي هو مقدمة الإصابة بالشر الشامل لأنواع الأذى مبالغة في الزجر فهو كقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم} [الأنعام: 152، والإسراء: 34]. والجار والمجرور متعلق بالفعل. والتنكير للتعميم أي لا تتعرضوا لها بشيء مما يسوؤها أصلًا كالطرد والعقر وغير ذلك. وقيل: الجار والمجرور متعلق حذوف وقع حالًا من فاعل الفعل. والمعنى لا تمسوها مع قصد السوء بها فضلًا عن الإصابة فهو كقوله تعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى} [النساء: 43]. {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} منصوب في جواب النهي. والمعنى لا تجمعوا بين المس وأخذ العذاب إياكم. والأخير وإن لم يكن من صنيعهم حقيقة لكن لتعاطيهم أسبابه كأنه من صنيعهم.

.تفسير الآية رقم (74):

{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)}
{واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ} أي خلفاء في الأرض أو خلفاء لهم قيل: ولم يقل: خلفاء عاد مع أنه أخصر إشارة إلى أن بينهما زمانًا طويلًا {وَبَوَّأَكُمْ} أي أنزلكم وجعل لكم مباءة {فِى الأرض} أي أرض الحجر بين الحجاز والشام {تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا} أي تبنون في سهولها مساكن رفيعة. فمن عنى في كما في قوله تعالى: {ياأيها الذين ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ للصلاة} [الجمعة: 9] ويجوز أن تكون ابتدائية أو تبعيضية أي تعملون القصور من مادة مأخوذة من السهل كاللبن والآجر المتخذين من الطين. والجار والمجرور على ما قال أبو البقاء يجوز أن يتعلق حذوف وقع حالًا مما بعده. وأن يكون مفعولًا ثانيًا لتتخذون. وأن يكون متعلقًا به وهو متعد لواحد. والسهل خلاف الحزن وهو موضع الحجارة والجبال. والجملة استئناف مبين لكيفية التبوئة فإن هذا الاتخاذ بأقداره سبحانه.
{وَتَنْحِتُونَ الجبال} أي تنجرونها، والنحت معروف في كل صلب ومضارعه مكسور الحاء. وقرأ الحسن بالفتح لحرف الحلق، وفي القاموس عنه أنه قرأ {تنحاتون} بالإشباع كينباع، وانتصاب {مِنْهُ الجبال} على المفعولية، وقوله سبحانه: {بُيُوتًا} نصب على أنه حال مقدرة منها لأنها لم تكن حال النحت بيوتًا كخطت الثوب جبة، والحالية كما قال الشهاب باعتبار أنها عنى مسكونة إن قيل بالاشتقاق فيها، وقيل: انتصاب {الجبال} بنزع الخافض أي من الجبال، ويرجحه أنه وقع في آية أخرى كذلك، ونصب {بُيُوتًا} على المفعولية، وجوز أن يضمن النحت معنى الاتخاذ فانتصابهما على المفعولية. روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم اتخذوا القصور في السهول ليصيفوا فيها ونحتوا من الجبال بيوتًا ليشتوا فيها، وقيل: إنهم نحتوا الجبال بيوتًا لطول أعمارهم وكانت الأبنية تبلى قبل أن تبلى أعمارهم.
{فاذكروا ءالآء الله} أي نعمه التي أنعم بها عليكم مما ذكر أو جميع نعمه ويدخل فيها ما ذكر دخولًا أوليًا، وليس المراد مجرد الذكر باللسان كما علمت. {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ} فإن حق آلائه تعالى أن تشكر ولا يغفل عنها فكيف بالكفر، والعثي الإفساد فمفسدين حال مؤكدة كما في {وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ} [الروم: 25].

.تفسير الآية رقم (75):

{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)}
{قَالَ الملا الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ} أي الأشراف الذين عتوا وتكبروا، والجملة استئناف كما مر غير مرة. وقرأ ابن عامر {وَقَالَ} بالواو عطفًا على ما قبله من قوله تعالى: {قَالَ يَاءادَمُ قَوْمٌ} [الأعراف: 73] إلخ، واللام في قوله سبحانه: {لِلَّذِينَ استضعفوا} أي عدوا ضعفاء أذلاء للتبليغ كما في {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ} [القلم: 28]، وقوله تعالى: {لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ} بدل من الموصول بإعادة العامل بدل الكل من الكل كقولك مررت بزيد بأخيك، والضمير المجرور راجع إلى قومه. وجوز أن يكون بدل بعض من كل على أن الضمير للذين استضعفوا فيكون المستضعفون قسمين مؤمنين وكافرين، ولا يخفى بعده، والاستفهام في قوله جل شأنه {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالحا مُّرْسَلٌ مّن رَّبّهِ} للاستهزاء لأنهم يعلمون أنهم عالمون بذلك ولذلك لم يجيبوهم على مقتضى الظاهر كما حكى سبحانه عنهم بقوله: {قَالُواْ إِنَّا بما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} فإن الجواب الموافق لسؤالهم نعم أو نعلم أنه مرسل منه تعالى. ومن هنا قال غير واحد: إنه من الأسلوب الحكيم فكأنهم قالوا: العلم بإرساله وا أرسل به ما لا كلام فيه ولا شبهة تدخله لوضوحه وإنارته وإنما الكلام في وجوب الإيمان به فنخبركم أنا به مؤمنون. واختار في الانتصاف أن ذلك ليس إخبارًا عن وجوب الإيمان به بل عن امتثال الواجب فإنه أبلغ من ذلك فكأنهم قالوا: العلم بإرساله وبوجوب الإيمان به لا نسأل عنه وإنما الشأن في امتثال الواجب والعمل به ونحن قد امتثلنا.

