فصل: تفسير الآية رقم (108):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (108):

{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)}
{وَنَزَعَ يَدَهُ} أي أخرجها من جيبه لقوله تعالى: {ادخل يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [النمل: 12] أو من تحت أبطه لقوله سبحانه: {واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} [طه: 22] والجمع بينهما ممكن في زمان واحد، وكانت اليد اليمنى كما صرح به في بعض الآثار {فَإِذَا هي بَيْضَاء للناظرين} أي بيضاء بياضًا نورانيًا خارجًا عن العادة يجتمع عليه النظار. فقد روى أنه أضاء له ما بين السماء السماء والأرض، وجاء في رواية أنه أرى فرعون يده، وقال عليه السلام: ما هذه؟ فقال: يدك. ثم أدخلها جيبه وعليه مدرعه صوف ونزعها فإذا هي بيضاء بياضًا نورانيًا غلب شعاعه شعاع الشمس، وقيل: المعنى بيضاء لأجل النظار لا أنها بيضاء في أصل خلقتها لأنه عليه السلام كان آدم شديد الأدمة، فقد أخرج البخاري عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأما موسى فآدم جثيم سبط كأنه من رجال الزط» وعنى عليه الصلاة والسلام بالزنط جنسًا من السودان والهنود، ونص البعض على أن ذلك البياض إنما كان في الكف وإطلاق اليد عليها حقيقة.
وفي القاموس الكيد الكف أو من أطراف الأصابع إلى الكف، وأصلها يدي بدليل جمعها على أيدي ولم ترد اليد عند الإضافة لما تقرر في محله، وجاء في كلامهم يد بالتشديد وهو لغة فيه.

.تفسير الآية رقم (109):

{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)}
{قَالَ الملا مِن قَوْمِ فِرْعَونَ} أي الأشراف منهم وهم أهل مشورته ورؤساء دولته.
{إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} أي مبالغ في علم السحر ماهر فيه.

.تفسير الآية رقم (110):

{يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)}
{يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مّنْ أَرْضِكُمْ} أي من أرض مصر {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} أي تشيرون في أمره كما فسره بذلك ابن عباس، فهو من الأمر عنى المشاورة، يقال: آمرته فآمرني أي شاورته فأشار على، وقيل من الأمر المعهود، و{مَاذَا} في محل نصب على أنه مفعول لتأمرون بحذف الجار، أي بأي شيء تأمرون، وقيل: {مَا} خبر مقدم و{ذَا} اسم موصول مبتدأ مؤخر، أي ما الذي تأمرون به.

.تفسير الآية رقم (111):

