فصل: تفسير الآية رقم (103):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (103):

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)}
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم موسى} أي أرسلناه عليه السلام بعد الرسل أو بعد الأمم والأول متقدم في قوله سبحانه: {وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} [الأعراف: 101] والثاني مدلول عليه بـِ {تلك القرى} [الأعراف: 101] والاحتمال الأول أولى، والتصريح بالبعدية مع ثم الدالة عليها قيل للتنصيص على أنها للتراخي الزماني فإنها كثيرًا ما تسعمل في غيره، وقيل: للإيذان بأن بعثه عليه السلام جرى على سنن السنة الإلهية من ارسال الرسل تترى، و{مِنْ} لابتداء الغاية، وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر مرارًا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، وقوله سبحانه: {بئاياتنا} متعلق حذوف وقع حالا من مفعول بعثنا أو صفة لمصدره أي بعثناه عليه السلام ملتبسًا بها أو بعثناه بعثًا ملتبسًا بها وأريد بها الآيات التسع المفصلة {إلى فِرْعَوْنَ} هو علم شخص ثم صار لقبا لكل من ملك مصر من العمالقة، كما أن كسرى لقب من ملك فارس، وقيصر لقب من ملك الروم، والنجاشي لقب من ملك الحبشة، وتبع لقب من ملك اليمن، وقيل: إنه من أول الأمر لقب لمن ذكر، واسمه الوليد بن مصعب بن الريان، وقيل: قابوس وكنيته أبو العباس، وقيل: أبو مرة، وقيل: أبو الوليد، وعن جماعة أن قابوسا والوليد اسمان لشخصين أحدهما فرعون موسى والآخر فرعون يوسف عليهما السلام، وعن النقاش. وتاج القراء أن فرعون موسى هو والد الخضر عليه السلام، وقيل: ابنه وذلك من الغرابة كان، ويلقب به كل عات ويقال فيه فرعون كزنبور، وحكى ابن خالويه عن الفراء ضم فائه وفتح عينه وهي لغة نادرة، ويقال فيه: فريع كزبير وعليه قول أمية بن الصلت:
حي داود بن عاد وموسى ** وفريع بنيانه بالثقال

وقيل: هو فيه ضرورة شعر ومنع من الصرف لأنه أعجمي، وحكى أبو الخطاب بن دحية في مروج البحرين عن أبي النصر القشيري في التيسير أنه بلغة القبط اسم للتمساح، والقول بأنه لم ينصرف لأنه لا سميّ له كابليس عند من أخذخ من أبلس ليس بشيء، وقيل: هو وأضرًا به السابقة أعلام أشخاص وليست من علم الجنس لجمعها على فراعنة وقياصرة وأكاسرة، وعلم الجنس لا يجمع فلابد من القول بوضع خاص لكل من تطلق عليه. وتعقب بأنه ليس بشيء لأن الذي غره قول الرضى إن علم الجنس لا يجمع لأنه كالنكرة شامل للقليل والكثير لوضعه للماهية فلا حاجة لجمعه، وقد صرح النحاة بخلافه وممن ذكر جمعه السهيلي في الروض الأنف فكأن مراد الرضى أنه لا يطرد جمعه وما ذكره تعسف نحن في غنى عنه {وَمَلاَئه} أي أشراف قومه وتخصيصهم بالذكر مع عموم بعثته عليه السلام لقومه كافة لاصالتهم في تدبير الأمور واتباع غيرهم لهم في الورود والصدور {وَمَلإِيِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا} أي بالآيات، وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه وهو يتعدى بنفسه لا بالباء إلا أنه لما كان هو والكفر من واد واحد عدى تعديته أو هو عنى الكفر مجازًا أو تضمينًا أو هو مضمن معنى التكذيب أي ظلموا كافرين بها أو مكذبين بها، وقول بعضهم: إن المعنى كفروا بها مكان الإيمان الذي هو من حقها لوضوحها ظاهر في التضمين كأنه قيل كفروا بها واضعين الكفر في غير موضعه حيث كان اللائق بهم الإيمان.
وقيل: الباء للسببية ومفعول ظلموا محذوف أي ظلموا الناس بصدهم عن الإيمان أو أنفسهم كما قال الحسن. والجبائي بسببها، والمراد به الاستمرار على الكفر بها إلى أن لقوا من العذاب ما لقوا.
{فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين} أي آخر أمرهم، ووضع المفسدين موضع ضميرهم للإيذان بأن الظلم مستلزم للافساد، والفاء لأنه كما أن ظلمهم بالآيات مستتبع لتلك العاقبة الهائلة كذلك حكايته مستتبع للأمر بالنظر إليها، والخطاب إما للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى منه النظر، و{كَيْفَ} كما قال أبو البقاء وغيره خبر كان قدم على اسمها لاقتضائه الصدارة، والجملة في حيز النصب باسقاط الخافض كما، قيل: أي فانظر بعين عقلك إلى كيفية ما فعلنا بهم.