.تفسير الآية رقم (76):

{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)}
{قَالَ الذين استكبروا} استئناف كما تقدم، وأعيد الموصول مع صلته مع كفاية الضمير إيذانًا بأنهم قالوا ما قالوه بطريق العتو والاستكبار {إِنَّا بالذى ءامَنتُمْ بِهِ كافرون} عدول عن مقتضى الظاهر أيضًا وهو أنا بما أرسل به كافرون، وفائدته كما قالوا الرد لما جعله المؤمنون معلومًا وأخذوه مسلمًا كأنهم قالوا: ليس ما جعلتموه معلومًا مسلمًا من ذلك القبيل، وقال في الانتصاف عدلوا عن ذلك حذرًا مما في ظاهره من إثباتهم لرسالته وهم يجحدونها، وليس هذا موضع التهكم ليكون كقول فرعون {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27] فإن الغرض إخبار كل واحد من المؤمنين والمكذبين عن حاله فلذا خلص الكافرون قولهم عن إشعار الإيمان بالرسالة احتياطًا للكفر وغلوًا في الإصرار.

.تفسير الآية رقم (77):

{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بما تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)}
{فَعَقَرُواْ الناقة} أي نحروها. قال الأزهري: «أصل العقر عند العرب قطع عرقوب البعير ثم استعمل في النحر لأن ناحر البعير يعقره ثم ينحره»؛ وإسناده إلى الكل مع أن المباشر البعض مجاز لملابسة الكل لذلك الفعل لكونه بين أظهرهم وهم متفقون على الضلال والكفر أو لرضا الكل به أو لأمرهم كلهم به كما ينبئ عنه قوله تعالى: {فَنَادَوْاْ صاحبهم فتعاطى فَعَقَرَ} [القمر: 29]، وقيل: إن العقر مجاز لغوي عن الرضا بالنسبة إلى غير فاعله وليس بشيء. {وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} أي استكبروا عن امتثاله وهو ما بلغهم صالح عليه السلام من الأمر السابق فالأمر واحد الأوامر، وجوز أن يكون واحد الأمور أي استكبروا عن شأن الله تعالى ودينه وهو بعيد. وأوجب بعضهم على الأول أن يضمن {عَتَوْاْ} معنى التولي أي تولوا عن امتثال أمره عاتين أو معنى الإصدار أي صدر عتوهم عن أمر ربهم وبسببه لأنه تعالى لما أمرهم بقوله: {فَذَرُوهَا} [الأعراف: 73] إلخ ابتلاهم فما امتثلوا فصاروا عاتين بسببه ولولا الأمر ما ترتب العقر والداعي للتأويل بتولوا أو صدر أن عتا لا يتعدى بعن فتعديته به لذلك كما في قوله تعالى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى} [الكهف: 82] وبعضهم لا يقول بالتضمين بناءً على أن عتا عنى استكبر كما في القاموس وهو يتعدى بعن فافهم.
{وَقَالُواْ} مخاطبين له عليه السلام بطريق التعجيز والإفحام على زعمهم الفاسد {وَقَالُواْ ياصاح ائتنا بما تَعِدُنَا} من العذاب وأطلق للعلم به {إِن كُنتَ مِنَ المرسلين} فإن كونك منهم يقتضي صدق ما تقول من الوعد والوعيد.

.تفسير الآية رقم (78):

{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)}
{فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} قال الفراء والزجاج: أي الزلزلة الشديدة. وقال مجاهد والسدي: هي الصيحة، وجمع بين القولين بأنه يحتمل أنه أخذتهم الزلزلة من تحتهم والصيحة من فوقهم، وقال بعضهم: الرجفة خفقان القلب واضطرابه حتى ينقطع، وجاء في موضع آخر {الصيحة} [هود: 76] وفي آخر {بالطاغية} [الحاقة: 5] ولا منافاة بين ذلك كما زعم بعض الملاحدة فإن الصيحة العظيمة الخارقة للعادة حصل منها الرجفة لقلوبهم ولعظمها وخروجها عن الحد المعتاد تسمى الطاغية لأن الطغيان مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الماء حملناكم} [الحاقة: 11] أو يقال: إن الإهلاك بذلك بسبب طغيانهم وهو معنى {بالطاغية} وهذا الأخذ ليس أثر ما قالوا ما قالوا بل بعد ما جرى عليهم ما جرى من مبادئ العذاب في الأيام الثلاث كما ستعلمه إن شاء الله تعالى والفاء لا تأبى ذلك.
{فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين} هامدين موتى لا حراك بهم، وأصل الجثوم البروك على الركب. وقال أبو عبيدة: الجثوم للناس والطير نزلة البروك للإبل فجثوم الطير هو وقوعه لاطئًا بالأرض في حال سكونه بالليل، وأصبح يحتمل أن تكون تامة فجاثمين حال وأن تكون ناقصة فجاثمين خبر، والظرف على التقديرين متعلق به. وقيل: هو خبر و{جاثمين} حال وليس بشيء لإفضائه إلى كونه الإخبار بكونهم في دارهم مقصودًا بالذات، والمراد من الدار البلد كما في قولك دار الحرب ودار الإسلام وقد جمع في آية أخرى فقال: {في ديارهم} [هود: 76] بإرادة منزل كل واحد الخاص به، وذكر النيسابوري أنه حيث ذكرت الرجفة وحدت الدار وحيث ذكرت الصيحة جمعت لأن الصيحة كانت من السماء كما في غالب الروايات لا من الأرض كما قيل فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة فقرن كل منهما بما هو أليق به فتدبر.