{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)}
أي أخر أمرهما وأصدرهما عنك ولا تعجل في أمرهما حتى ترى رأيك فيهما، وقيل: احبسهما، واعترض بأنه لم يثبت منه الحبس.
وأجيب بأن الأمر به لا يوجب وقوعه؛ وقيل عليه أيضًا: إنه لم يكن قادرًا على الحبس بعد أن رأى ما رأى، وقوله: {لاجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} [الشعراء: 29] في الشعراء كان قبل هذا، وأجيب بأن القائلين لعلهم لم يعلموا ذلك منه، وقال أبو منصور: الأمر بالتأخير دل على أنه تقدم منه أمر آخر وهو الهم بقتله، فقالوا: أخره ليتبين حاله للناس، وليس بلازم كما لا يخف؛ وأصل أرجه أرجئه بهمزة ساكنة وهاء مضمونة دون واو ثم حذفت الهمزة وسكنت الهاء لتشبيه المنفصل بالمتصل، وجعل جه وكابل في إسكان وسطه، وبذلك قرأ أبو عمرو. وأبو بكر. ويعقوب على أنه من أرجات، وكذلك قراءة ابن كثير. وهشام. وابن عامر {أرجئهو} بهمزة ساكنة وهاء متصلة بواو الاشباع.
وقرأ نافع في رواية ورش. وإسماعيل. والكسائي {أرجهي} بهاء مكسورة بعدها ياء من أرجيت، وفي رواية قالون {ءانٍ أَرْجِهْ} بحذف الياء للاكتفاء عنها بالكسرة، وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان {أرجئه} بالهمزة وكسر الهاء، وقد ذكر بعضهم أن ضم الهاء وكسرها والهمز وعدمه لغتان مشهورتان، وهل هما ماذتان أو الياء بدل من الهمزة كتوضأت وتوضيت؟ قولان، وطعن في القراءة على رواية ابن ذكوان، فقال الحوفي: إنها ليست بجيدة، وقال الفارسي: إن ضم الهاء مع الهمزة لا يجوز غيره وكسرها غلط لأن الهاء لا تكسر إلا بعد ياء ساكنة أو كسرة، وأجيب كما قال الشهاب عنه بوجهين: أحدهما: أن الهمزة ساكنة والحرف الساكن حاجز غير حصين فكأن الهاء وليت الجيم المكسورة فلذا كسرت، والثاني: أن الهمزة عرضة للتغيير كثيرًا بالحذف وإبدالها ياء إذا سكنت بعد كسرة فكأنها وليست ياء ساكنة فلذا كسرت. وأورد على ذلك أو شامة أن الهمزة تعد حاجزًا وأن الهمزة لو كانت ياء كان المختار الضم نظرًا لأصلها وليس بشيء بعد أن قالوا: إن القراءة متواترة وما ذكر لغة ثابتة عن العرب، هذا واستشكل الجمع بين ما هنا وما في الشعراء فإن فيها {قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشعراء: 34، 35] وهو صريح في أن {إِنَّ هذا لساحر} إلى {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 109، 110] كلام فرعون وما هنا صريح في نسبة قول ذلك للملا والقصة واحدة فكيف يختلف القائل في الموضعين وهل هذا إلا منافاة؟ وأجيب بأنه لا منافاة لاحتمالين. الأول: أن هذا الكلام قاله فرعون والملأ من قومه فهو كوقع الحافر على الحافر فنقل في الشعراء كلامه وهنا كلامهم، والثاني: أن هذا الكلام قاله فرعون ابتداء ثم قاله الملأ إما بطريق الحكاية لأولادهم وغيرهم وإما بطريق التبليغ لسائر الناس فما في الشعراء كلام فرعون ابتداء وما هنا كلام الملا نقلًا عنه.
واختار الزمخشري أن ما هنا هو قول الملأ نقلًا عن فرعون بطريق التبليغ لا غير لأن القوم لما سمعوه خاطبوا فرعون بقولهم: أرجه إلخ، ولو كان ذلك كلام الملأ ابتداء لكان المطابق أن يجيبوهم بارجئوا، ولا سبيل إلى أنه كان نقلًا بطريق الحكاية لأنه حينئذ لم يكن مؤامرة ومشاورة مع القوم فلم يتجه جوابهم أصلًا، فتعين أن يكون بطريق التبليغ فلذا خاطبوه بالجواب. بقي أن يقال هذا الجواب بالتأخير في الشعراء كلام الملأ لفرعون وههنا كلام سائر القوم. لكن لا منافاة لجواز تطابق الجوابين. وقول شيخ الإسلام: إن كون ذلك جواب العامة يأباه أن الخطاب لفرعون وأن المشاورة ليست من وظائفهم ليس بشيء، لأن الأمر العظيم الذي تصيب تبعته أهل البلد يشاور فيه الملك الحازم عوامهم وخواصهم، وقد يجمعهم لذلك ويقول لهم: ماذا ترون فهذا أمر لا يصيبني وحدي ورب رأي حسن عند من لم يظن به على أن في ذلك جمعًا لقلوبهم عليه وعلى الاحتفال بشأنه، وقد شاهدنا أن الحوادث العظام يلتفت فيها إلى العوام، وأمر موسى عليه السلام كان من أعظم الحوادث عند فرعون بعد أن شاهد منه ما شاهد ثك أنهم اختلفوا في قوله تعالى: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110] فقيل: إنه من تتمة كلام الملأ، واستظهره غير واحد لأنه مسوق مع كلامهم من غير فاصل، فالأنسب أن يكون من بقية كلامهم، وقال الفراء. والجبائي: إن كلام الملا قد تم عند قوله سبحانه: {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مّنْ أَرْضِكُمْ} [الأعراف: 110] ثم قال فرعون: فماذا تأمرون قالوا: أرجه، وحينئذ يحتمل كما قال القطب أن يكون كلام الملأ مع فرعون وخطاب الجمع في يخرجكم إما لتفخيم شأنه أو لاعتباره مع خدمه وأعوانه. ويحتمل أن يكون مع قوم فرعون والمشاورة منه. ثم قال: وإنما التزموا هذا التعسف ليكون مطابقًا لما في الشعراء في أن قوله: {مَاذَا تَأْمُرُونَ} من كلام فرعون وقوله: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} كلام الملأ. لكن ما ارتفعت المخالفة بالمرة لأن قوله: {إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم} [الأعراف: 109، 110] كلام فرعون للملأ. وفي هذه السورة على ما وجهوه كلام الملأ لفرعون، ولعلهم يحملونه على أنه قال لهم مرة وقالوه له أخرى انتهى. ويمكن أن يقال: إن الملأ لما رأوا من موسى عليه السلام ما رأوا قال بعضهم لبعض: إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تشيرون وما تستحسنون في أمره؟ ولما رآهم فرعون أنهم مهتمون من ذلك قال لهم تنشيطًا لهم وتصويبًا لما هم عليه قبل أن يجيب بعضهم بعضًا بما عنده مثل ماقالوه فيما بينهم فالتفتوا إليه وقالوا: أرجه وأخاه، فحكى سبحانه هنا مشاورة بعضهم لبعض وعرض ما عندهم على فرعون أول وهلة قبل ذكره فيما بينهم، وحكى في«الشعراء» كلامه لهم ومشاورته إياهم التي هي طبق مشاورة بعضهم بعضًا المحكية هنا وجوابهم له بعد تلك المشاورة، وعلى هذا لا يدخل العوام في الشورى، ويكون هاهنا أبلغ في ذم الملأ فليتدبر والله تعالى أعلم بأسرار كلامه {وَأَرْسِلْ فِي المدائن} أي البلاد جمع مدينة، وهي من مدن بالمكان كنصر إذا أقام به، ولكون الياء زائدة كما قال غير واحد تقلب همزة في الجمع، وأريد بها مطلق المدائن، وقيل: مدائن صعيد مصر {حاشرين} أي رجالًا يجمعون السحرة، وفسره بعضهم بالشرط وهم أعوان الولاة لأنهم يجعلون لهم علامة، ويقال للواحد شرطي بسكون الراء نسبة للشرطة، وحكى في القاموس فتحها أيضًا، وفي الأساس أنه خطأ لأنه نسبة إلى الشرط الذي هو جمع، ونصب الوصف على أنه صفة لمحذوف ومفعوله محذوف أيضًا كما أشير إليه، وقد نص على ذلك الأجهوري.