.تفسير الآية رقم (104):

{وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104)}
{وَقَالَ مُوسَى} كلام مبتدأ مسوق لتفصيل ما أجمل فيما قبله.
{يا فرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ} أي إليكم كما يشعر به {قَدْ جِئْتُكُمْ} [الأعراف: 105] أو إليك كما يشعر به {فأرسل} [الأعراف: 105] أي إليكم كما يشعر به قد جئتكم أو إليك كما يشعر به فأرسل {مِن رَّبّ العالمين} أي سيدهم ومالك أمرهم.

.تفسير الآية رقم (105):

{حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)}
{حَقِيقٌ عَلَى أَن لا أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الحق} جواب لتكذيبه عليه السلام المدلول عليه بقوله سبحانه: {فَظَلَمُواْ بِهَا} [الأعراف: 103]، وحقيق صفة {رسول} [الأعراف: 104] أو خبر بعد خبر.
وقيل: خبر مبتدأ محذوف أي أنا حقيق وهو عنى جدير و{على} عنى الباء كما قال الفراء أو عنى حريص و{على} على ظاهرها، قال أبو عبيدة: أو عنى واجب، واستشكل بأن قول الحق هو الواجب على موسى عليه السلام لا العكس والكلام ظاهر فيه، وأجيب بأن أصله حقيق على بتشديد الياء كما في قراءة نافع. ومجاهد {أَن لا أَقُولَ} إلخ فقلب لأمن الالتباس كما في قول خراش بن زهير:
كذبتم وبيت الله حتى تعالجوا ** قوادم حرب لا تلين ولا تمرى

وتلحق خيل لا هوادة بينها ** وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر

وضعف بأن القلب سواء كان قلب الألفاظ بالتقديم والتأخير كخرق الثوب المسمار أم قلب المعنى فقط كما هنا إنما يفصح إذا تضمن نكتة كما في البيت، وهي في الإشارة إلى كثرة الطعن حتى شقيت الرماح بهم لتكسرها بسبب ذلك، وقد أفصح عن هذا المتنبي بقوله:
والسيف يشقى كما تشقى الضلوع به ** وللسيوف كما للناس آجال

وبأن بين الواجب ومن يجب عليه ملازمة فعبر عن لزومه للواجب بوجوبه على الواجب كم استفاض العكس، وليس هو من الكناية الإيمائية كقول البحتري:
أو ما رأيت الجود ألقى رحله ** في أل طلحة ثم لم يتحول