.تفسير الآية رقم (112):

{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)}
{يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ} أي ماهر في السحر والفعل مجزوم في جواب الطلب.
وقرأ حمزة. والكسائي {سَحَّارٍ} وجاء فيه الامالة وعدمها وهو صيغة مبالغة؛ وفسره بعضهم بأنه الذي يديم السحر والساحر من أن يكون قد سحر في وقت دون وقت، وقيل: الساحر: هو المبتدئ في صناعة السحر والسحار هو المنتهى الذي يتعلن منه ذلك.

.تفسير الآية رقم (113):

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113)}
{وَجَاء السحرة فِرْعَوْنَ} بعدما أرسل إليهم الحاشرين وإنما لم يصرح به للإيذان سارعة فرعون بالإرسال ومبادرة الحاشرين والسحرة إلى الامتثال.
واختلف في عدتهم. فعن كعب أنهم إثنا عشر ألفًا، وعن ابن إسحق خمسة عشر ألفًا، وعن أبي ثمامة سبعة عشر ألفًا، وفي رواية تسعة عشر ألفًا؛ وعن السدي بضعة وثلاثون ألفًا، وعن أبي بزة أنهم سبعون ألفًا، وعن محمد بن كعب ثمانون ألفًا. وأخرج أبو الشيخ عن ابن جرير قال: السحرة ثلثمائة من قومه وثلمائة من العريش ويشكون في ثلثمائة من الاسكندرية.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كانوا سبعين ساحرًا وقد أخذوا السحر من رجلين مجوسيين من أهل نينوى مدينة يونس عليه السلام، وروى نحو ذلك عن الكلبي، والظاهر عدم صحته لأن المجوسية ظهرت زمن زرادشت على المشهور، وهو إنما جاء بعد موسى عليه السلام، واسم رئيسهم كما قال مقاتل: شمعون وقال ابن جريج: هو يوحنا، وقال ابن الجوزي نقلًا عن علماء السير: أن رؤساءهم سابور وعازور وحطحط ومصفى {قَالُواْ} استئناف بياني ولذا لم يعطف كأنه قيل: فماذا قالوا له عند مجيئهم إياه؟ فقيل: قالوا إلخ، وهذا أولى مما قيل إنه حال من فاعل جاءوا أي جاءوا قائلين {إِنَّ لَنَا لاجْرًا} أي عوضًا وجزاء عظيمًا.
{إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} والمقصود من الإخبار إيجاب الأجر واشتراطه كأنهم قالوا: بشرط أن تجعل لنا أجرًا إن غلبنا، ويحتمل أن يكون الكلام على حذف أداة الاستفهام وهو مطرد، ويؤيد ذلك أنه قرأ ابن عامر وغيره {أئن} بإثبات الهمزة وتوافق القراءتين أولى من تخالفهما؛ ومن هنا رجح الواحدي هذا الاحتمال، وذكر الشرط لمجرد تعيين مناط ثبوت الأجر لا لترددهم في الغلبة، وقيل: له، وتوسيط الضمير وتحلية الخبر باللام للقصر، أي كنا نحن الغالبين لاموسى عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (114):

{قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)}
{قَالَ نَعَمْ} إن لكم لأجرًا.
{وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} عطف على مقدر هو عين الكلام السابق الدال عليه حرف الإيجاب، ويسمى مثل هذا عطف التلقين، ومن قال إنه معطوف على السابق أراد ما ذكرنا، والمعنى إن لكن لأجرًا وإنكم مع ذلك لمن المقربين، أي إني لا أقتصر لكم على العطاء وحده وأن لكم معه ما هو أعظم منه وهو التقريب والتعظيم لأن من أعطى شيئًا إنما يتهنأ به ويغتبط إذا نال معه الكرامة والرفعة، وفي ذلك من المبالغة في الترغيب والتحريض ما لا يخفى، وروى عن الكلبي أنه قال لهم: تكونون أول من يدخل مجلسي وآخر من يخرج عنه.