وقول ابن هانئ:
فما جازه جود ولا حل دونه ** ولكن يسير الجود حيث يسير

بل هو تجوز فيه مبالغة حسنة، وبأن ذلك من الإغراق في الوصف بالصدق بأن يكون قد جعل قول الحق نزلة رجل يجب عليه شيء ثم جعل نفسه أي قابليته لقول الحق وقيامه به نزلة الواجب على قول الحق فيكون استعارة مكنية وتخييلية، والمعنى أنا واجب على الحق أن يسعى في أن أكون قائله والناطق به فكيف يتصور مني الكذب، واعترضه القطب الرازي وغيره بأنه إنما يتم لو كان هو حقيقًا على قول الحق وليس كذلك بل على قوله الحق، وجعل قوله الحق بحيث يجب عليه أن يسعى في أن يكون قائله لا معنى له.
وأجيب بأن مبني ذلك على أن المصدر المؤول لابد من إضافته إلى ما كان مرفوعًا به وليس سلم فإنه قد يقطع النظر عن ذلك.
وقد صرح بعض النحاة بأن قد يكون نكرة نحو {وَمَا كَانَ هذا القرءان أَن يَفْتَرِى} [يونس: 37] أي افتراء، وههنا قد قطع النظر فيه عن الفاعل إذ المعنى حقيق على قول الحق وهو محصل مجموع الكلام فلا إشكال، وذكر ابن مقسم في توجيه الآية على قراءة الجمهور وادعى أنه الأولى أن {عَلَى أَن لا أَقُولَ} متعلق برسول إن قلنا بجواز إعمال الصفة إذا وصفت وإن لم نقل به وهو المشهور فهو متعلق بفعل يدل عليه أي أرسلت على أن لا أقول إلخ، والأولى عندي كون علي عنى الباء، ويؤيده قراءة أبي بأن لا أقول.
وقرأ عبد الله {أَن لا أَقُولَ} بتقدير الجار وهو على أو الباء، وقد تقدم يقدر على بياء مشددة، وقوله سبحانه: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مّن رَّبّكُمْ} استئناف مقرر لما قبله، ولم يكن هذا وما بعده من جواب فرعون إثر ما ذكر هاهنا بل بعدما جرى بينهما من المحاورات التي قصها الله تعالى في غير ما موضع، وقد طوى ذكرها هنا للإيجاز و{مِنْ} متعلقة إما بجئتكم على أنها لابتداء الغاية مجازًا وإما حذوف وقع صفة لبينة مفيدة لفخامتها الإضافية مؤكدة لخامتها الذاتية المستفادة من التنوين التفخيمي كما مر غير مرة، وإضافة اسم الرب إلى ضمير المخاطبين بعد إضافته فيما قبل إلى العالمين لتأكيد وجوب الايمان بها، وذكر الاسم الجليل الجامع في بيان كونه جديرًا بقول الحق عليه سبحانه تهويلًا لأمر الافتراء عليه تعالى شأنه مع الإشارة إلى التعليل بما ليس وراءه غاية {فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إسراءيل} أي خلهم حتى يذهبوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطن آبائهم، وكان عدو الله تعالى والقبط قد استبعدوهم بعد إنقراض الأسباط يستعملونهم ويكلفونهم الأفاعيل الشاقة كالبناء وحمل الماء فانقدهم الله تعالى وسى عليه السلام، وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف عليه السلام مصر واليوم الذي دخل فيه موسى عليه السلام على ما روى عن وهب أربعمائة سنة، واستعمال الإرسال بما أشير إليه على ما يظهر من كلام الراغب حقيقة، وقيل: إنه استعارة من إرسال الطير من القفص تمثيلية أو تبعية، ولا يخفى أنه ساقط عن وكر القبول، والفاء لترتيب الإرسال أو الأمر به على ما قبله من رسالته عليه السلام ومجيئه بالبينة.

.تفسير الآية رقم (106):

{قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)}
{قَالَ} استئناف بياني كأنه قيل: فما قال فرعون؟ فقيل: قال: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ} من عند من أرسلك كما تدعيه {فَأْتِ بِهَا} أي فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك في دعواك، فالمغايرة بين الشرط والجزاء مما لا غبار عليه، ولعل الأمر غني عن التزام ذلك لحصوله بما لا أظنه يخفي عليك {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في دعواك فإن كونك من جملة لمعروفين بالصدق يقتضي إظهار الآية لا محالة.

.تفسير الآية رقم (107):

{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107)}
{فألقى عَصَاهُ} وكانت كما روى ابن المنذر. وابن أبي حاتم من عوسج. وروى عن علي كرم الله تعالى وجهه أنها كانت من لوز.
وأخرج عبد بن حميد. وأبو الشيخ عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أنها عصا آدم عليه السلام أعطاها لموسى ملك حين توجه إلى مدين فكانت تضيء له بالليل ويضرب بها الأرض بالنهار فيخرج له رزقه ويهش بها على غنمه، والمشهور أنها كانت من آس الجنة وكانت لآدم عليه السلام ثم وصلت إلى شعيب فأعطاه إياها، وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن اسمها مأشا {فَإِذَا هي ثُعْبَانٌ} أي حية ضخمة طويلة. وعن الفراء أن الثعبان هو الذكر العظيم من الحيات. وقال آخرون: إنه الحية مطلقًا.
وفي مجمع البيان أنه مشتق من ثعب الماء إذا انفجر، فكأنه سمي بذلك لأنه يجري كعنق الماء إذا انفجر {مُّبِينٌ} أي ظاهر أمره لا يشك في كونه ثعبانًا؛ فهو إشارة إلى أن الصيرورة حقيقية لا تخييلية، وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على كمال سرعة الانقلاب وثبات وصف الثعبانية فيها كأنها في الأصل كذلك، وروى عن ابن عباس. والسدي أنه عليه السلام لما ألقاها صارت حية صفراء شعراء فاغرة فاهًا بين لحييا ثمانون ذراعًا وارتفعت من الأرض بقدر ميل وقامت على ذنبها واضعة لحيها الأسفل في الأرض ولحيها الأعلى على سور القصر وتوجهت نحو فرعون لتأخذه فوثب عن سريره هاربًا وأحدث، وفي بعض الروايات أنه أحدث في ذلك اليوم أربعمائة مرة، وفي أخرى أنه استمر معه داء البطن حتى غرق، وقيل: إنها أخذت قبة فرعون بين أنيابها وأنها حملت على الناس فانهزموا مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون أ*فًا، فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك أن تأخذها وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل، فأخذها فعادت عصا كما كانت، وعن معمر أنها كانت في العظم كالمدينة، وقيل: كان طولها ثمانين ذراعًا، وعن وهب بن منبه أن بين لحييها اثني عشر ذراعًا، وعلى جميع الروايات لا تعارض بين ماهنا وقوله سبحانه: {كَأَنَّهَا جَانٌّ} [النمل: 10] بناء على أن الجان هي الحية الصغيرة لما قالوا: إن القصة غير واحدة، أو أن المقصود من ذلك تشبيهًا في خفة الحركة بالجان لا بيان جثتها، أو لما قيل: إنها انقلبت جانًا وصارت ثعبانًا فحكيت الحالتان في آيتين، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك. والآية من أقوى أدلة جواز انقلاب الشيء عن حقيقته كالنحاس إلى الذهب، إذ لو كان ذلك تخييلًا لبطل الإعجاز، ولم يكن لذكر مبين معنى مبين، وارتكاب غير الظاهر غير ظاهر، ويدل لذلك أيضًا أنه لا مانع في القدرة من توجه الأمر التكويني إلى ما ذكر وتخصيص الإرادة له، والقول بأن قلب الحقائق محالوالقدرة لا تتعلق به فلا يكون النحاس ذهبًا رصاص مموه، والحق جواز الانقلاب إما عنى أنه تعالى يخلق بدل النحاس ذهبًا على ما هو رأي المحققين، أو بأن يسلب عن أجزاء النحاس الوصفي الذي صار به نحاسًا ويخلقفيه الوصف الذي يصير به ذهبًا على ما هو رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات، والمحال إنما هو انقلابه ذهبًا مع كونه نحاسًا لامتناع كون الشيء في الزمن الواحد نحاسًا وذهبًا، وعلى أحد هذين الاعتبارين توكأ أئمة التفسير في أمر العصا.